المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
الأختُ هي الأمُّ الثانيةُ، وهي اليدُ الحانيةُ، هي الصَّداقةُ الحميمةُ، وهي الذِّكرياتُ القديمةُ؛ الأختُ تحبُّ أخاها وتتباهى بهِ، تُدافعُ عنه في غَيبتِه، وتنصحُ له في حضرتِه، فنجاحُه نجاحُها، وفشلُه فشلُها، وإن كانَ يمنعها أن تبوحَ بمشاعرِها حياءُ النِّساءِ، لكنّه أغلى إليها من الماءِ والهواءِ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ خلَقَ الإنسانَ ولم يكنْ شيئًا مَذكورًا، صوَّره فأحسَنَ صورتَه فجعله سميعًا بصيرًا، أرسَلَ إليه رسلَه وأقامَ عليه حجَّتَه، وهداه السبيلَ إمَّا شَاكرًا وإمّا كفورًا، أحمَدُه -سبحانَه- حمداً موفوراً، وأشكرُه شكرَ من لم يرجُ من غيرِه جزاءً ولا شُكورًا.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له إنّه كانَ حليمًا غفورًا، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَنا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ وعبدَ ربَّه حتى تفطَّرت قدماه فكانَ عبدًا شكورًا، صلّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه رجالٍ صدقوا ما عاهَدوا اللهَ عليه فكان جزاؤهم موفورًا، والتابعينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ صلاةً وسلامًا وبركاتٍ دائماتٍ رَواحًا وبُكورًا.
أما بعد: وُلدَ موسى -عليه والسلام- في العامِ الذي يُقتلُ فيه أبناءُ بني إسرائيلَ، فخافتْ عليه أمُّه خوفاً شديداً، قالَ -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص:7-9].
هذا هو لُطفُ اللهِ -تعالى- بموسى -عليه السلام-، ولكن دعونا نعودُ لنرى الذي أصابَ أمَّه المسكينةَ: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من كلِّ شيءٍ إلا من ذِكرِ موسى، (إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أيْ: إِنْ كَادَتْ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِهَا وَحُزْنِهَا وَأَسَفِهَا لَتُظْهِر أَنَّهُ ذَهَبَ لَهَا وَلَدٌ وَتُخْبِر بِحَالِهَا، (لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا)، لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَهَا وَصَبَّرَهَا، (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص:10].
وهنا يأتي المشهدُ الذي يحتاجُ إلى تدبُّرٍ وتأملٍ منكَ أيها المؤمنُ: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)، أَيْ: اِتَّبِعِي أَثَرَه وَخُذِي خَبَرَه وَتَطَلَّبِي شَأْنَه مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ. والسُّؤالُ المُهمُ: لماذا أوكلتْ أمُّ موسى هذه المهمةَ الخطيرةَ لأختِه، وهي الفتاةُ الضعيفةُ، ولم تُرسلْ رجلاً من أهلِها ليبحثَ عن ابنِها في وسطِ هذا المجتمعِ القاتلِ الظالمِ؟ والجواب: لأنَّ الأمَّ تعلمُ أنَّه لا أحدَ أحنُّ ولا أرقُّ ولا أشفقُ ولا ألطفُ على هذا الطفلِ بعدَها من الأختِ، وصَدَقَتْ واللهِ!.
فخرجتْ الأختُ تتعرَّضُ للأخطارِ، (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ)، عَنْ بُعْدٍ، فَجَعَلَتْ تَنْظُر إِلَيْهِ وَكَأَنَّهَا لَا تُرِيدهُ، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص:11]، وهذا من فطنتِها وحذرِها، (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ) فلم يقبل واحدةً مُنهنَّ، فوجدتْ أختُه الفُرصةَ، (فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:12-13]، فانظرْ كيفَ ضحَّتْ الأختُ بنفسِها في سبيلِ نجاةِ أخيها الصَّغيرِ؟!.
عبادَ اللهِ: الأختُ هي الأمُّ الثانيةُ، وهي اليدُ الحانيةُ، هي الصَّداقةُ الحميمةُ، وهي الذِّكرياتُ القديمةُ؛ الأختُ تحبُّ أخاها وتتباهى بهِ، تُدافعُ عنه في غَيبتِه، وتنصحُ له في حضرتِه، فنجاحُه نجاحُها، وفشلُه فشلُها، وإن كانَ يمنعها أن تبوحَ بمشاعرِها حياءُ النِّساءِ، لكنّه أغلى إليها من الماءِ والهواءِ.
تقولُ أمُّ جميلٍ بنتُ حربٍ في وصفِ أخيها أبي سفيانَ:
زَينُ العَشيرةِ كلِّها | في البدوِ منها والحَضر |
ورئيسُها في النَّائباتِ | وفي الرِّحالِ وفي السَّفر |
وَرِثَ المكارمَ كلَّها | وعلا على كلِّ البَشر |
لم يمتْ أبوها من عندَها أخٌ رحيمٌ، ولا تشعرُ بالخوفِ من عندَها أخٌ عظيمٌ، ولا تحسُّ بالقلقِ من عندَها أخٌ كريمٌ، هو لها الفرحُ والسُّرورُ والسَّعدُ، تفديه بالمالِ والزَّوجِ والولدِ، جاءَ في كتابِ محاضراتِ الأدباءِ: قِيلَ لامرأةٍ أَسرَ الحجَّاجُ زوجَها وابنَها وأخاها: اختاري واحداً منهم، فقالتْ: الزوجُ موجودٌ -أي: تستطيعُ الزواجَ من غيرِه إذا ماتَ-، والابنُ مولودٌ –أي: تلدُ غيرَه-، والأخُ مفقودٌ -أي: فَقْدُه لا يُعوَّضُ-، أختارُ الأخَ. فقالَ الحجَّاجُ: عَفوتُ عن جماعتِهم لحسنِ كلامِها. اهـ.
أخوها هو عِزُّها وفَخرُها، وهو حِماها ونصرُها، لمن تلجأُ بعدَ فقدِ أبيها، إلا لسندِها وأخيها؟ فها هي ليلى بنتُ لُكَيزٍ العفيفةُ، تستنجدُ بإخوانِها كُليبٍ وعَقيلٍ وجُنيدٍ عندما خطفَها ملكٌ من ملوكِ الفُرسِ، فتقولُ:
يا كُليْباً وعَقيلاً إخوَتي | يا جُنيْداً أسعدوني بِـالبُكا |
عُذِّبَت أُختُكُمُ، ياويْلَكُم | بِعَذابِ النُّكرِ صُبْحاً ومسا |
غَـلّلَوني، قيّدُوني ضرَبوا | ملمسَ العفةِ منّي بالعَـصا |
يكذِبُ الأعجَمُ ما يقرُبُني | ومعي بعضُ حُشاشاتِ الحَيا |
أصبحتْ ليلى تُغلَّل كفُّها | مثلَ تغليلِ الملوكِ العُظَما |
وتُقيّد وتُكبِّل جهرَةً | وتُطالَب بِقَبيحاتِ الخَنا |
يا بني تغلِبَ سِيروا وانصُروا | وذرُوا الغفلَةَ عَنكُم والكَرى |
واحذَروا العارَ على أعقابِكُم | وعليكُم ما بقيتُم في الدُّنا |
فقامتْ الحربُ، وهُزمَ الفُرسُ، وفُكَّتْ الأسيرةُ.
الأختُ أحفظُ للودِّ والجميلِ، ويُرضيها من الأخِ القليلُ، وفقدُها لأخيها هو الخَطبُ الجليلُ، فتصبحُ بعدَه كخيمةٍ سقطَ عمودُها فهي تميلُ، ولا يخفى علينا رِثاءُ الخنساء لأخيها صخرٍ:
يُذَكّرُني طُلُوعُ الشمسِ صَخراً | وأذكرُهُ لكلِّ غُروبِ شَمْسِ |
ولَوْلا كَثرَة ُ الباكينَ حَوْلي | على إخوانِهمْ لقتلتُ نَفسي |
فيا لهفي عليهِ ولهفَ أُمّي | أَيُصبحُ في الضَّريحِ وفيهِ يُمسي |
أيُّها الأخُ المُباركُ: أختُكَ لحمُكَ ودمُكَ، شرفُكَ وعِرضُكَ، فيها من الأمِّ الحنان، وفيها من الأبِ الرَّحمة، لها المحبةُ والاحترامُ والتَّقديرُ، وتستحقُ منكَ الكثير الكثير، اسمع إلى تضحيةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- بمستقبلِه من أجلِ أخواتِه، يقولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفِي قُفُولِنا إلى المَدِينَةِ، اسْتَأْذَنْتُهُ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ، فَأَذِنَ لِي، وقَالَ لِي: "هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟"، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، فَقَالَ: "هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ وَالِدِي، وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ. فنِعمَ الإخوانُ الذين لا ينسون أخواتِهم، حتى في اختيارِ زوجاتِهم!.
أتذكرُ عندما كنتْ تغضبُ منها وأنتَ صغيرٌ بكثرةِ اعتراضاتِها عليكَ وشكاواها منكَ؟ هل كانَ يؤذيكَ أنَّها كانتْ تُخبرْ بأسرارِكَ، وتفضحُ أخطاءَكَ؟ كانتْ تفعلُ ذلكَ لأنَّها تُحبُّكَ وتسعى لمصلحتِكَ، فكنْ لها الأب المفقود، وكنْ لها الأخ الودود، أكرِمها وكنْ لها نهر الخيرِ والجودِ، صُنها واحمِها وكنْ لها الدرع الموصود.
مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ وَأَمْنَعُهَا النَّاسَ، حَتَّى خَطَبَ إِلَيَّ ابْنُ عَمٍّ لِي فَأَنْكَحْتُهَا، فَاصْطَحَبَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَهُ رَجْعَةٌ، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خُطِبَتْ إِلَيَّ، فَأَتَانِي يَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ، فَقُلْتُ لَهُ: خُطِبَتْ إِلَيَّ فَمَنَعْتُهَا النَّاسَ، فَآثَرْتُكَ بِهَا، ثُمَّ طَلَّقْتَ طَلَاقًا لَكَ فِيهِ رَجْعَةٌ، فَلَمَّا خُطِبَتْ إِلَيَّ أتَيْتَنِي تَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ؟ وَاللَّهِ لَا أَنْكِحُكَ أَبَدًا! قَالَ: فَعَلِمَ اللَّهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:232]، فَقَالَ: سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً، فَكَفَّرَّ عَنْ يَمِينِه،ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ، وَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ.
أستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ، فاستغفروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوى، والذي قَدرَ فهدى، أحمدُه -سبحانَه- على نعمِه التي لا تُحصى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الحمدُ في الآخرةِ والأولى، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه المرتضى، اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك محمدٍ المصطفى، وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعَهم واقتفى.
أما بعد: أيُعقلُ أن يُوجدَ في المجتمعِ المسلمِ من يقطعُ أختَه الشُّهورَ والسِّنينَ، لا ترى أخاها، ولا تسمعُ صوتَه، ولا يزورُها، وهي تتقطَّعُ شوقاً إليه وإلى أولادِه؟ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "برَّ أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ"، فهي من الرَّحمِ القريبِ، الذي أوصى به الحبيبُ، فكيفَ لمؤمنٍ باللهِ -تعالى- أن يقطعَ رحمَه، وهو يسمعُ حديثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَاقْرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)".
أيُّها الأخُ: ليسَ من الدِّينِ ولا الشَّهامةِ ولا الرُّجولةِ، أن تبيتَ شبعان أنتَ وأهلُ بيتِكَ في هناءٍ، وأختُك تعيشُ على تبرعاتِ الجمعياتِ وصَدقاتِ الغُرباءِ، عَنْ طارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: قَدِمْنَا المدينةَ فَإِذَا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ: "يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ"، فلا تجعلْها تحتاجُ لغيرِك وأنتَ موجودٌ، وابتغِ بوصلِها رضا الغفورِ الودودِ.
بعضُ الأخواتِ تشتكي من أخيها، فهو لا يُحضرُ لها ما تريدُ، ولا يوصلُها إلى حيثُ تريدُ، وإذا أخذَها في مشوارٍ، فلا يخلو من التَّذمرِ والتَّسخطِ والمنِّ والأذى، ويُعاتبُها إذا تأخرَتْ، ويرفعُ عليها صوتَه، وتجدُ المسكينةُ أن وقوفَها في الشَّارعِ بحثاً عن سيارةِ أجرةٍ تُوصلُها، خيرٌ لها من جحيمِ الذَّهابِ مع حاميها، ابن أمِّها وأبيها، فإلى اللهُ المشتكى!.
فوا اللهِ إن الشَّرفَ كلَّ الشَّرفِ، أن تكونَ لها سائقها الخاص، وإذا طلبتْ منكَ شيئاً، سابقت الرِّياحَ لتقضيَه لها، وتشعر أنَّها اختارتكَ لحاجتِها لأنها تُحبكَ، وليسَ لها سِواكَ، فبادرْ، وسارعْ، وأطعْ، واسمعْ، واجعلْها تفخرُ بأنَّ لها أخاً.
اللهمَّ اغفرْ لنا وارحمْنا وآباءَنا وأمهاتِنا وأخواتِنا وإخوانَنا يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم أدخلنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ، اللهم اغفر لنا ولإخوانِنا الذين سبقونا بالإيمانِ، اللهمَّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلمينَ والمسلماتِ، وأحسنْ وقوفَنا بين يديك، ولا تعذبنا يومَ العرضِ عليك، واجعلنا في ظلِّ عرشِك يا كريمُ.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحمْ موتانا، واهدِ ضالنا، واسترْ عيوبَنا، واقضِ ديونَنا، وفرجْ كروبَنا يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم إنه قد نزلَ بإخوانِنا المسلمينَ في الأرضِ ما لا يعلمُه إلا أنتَ من اللأواءِ والشدةِ والضَّنْكِ، اللهم إنا فزعْنا إليك، اللهم إنا توكلْنا عليك، اللهم إنا التجأنا إليك، اللهم فاكشفْ ما نزلَ بإخوانِنا من ضرٍّ يا ربَّ العالمينَ، اللهم اكشفْ ما نزلَ بهم من ضرٍّ يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم عجلْ فرجَنا وفرجَهم إنكَ أنتَ الكريمُ، يا ذا العرشِ العظيم، آمنا في الأوطانِ والدورِ، وأصلحْ الأئمةَ، وولاةَ الأمورِ، واغفر لنا يا عزيزُ يا غفورُ.
سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.