العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
هناك فاتورة فادحة قدمتها هذه الأمة من دمائها وأبنائها ومقدراتها بسبب البعد عن منهج الله، وتدخُّل الأعداء من الشرق والغرب، فأوغروا العداوة بين أبنائها، ونشروا ثقافة العصبية والطائفية والمذهبية ليستمر الخلاف والشقاق، ولذلك قامت الحروب والصراعات وسُفكت الدماء، وهُدمت المدن والقرى، وظهر الظلم والبغي، واحتكم الناس إلى ثقافة الغابة، ولجأوا إلى العنف والقوة والاستكبار وتشرد الناس في الملاجئ والمخيمات وماتوا في الصحاري والقفار والبحار بحثاً عن النجاة، وعادى المسلم أخاه المسلم، ووالى أعداء الأمة...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ مُصَرِّفِ الأَحْوَالِ وَالأَوقَاتِ، وَمُقَدِّرِ الأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ، خَالِقِ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَجَاعِلِ النُّورِ وَالظُّلُمَاتِ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ العَطَايَا وَالهِبَاتِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ السَّابِغَاتِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، حَثَّنَا عَلَى اغتِنَامِ الأَوقَاتِ، وَالاعتِبَارِ بِالأَيَّامِ المَاضِيَاتِ، وَنَهَانَا عَنِ الأَسَى عَلَى مَا فَاتَ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي ارتَقَى مَدَارِجَ الكَمَالاتِ، وَسَمَا بِفَضْلِهِ عَلَى جَمِيعِ الكَائِنَاتِ، صلّ الله وسلم عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ مِنْ أُولِي الفَضْلِ وَالمَكْرُمَاتِ.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: رحلة الأيام والشهور والأعوام لا تتوقف بأيّ حال من الأحوال، وإن من مراحل حياتنا التي قطعناها من سفرنا إلى الآخرة هذا العام الذي ودَّعناه ولا يعود إلينا أبداً إلى يوم القيامة، فإنه ما مِن يوم ينشقّ فجره إلا وينادي ويقول: "يا ابن آدم أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني بعمل صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
فكان لا بد من استغلال أيام العمر وشهوره وسنواته فيما يعود بالنفع على الفرد في دينه ودنياه وآخرته، وبذلك فليفرح ويستبشر فقد أدى ما عليه، وقام بواجبه، وكل يوم وهو في زيادة من خير أو معروف أو عمل صالح يقربه إلى الله، فليس من العقل أن يفرح مَن يومُه يهدم شهرَه، ومَن شهرُه يهدم عامَه، ومَن عامُه يهدم عمرَه!!
وكيف يفرح من يقوده عمرُه إلى أجَله، وتقوده حياته لموته؟! وكيف يفرح والدنيا قد ارتحلت مدبرة، والآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.
قال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: 30].
وقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ» (الترمذي: 2417).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قَالَ: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْكِبَيَّ، فقال: "كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ"، وَكَانَ ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما-، يقول: "إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ" (رواه البخاري).
وقد وكَّل الله بكل إنسان ملكين من ملائكته؛ أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات؛ قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10-12].
وهناك غيرهم يتعاقبون علينا بالليل والنهار ليرفعوا تقارير للملك الجبار سبحانه عن أعمالنا صغيرها وكبيرها؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر, ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟! فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون" (متفق عليه).
قال النووي: "ومعنى "يتعاقبون": تأتي طائفة بعد طائفة, وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، وتكرمه لهم بأن جعل اجتماع الملائكة عندهم، ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم, فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير"..
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات، فقال: "إن الله -عز وجل- لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِض القسط ويَرْفَعه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعملُ النهار قبل الليل...". (رواه مسلم).
قال المناوي: "معناه يُرفَع إليه عملُ النهار في أول الليل الذي بعده، وعملُ الليل في أول النهار الذي بعده؛ فإن الحَفَظة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار، ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل" (فيض القدير شرح الجامع الصغير: 2/276).
عباد الله: رحيل الأيام والشهور والسنوات من أعمارنا يذكرنا دائماً بدنو الآجال واستمرار الرحلة إلى الدار الآخرة دون توقف ولو حتى للحظة واحدة، قال تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) [فاطر: 37], فأين الزاد لهذه الرحلة؟ كيف هو إيماناً بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف هي عباداتنا وأخلاقنا ومعاملاتنا؟ كيف هي حياتنا مع القرآن والصلاة والصيام والذكر والدعاء؟ هل قمنا بواجباتنا تجاه ديننا وأمتنا وأوطاننا؟
ماذا أنجزنا من أعمال صالحة تبيّض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.. قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا".
وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة: 18]".
وكان الحسن البصري -رحمه الله- يقول: "يا ابن آدم! إنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل والليل إلى النهار، حتى يسلمانك إلى الآخرة، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطرًا؟!".
ولو راجع كل واحد منا فاتورة أعماله خلال عام مضى لوجد عجبًا عجابًا؛ فكم من صلاة أضعتها؟!.. وكم جمعة تهاونت بها؟!.. كم صيامًا تركته؟! كم زكاة بخلت بها؟!.. كم حجًّا فوته؟!.. كم معروفًا تكاسلت عنه؟.. كم منكرًا سكت عليه؟.. كم نظرة محرمة أصبتها؟!.. كم كلمة فاحشة تكلمت بها؟!.. كم أغضبت والديك ولم ترضهما؟.. كم قسوت على ضعيف ولم ترحمه؟.. كم من الناس ظلمته؟!.. كم من إنسان أخذت ماله؟!..
وكم من ظالم ناصرته؟! وكم من معروف طمسته؟! وكم من شهادة كتمتها؟! وكم من دماء للمسلمين شاركت في سفكها بالفعل أو القول أو التشفّي والرضى! وكم من أخوة مع المسلمين حولك قطعتها بسبب خلاف في وجهات النظر أو بسبب عصبية جاهلية ذميمة أو بسبب موقف تافه وعابر؟!
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؟ فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" (رواه مسلم).
إنا لنفرح بالأيام نقطعها | وكل يوم مضى يُدنِي من الأجل |
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً | فإنما الربح والخسران في العمل |
وبالمقابل هناك من يعيش بيننا في فاتورة إنجازه خلال عام مضى أعمال تفتج لها أبواب السماء؛ فقد قاموا بما افترض الله عليهم، وأدوا واجباتهم, صبروا في مرضات الله واستقاموا على الصراط، وأدركوا حقيقة الدنيا، وتزودوا للرحلة واستفادوا من أعمارهم، وعاشوا حياتهم لله في السراء والضراء والعسر واليسر، ولذلك يكون الجزاء في الدنيا والآخرة عظيم، ففي الدنيا معونة الله وتثبيته لهم وفي الآخرة قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ *إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ *كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 19-24].
وربما لم تكن أعمالاً كثيرة ولكنها أعمال توفر فيها الإخلاص والصدق وطلب مرضات الله فيها مع خوف من الله واستصغارها، فكتب الله لها القبول.. قال أحد الحكماء: «من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أدّاه، أو مجدٍ أثَّله، أو حمدٍ حصَّله، أو خير أسَّسه، أو علمٍ اقتبسه فقد عقَّ يومَه، وظلَم نفسَه».
وفي هذا يقول الإمام الشّافعيُّ -رحمه الله-:
إِذَا هَجَعَ النُّوَّامُ أَسْبَلْتُ عَبْرَتِي | وَأَنْشَدتُ بَيْتاً وَهْوَ مِنْ أَلْطَفِ الشِّعْرِ |
أَلَيْسَ مِنَ الْخُسْرَانِ أَنَّ لَيَالِياً | تَمرُّ بِلَا عِلْمٍ وَتُحسَبُ مِنْ عُمْرِي |
وقال الشّاعر:
إِذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَصْطَنِعْ يَداً | وَلَمْ أَسْتَفِدْ عِلْماً فَمَا هُوَ مِنْ عُمْرِي |
قال عبد الرحمن بن مهدي: "لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل -أي: الصالح – شيئًا".
وعن وكيع قال: "كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، وجلست إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة".
وكان الربيع بن خثيم يُقاد إلى الصلاة وبه الفالج الشلل فقيل له: قد رُخِّص لك.. قال: إني أسمع حي على الصلاة، فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبواً.. وكان في الأمة العلماء وطلبة العلم والقادة والمرابطون على الثغور، وكان منهم التجار والقضاة وعلماء الطبيعة، والرياضيات والكيمياء والطب، وبهم ازدهرت هذه الأمة، وانتشر الإسلام، وحُفظت كرامة المسلم، وتعلمت واستفادت أمم الأرض من حولنا عندما كان من الأسباب استثمار الأوقات، وبلوغ الغايات وتحقيق الأهداف.
أيها المسلمون: عباد الله: يرحل عام من حياتنا، فما هي فاتورة الإنجاز لأمة الإسلام خلال هذا العام كدول وجماعات ومؤسسات، لا شك أن هناك أعمالاً واجتهادات ومحاولات لتحسين العمل والأداء من بلد لآخر، ومن جماعة ومؤسسة لأخرى.. لكن الناتج العام لأمة الإسلام خلال العام دون مستوى المسئولية والتحدي.
وهناك فاتورة فادحة قدمتها هذه الأمة من دمائها وأبنائها ومقدراتها بسبب البعد عن منهج الله، وتدخُّل الأعداء من الشرق والغرب، فأوغروا العداوة بين أبنائها، ونشروا ثقافة العصبية والطائفية والمذهبية ليستمر الخلاف والشقاق، ولذلك قامت الحروب والصراعات وسُفكت الدماء، وهُدمت المدن والقرى، وظهر الظلم والبغي، واحتكم الناس إلى ثقافة الغابة، ولجأوا إلى العنف والقوة والاستكبار وتشرد الناس في الملاجئ والمخيمات وماتوا في الصحاري والقفار والبحار بحثاً عن النجاة، وعادى المسلم أخاه المسلم، ووالى أعداء الأمة، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51]..
لقد أصبحنا أضحوكة العالم، ومثارًا لسخرية الشعوب حولنا، فنحن أمة الإسلام أمة القرآن، الأمة الواحدة بدينها وعباداتها وشعارها، الأمة التي من واجباتها دعوة الأمم وتربية الشعوب ودعوة العالم من حولنا إلى الإسلام والعدل والتعايش والتسامح والتواضع وبذل المعروف، أصبح بأسنا بيننا شديدًا، وأصبح لا يطيق بعضنا بعضاً بسبب خلافات تافهة وأطماع شيطانية ونوازع خبيثة ليست من الدين في شيء، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، وخبثت نفوسنا، وساءت أعمالنا، ونسينا ديننا وآخرتنا ولقاء ربنا، وتركنا الكثير من تعاليم ديننا، فأنزل الله عقوبته علينا حتى نعود إلى الحق والخير الذي أمرنا به؛ قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
عباد الله: أكثروا من الأعمال الصالحة، وثقوا بربكم، وقوموا بواجبكم، واحفظوا دماءكم وأموالكم وأعراضكم، وكونوا عباد الله إخوانًا، واستشعروا مسئولياتكم تجاه دينكم وأوطانكم ومجتمعاتكم، واحذروا الدعوات الضالة والعصبيات الجاهلية والشعارات الزائفة والدعوات الباطلة، وأصلحوا ذات بينكم، وادعوا ربكم وتضرعوا بين يديه، واحذروا الفتن بكل صورها، وتراحموا بينكم يبدّل الله سيئاتكم حسنات ويغيّر أحوالكم إلى أحسن حال، ويؤلّف بين قلوبكم وينصركم على عدوكم.
واعلموا أن أمة الإسلام تُبتلى وتمرض ولكنها لا تموت، دينها خالد، وعقيدتها راسخة والإسلام يعلو ولا يعلى عليه والحق دائماً منتصر ولو انتفش الباطل وظهر فإنه إلى زوال وعلينا جميعاً أن نستغل ما بقى من أعمارنا فيما يرضي الله تعالى..
سأل الفضيل بن عياض رجل فقال له كم عمرك؟: قال: ستون سنة. قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الفضيل: أتعرف تفسيره؟ تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون!! فمن علم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، فليعد للسؤال جوابًا.
فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة. قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك فيما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي، والأعمال بالخواتيم.
نسأل الله أن يحسن ختامنا وإياكم.. وأن يختم لنا بجنات عرضها السماوات والأرض.. اللهُمَّ إنَّا نسألُك إيمانًا يُباشرُ قُلوبنا، ويقينًا صادقًا، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوق إلى لقائِكَ، في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مُضلة.
اللهم جنّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحفظنا بحفظك الذي لا يرام، واحرسنا بعينك التي لا تنام، هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.