البحث

عبارات مقترحة:

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

فاصفح الصفح الجميل

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. رسالة الإسلام تحث على مكارم الأخلاق .
  2. مبالغة بعض المسلمين في التقاطع والتدابر .
  3. فضل العفو عن الآخرين .
  4. ثمرات العفو في معاملة الآخرين .
  5. أكبر عوائق العفو. .

اقتباس

لقد جُبِلَ بَعْضُ من النَّاسِ عَلَى مَحَبَّةِ ذَوَاتِهِم وَالانتِصَارِ لأَنفُسِهِم، وَمِن ثَمَّ فلا بُدَّ أَن تَنشَأَ خِلافَاتٌ بَينَهُم، في كُلِّ ميادِينِ الحياةِ، في طُرُقَاتِهم وأَسْوَاقِهِمْ وَأَمَاكِنِ عَمَلِهم حتى في اجتِماعَاتِهمُ العائِلِيَّةِ، بل في كَثِيرٍ مِن الأَحيانِ مَعَ الأسَفِ في أماكِنِ عباداتِهم وَمَنَاسِكِهِم، والمُشكِلَةُ أنَّ الخِلافَاتِ تتطور فتكون لِجَاجًا وَخِصَامًا، ويَحصُلُ تَبَاعُدٌ وَتَنَافُرٌ ليسَ لَهُ دَاعٍ! تَتَعَقَّدُ بِسَبَبِهِ الحَيَاةُ وَيَفسُدُ العَيشُ وتشحن القلوب، فيُصبِحُ المُسلِمُ لا يُطِيقُ رُؤيَةَ أَخِيهِ، إِذَا لَمَحَهُ في طَرِيقٍ سَلَكَ غَيرَهُ، وَإِن جَمَعَهُ مَجلِسٌ خَرَجَ منه مُسرِعًا...

الخطبة الأولى:

الحَمدُ للهِ يَتوبُ على مَنْ استغفَرَ وَتَابَ، ويَغفِرُ لِمن صَدَقَ وَأَنَابَ، نَعُوذُ بِاللهِ والخِصَامِ والفُجُورِ.

نَشهدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أَمَرَناَ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، ونَشهدُ أنَّ سَيِّدَنا ونَبِيَّنا مُحمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أدَّبَهُ رَبُّهُ وزَكَّاهُ وَجَعَلَ القُرانَ خُلُقَهُ وهُداهُ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّم وبَارِك عليهِ وعلى آلهِ الطَّاهِرينِ وصحابَتِهِ الغُرِّ المَيَامِينَ وَمَن تَبِعهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ، واعلموا أنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيا مَتَاعٌ وكَبَدٌ، وأنَّ الآخِرَة هي دَارُ القَرارِ والأَبَدِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100].

عبادَ اللهِ: الاختلاطُ بالنَّاسِ يكشِفُ مَعَادِنَ أخلاقِنا وحُسنَ وقُبحَ سُلُوكِنا وما بُعثَ الرِّسولُ -صلى الله عليه وسلم- إلاَّ ليُتَمِّمَ مكارم أخلاقنا، ويُبعِدَنا عن سِفْسَافِها وأَرَاذِلِها.

ولقد أصَّلَ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في أُمَّتِهِ أنَّ مِن سِماتِ المُؤمنِ أنْ يَكُونَ هيِّنَاً ليِّناً لا غِلَّ فِيهِ، ولا بَغيَ ولا حَسَدَ، يُؤثِرُ حَقَّ الآخَرينَ على حَقِّهِ، ويعلم أن الحَيَاةَ أرخَصُ من أنْ تُملأ بالعَدَاواتِ والبَغضَاءِ، والأحقاد والإحن؛ فيعيشُ المُسلِمُ سَلِيمَ القَلبِ، مُرتاحَ البالِ، قَوِيَّ العزيمة والإيمان، مطيعا لربه، مُجانِباً لِهواهُ وشيطانِهِ.

إخْوانِي: لقد جُبِلَ بَعْضُ من النَّاسِ عَلَى مَحَبَّةِ ذَوَاتِهِم وَالانتِصَارِ لأَنفُسِهِم، وَمِن ثَمَّ فلا بُدَّ أَن تَنشَأَ خِلافَاتٌ بَينَهُم، في كُلِّ ميادِينِ الحياةِ، في طُرُقَاتِهم وأَسْوَاقِهِمْ وَأَمَاكِنِ عَمَلِهم حتى في اجتِماعَاتِهمُ العائِلِيَّةِ، بل في كَثِيرٍ مِن الأَحيانِ مَعَ الأسَفِ في أماكِنِ عباداتِهم وَمَنَاسِكِهِم، والمُشكِلَةُ أنَّ الخِلافَاتِ تتطور فتكون لِجَاجًا وَخِصَامًا، ويَحصُلُ تَبَاعُدٌ وَتَنَافُرٌ ليسَ لَهُ دَاعٍ!

تَتَعَقَّدُ بِسَبَبِهِ الحَيَاةُ وَيَفسُدُ العَيشُ وتشحن القلوب، فيُصبِحُ المُسلِمُ لا يُطِيقُ رُؤيَةَ أَخِيهِ، إِذَا لَمَحَهُ في طَرِيقٍ سَلَكَ غَيرَهُ، وَإِن جَمَعَهُ مَجلِسٌ خَرَجَ منه مُسرِعًا، بَل قَد يَكُونَانِ مِن جماعَةِ مَسجِدٍ وَاحِدٍ وَحَيٍّ وَاحِدٍ ويَتَهَاجَرانِ، وتذهب الأيام، وَالأَعمَالُ لا تُرفَعُ، فاللهمَّ لا تَجْعَلْ فِي قلوبنا غلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.

عباد الله: واللهِ إنَّهُ لا أَسرَعَ في إِطفَاءِ نَارِ الخِلافَاتِ، وَلا أَنجَعَ في تَخفِيفِ العَدَاوَاتِ، مِن إِلقَاءِ بَردِ العَفوِ عَلَيهَا وَمُعَاجَلَتِهَا بِغَيثِ الصَّفحِ والتَّسَامُحِ؛ لِتَتَطَهَّرَ القُلُوبُ مِن دَنَسِهَا، وتَرجِعُ لِلصَّفِّ وِحدَتُهُ، ويكونُ الاجتِماعُ، وتَعِيشُ الأُمَّةُ في اطمِئنَانٍ وَتَآلُفٍ، فَتَتَفَرَّغُ لِمَا فِيهِ صَلاحُهَا وَفَلاحُهَا، وَتَتَعَاوَنُ عَلَى مَا بِهِ فَوزُهَا وَنَجَاحُهَا.

عِباَدَ اللهِ: لَقَد جَاءَ الإِسلامُ العظيمُ بِحسنِ المُعَامَلَةِ وَعدَمِ مُقَابَلَةِ الإِسَاءَةِ بِالإِسَاءَةِ، وَحَثِّهِ على الدَّفعِ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ، وَتَرغِيبِهِ في الصَّفحِ عَنِ الأَذَى وَالعَفوِ عَنِ الإِسَاءَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالى : (وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34]. وَقَالَ سُبحَانَهُ: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمِينَ) [الشورى: 40].

وَبِالعَفوِ وَالصَّفحِ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (خُذِ العَفوَ وَأْمُرْ بِالعُرفِ وَأَعرِضْ عَن ِالجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]. وَبِالعَفوِ وَالصَّفحِ أَمَرَ اللهُ المُؤمِنِينَ، وَجَعَلَ نَتِيجَتَهُ مَغفِرَةُ ذُنُوبِهُم وَرَحمَتُهُ إِيَّاهُم، فَقَالَ تَعَالى: (وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22].

وَقَالَ اللهُ تَعَالى مُبَشِّرَاً بِجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ: (وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ) [آل عمران: 134].

 وَكَانَ العَفوُ خُلُقَ نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم- فَلَم يَكُنْ لِيَنتَقِمَ لِنَفسِهِ، بَل كَانَ يَعفُو وَيَصفَحُ، وَيَفعَلُ الخَيرَ وَيُحسِنُ إِلى مَن أَسَاءَ إِلَيهِ، قَالَت أُمُّنَا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا-: "وَمَا نِيلَ مِنهُ شَيءٌ قَطُّ فَيَنتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ إِلاَّ أَن يُنتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ تَعَالى فَيَنتَقِمُ للهِ تَعَالى" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وَرَحِمَ اللهُ الإمَامَ الشَّافِعِيَّ حِينَ قَالَ:

لَمَّا عَفوتُ وَلَمْ أحقِد على أَحَدٍ

أَرَحتُ نَفْسِيَ مِنْ هَمِّ العَدَاوَاتِ 

يا مُسلمونَ: كم رَأَينا بينَ الأَزْوَاجِ وَالإخْوَانِ، والأَقَارِبِ وَالجِيرَانِ، منَ الإحَن والدَّعَاوى، والخُصُوماتِ والنُّفْرَةِ، ما كَثُرَتْ مَعَهَا القَطِيعَةُ، وتَصرَّمت أَوَاصِرُ القربى!

فيا مُسلمونَ: رَاعوا حَقَّ القَرَابَةِ والرَّحِم والجِوارِ والدِّينِ، وكُفُّوا عن المُنَازَعَةِ والقَطِيعَةِ، وعَالِجُوا الأُمورَ بِما يَجمَعُ ولا يُفَرِّقُ، ويُقَرِّبُ ولا يُنفِّرُ. فَكُلُّ إنسانٍ لا بُدَّ أَن يُذنِبَ وَيُخطِئَ، وَأنتَ لا بُدَّ أنْ يَتَّسِعَ صَدرُكَ لَهُ وتَعفوَ عمَّنَ أساءَ إليكَ! فالعَفُو شِعارُ الصَّالِحينَ الذينَ آثَروا الآجِلَ على العَاجِلِ!

رَوى الإمامُ أحمَدَ رحمهُ اللهُ بسندِهِ أنَّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَنْ كَظَمَ غَيظًا وهو قَادِرٌ على أنْ يُنفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ على رُؤوسِ الخَلائِقِ حتى يُخيِّرَهُ مِنْ أيِّ الحُورِ شَاءَ" حسَّنهُ الألبانيُّ رحمهُ اللهُ.

فاللَّهُمَّ أَصلِحْ قُلُوبَنَا، وَاغفِرْ ذُنُوبَنَا، وَاستُرْ عُيُوبَنَا، وحسِّن أخلاقنا، وَاغفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ، أقولُ ما تَسمعونَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي أَكمَلَ عَلينَا الدِّينَ، وَأَتَمَّ علينا النِّعمَةَ، جَعَلَنَا خَيرَ أُمَّةٍ، وَبَعَثَ فِينَا رَسُولاً مِنَّا يَتْلُو عَلينَا آياتِ اللهِ وَيُزَكِّينَا وَيُعَلِّمَنَا الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ، نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهادَةً تَكُونُ لِمَن اعْتَصَمَ بِهَا خَيرَ عِصْمَةٍ.

 وَنَشهدُ أنَ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ لَنَا رَحْمَةً، صَلَّى اللهُ عليهِ وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلاةً تَبْقَى، وَسَلامًا يَتْرَى إلى يِومِ الدِّينِ.

أمَّا بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

عبادَ اللهِ: ومن فضلِ اللهَ أنَّ العفوَ يشمَلُ جوانِبَ الحياةِ كُلِّها، فلم يقتَصِر على العفوِ عن القَصاصِ، فقد أمَرَ اللهُ به القِيادَةَ الكُبرى وأهلَا لوِلايةِ العُظمى؛ لأنَّ العفوَ والتَّسامُحَ أمارةٌ للقائدِ النَّاجحِ ألم يأمُرِ اللهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- بقولِه: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) [الأعراف:  199]. والعفوُ بينَ الزَّوجينِ لازِمٌ لِحصولِ المَوَدَّةِ والقُربى قال سبحانه: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة: 237].

بل حَضَّ دِينُنا على العفوِ فيبَيعِ النَّاسِ وشِرَاءِهم ومُدَايَنَاتِهم، ففي الصَّحِيحينِ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ».

وثمَّة تأكيدٌ على العَفُوِ في التَّعَامُلِ معَ الآخَرينَ، فقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْنَ عْفُو عَنِ الْخَادِمِ فَصَمَتَ ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ فَصَمَتَ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً». صححه الألبانيُّ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: أَتَدرُونَ مَا أَكبَرُ عَائِقٍ لِلعَفوِ؟ ومَا العَقَبَةُ الكَئُودُ التي تُوَجِهُنا في ذالِكَ؟ إِنَّهُ اعتِقَادُنا أَنَّ العَفوَ عُنوانٌ لِلضَّعفِ والمَذَلَّةِ والهَوَانِ! وَأَنَّهُ لا يَتَنَازَلُ عَن حَقِّهِ إِلاَّ العَاجِزُ الضَّعِيفُ. فلَقَد تَرَسَّبَ في أَذهَانِ كثيرٍ مِنَّا أَنَّهُ إِنْ لم تَكُنْ ذِئبًا أَكَلَتكَ الذِّئَابُ، وأَنَّ مِنَ الوَاجِبَ أَن تَرُدَّ الصَّاعَ بِصَاعَينِ!

والحَقُّ يا مؤمنونَ: أنَّ قِمَّةَ الشَّجَاعَةِ تَكمُنُ في العفوِ عندَ المَقدِرَةِ. ألم يَقُلْ أَصدَقُ البَشَرِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا» (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

وقالَ جعفرُ الصَّادِقُ -رحمهُ اللهُ-: "لأنْ أندَمَ على العَفُوِ عِشرينَ مرَّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العُقُوبَةِ مَرَّةً واحِدَةً". وفي أحادِيثَ أخرجَها الإمَامُ أحمدُ وغيرُهُ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وهو على المِنبَرِ قالَ: "ارحَمُوا تُرحَمُوا، واغفِروا يَغفِرُ اللهُ لَكُم". قال: "مَا مِنْ عَبدٍ ظُلِمَ بِمَظلَمَةٍ فَيُغضِيَ عَنْها لِلهِ عزَّ وجَلَّ إلاَّ أَعزَّ اللهُ بِها نَصْرَهُ".

فيا مُسلِمونَ: اعفُوا فيما بَينَكم، وتَجاوَزُوا عمَّن أساءَ إليكم؛ واخرُجوا من ضِيقِ المُناقَشَةِ إلى فُسحةِ المُسامَحَةِ، ومن شِدَّةِ المُعاسَرةِ إلى سُهُولةِ المُعاشَرة، وصِلوا حَبلَ الأُخُوَّة والمودَّة، واقبَلوا المَعذِرَةِ؛ فإن قَبولَها من مَحَاسِنِ الشِّيمِ، وتأمَّلوا قولَ اللهِ جلَّ وعلا: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 149].

إخوتي الكرام: واللهِ إنَّهُ لا عافيةَ ولا راحةَ ولا سعادَةَ إلاَّ بسلامةِ القَلْبِ من وسَاوسِ الضَّغِينَةِ وأوضارِ الغِلِّ ونِيرانِ العَدَاوة ومَرَضِ الحِقدِ والحَسَدِ، وَمَنْ ملأ قَلبَهُ من ذالِكَ تَكدَّرَ عَيشُهُ، واضطَرَبَتْ نَفسُهُ، وَوَهَنَ جَسَدُه، وقد قيل: "في إغضَائِكَ رَاحَةُ أَعضَائِكَ".

أيُّها المسلمون: دِينُنَا لَيسَ أَقوَالاً نُرَدِّدُهَا ثُمَّلا نُطَبِّقُها! إِنَّما قِيَمٌ نَعتَنِقُهَا قَولاً وَعَمَلاً، وَمَنهَجٌ نَتَعَامِلُ بِهِ سِرًّا وَعَلَنًا، وَمَا شُرِعَ الدِّينُ إِلاَّ لِتَطهِيرِ البَاطِنِ وَتَغيِيرِ الظَّاهِرِ. فَكُن من الذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ.

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبينَ وسائرِ الصَّحابَةِ أجمعينَ، والتابعين لهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكَرَمِكَ وَفضلِكَ وإحسَانِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.

 اللهمَّ اهدنا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى، وزيِّنا بِزِينَةِ الإيمانِ والتَّقوى، واجعلنا هداةً مُهتَدِينَ غَيرَ ضَالِينَ ولا مُضلينَ. اللهمَّ ادفع عنَّا الغَلا والوَبَا والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمحنِ عن بلدِنا هذا خاصَّةً وعن سائرِ بلادِ المُسلمينَ.

 اللهم احفظ حُدُودنا وانصر جُنُودَنا. وألف بينَ قلوبنا. اغفر لنا ولوالدينا وذرارينا والمسلمين أجمعينَ. اللهم عليكَ بالصَّهَاينَةِ وَمن ناصرهم، أنزل عليهم بأسكَ وَغَضَبكَ إله الحقِّ، ارحم ضعفَ إخواننا في الشَّامِ والعراقِ وكلِّ مكانٍ يا رب العالمين.

 (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيأَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (ربَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).