البحث

عبارات مقترحة:

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الظلم

العربية

المؤلف الرهواني محمد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. انتشار الظلم وتفشيه .
  2. ذم الظلم والتحذير منه .
  3. إجابة دعوة المظلوم .
  4. تذكير الظالم بقدرة الله عليه .

اقتباس

الظلم خُلُق ذميم، يأكل الحسنات، ويمحق البركات، ويجلب الويلات، ويُورث العداوات. الظلم مُهلك للمجتمعات، مُفسد للأوطان، هو أساسُ وأصل كلِّ بليَّة، بسببه تَشُب الحروب وتثور الشعوب وتحل المصائب والخطوب. الظلم منبع الرذائل، ومصدر الشرور، ما...

الخطبة الأولى:

إن المتأمل في حال هذه الدنيا، في أفرادِها وجماعاتِها، في شعوبها وحكامِها، يرى من أنواع الظلم عجباً! أخ يظلم أخاه، زوج يظلم زوجته وزوجة تظلم زوجها، آباء يظلمون أولادهم وأولاد يظلمون آباءهم، جار يظلم جاره، طبيب يظلم مرضاه ويبتز أموالهم، مدرس يظلم طلابه، صاحب شركة أو معملٍ يظلم العمال والموظفين ويبخَسُهم حقوقهم، حاكم يظلم شعبا فيشرده ويُجيعه ويُذلُّه ويُذيقه ألوان القتل والعذاب، وآخرُ يملأ السجون بالرجال والنساء والشيوخ والأطفال، لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة، ولا ينقم منهم إِلا أَن قالوا ربنا الله.

ولو ذهبنا نحصي ونعدّدُ صُوَر الظلم لما أسعفتنا هذه الدقائق المعدودات لكثرة أنواع الظلم الواقع.

فالظلم خُلُق ذميم، يأكل الحسنات، ويمحق البركات، ويجلب الويلات، ويُورث العداوات.

الظلم مُهلك للمجتمعات، مُفسد للأوطان، هو أساسُ وأصل كلِّ بليَّة، بسببه تَشُب الحروب وتثور الشعوب وتحل المصائب والخطوب.

الظلم منبع الرذائل ومصدر الشرور، ما فشَا في أمة وشاع فيها إلا أهلكها ومزق وحدتها، وفرق كلمتها، وشق صفها، ودمر مكتسباتِها.

فكم أفقرَ بعد غنًى وأذل بعد عزَّة؟ كم أضعف بعدَ قوة وأسقم بعد صحَّة؟ كم فرق بعد اجتماع وشتت بعدَ شمل؟ كم؟ وكم من الويلات والمصائب حصلت بسبب ظلم الظالمين؟

لذلك يجب أن نعلم أن التسلط على الخلقِ وظلمَهم والتعدي عليهم وأخذَ حقوقهم مسلك يُؤدي بصاحبه إلى أشنعِ حال، وأسوأ مآل، وإن مصارعَ الظلمة في القديمِ والحديثِ لأصدقُ دليل وبرهان، وأعظمُ بيانٍ لمن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ، وتلك سنةٌ إلهية في خلقه لا تتبدل ولا تتحول.

الله الحكم العدل اقتضت سنته تعالى هلاكَ الظالمين، ومحق المعتدين وقطع دابر المفسدين.

فتأملوا القرآن الكريم تدبروا كلام الله، انظروا فيه وتمعنوا في سير الظالمين تجدوا في مصارعهم عبرةً وعظة، لا يبالي الله في أي واد يهلكهم، قد يخزيهم في الحياة الدنيا قبل الآخرة، بل قد جعل الله عقوبة الظلم مُعَجلةً في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره، جاء في صحيح الجامع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ –تعالى- لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يَدَّخِرُه له في الآخرةِ من البَغْيِ، وقطيعةِ الرَّحِمِ".

قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "الغالب أن الظالم تُعجل له العقوبةُ في الدنيا وإن أُمهل، فإن الله يُملي له حتى إذا أخذه لم يفلته".

فالظلم من الصفات الدنيئة، والأخلاق الرذيلة، ولهذا نزه الله -سبحانه وتعالى- نفسه عنه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس: 44].

بل وحرمه تعالى على نفسه؛ كما في الحديث القدسي الذي رواه مسلم: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا".

فربنا -جل جلاله- لكمال عظمته وعدله كما حرم الظلم على نفسه، حرمه على عباده وجعله بينهم محرما ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم.

لكن البعض لم يأتمروا بأمره سبحانه، ولم يبتعدوا عن نهيه، فأعجبتهم أنفسهم وغرتهم قوتهم، وطغى عليهم حب الدنيا والذات، فتعدوا على غيرهم من المستضعفين، إما بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة أو بأخذ أموالهم بغير حق، أو بالكلام في أعراضهم.

رب العزة والجلال حذرنا من الظلم، وحرم علينا أن يظلم بعضنا بعضا، وأخبرنا على لسان رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن دعوة المظلوم مستجابةٌ حتى ولو كان المظلوم كافرا أو فاجرا.

وقد جاءت أحاديث كثيرة ببيان ذلك، روى البخاري وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: "اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".

وروى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتَّقوا الظلم، فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة".

وبسند حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه".

وفي صحيح الجامع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة".

اسمعوا لهذه البلاغة النبوية والفصاحة والإيجاز في الكلام: "اتقوا دعوة المظلوم" وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم، اجتنبوا دعوة من تظلمونه، فإن دعوته تصعد إلى السماء كأنها شرارة، كناية عن سرعة الوصول لأنه مضطر في دعائه، وقد قال ربنا –سبحانه-: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل: 62].

وكلما قوي الظلم قوي تأثيره في نفس المظلوم فاشتدت ضراعته، ومن ثم قويت استجابته.

الخطبة الثانية:

أيها الظالم:

لا تَظلِمَنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا

فالظلمُ ترجع عقباهُ إلى الندمِ

تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبِهٌ

يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تَنَمِ

فوالله لا أدري كيف ينام الظالم قريرَ العين، وهناك مَن يرفع يدَيه ويتضرع إلى الله يدعو على من ظلمه؟

فصوت المظلوم يسمعه الملِك الجبار، وضعفه مسنودٌ بعدل الملِك القهار.

دعوة المظلوم سهامٌ لا تُخطِئ، وسلاح لا يُبقِي وإن طالَ الدهرُ، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمام، وتُفتحُ لها أبوابُ السموات، ويقول الربُّ -جل وعلا-: وعزَّتي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ".

كيف للظالم أن يهنأ بحياة حين يتَمادى في ظُلْم من هو أضعف منه ممن لا يستطيع أخْذَ حقه لضعفه أو لخوفه، وينسى هذا الظالم قُدرة الله عليه، وأنَّ الله أقدر عليه من قدرته على هذا الضعيف، روى مسلم أن أبا مسعود البدري قال: كنتُ أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: "اعلَم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنى مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود" قال: فألقيتُ السوط من يدي، فقال: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام" قال: فقلتُ لا أضرب مملوكا بعده أبدا.

فيا أيها الظالم: لا تغترّْ بحِلم الله عليك، وإمهالِه لك، فربُّك يُمهل ولا يُهمل، تيقَّن بأن ربك لبالمرصاد، وأن ظُلمك مُستنَسخٌ في كتاب، لا يَضِلُّ ربي ولا ينسى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية: 29].

يا مَن تعتدي على عباد الله بأكل أمولهم بالباطل، وتعتدي بالتضييق عليهم في أرزاقهم: اعلم أن ظلمك مَمحَقة للصالحات، مَذْهَبة للحَسَنات ظلمك يجلب عليك اللعنة والسخط من الجبار المقتدر: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18].

أبواب الفلاح والهداية مُغلَقة في وجهك، قال ربنا: (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام: 21]، وقال سبحانه: (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 86].

تذكر مصيرك المحتوم، وأجلك المختوم، تذكر صرعةَ الموت بشدته وآلامه، تذكر قول الله -جل وعلا-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِم أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) [الأنعام: 93].

وتذكر قول القاهر فوق عباده: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) [القيامة: 26 - 30].

تذكَّر أنَّك ستُلفُّ في خِرَقٍة بيضاء، وستجندل بعدَها في حُفرة ظلماء، وستَعْلم حينَها ووقتَها أنَّك ما كنتَ إلا في غرور.

تذكر ملك الموت نزل ليقبضَ روحك، وأُنزِلت في القبر مع عملك وحدَك، وتخلى عنك البعيد والقريب، والعدو والصديق، والطبيب والحبيب، ونادى المنادي: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ) [الأنعام: 94].

تذكر قول الله القوي القاهر الغالب: (يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر: 52]، فهناك لا ينفعك حسرة ولا اعتذار، ولا خليل ولا شفيع: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ) [غافر: 18]، بل تنتظرك قوارع ربك ووعيده: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227]، وينادي المنادي: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)[طه: 111]، وينادي: (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون: 41].

تذكر يوم تدعى للحساب في يوم يطول فيه وقوفك واستغاثاتك، وتشتد آهاتك وحسرتك، يوم يقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ، وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: 29].

ليتذكر كل ظالم الموت وسَكرَته، والقبر وظلمته، والميزان ودقَّتَه، والصراط وزلَّته، والحساب وسرعته، والحشر وأحواله، والنشور وأهواله.

فهل سيقول ظالم "ما" بعد سماعه لهذا التحذير الشديد، والإنذار والوعيد: لا أظلم أحدًا أبدًا؟