الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | صالح بن مقبل العصيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة |
إنّ كلَّ عمَلٍ تخرِيبيٍّ يستهدِفُ الآمِنين ومَعصومِي الدّماء والنّفوس المحرّمة محرَّم بالإجماع، مخالفٌ لأحكامِ شرعِ الله، فكيفَ إذا كانَ القتلُ والتخريبُ والإفساد والتدمير في بلدِ التوحيد، بلدٍ يُعلِي كلمةَ الله، وترتفِع فيه راية الدِّين والدّعوة، وحُكمُ الشّرع؟!.. فكَم من نفس معصومةٍ أُزهِقت؟! وكَم مِن أموالٍ وممتَلكات محتَرمَة أُتلِفت؟! وكَم من نفسٍ آمنةٍ رُوِّعت؟! مفاسدُ عظيمة، وشرور كثيرة، وإفسادٌ في الأرض، وترويعٌ للآمنين، ونقضٌ للعهود، وتجاوزٌ على إمامِ المسلمين. جرائمُ نَكراء، في طيِّها منكرات. فئةٌ ضالّة وشِرذِمة ظالمة، جمَعوا بين منكرات عظيمة، وأقدَموا على جَرائم شنيعة، واقتحَموا آثامًا كبيرة...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّها المُؤْمِنُونَ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَيْنَا بِكَثْيٍر مِنْ النِّعَمِ، وَعَلَى رَأْسِهَا نِعْمَةُ الإِسْلَامِ، وَمِنْهَا نِعْمَةُ الأَمْنِ؛ فَالناس - ولله الحمد- آمنون مطمئنون؛ فالإنسان في هذا البلد يعيش مستقرَ النفس، هادئَ البالِ، يبيتُ معَ أَهلِهِ فِي مَنْزِلهِ قريرَ العينِ، ويخرجُ منْ منزلهِ مطمئنَ البالِ، ورُبمَّا سافرَ وتركَ عيالَهُ؛ لا يشغلهُ شاغلٌ؛ فالناسُ في أمنٍ وأمانْ، وللهِ الحمدُ إِلاَّ أنَّ هُناكَ أعداءً من الداخلِ والخارجِ؛ قد تربصوا بنا، وأعدوا العُّدةَ؛ ليحرِمُونَا من هذهِ النعمةِ، الَّتي وهبنَا اللهُ إِيَّاهَا.
فالأمن لا يعدله شيء، وهو نعم عظيمة، قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش: 3- 4]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" (رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألبانيُّ).
إِنَّ قُوَى الشَّرِّ وَالضَّلَالِ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، بِلَا كَلَلٍ وَلَا مَلَلٍ، لَا يَتَوَرَّعُونَ بِبَطْشِهِمْ؛ يَبْطِشُونُ غَيْرَ مُتَحَرِّجِينَ، وَيَضْرِبُونَ غَيْرَ مُتَوَرِّعِينَ، يَقْتُلُونَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُسَالِمِينَ وَمُـحَارِبِينَ، مُصَلِّينَ أَوْ تَارِكِينَ، يَسْعَوْنَ لِـهَزِّ الْأَمْنِ، وَزَعْزَعَةِ الصَّفِّ؛ عَامَلَهُمُ اللهُ بِـمَا يَسْتَحِقُّونَ، لَقَدْ تَكَاثَرَ -وَرَبِّي- سَعْيُ الْمُفْسِدِينَ غَيرِ الْمُصْلِحِينَ لِلْإِخْلَالِ بِالْأَمْنِ؛ فَقَلَّتْ عِنْدَهُمْ هَيْبَةُ الدَّمِ الْمَعْصُومِ وحرمته؛ حتى أَصْبَحُوا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ.
قتلٌ وَتَفجيرٌ وتدميرٌ ومذبحةٌ | يُضْحِي الفُؤَادُ حَزِينًا يَشْهدُ اللهُ |
يَنْدَى لَهُ القلبُ أيًّا كانَ مذهَبُهُ | ولا يُسرُّ بهِ مَنْ زَادَ تَقْوَاهُ |
بِأَيِّ شَيْءٍ أَبَـحْتُمْ دَمَّ إِخْوَتِكُمْ؟! | وَيْلَاهُ مِنْ جُرْأَةِ الأَغْرَارِ وَيْلَاهُ |
عباد الله، لقد فُجِعَ الناس بالأمس بخبر حادثٍ إجراميٍ أثيم؛ نفَّذهُ أفرادٌ منْ الفئةِ الضَّالةِ؛ حيث أَقْدمُوا على تفجيرِ قواتِ الطَّوارِئ الخاصةِ في منطقةِ عسيرْ؛ فقتلوا العشراتِ، من رجال الأمن -رحمهم الله رحمة واسعة- وجبر مصابنا ومصاب أهليهم، وجرحوا مثلهُم، عجل الله بشفائهم؛ شفاءً لا يغادر سقمًا.
عباد الله: لا شَكَّ أنَّ هذا الحادثَ الآثمَ الأليم؛ يوضحُ لنَا حجمَ الأضرارِ والدمارِ الذي يُحْدِثُهُ هؤلاءِ المفسدون في المجتمعاتِ الآمنةِ. لَقَدْ وَصَلَتْ بِهِمُ الدَّنَاءَةُ وَالحَقَارَةُ، وَقِلَّةُ الدِّيَانَةِ إِلَى حَدِّ التَّدْمِيْرِ والتخريب، فَأَيُّ قَسْوَةٍ تَحْمِلُهَا تِلْكَ القُلُوبُ الَّتِي هِيَ -وَرَبِّي-كَزُبَرِ الحَدِيْدِ؟! دَمَّرُوا مجتمعاتهم وشوهوا صُورَةَ دِينِهِمْ، وَأَسَاؤُوا لِبِلَادِنَا؛ يُرِيدُونَ أَنْ يُـحَوِّلُوا أَمْنَنَا خَوْفًا، وَتَـجَـمُّعَنَا تَفُرُّقًا؛ وَلَكِنَّ اللهَ لَـهُمْ بِالْمَرْصَادِ.
يَا طُغْمَةً فَجَّرُوا في الدَّارِ وانتَهَجُوا | نَـهْجَ الـمُكفِّرِ هَذَا الفعلُ مَنْحَاهُ |
عِبَادَ اللهِ، بِأَيِّ حَقٍّ تُبَاحُ دِمَاءُ رِجَالِ الأَمْنِ؟! وَبِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ هَذِهِ الأَنْفُسُ الطَّاهِرَةُ الذكية؟! وَمَا مُبَرِّرُ قَتْلِهَا؟! وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ) [الأنعام: 151]؛ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَادِثَ الْإِجْرَامِيَّ، مِنْ مَكْرِ الْأَعْدَاءِ المُتَرَبِّصِينَ، الَّذِين يُذْكُونَ نِيرَانَ الْفِتْنَةِ، وَيَنْفُخُونَ فِيهَا؛ لِرَفْعِ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ مِنْ بِلَادِنَا، وَإِحْلَالِ الْخَوْفِ وَالْفَوْضَى فِيهَا؛ لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِمْ؛ وَلَكِنَّ الْمُنْتَقِمَ الْجَبَّارَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، ثُمَّ يَقَظَةُ رِجَالِ الأَمِنِ الشُّجْعَانِ، وَالْمُواطِنِينَ الصَّالِحِينَ الْأَخْيَارِ، الَّذينَ لَا يَرْضَونَ بِخَرْقِ صَفِّنَا، وَزَعْزَعَةِ أَمْنِنَا.
فَعَلَى أَبْنَاءِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الشَّائِعَاتِ الْكَاذِبَةِ، وَالْأَرَاجِيفِ الْمُغْرِضَةِ، وَالْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ، وَالْفَتَاوَى الْمُسْتَوْرَدَةِ، وَالْمَنَاهِجِ الْوَافِدَةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَنْهَجِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَلْيَحْذَرُوا مِنْ هَذِهِ الْأَفْكَارِ، الَّتِي تُبَثُّ عَبْرَ بَعْضِ الْفَضَائِيَّاتِ، وَالْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ، وَالشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ؛ وَتَسْعَى لِبَثِّ الْفُرْقَةِ، وَنَشْرِ الْخَوْفِ وَالْهَلَعِ، وَتَقْدَحُ فِي الْوُلَاةِ وَالْعُلَمَاءِ؛ وَهُمْ - وَرَبِّي - مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ فَيُدْعَى لَهُمْ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَلَا يُدْعَى عَلَيْهِمْ، وَلَا يُؤَلَّبُ ضِدَّهُمْ، وَلِيُعَانُوا عَلَى مَهَامِّهِمْ الْكَبِيرَةِ؛ فَيُعَانُ الْوُلَاةُ عَلَى تَنْفِيذِ الشَّرِيعَةِ، وَرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَسِيَاسَةِ النَّاسِ، وَلَا يُهَانُونَ، لَا هُمْ، وَلَا الْعُلَمَاءُ؛ حَتَّى لَا يَنْقُصَ قَدْرُهُمْ عِنْدَ النَّاسِ، وَتُهَانَ أَعْرَاضُهُمْ، فِإِنَّ وَاقِعَنَا الْيَوْمَ تَتَلَاطَمُ فِيهِ ظُلُمَاتُ الْفِتَنِ كَتَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ! فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ كَبِيرٍ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ الْمُحْدِقِ الْمُخِيفِ.
عباد الله، كيف ستكون الخسارة ، وكيف ستصير الفتنة لو تمكن أولئك الأشرار من تنفيذ جميع مخططاتهم؛ هل تتصورون حجم الدمار، والفساد والإفساد الذي سيخلفوه؟
عبادَ اللهِ، لقدْ حملَ لنَا ذلكَ الحادثُ أموراً عدة من معتقداتِ وأعمالِ تلكَ الفئةِ الضَّالةِ، وما ارتكبوه من جرمٍ عظيمٍ -حفظنَا اللهُ منْ كلِّ شَرٍّ- ومنْ ذلكَ مَا يَلي:
الأولُ: إن لهذا البلد أعداءً في الداخل والخارج، يجب الحذر منهم، ولقد جندوا أعدادًا من الشباب، استطاعوا العبث بعقولهم، وتوظيفها لمصلحة معتقداتهم، ونشر أفكارهم؛ أيصدق عاقل أن هؤلاء الخوارج يفعلون هذه الجرائم؛ من استباحة قتل المسلمين؛ من أجل أن تكون العزة لله كما يزعمون ويدعون؟ (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا) [الكهف: 4]، فما فعلوه ليس فيه إلا تشويه لدين الله، وهو لمصلحة أعداء الله.
الثاني: فما وقع من اعتداء أليم على طوارئ القوات الخاصة بمنطقة عسير ما هو إلا ضرب من ضروب الفساد في الأرض، وقتل للأنفس المعصومة، فتنة –وربي- عمياء؛ ركبت أصحابها؛ فصيرتهم بهذه الشبهات إلى هذا المصير المظلم. إن ما قام به هؤلاء من استباحةِ الدمِ المعصومِ، خروج على ولي الأمر ، وهو من أفعال الخوارج الذين قال عنهم رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (أخرجه الشيخان).
فإنّ كلَّ عمَلٍ تخرِيبيٍّ يستهدِفُ الآمِنين ومَعصومِي الدّماء والنّفوس المحرّمة محرَّم بالإجماع، مخالفٌ لأحكامِ شرعِ الله، فكيفَ إذا كانَ القتلُ والتخريبُ والإفساد والتدمير في بلدِ التوحيد، بلدٍ يُعلِي كلمةَ الله، وترتفِع فيه راية الدِّين والدّعوة، وحُكمُ الشّرع؟! ومهبطِ الوحيِ ومبعَث الرِّسالة، وفيه أقدسِ المقدّسات، فبلادنا هي دارِ الإسلام، ودارِ الإيمان التي يأرِز إليها الإسلام والإيمان؟! إنّ ذلك كلّه يزيدُ الحرمَة حرمةً والإلحادَ إلحادًا، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
فكَم من نفس معصومةٍ أُزهِقت؟! وكَم مِن أموالٍ وممتَلكات محتَرمَة أُتلِفت؟! وكَم من نفسٍ آمنةٍ رُوِّعت؟! مفاسدُ عظيمة، وشرور كثيرة، وإفسادٌ في الأرض، وترويعٌ للآمنين، ونقضٌ للعهود، وتجاوزٌ على إمامِ المسلمين. جرائمُ نَكراء، في طيِّها منكرات.
فئةٌ ضالّة وشِرذِمة ظالمة، جمَعوا بين منكرات عظيمة، وأقدَموا على جَرائم شنيعة، واقتحَموا آثامًا كبيرة. وأزهَقوا الأنفسَ المعصومةَ، لقد أتلفوا أموالَ المسلمين وممتلكاتهم، وروَّعوا الآمنين، وقد حذّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك أشدَّ التحذير؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" (رواه أبو داود وغيره؛ بسند صحيح).
وحَملوا السلاحَ على مسلمين وقتلوهم. جرائمُ لا يُقدِم عليها إلاّ مَن طُمِسَت بصيرتُه، وزُيِّن له سوءُ عمله فرآه حسنًا، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103- 104]، وقال سبحانه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر: 8].
وبعد: أيّها المسلمون، فإنّ المسؤولية عُظمَى، والجميعُ في سفينةٍ واحدةٍ، ومن خرَقَها أغرقَ الجميعَ. إنّ التهاونَ والتساهُل مع أصحاب هذه الأفكار؛ يؤدّي إلى انفلاتٍ وفوضَى، وإنّ الإحساسَ الجادَّ بالمسؤولية، يحمِل كلَّ عاقلٍ وكلَّ مخلِص على نبذهذه الأعمالِ، وعدَم قَبول أيِّ مُسوِّغٍ لها، ولزوم فضح وكشف أهلها وآثارها ونتائجها، وليحذر المسلمُ أن يصدُر منه شيءٌ يُثير الفتنة، أو يسوّغ لهؤلاء وأمثالهم ضلالهم، وجهلَهم، وإجرامَهم.
عباد الله، إن هذه الجريمة النكراء من قتل رجال الأمن لا يقدم عليها إلا من طمست بصيرته، واستحوذ عليه الشيطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أمَّا بَعْدُ.. فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عباد الله، لقد أجمعت الأمة على فساد معتقد هؤلاء الخارج، أعداء الدين والملة، ولقد استنكر فعلهم المجتمع بأسره: علماؤه وعوامه، صغاره وكباره، شيبه وشبابه، ذكوره وإناثه؛ بل لعل في هذه الجريمة النكراء؛ صحوة للضمائر الميتة، وإفاقة لقلوب وعقول غلبتها الشبهة.
عباد الله، لقد حذر العقلاء منذ بدأت هذه الفتنة - منذ أكثر من عشرين عامًا- من أن يصل أصحاب هذا الفكر إلى ما وصلوا إليه اليوم. وهذا يدل على بعد، وعمق ، وسلامة معتقد وولاة هذه البلاد المباركة، وعلمائها، وأهلها، ورجال أمنها؛ وفقهم الله لكل خير!
عباد الله، إنه مما يجب علينا للسلامة من تلك الأخطار والنجاة من الأشرار ما يلي :
1- الاعتصام بكتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والاجتهاد بالعلم الصالح؛ للنجاة من تلك المعتقدات الخبيثة، والنجاة من الفتن.
2- طاعة ولي الأمر ولزوم الجماعة، يقول عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم -فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا "أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" (أخرجه الشيخان).
3- الحذر من إلصاق مثل هذه الأعمال الخبيثة بأهل الخير والصلاح أو المؤسسات الخيرية، كما يفعل أعداء هذا الدين؛ فإنهم يجعلون مثل هذه الأعمال ذريعة للنيل من الإسلام وأهله، بدون دليل ولا برهان.
4- التعاون على البر والتقوى وما فيه مصلحة البلاد والعباد ، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
5- الإبلاغ عن أصحاب المخططات الإجرامية، وعدم التهاون في هذا؛ فإنك بهذا الإبلاغ تنقذ المعتدِي قبل المعتدَى عليه، تحميه من أن يقتل نفسه، ويقتل غيره، وتحمي البلاد والعباد من شره.
6- لابدّ من الوقفةِ الصارمة من أجلِ وضعِ الأشياء في مواضعِها والأسماء في مسمَّياتها، فالإسلامُ إسلام، والإجرام إجرامٌ، والإصلاح غيرُ الفَساد، وما فعلوه إفساد، وأي إفساد؟!
7- علينا أن نعلم أن رجال الأمن في بلادنا -وفقهم الله- جُنودٌ بواسِل، على خيرٍ عظيم، وهم في ثغرٍ من ثغور الإسلام، يعلَمون مقامَهم، وشرفَ مكانهم، وصلاحَ عمَلهم، ونُبلَ مقصَدهم، وهم يؤدّون مهمَّاتهم في إخلاصٍ، وتفانٍ، وإتقانٍ، وكفاءةٍ، فهم على الحقّ والهدَى -بإذن الله- بأعمالهم، وشجاعتِهم، ويقظَتهم؛ تبقى هذه البلادُ عزيزة، محفوظة بحفظ الله لها، رافعةً لمنار الدين، حاميةً لمقدّساتِ المسلمين؛ محافظةً على حُرُماتهم بإذن الله، فهم بعون الله صمّام الأمان في حمايةِ دار الإسلام.
8- إنّ مسؤوليةَ مواجهة هذه الفئةِ الضالةِ؛ هي مسؤولية الجميع، كلٌّ حسبَ موقعه، فالإحساسُ بالخطر على الدّين، والأهل، والدّيار، والخوف من: الفوضى، والفتن، والاضطرابات؛ هو الأمر الذي يجب أن يستشعرَه الجميع؛ ليهنأ كلُّ مواطن ومقيم في بلادنا على: دينه، وأمنه، ومالِه، وأهله؛ ولتهنأ الدولةُ حفظها الله برجالها الفُضلاء، وجنودِها الشّجعان المخلصين، ولتطمئنّ الأمّةُ بإذن الله إلى وعيِ ولاةِ أمرنا، ويقظَتهم في مواقفَ لا يُقبَل فيها إلاّ القوّة والحزم.
9- وأقول لمن سوّلت له نفسُه القيامَ بهذه الأفعالِ الإجراميّة المحرّمة، أو زلّت قدمُه؛ فوقعَ في شيء من هذه الأعمالِ، أو وقع في رَوعِه لوثةٌ من هذا الفِكر، أو تعاطُف معَهم: عليهم جميعًا أن يتّقوا الله في أنفسهم، وإخوانهم المسلمين، وليبادروا بالتوبةِ إلى الله -عزّ وجلّ-، وليراقبوا أنفسَهم، ويتأمَّلوا نصوصَ كتابِ الله وسنة نبيّه محمّد -صلى الله عليه وسلم- وكلام المحقِّقين من أهل العِلم الثقاتِ الأثبات، وأن يرجعوا إلى جادّة الصوابِ والحقّ، ويكونوا صفًّا مع ولاتهم وعلمائهم وأهل بلادهم؛ ضدَّ أعدائهم المتربِّصين بهم، وأن لا يكونوا معولَ هدمٍ لكيانِ الأمة، فقد علموا من سُنن الله في الأوّلين والآخرين أنّ مثلَ هذه التصرُّفاتِ الطائِشةَ الرّعناء؛ لا يستفيد منها إلاّ العدوّ المتربّص، واللهِ لا يستفيد منها إلا العدوّ المتربّص، ولم يجنِ منها الإسلام والمسلمون خيرًا، لا في الماضي ولا في الحاضر، والويلُ ثمّ الويل؛ لمن يبوء بإثم هذه الأفعال الشنيعةِ، والأعمال المحرّمة.
نسأل الله سبحانه أن يتغمد من قتل من رجال الأمن بواسع رحمته، وأن يتقبلهم عنده في الشهداء، وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.