اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن محمد السعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
تأمل في هذه الفتن التي تسفك فيها الدماء بشكل مروّع، وبوسائل مختلفة، قد لا يكون لذلك سابقة في التاريخ، ولا يدري فيها القاتل فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل؟ لم يكن له من بدّ من أن...
الخطبة الأولى:
إن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن لها علامات تسبقها، مؤذنة بقرب قيامها ومجيئها، ومنها كثرة القتل؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعةُ حتى يَكْثُرَ الهَرْجُ" قالوا: وما اَلهرجُ يا رسولَ الله؟ قال: "القَتلُ، القَتلُ".
واليوم تحمل لكم الأخبار ووسائل الإعلام من كثرة القتل، وألوانه البشعة، ما يشيب له الولدان، بل إن عامة الأخبار في القتل ومقدماته وآثاره -نسأل الله العافية والسلامة، ونعوذ به من الفتن ما ظهر منها وما بطن-؛ وذلك يستوجب منها الحذر من سفك الدم الحرام، أو الإعانة على ذلك ولو بكلمة عابرة أو إشارة، أو ممارسة أسبابه، كما أن هذه العلامة تذكرنا بمردنا إلى الله، وإدبار الدنيا وإقبال الآخرة، وما يتبع ذلك من أهوال يوم القيامة، ثم البعث والنشور، والجزاء والحساب، ثم الجنة والنار؛ لنأخذ أهبتنا، ونستعد لما أمامنا، بالأعمال الصالحات؛ فقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال فِتنا كَقِطَع الليْلِ المظلم".
فمن رزقه الله البصيرة، وتأمل في هذه الفتن التي تسفك فيها الدماء بشكل مروّع، وبوسائل مختلفة، قد لا يكون لذلك سابقة في التاريخ، ولا يدري فيها القاتل فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل؟ لم يكن له من بدّ من أن يجثو على ركبتيه، إيمانا بربه، وتصديقا لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يزداد حذرا مما يفضي به إلى ذلك.
وكثير من هذا القتل يحمل عليه عرض من الدنيا، ويعزّزه الشح، ويأخذ بزمامه ضعف الديانة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فِتنا كَقِطَع الليْلِ المظلم، يُصبحُ الرجلُ مؤمِنا ويُمْسِي كافِرا، ويُمسِي مُؤمِنا ويُصبْحُ كافِرا، يَبيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ من الدُّنْيا"، وقال: "واتقوا الشُّحّ، فإن الشحّ أهلك من كان قبلِكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم" [أخرجه مسلم].
والمؤمن الذي يخاف مقام ربه، ويرجو النجاة في الآخرة، يعتبر بما يجري ويصبر، ويعلم أن وعد الله حق، ويزن ذلك بميزان الشرع؛ حتى لا يعين ظالما، ولا يستحسنَ باطلا، ولا يكونَ سببا في سفك دم حرام، فيسودّ قلبه بالمعصية، وتذهب حلاوة الإيمان منه، وتمتلئ صحائفه بالسيئات، فيكون من الخاسرين، واستمعوا إلى فقه صحابي من العشرة المبشرين بالجنة؛ لعله يكون سببا في الفتح علينا؛ لنعظم الدماء، وندرك خطورتها، ولا نجني على أنفسنا، فقد قيل لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: "ما يمنعك من القتال؟ قال: لا، حتى يعطوني سيفا يعرف المؤمن من الكافر" [رواه ابن أبي شيبة].
ألا فاعتبروا -عباد الله- واصدقوا مع الله، واعلموا أن ما أخبر الله بوقوعه كائن لا محالة، ولكن الشأن في أنفسنا فنحن مأمورون ومنهيون؛ فيجب علينا أن نقف مع الكتاب والسنة، لا نتجاوزهما إلى غيرهما، وقد حرّم الله الدماء إلا بحقها، فمن قتل أو أسهم في قتلٍ، ليس عليه من الله برهان، فقد باء بالخسران، ولو كان ذلك القتل لنفسه، وزعم أنه ينصر به الدين، أو يخرج به من ضيق الدنيا، وضغط الحياة؛ فإنه قاتل نفسه، عاص لله، معتد على حدوده، متوعد بغضب الله ولعنته وناره.