البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الاستنصار بالدعاء

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. من أعظم منن الله على الخلق .
  2. أهمية دعاء الله والاستنصار به .
  3. استنصار الأنبياء بالدعاء .
  4. الدعاء مفزع الأنبياء والصالحين في الشدة والرخاء .
  5. أهمية الدعاء وقت الأزمات .
  6. الحث على مساعدة إخواننا السوريين المشردين. .

اقتباس

إن للدعاء وقت الأزمات فرجًا سريعًا، فهو توحيد لله، وتوكل عليه وعبادة وطاعة، وفرج وتنفيس، سواء كان الأمر يعنيك شخصيًّا أو يعني الأمة،.. فتعلقوا بالله، واعلموا أن النصر لا يكون إلا من الله، والزموا بابه، وإن لنا إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها قد استحرَّ بهم القتل، وعلتهم الفتن، وقد جعل الله لنا الدعاء من أقوى أسباب النصر، فالزموه عباد الله، وادعوا لإخوانكم في كل وقت، براءة للذمة ونصرة لإخواننا، ولنعلم أن الدعاء لا يضيع بل له أمد، والعاقبة للمتقين.

الخطبة الأولى:

أما بعد فيا أيها الناس: إن الله -جل في علاه- خلق الخلق بحكمة، ويسر لكل مخلوق سبيل العيش في الدنيا، فالخلق طبقات مختلفة وصفات متفاوتة، فمثلاً الإنسان مكنَّه الله من العيش والتعايش في هذه الأرض، وجعل له سلاحًا يحميه من الأعداء ويستنصر به عند اللأواء، وهذا السلاح لا يُغلب أبدًا، وهو من أعظم منن الله على الخلق، هذا السلاح عباد الله به يحمي الإنسان نفسه من شرور الخلق جميعًا، إنه الدعاء، نعم دعاء الله والاستنصار به:

أتهزأ بالدعاء وتزدريه 

 وما تدري بما صنع الدعاء

سهام الليل لا تخطي ولكن 

لها أمد وللأمد انقضاء

والله -جل وعلا- يحب الملحين في الدعاء بل أمر بدعائه وغضب على من لم يدعه (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].

بل جعل للداعي مثل ما دعا به، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل".

عباد الله: نحن نعيش في فتنة وبلاء في العالم الإسلامي كله:

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد

تجده كالطير مقصوصًا جناحاه

والعجيب أننا نجد الغفلة من المسلمين عن نصرة أنفسهم وإخوانهم بالدعاء، بل هم مشتغلون بما لا ينفعهم ولا يدفع عنهم، بل الآخر يهزأ بالدعاء ويقول: لم نجد له فائدة والعياذ بالله.

وإن الناظر في سنن الله في خلقه أنه -جل وعلا- ينصر المظلوم والمكروب والمضطر إذا دعاه، قال جل في علاه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].

وقال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) [الإسراء: 67].

وإن الناظر في القرآن يرى ذلك واضحًا، كيف نصر الله أنبياءه ورسله، بل كيف كانوا يستنصرون بالله في كل شؤون الحياء، وهذا من كمال التوكل، فانظر إلى نوح لما قال الله له (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [هود: 36]، دعا عليهم فقال: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) [نوح: 26]، وقال في سورة القمر: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) [القمر: 9- 13].

لما دعا نوح ربه انتقم الله له، وأجاب دعوته، فأغرق من في الأرض كلهم جميعًا، إلا من آمن وما آمن معه إلا قليل.

وهكذا نبينا -صلوات رب وسلامه عليه- استنصر ربه في عدة مواقع، فإنه لما عاندت قريش وفتنة المؤمنين دعا عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عن مسروق قال كنا عند عبدالله فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى من الناس إدبارًا قال: "اللهم سبع كسبع يوسففأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد! إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم".. الحديث.

واستنصر النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه يوم بدر كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ". فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ".

ودعا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الكفار يوم الأحزاب؛ ففي الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم".

وفي المسند عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: "نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا"، قال: فضرب الله -عز وجل- وجوه أعدائنا بالريح، فهزمهم الله -عز وجل- بالريح.

 وغيرها كثير، كان الدعاء مفزع الأنبياء والصالحين في الشدة والرخاء، وهذا واضح في كتاب الله تعالى..

اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:

أما بعد فيا أيها الناس: سمعنا في الخطبة الأولى كيف كان الدعاء مفزع الأنبياء في الشدة والرخاء، ولقد سار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على نهج نبينا -صلوات ربي وسلامه عليه- وسار من بعدهم على نهجهم، خصوصًا الأئمة الذين يعنون بحال الأمة، فقد كان المجاهدون في سبيل الله من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في يوم الجمعة لا يغزون حتى تصلي الأمصار صلاة الجمعة يلتمسون دعاءهم لهم على المنابر؛ كما فعل النعمان بن مقرن في قتال الفرس، وفتح الله  عليهم، بل كان من أوقات الإجابة عند التحام الصفين في القتال.

عباد الله: إن للدعاء وقت الأزمات فرجًا سريعًا، فهو توحيد لله، وتوكل عليه وعبادة وطاعة، وفرج وتنفيس، سواء كان الأمر يعنيك شخصيًّا أو يعني الأمة، فها هو الإمام نور الدين محمود يقاتل الصليبيين في إحدى المعارك، وقد اشد القتال وأحسَّ بتغلب الصليبيين عليهم فقام وذهب خلف تل في أرض المعركة، ونزل عن فرسه، وعفر وجهه بالتراب، ودعا واستنصر ربه، وكان من دعائه: اللهم انصر جندك ولا تنصر محمود الكلب، فما قضى دعاءه إلا ومالت الكفة وهزموهم بإذن الله..

أولئك تعلقوا بالله، وعلموا أن النصر لا يكون إلا من الله، فلزموا بابه، وإن لنا إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها قد استحرَّ بهم القتل، وعلتهم  الفتن، وقد جعل الله لنا الدعاء من أقوى أسباب النصر، فالزموه عباد الله، وادعوا لإخوانكم في كل وقت، براءة للذمة ونصرة لإخواننا، ولنعلم أن الدعاء لا يضيع بل له أمد، والعاقبة للمتقين.

ومن نصرة إخواننا ايضا دعمهم بالمال، خصوصا أولئك المهجَّرين من ديارهم، يسكنون الخيام التي لا تمنع مطرًا ولا ثلجًا ولا هواء، قلَّ زادهم ولباسهم، وقلت حيلتهم، ولا ناصر لهم إلا الله ثم من وفقه الله من أهل الخير، ولقد دعا خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لجمع التبرعات لإخواننا في سوريا، فبادروا رحمكم الله بما تستطيعون، فهو من الجهاد في سبيل الله، ومن الواجبات على المستطيع.

أيها الإخوة: خرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد فرأى رجلاً عارياً فنزع ثوبه وكساه إياه، فرأى بعض أهل الشام في منامه أن صفوان بن سليم دخل الجنة بقميص كساه؛ فقدم المدينة فقال: دلوني على صفوان فأتاه فقص عليه ما رأى.

ورُفع إلى بعض الوزراء الصالحين أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام وهم عراة جياع فأمر رجلاً أن يمضي إليهم وحمل معه ما يصلحهم من كسوة وطعام ثم نزع ثيابه وحلف: لا لبستها ولا دفئت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم، فمضى وعاد فأخبره: أنهم اكتسوا وشبعوا وهو يرعد من البرد، فلبس حينئذ ثيابه.

عباد الله: في الشام يموت الأطفال والعجائز من البرد والجوع، وأنت تتقلب في الدفء والنعيم، فليس هذا من العدل، فما أعطاك الله إلا ليبتليك؛ فشمر عن ساعد الجد وقدم لنفسك؛ فالأيام دول.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين..