البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

إني أخاف الله

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تأملات في حديث نبوي جامع .
  2. فضل الخوف من الله تعالى .
  3. ذكر السبعة أصناف المكرمة يوم القيامة .
  4. أين نحن من هؤلاء؟ .

اقتباس

حِينَ تَذَكَّرَ عَظَمَةَ اللهِ وَخَافَ مِنْ ذُنُوبِهِ أَنْ تَكُونَ سَبَبَاً فِي سَخَطِ اللهِ، ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ مِنَ اللهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِذُنُوبِهِ وَبَكَى، وَقَدْ يَكُونُ بُكُاؤُهُ طَمَعَاً فِي رَحْمِةِ اللهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِ اللهِ، وَهَذَا الْبُكَاءُ لَمْ يَكُنْ أَمَامَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَلَمْ يَبْكِ رِيَاءً وَلا سُمْعَةً لِيُمْدَحَ وُيُثْنَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْحَامِلُ عَلَيْهِ الإِخْلاصُ وَالْحُبُّ للهِ وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ.. هَذِهِ إِذَنْ سَبْعُ خِصَالٍ مَنِ اتَّصَفَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ..

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه، وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ بِحِكْمَتِهِ مِنْ دَقِيقِ الْأَمْرِ وَجِلِّه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ كُلُّه، وَلَهُ الْحَمْدُ وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاعْمَلُوا لِلنَّجَاةِ يَوْمَ التَّنَاد، يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الْعِبَاد، فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَنَا فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ حَدِيثٌ عَظِيمٌ اعْتَنَى بِهِ الْعُلَمَاءُ شَرْحَاً وَتَدْرِيسَاً وَأَلَّفُوا فِيهِ الْمُؤَلَّفَاتِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَهَمِّيَّتِهِ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ حَدِيثٌ شَرِيفٌ يَتَأَدَّبُ بِهِ جَمِيعُ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى، لا يَتْعَبُ فِي عَمَلِهِ إِلَّا عَاقِلٌ وَلا يَسْتَغْنِي عَنْهُ إِلَّا جَاهِلٌ، وَقَالَ آخَرُ: هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَأَعَمُّهَا وَأَصَحُّهَا.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" (مَتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

هَذَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ حَدِيثٌ عَظِيمٌ وَبِشَارَةٌ كَبِيرَةٌ وَتَشْوِيقٌ فَاضِلٌ إِلَى الْمُبَادَرَةِ لِلاتِّصَافِ بِهَذِهِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ لَعَلَّنَا نَنْجُو يَوْمَ القِيَامَةِ.

إِنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يَوْمٌ مَهُولٌ، يَوْمٌ تَوَعَّدَ اللهُ بِهِ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، يَوْمٌ تُبَدَّلُ فيه الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَيَبْرَزُ العَالَمُ كله لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، يَوْمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ وَيُلْجِمُهُمْ الْعَرْقُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الأنبياء: 1]، وَقَالَ (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) [المزمل: 17].

 وعن الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ لا نَجَاةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا بِالله، وَلا ظِلَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ إِلَّا ظِلُّ اللهِ ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ مَا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَكَرْبِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا مَنْ يَسَّرَ اللهُ لَهُ ذَلِكَ فَيَسْعَدَ بِنَيْلِ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ.

فَأَمَّا الْإِمَامُ الْعَادِلُ فَهُوَ الْحَاكِمُ أَوِ السُّلْطَانُ الذِي قَدْ عَدَلَ فِي رَعِيَّتِهِ ، فَهُوَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الظُّلْمِ إِلَّا أَنَّهُ اجْتَنَبَهُ خَوْفَاً مِنَ اللهِ وَطَمَعَاً فِيمَا عِنْدَهُ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ هُوَ الذِي يَتَّبِعُ أَمْرَ اللهِ تَعْالَى فِي قِيَادَةِ رَعِيَّتِهِ وَيَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلا تَفْرِيطٍ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيُلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئَاً مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ الشَّابٌّ الذِي نَشَأَ في عِبَادَةِ اللّه, فَهُوَ صَغِيرٌ فِي سِنِّهِ وَلَكِنَّهُ كَبِيرٌ فِي عَقْلِهِ، فَنَبَتَ وَنَشَأَ وَهُوَ مُطْيعٌ للهِ بَاحِثَاً عَنْ مَرْضَاةِ اللهِ مُبْتَعِدَاً عَمَّا يُغْضِبُ اللهَ، مُحِبَّاً لِلْقُرْآنِ مُقْبِلَاً عَلَى ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، طَالِبَاً لِلْعِلْمِ وَعَابِدَاً لِرَبِّهِ فَهَنِيئَاً لِلشَّابِّ الذِي هَذِهِ صِفَتُهُ، يُظِلُّهُ اللهُ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

وَفِي هَذَا أَيُّهَا الآبَاءُ دِلالَةٌ عَلَى أَهَمِّيَّةِ تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحَثِّهِمْ عَلَى مَا يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَحَلْقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ ، وَالارْتِبَاطِ بِالرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ التِي تُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنء شَبَّ عَلَى شَيْءٍ شَابَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِد، أَيْ: مُحِبٌّ لَهَا حُبَّاً شَدِيدَاً ، وَمِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ جَسَدُهُ خَارِجَاً عَنْهَا، فَلا يَزَالُ قَلْبُهُ يَشْتَاقُ لِلْمَسْجِدِ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ, يُحِافِظَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَيُحِبُّ الْبَقَاءَ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ.

وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى حُبِّهِ لِرَبِّهِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللهِ جُعِلَ لِطَاعَتِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالاعْتِكَافِ، فَهِنِيئَاً لِمَنْ تَعَلَّقَ بِالْمَسَاجِدِ وَأَحَبَّهَا وَأَحَبَّ رَبَّهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا الرَّابِعُ فَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ, أَيِ: اجْتَمَعَا عَلَى الْحُبِّ فِي اللهِ وَدَاوَمَا عَلَى الْحُبِّ فِيهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يَقْطَعَاهُ أَبَدَاً، سَوَاءٌ اجْتَمَعَتْ أَجْسَادُهُمْ أَوْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ.

فَهَذَا هُوَ الْحُبُّ الْمَحْمُودُ الذِي يَتَقَرَّبُ بِهِ الْإِنْسَانُ إِلَى اللهِ، فَتَكُونُ الْعِلَاقَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَلَيْسَتْ عَلَى حُبِّ الْعَشِيرَةِ أَوِ الْجِنْسِ أَوِ اللَّوْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلا يَنْفَعُ عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعِلَاقَةِ إِلَّا مَا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الطَّاعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَأَمَّا الْخَامِسُ: فَهُوَ رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللّهَ  وَالْمُرَادُ: طَلَبَتْهُ لِفِعْلِ الْفَاحِشَةِ وَالزِّنَا بِهَا ، وَلَكِنَّهُ امْتَنَعَ وَأَبَى عَلَيْهَا خَوْفَاً مِنَ اللهِ وَخَشْيَةً مِنْ عِقَابِ اللهِ (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأنعام: 15].

فَمَعَ مَا يَدْعُوهُ لِلزِّنَا بِهَذَهِ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ، فَهِيَ التِي طَلَبَتْهُ وَهِيَ ذَاتُ جَمَالٍ وَدَلالٍ يُغْرِي وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ صَاحِبَةُ جَاهٍ وَمَنْصِبٍ سَوْفَ تَحْمِيهِ وَتَمْنَعُ مَنْ يُؤْذِيَهُ، فَمَعَ كُلِّ هَذَا خَافَ اللهَ وَرَهَبَ مِنْهُ وَامْتَنَعَ مِنَ الزِّنَا. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ أُولَئِكَ الذِينَ يَبْحَثُونَ عَنِ الزِّنَا وَيَسْلُكُونَ كُلَّ الطُّرُقَ لِنَيْلِهِ؟ (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 4- 6].

قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 32]، وَقَالَ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 21].

وَأَمَّا السَّادِسُ: فَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِخْفَاءِ وَالاسْتِتَارِ بِالصَّدَقَةِ لِأَنَّه إِنَّمَا أَرَادَ اللهُ وَأَرَادَ مَا عِنْدَهُ، فَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا وَلا مَدْحَ النَّاسِ وَلا ثَنَاءَهُمْ، وَإِنَّمَا يَبْحَثُ بِصَدَقَتِهِ أَنْ يَرْضِى رَبُّهُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ بَالَغَ فِي الْإِخْفَاءِ وَتَسَتَّرَ لِئَلَّا يَطَّلِعِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَهَنِيئَاً لَهُ وَلْيُبْشِرَ هَذَا وَأَمْثَالُهُ بِظِلِّ اللهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ، الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أَمَّا بَعْدُ: فَالسَّابِعُ مِنَ الْأَصْنَافِ الذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الرَّجُلُ الذِي ذَكَرَ اللّهَ خَالِيَاً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، أَيْ: سَالَتْ دُمُوعُ عُيُونِهِ خَوْفَاً مِنَ اللهِ وَرَجَاءً فِيمَا عِنْدَ اللهِ ، فِحِينَ تَذَكَّرَ عَظَمَةَ اللهِ وَخَافَ مِنْ ذُنُوبِهِ أَنْ تَكُونَ سَبَبَاً فِي سَخَطِ اللهِ، ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ مِنَ اللهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِذُنُوبِهِ وَبَكَى، وَقَدْ يَكُونُ بُكُاؤُهُ طَمَعَاً فِي رَحْمِةِ اللهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِ اللهِ، وَهَذَا الْبُكَاءُ لَمْ يَكُنْ أَمَامَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَلَمْ يَبْكِ رِيَاءً وَلا سُمْعَةً لِيُمْدَحَ وُيُثْنَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْحَامِلُ عَلَيْهِ الإِخْلاصُ وَالْحُبُّ للهِ وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ إِذَنْ سَبْعُ خِصَالٍ مَنِ اتَّصَفَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، فَاحْرِصْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ عَلىَ الاتِّصَافِ بِهَا وَلَوْ عَلَى الْأَقَلِّ أَنْ تُحَقِّقَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَفَضْلُ اللهِ عَظِيمٌ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ.

اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنِا وأكرمنا ولا تُهنا وَأَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا, اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ, وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.