القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المهلكات |
لقد كتب أقوام كتابات تتوالى عليهم لأجلها الرحمات من سنين، وكتب أقوام كتابات تتوالى عليهم لأجلها اللعنات، لقد كتب أقوام كتابات عادت عليهم ببحار من الحسنات، وكتب أقوام كتابات عادت عليهم ببحار من السيئات، فاحذر أن تأتي يوم القيامة تحمل على ظهرك أوزار الملايين لأجل كتابة كتبتها.. فاحفظوا ألسنتكم، واحفظوا أقلامكم، واحفظوا أسماعكم وأبصاركم، وتذكروا أنكم غدًا بين يدي الله ستسألون.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون، روى الترمذي عن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: " لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت"، ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 16، 17].
ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده وذروة سنامه؟" قتلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلساني ثم قال: كفّ عليك هذا، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: "ثكلتك أمك! وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
عباد الله: نبينا –عليه الصلاة والسلام- يخبر معاذًا –رضي الله عنه- أن حفظ اللسان يجمع له الخير كله، ويقول له: "كف عليك هذا"، ويمسك بلسان نفسه؛ لأن اللسان طريق للنار؛ لأن الناس يكبون يوم القيامة على وجوههم أو على مناخرهم بسبب حصائد ألسنتهم.
وقد سئل –عليه الصلاة والسلام- عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال –عليه الصلاة والسلام-: "الفم والفرج"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب"، وللترمذي: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بـأسًا يهوي به سبعين خريفًا"، لذا قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: "والله الذي لا إله غيره ما من شيء أحق بطول حبس من اللسان".
ولما دخل عمر على أبي بكر –رضي الله عنهما- وجده يجذب لسانه، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال أبو بكر –رضي الله عنه-: هذا أوردني الموارد. هذا صدّيق الأمة يقول هذا أوردني الموارد، فماذا نقول نحن؟ وإلى أيّ مورد ستوردنا هذه الألسن؟
عبد الله، كفَّ عليك لسانك، وابكِ على خطيئتك، واشتغل بعيبك عن عيوب الناس، أيها المتسامرون في المجالس، كفوا عليكم ألسنتكم، واحفظوها عن أعراض الناس، فكم من رجل متورع عن الفواحش والآثام والظلم والإجرام، لكن لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، والله يقول: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12].
أيها النمامون: كفُّوا عليكم ألسنتكم، فقد أفسدتم علاقة الأخ بأخيه، والجار بجاره، والصديق بصديقه، والزوج بزوجه، أما سمعتم قوله –عليه الصلاة والسلام-: "لا يدخل الجنة نمام"، أما سمعتم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- وقف على قبرين ثم قال: "إنهما ليعذبان" ثم ذكر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة.
أيها المتلاعبون ببنات المسلمين، بكلمات الحب الكاذب، كفُّوا عليكم ألسنتكم.
أيها المعيرون المستهزئون، كفوا عليكم ألسنتكم، ولا تسخروا بمسلم لجهل أو فقر أو لون أو جنس أو تفكير أو عقل، فلو شاء الله كنتم مكان من استهزأتم به.
قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون) [الحجرات: 11].
أيها المغتابون: كفوا عليكم ألسنتكم، كفوها عن همز ولمز أو دعوة لباطل أو نشر لمحرم، أيها المتكلمون بالفواحش وقبيح الكلام، الذين يتكلمون بالعورات ويصرحون بأقبح العبارات، كفوا عليكم ألسنتكم، فما كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فاحشًا ولا متفحشًا.
يا من تريدون إضحاك الناس! يا من تريدون إضحاك الناس في المجالس أو عن طريق المقاطع أو في السنابات! كفوا عليكم ألسنتكم عن القول الحرام من كذب أو فحش أو استهزاء، ولا تطلبوا إضحاك الناس عن طريق الحرام.
أيها اللاعنون، كفوا عليكم ألسنتكم، فما كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعانًا، كفوا عليكم ألسنتكم، فإن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة، كفوا عليكم ألسنتكم، فقد قال –عليه الصلاة والسلام-: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
كفوا عليكم ألسنتكم، فإن اللعنة ترتفع إلى السماء، فإذا وصلت أغلقت أبواب السماء دونها فترجع إلى من لعنتم إن كان مستحقًّا لها، فإن لم يكن مستحقًّا لها رجعت عليكم.
عباد الله، كفوا عليكم ألسنتكم، فإن الله عند لسان كل قائل، فليتق الله ولينظر ما يقول، وليحذر من تبعات قوله في الدنيا والآخرة، قال الله: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، وقال –جل وعلا-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10 - 12].
كفوا ألسنتكم واحفظوها عن كل محرم قبل أن تمرغ الأنوف في النار، وتذكروا دائمًا قوله –عليه الصلاة والسلام- لمعاذ –رضي الله عنه-: "وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
اللهم اجعلنا ممن حفظ سمعه، اللهم اجعلنا ممن حفظ سمعه وبصره ولسانه، اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: معاشر المسلمين، القلم لسان البصر يحاور العينين كما أن اللسان يحاور الأذنين؛ فالقلم لا يقل خطورةً عن اللسان، فاحفظوا أقلامكم وكفُّوها عن الحرام، وتأملوا فيما تكتبون، يا من تكتبون في الصحف، يا من تغردون في التويتر، يا من تكتبون في الفيس بوك، يا من تكتبون في الواتس، يا من ترسمون الكاريكاتيرات، احفظوا أقلامكم عن الطعن في الدين وأهله، احفظوا أقلامكم عن أعراض الناس، واستدراج الفتيات بكلام الحب والغرام، احفظوا أقلامكم عن نشر البدع والضلالات والدعوة للمحرمات.
احفظوا أقلامكم عن نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة، احفظوا أقلامكم عن تمزيق الصف وتفريق الكلمة وبث الرعب في نفوس الناس، احفظوا أقلامكم عن السخرية والاستهزاء، احفظوا أقلامكم عن الكلام الفاحش والقبيح، احفظوا أقلامكم عن كل ما يغضب الله، فما تكتبون اليوم لن يذهب أدراج الرياح بل ستجدونه غدًا في كتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.
وما من كاتب إلا سيفنى
فلا تكتب بكفك غير شيء
لقد كتب أقوام كتابات تتوالى عليهم لأجلها الرحمات من سنين، وكتب أقوام كتابات تتوالى عليهم لأجلها اللعنات، لقد كتب أقوام كتابات عادت عليهم ببحار من الحسنات، وكتب أقوام كتابات عادت عليهم ببحار من السيئات، فاحذر عبد الله أن تأتي يوم القيامة تحمل على ظهرك أوزار الملايين لأجل كتابة كتبتها.
أحبتي في الله، احفظوا ألسنتكم واحفظوا أقلامكم واحفظوا أسماعكم وأبصاركم وتذكروا أنكم غدًا بين يدي الله ستسألون.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم كن للمستضعفين من المسلمين، اللهم كن لهم ناصرًا يوم قل الناصر، اللهم كن لهم معينًا يوم قل المعين، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا في حلب، اللهم كن لإخواننا في الموصل، اللهم كن للمستضعفين في تعز، اللهم كن لهم يا قوي يا قادر.
اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم انصرهم وأيدهم وأعنهم وأعدهم سالمين غانمين منصورين، اللهم آتنا نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارًا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم سقي رحمة لا سقي عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم جللنا سحابًا كثيفًا قصيفًا ضحوكًا دلوقًا، اللهم اسق البلاد والعباد، اللهم اسق البلاد و العباد واجعله بلاغًا للحاضر والباد، يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.