البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الكلام ما له وما عليه

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. استصغار بعض الناس لأهمية الكلام .
  2. القول هو مفتاح الدعوة إلى الله تعالى .
  3. ثلاثة أسئلة جديرة بالتأمل .
  4. أشياء مهمة تُكسِب الكلام بركته وفاعليته .
  5. ضوابط مهمة في المفاضلة بين القول والعمل. .

اقتباس

لدى بعض الناس اعتقاد بأن الكلام يشغل جزءًا مبالغًا فيه من الحياة، وأن الفعل أقوى من القول، فيقولون: تعبنا من الاستماع نريد أفعالاً، وإذا تكلم المتكلم لووا رؤوسهم وقالوا ما أكثر الكلام! الكلام يملأ السماء. والحقيقة أن هذا النوع من النظر فيه شيء من الوجاهة.. لكن في نفس الوقت في هذا النظر أيضًا مغالطة وإسراف؛ لأنه يصغر دور الكلمة في إحداث التغيير، فإننا لو تأملنا لوجدنا أن القرآن كله كلام، كلام إلهي نزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبلِّغه للناس.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: يوجد لدى بعض الناس اعتقاد بأن الكلام يشغل جزءًا مبالغًا فيه من الحياة، وأن الفعل أقوى من القول، فيقولون: تعبنا من الاستماع نريد أفعالاً، وإذا تكلم المتكلم لووا رؤوسهم وقالوا ما أكثر الكلام! الكلام يملأ السماء.

والحقيقة أن هذا النوع من النظر فيه شيء من الوجاهة ، نعم خاصة لمن له القدرة على أن يفعل واقتصر على القول كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف:3]، لكن في نفس الوقت في هذا النظر أيضًا مغالطة وإسراف؛ لأنه يصغر دور الكلمة في إحداث التغيير، فإننا لو تأملنا لوجدنا أن القرآن كله كلام، كلام إلهي نزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبلِّغه للناس.

قال سبحانه وتعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) [الشعراء: 192- 195].

بل إن الله –سبحانه- يضع الكلام في مصافي العمل في قوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].

ولقد كان الكلام هو وسيلة الدعوة عند جميع الأنبياء والكلام هو نافذة الوصول إلى قلوب الناس وهدايتهم، وقد قال سبحانه: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور: 54].

وطالما قرأنا في القرآن في قصة كل نبي قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) قول من القول، (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ)، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ)، (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ)؛ فالقول هو مفتاح الدعوة إلى الله فالذين يستصغرون دور الكلام أمام الفعل مسرفون في نظرتهم.

معاشر الإخوة: هناك ثلاثة أسئلة جديرة بالتأمل؛ الأول متى يكون الكلام مؤثرًا؟ والثاني متى يقدم الفعل على الكلام؟ والثالث متى يقدم الكلام على الفعل؟

أما تأثير الكلام فإما أن يكون الكلام ذا عمق بمعنى أن يكون المتحدث مقتنعًا بالكلام الذي يقوله مؤمنًا به تمام الإيمان، فهنالك يصبح للكلام سحره وتأثيره على كل من طلب الحق.

وإما أن يكون الكلام مرسلاً لا صلة له بقناعة المتحدث، وفي هذه الحال فإنه مهما نَمَّق الكلام وزيَّنه؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

فمن اللازم إذاً أن يكون الكلام نابعًا عن قناعة المتكلم حتى يُقابَل بقناعة من المخاطب، وكما قيل ما يخرج من القلب ينفذ إلى القلب.

ومما يجعل الكلام مؤثرًا التطبيق؛ فإن الذي يخالف قوله فعله يكون قوله ضعيف التأثير، ولذلك أكد نبي الله شعيب -عليه السلام- لقومه أن قوله لا ولن ينافي فعله، ولن يناقض مبدأه فقد جاء في القرآن أنه قال لقومه (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) [هود: 88].

القناعة والإيمان والتطبيق لمن يجب عليه التطبيق طبعًا مما يُكسب الكلام بركته وفاعليته.

الثالث بعد هذين الشرطين حسن المنطق، وفصاحة اللسان، وقد منَّ الله تعالى على الإنسان بتعليمه البيان (خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 3- 4].

وليس الناس سواءً في حسن البيان، وليس كل إنسان يُحسِن الكلام، ويتقن العرض، ولذلك طلب نبي الله موسى -عليه السلام- من ربه أن يرسل معه أخاه هارون لفصاحة لسانه طلبًا لكمال التأثير حين قال: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ) [القصص:34].

وقد اختير السفراء قديمًا بناء على ثلاث صفات الفطنة واللباقة وحسن المنطق، قال الخليل في حسن المنطق:

لساني وسيفي صارمان ك?هما

وما السيف أقوى وقعة من لسانيا

وفي صحيح البخاري من حديث عبدالله بن عمر قال: قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من البيان لسحرًا".

إذًا فالكلام له بريقه، له عذوبته، ماذا تقول؟ وما العبارات التي تختار؟ ومتى تدخل في الموضوع في الوقت الأنسب وفي المكان الأصلح؟ وكيف تقدر ما يناسب المخاطب من كلمات؟ فالعامي الكلمات البسيطة تناسبه، والمثقف الكلمات التخصصية تناسبه، والغضوب الكلمات اللينة تناسبه، وهكذا بحسب الموقف وبحسب المخاطب.

ومما يُكسب الكلام تأثيره الاختصار غير المخِلّ، فإن التطويل مُمِلّ، والكلام إذا طال يُنسِي بعضه بعضًا، وقد جاء في الكامل في التاريخ عند ابن الأثير أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب إلى بعض ولاته وكان فيه: "وإذا وعظتهم فأوجز؛ فإن كثير الكلام يُنسِي بعضه بعضًا".

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "حَدِّثِ الْقَوْمَ مَا أَقْبَلَتْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ، فَإِذَا انْصَرَفَتْ قُلُوبُهُمْ فَلَا تُحَدِّثْهُمْ، قِيلَ لَهُ: مَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِذَا حَدَّقُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ فَإِذَا تَثَاءَبُوا، وَاتَّكَأَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَدِ انْصَرَفَتْ قُلُوبُهُمْ فَلَا تُحَدِّثْهُمْ".

أيها الإخوة: السؤال الثاني: متى يقدم الفعل على الكلام؟ والجواب يكمن في القدرة فإذا تكلم من تكلم في موضوع ينتظر الفعل، وكان موضوع الكلام متاحًا للتطبيق من قبله هو ثم استمر يتكلم، فلماذا إضاعة الوقت في الكلام؟

ولذلك قال ابن كثير في البداية والنهاية وابن الأثير في الكامل والطبري في تاريخه أن ملك الروم لما تولى كتب إلى هارون الرشيد "من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب: أما بعد؛ فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرّخ – الرخ هو أقوى قطعة للشطرنج عند العرب كالقائد له فضل الرياسة- وأقامت نفسها مقام البَيْدق –هو أضعف قطع الشطرنج كالمشاة إذا صار الرخ خلفها واستدبرها أثناها".

قالت: "فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها، لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأتَ كتابي هذا، فاردد ما حصل لك من أموالها، وافتدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك".

فلما قرأ الرشيد الرسالة غضب غضبًا شديدًا حتى لم يقدر أحد على أن ينظر إليه، وتفرق جلساؤه خوفًا منه فدعا بدواة –أي: محبرة- وكتب على ظهر الكتاب نفسه: "بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، والسلام".

قدم الفعل على القول، ثم شخَص من يومه حتى قام بباب هرقل ففتحها، واستصفى ابنة ملكها، وغنم من الأموال كثيرًا.

فالكلام ليس مقدمًا في كل الأحوال على الأفعال إذا توفرت القدرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ..

الخطبة الثانية:

الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أما بعد: فالسؤال الثالث هو: متى يقدم الكلام على الفعل؟ والجواب أيضًا معلَّق بالقدرة فإن الكلام يقدم على الفعل إذا كان الموضوع غير قابل للتطبيق في وقت الكلام فهو يستدعي المزيد من الشرح والمزيد من الإقناع قبل العمل.

كما هو حال الإسلام في مطلعه؛ فقد كان الأمر في البداية كفّ اليد، وإقام الصلاة والدعوة إلى الله (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ) [النساء: 77]، فلما استقر الإيمان وتوفر العدد وتحققت القدرة أذن الله لهم بالفعل أي بالجهاد في سبيله.

ويقدم الكلام على العمل أيضًا إذا بقي الجهل قائمًا، بل حتى الكلام وليس العمل يمنع إلا بعلم، فالقول والعمل لا يقومان إلا على ركائز العلم، ولذلك ترجم البخاري في كتب العلم من صحيحه: باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [محمد: 19]، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.

إذا فالكلام له وعليه، كما هو حال الصمت له وعليه، والمحسن هو من إذا سكت أحسن، وإذا تكلم أحسن، وإذا عمل أحسن.

نسأل الله الرشاد في جميعا أمورنا..