المقدم
كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...
العربية
المؤلف | عبد الله بن ناصر الزاحم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
إن الكلمة مسؤولية عظيمة، فكم من كلمة أفرحت وأخرى أحزنت، وكم من كلمة فرقت وأخرى جمعت، وكم من كلمة أقامت وأخرى هدمت، وكم من كلمة أضحكت وأخرى أبكت، وكم من كلمة شرحت الصدور وآنست القلوب وكلمات تنقبض منها النفوس وتستوحش منها القلوب، وكم من كلمة واست جروحا وأخرى نكأت وأحدثت حروقا.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أسبغ على الخلق نعمه ظاهرة وباطنة وهو الولي الحميد، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
أما بعد عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
معاشر المؤمنين: إن من نعم الله على الإنسان ذلك اللسان الذي يتكلم به، به يعبر عن همومه، ويبين آراءه، ويظهر ما في خاطره، وبه يتبادل الناس المعرفة، ويتعلمون العلوم، وبه تدعو الأمم إلى عقائدها ونحلها، وينشر الأقوام طبائعهم، وعاداتهم، فله فضل عظيم، وفوائد كثيرة يصعب حصرها؛ لذا ذكّر الله عباده بمنته عليهم بخلق هذا اللسان فقال: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد:8-10].
ولأهمية سلامة اللسان لإظهار الحجة، قال موسى -عليه السلام- سائلا ربه: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه:27-28]، وقال -عليه السلام-: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي) [القصص:34].
عباد الله: إن الكلام بهذا اللسان ليس مجرد حركات يقوم بها الإنسان دون أية مسؤولية، بل أوجب الله على هذا الإنسان أن يضبط ما يصدر منه من الأقوال، فهو محاسب عليها، قال -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، بل إن الانضباط من صفات المؤمنين، قال -تعالى- في معرض صفاتهم: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون:3].
وإذا كان المسلم مطالباً بتنزيه لسانه عن قول الباطل، فإنه -أيضا- يجب عليه أن ينزه سمعه، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص:55].
نعم عباد الله، إن الكلمة مسؤولية عظيمة، فكم من كلمة أفرحت وأخرى أحزنت، وكم من كلمة فرقت وأخرى جمعت، وكم من كلمة أقامت وأخرى هدمت، وكم من كلمة أضحكت وأخرى أبكت، وكم من كلمة شرحت الصدور وآنست القلوب وكلمات تنقبض منها النفوس وتستوحش منها القلوب، وكم من كلمة واست جروحا، وأخرى نكأت وأحدثت حروقا.
عباد الله: اتقوا الله حق تقواه، وطهروا ألسنتكم من سيء الأقوال، وبذيء الألفاظ؛ فإن الله -تعالى- قرن الأمر بالقول المستقيم بتقواه، ووعد بالتوفيق للأعمال الصالحة، ومغفرة الذنوب فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
عباد الله: لقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقتال الناس من أجل النطق بكلمة واحدة، هي كلمة التوحيد، وما أعظمها من كلمة! قال -صلى الله عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ" رواه البخاري ومسلم.
وبين الله في كتابه الكريم مثالين واضحين للكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، فقال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [إبراهيم:25-26].
عباد الله: ومما يبين عظم الكلمة ووجوب الاهتمام بها، أنها قد تكون سببا في رضوان الله على العبد، ولربما كانت سببا لحرمانه وشقائه، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم".
وروى الأمام مالك في الموطأ عن بلال بن الحارث -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ".
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
وروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي -صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: "قُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقِمْ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَكْبَرُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: "هَذَا".
وعن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك".
وعن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: "لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت".
ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل"، قال: ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17].
ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله، وعموده، وذروته وسنامه؟"، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: "كف عليك هذا"، ثم قال: فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟".
نسأل الله -عز وجل- أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق:2]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5].
عباد الله: إن الكلمة الطيبة والكلمة السيئة مخرجهما واحد، ويستطيع المسلم أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، قال -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء:53].
أيها الأحباب: إذا كان الإنسان بكلمة يدخل في الإسلام، فإن الكلمة من أكثر أسباب الخروج من الدين والعياذ بالله، فالإنكار والجحود والاستهزاء بدين الله، والسب لله ولرسوله، والتنقص للدين، والتصريح بأفضلية النظم الوضعية والشرائع الأرضية، سيئات كفرية تتعلق بالكلمة.
بل إن الفعل المجرد أوسع من الكلمة، فلو فعل العبد فعلا كفريا، فإنا لا نحكم بكفره بمجرد الفعل، بل نحتاج قبل الحكم عليه إلى تعريفه وتعليمه وبيان خطورة فعله؛ فإن عاند وأصر بكلامه فقد قامت عليه الحجة، وانتفت المعذرة.
كما أن أصل البدع والضلالات وأس الكفر والشرك مبني على الكلمة، وهو القول على الله بغير علم، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33].
فاحذر -أيها المسلم- من زلة لسانك، واحتسب خطورة الكلمة، فإنك بالكلمة يمكن أن ترضي الله، ويمكن أن تسخطه، وبالكلمة يمكنك أيضا أن تمتلك قلوب الناس وتستحوذ على محبتهم، وبالكلمة تسخط الناس وتنفرهم منك.
واعلم -أخي الحبيب- أن حفظ اللسان سلامة، والسلامة لا يعدلها شيء.
ومن آفات الألسن التي يقع فيها كثير من الناس وهم لا يشعرون: القذف، وهو جرم لساني يعاقب عليه القاذف بثمانين جلدة، وترد شهادته، ويحكم عليه بالفسق، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النورك4].
ومنها: كثرة الحلف، قال -تعالى-: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) [البقرة:224]، ومن خالف ما حلف عليه قصدا لزمته الكفارة، قال -تعالى-: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:89].
ومن الكلمات الخطيرة: الطلاق، فهو يقع بكلمة ولو كان الرجل مازحا، ومما يقع بالكلمة: العتق والرجعة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالرَّجْعَة".
ومن آفات اللسان: الكذب، وهو رذيلة خلقية حذر منها الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ! فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا".
ومن آفات اللسان التي انغمست فيها المجتمعات: الغيبة والنميمة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات:12]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ".
ومن آفات اللسان: اللعن، وإفشاء الأسرار، والسخرية والاستهزاء، والمراء والجدال، والخصومة، وغيرها كثير، كلها كلمات توقع العبد في الإثم، وتجعل حسناته عرضة للاستيفاء منه يوم القيامة.
فعليك -يا عبد الله- بالكلمة الطيبة، عليك بالذكر والاستغفار وقراءة القرآن، والتسبيح، ورد السلام، وتشميت العاطس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وإرشاد الناس بالكلمة الطيبة، ففي حديث أبي مالك الأشعري المرفوع: "إنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا"، فقام أعرابي فقال: لمن يا رسول الله؟ قال: "لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَانِتًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ".
عباد الله: إن الكلمة شأنها خطير، فما غزي العالم الإسلامي إلا عن طريق الكلمة، وما غرر بهؤلاء الشباب والشابات إلا عن طريق الكلمة، وما راج الفساد والانحلال إلا بالكلمة، وما تخاصم رجلان إلا بكلمة، وما تنافرت الأسر، وانتشر الحسد والبغض بين الناس إلا بالكلمة.
فاللهَ اللهَ -أيها الإخوة- فيما تقولون وما تتكلمون! فلتكن كلماتكم لكم، ولا تكن عليكم، ولتكن كلماتكم كلمات خير وجمع ومحبة وائتلاف، ولا تكن كلمات فرقة وبغض وتحاسد.
نسألك اللهم أن تحفظ ألسنتنا من الكذب، ومن قول الزور والبهتان، وأن تحفظ أعيننا من الخيانة، وقلوبنا من النفاق، وجوارحنا من المعصية، يا رب العالمين.
عباد الله: صلوا وسلموا على النبي المجتبى، والرسول المصطفى، حيث أمركم ربكم بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].