البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

خطر اللسان

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. تحذير الشرع من خطر اللسان .
  2. من آفات اللسان .
  3. الهدي النبوي في الاستعاذة من شر اللسان .
  4. اعتناء السلف بحفظ ألسنتهم .
  5. سبيل النجاة من خطر اللسان .

اقتباس

وإن مما وجه إليه الإسلام من الفضائل والآداب حفظ اللسان عن اللغو وفضول الكلام، والعناية بحسن المنطق؛ فاللسان من أعظم الجوارح أثرًا، وأشدها خطرًا، فإن استُعمل فيما يُرضي الحق، وينفع الخلق، كان من أكبر أسباب السعادة والتوفيق لصاحبه في الدنيا والآخرة، وإن استعمل فيما يسخط الجبار، ويضر بالعباد، ألحق بصاحبه أكبر الأوزار، وأعظم الأضرار.

الخطبة الأولى:

إن دين الإسلام دين كامل في أحكامه، شامل في تشريعاته، قد هدى إلى أرقى الأخلاق، وأرشد إلى أكمل الآداب، ونهى عن مساوئ الأفعال والأقوال.

وإن مما وجه إليه الإسلام من الفضائل والآداب حفظ اللسان عن اللغو وفضول الكلام، والعناية بحسن المنطق؛ فاللسان من أعظم الجوارح أثرًا، وأشدها خطرًا، فإن استُعمل فيما يُرضي الحق، وينفع الخلق، كان من أكبر أسباب السعادة والتوفيق لصاحبه في الدنيا والآخرة، وإن استعمل فيما يسخط الجبار، ويضر بالعباد، ألحق بصاحبه أكبر الأوزار، وأعظم الأضرار.

ولذلك؛ نجد تحذيرات عديدة في كتاب الله وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم- من عثرات اللسان وأخطاره، قال -تعالى-: (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ) [النساء:148]، وقال -تعالى-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

ويجب العلم بأن اللسان كونه نعمة من الله إلا أنه أعصى الأعضاء على الإنسان، بل إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه، ولا يَكُبُ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؛  روى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فسأله عن عمل يدخل الجنة ويباعد عن النار فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه"، ثم ذكر له ذلك العمل، ثم زاده رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فدله على أبواب الخير، ثم أخبره عن رأس الأمر كله، وعموده، وذروة سنامه، ثم قال له: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟"، فقال معاذ: بلى، يا نبي الله، فأخذ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بلسانه ثم قال: "كُفَّ عليك هذا"، فقال معاذ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكُبُ الناسَ في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتِهم؟" رواه الترمذي.

ويكمن خطر اللسان بأن جميع أعضاء الجسم تناشده كل يوم أن يقول خيرا، فقد روى أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا! فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا" رواه الترمذي وابن خزيمة.

كما روى أبو بكر –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكو ذرب اللسان" رواه البيهقي، أي: فحش اللسان.

كما يكمن خطر هذا اللسان فيما رواه عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثر خطايا ابن آدم في لسانه" رواه الطبراني.

ولم أكثر خطايا ابن آدم في لسانه؟ لأن آفات اللسان كثيرة وعديدة، تزيد على عشرين آفة، والتي منها: الكذب، والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، والسب، والشتم، واللعن، وقذف المحصنات، والسخرية من الآخرين، والشماتة بهم، والهمز، واللمز، وإفشاء السر، وبذاءة اللسان، والخصومة، والجدال بغير الحق، وكثرة المزاح، وكذا فضول الكلام الذي لا حاجة إليه، والكلام بما لا يعنيه، والتشدق في الكلام والتقعر فيه‌، وغير ذلك.

ولذلك كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من شر لسانه، مع انتفاء الشر منه –صلى الله عليه وسلم- قائلا: "اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي" رواه أبو داود والحاكم.

وكان –صلى الله عليه وسلم- يسأل الله -عز وجل- أن يسدد لسانه قائلا: "اللهم اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا، إليك أواها منيبا; رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي" رواه أحمد والترمذي. ‌

كما كان –صلى الله عليه وسلم- يسأل الله -عز وجل- أن يجعل في لسانه نورا، حيث روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، ومن فوقي نورا، ومن تحتي نورا، ومن أمامي نورا، ومن خلفي نورا، واجعل لي في نفسي نورا، وأعظم لي نورا" متفق عليه.

فمن أرخى العنان للسانه سلك به الشيطان كل ميدان، وأوقعه في آفات اللسان؛ ولأجل ذاك كان سلف هذه الأمة وخيارها يخشون خطر اللسان، ويحاذرونه غاية الحذر، فكان أبو بكر –رضي الله عنه- يخرج لسانه ويقول: "هذا الذي أوردني شر الموارد"، وقال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: "والله الذي لا إله غيره! ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان"، وقال عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-: "أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها صدْرَ نهاره أن يكون أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه؟".

والنجاة -يا عباد الله- من شر اللسان هي بامتثال ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأن ندرك خطر اللسان، وأنه ما تـلفظت من قول إلا لديك رقيب عتيد يسجل عليك، وأن تعلم أن أكثر ما يدخل الناس النار: هما: "الأجوفان: الفم والفرج".

وعندما سأل عقبة بن عامر –رضي الله عنه- رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قائلا: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" رواه الترمذي.

وروى ثوبان –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته!" رواه الطبراني. ‌وطوبى هي الجنة.

وروى أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة" رواه الترمذي

أتدرون خير ما يكتنزه المرء لنفسه؟ روى أبو أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك، خير ما اكتنز الناس" رواه البيهقي.

وروى ثوبان –رضي الله عنه- قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل قال: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك، فأوضع على بعيره فأدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في أثره فقال: يا رسول الله، أي المال نتخذ؟ فقال: "ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة" رواه ابن ماجة.

فخير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، وإن أي كلمة طيبة تنطق بها سيكتبها الله -عز وجل- لك صدقة، وما جعل الله -عز وجل- لابن آدم لسانا وأذنين إلا ليسمع أكثر مما يتكلم، وإن حفظ اللسان من الآثام عنوان على استقامة القلب، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" رواه أحمد.

فليكن لسانك رطبا من ذكر الله فذلك خير العمل، كما روى ذلك عبد الله بن بسر –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "خير العمل أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله" صحيح الجامع.

ولذلك رغب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان، حبيبتين إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

فلنتق الله عباد الله، ولنحفظ ألسنتنا وسائر جوارحنا عما حرم الله -تعالى- علينا، ولتتذكر على الدوام قول الحق -جل وعلا-: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، فهذه آية تترد على أسماعنا كثيرا، وكان –صلى الله عليه وسلم- يقولها في افتتاح كل خطبة؛ فهل نعي مدلولها وندرك خطرها؟.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الهدى والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده -سبحانه- وأشكره على نعمه العظمى، وآلائه التي تتنزل تترا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي الأعلى، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، والخليل المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أئمة الهدى، وبدور الدجى، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فان اللسان -يا عباد الله- حبل مرخي في يد الشيطان، يصرف صاحبه كيف يشاء إن لم يُلجمه بلجام التقوى، أما حين يطلق للسانه العنان، لينطق بكل ما يخطر له ببال، فإنه يورده موارد العطب والهلاك، ويوقعه في كبائر الإثم وعظيم الموبقات، من غيبة ونميمة، وكذب وافتراء، وفحش وبذاء، وتطاول على عباد الله، بل وربما أفضى بالبعض إلى أن يحولَ لسانَه مِقراضًا للأعراض بكلمات يطلقها تنضح بالسوء والفحشاء، فيسرف في التجني على عباد الله بالسخرية والاستهزاء، والتنقص والازدراء، وتعداد المعايب، والكشف عن المثالب، وتلفيق التهم والأكاذيب، وإشاعة الأباطيل، لا يحجزه عن ذلك دينٌ ولا مروءة ولا حياء، كأنه لم يسمع قول الله -عز وجل-: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ) [آل عمران: 181].

وعندما سمع علقمة المزني الحديث الذي رواه بلال بن الحارث المزني –رضي الله عنه- والذي جاء فيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم"، كان علقمة يقول: "كم كلام منعنيه حديث بلال بن الحارث!". فكان -رحمه الله- -تعالى- يقل من الثرثرة خوفا من أن يهوي في جهنم بكلمة يقولها أو يمزح بها لا يلقي لها بالا قد تغضب الله -تعالى-.

فيا أيها الأخ المسلم: اعلم أنه قد وكل بك ملك عن اليمين وآخر عن الشمال، فأما الذي عن اليمين فيسجل القول والعمل الحسن، وأما الذي عن الشمال فيسجل القول والعمل السيئ، فاعمل ما شئت، فإنما تجمع لنفسك وتحصد زرعك، وحسبك أن تستشعر وأنت تهم بأية حركة أو بأية كلمة أن عن يمينك وعن شمالك من يسجل عليك الحركة والكلمة، لتكون في سجل حسابك بين يدي الله الذي لا يضيع عنده فتيل ولا قطمير، ولذلك فإن العبد سيجد كتابه قد حوى كل شيء صدر منه، وعندها سيولول الظالمون قائلين: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49]. فقل خيرا تغنم، وإلا فاعلم أنك غدا ستندم. أسأل الله -تعالى- أن يوقظنا من غفلتنا ويبصرنا بعيوبنا.

اللهم...