البحث

عبارات مقترحة:

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

مسؤولية الإنسان المؤمن في الحياة

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. عظم مسؤولية الإنسان في هذه الحياة .
  2. الحقوق العشرة في سورة النساء .
  3. أقسام الأمانات .

اقتباس

إنها أعظم مسؤولية، فلقد تحملت أمانة عظيمة أبت أن تحملها السموات والأرض والجبال وأشفقت منها، وحملتها أنت، ولك الثواب العظيم إن قمت بحقها ورعايتها، أو العذاب الأليم إن أضعتها وفرطت في حقها، وسخرت لك جميع الكائنات بما فيها من منافع لتستعين بها على تحمل هذه الأمانة والقيام بحقها؛ فهل تدري ما هي هذه الأمانة وما جزاء من رعاها، وعقوبة من أضاعها؟ ..

 

 

 
الحمد لله رب العالمين،كرم بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، ووعد من شكره منهم أجراً جزيلاً، وأعد لمن كفر بنعمه عذاباً وبيلاً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصافته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من جميع برياته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وتمسكوا بسنته في حياته. وبعد مماته، وسلم تسليماً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى.

ابن آدم: لقد خلقك الله في أحسن تقويم، وصورك فأحسن صورتك، ورزقك من الطيبات؛ فما هي مسؤليتك في الحياة؟

إنها أعظم مسؤولية، فلقد تحملت أمانة عظيمة أبت أن تحملها السموات والأرض والجبال وأشفقت منها، وحملتها أنت، ولك الثواب العظيم إن قمت بحقها ورعايتها، أو العذاب الأليم إن أضعتها وفرطت في حقها، وسخرت لك جميع الكائنات بما فيها من منافع لتستعين بها على تحمل هذه الأمانة والقيام بحقها؛ فهل تدري ما هي هذه الأمانة وما جزاء من رعاها، وعقوبة من أضاعها؟

إنها ما أوجب الله عليك من حقه وحقوق عباده؛ فإن وعيتها ورعيتها كنت من الذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، وإن أضعتها وأهملتها صرت في أسفل سافلين؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).

أيها الإنسان: إن الطهارة من الحدث أمانة، والصلاة أمانة، وفعل الواجبات أمانة، وترك المحرمات أمانة، وأداء الحقوق إلى مستحقيها أمانة، وأعظم هذه الحقوق ما أوصى الله به في محكم كتابه في قوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً).

وهذه الآية تسمى آية الحقوق العشر؛ لأنها اشتملت على عشرة حقوق، وهي حق الله، وحق الوالدين، وحق القرابة، وحق اليتامى، وحق المساكين، وحق الجار القريب، وحق الجار الجنب، وحق الصاحب بالجنب، وحق ابن السبيل وحق المماليك.

فأما حق الله -سبحانه- وتعالى؛ فإنه أعظم الحقوق وأول الواجبات، وهو أن تعبده ولا تشرك به شيئاً وهو الذي خلقت من أجله كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والعبادة لا تنفع صاحبها إلا مع الإخلاص؛ بحيث لا يشوبها شرك أكبر ولا أصغر كما قال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ومن لم يعبد الله صار عبداً لغيره من الشياطين والأهواء والأطماع والشهوات أو الأصنام والأوثان. فالإنسان عبد ولا بد؛ إمّا لربه وإما لغيره، وعبادته لربه وخالقه شرف وعز ورفعة، وعبادته لغيره ذل وهوان وخسارة.

وبعد حق الله تعالى حق الوالدين؛ وهو برّهما والإحسان إليهما، ودفع الأذى عنهما وعدم الإساءة إليهما بالقول أو الفعل، وذلك مقابل ما أسدياه إليك من الجميل في وقت لا تستطيع فيه أن تنفع نفسك بأي شيء ولا تدفع عنها أي ضرر، بل لا تميز بين الضار والنافع، وقد ربياك وتعاهداك في تلك الحال فرد جميلهما (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).

قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان، بالشكر والإحسان، والتزام البر والطاعة والإذعان، من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته، وشكر بشكره وهما الوالدان؛ فقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ).

ثم يأتي بعد حق الوالدين حق الأقارب؛ وهم ذوو الأرحام الذين تجمعك بهم قرابة من جهة والأب أو من جهة الأم؛ كالأجداد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات والإخوة والأخوات. وحقهم عليك أن تصلهم وتحسن إليهم بالمال والزيارة والسلام وسائر وجوه الإحسان القولي والفعلي.

ثم حق اليتامى وهم الصغار الذين فقدوا آباءهم؛ وذلك بالإحسان إليهم والرأفة بهم وكفالتهم وحفظ أموالهم وتربيتهم، وفي ذلك أجر عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" رواه مسلم.

ثم حق المساكين؛ وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم. وذلك بمواساتهم والتصدق عليهم وتفقد أحوالهم؛ روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر".

ثم حق الجار؛ بالإحسان إليه وكف الأذى عنه، وقد جاء الترغيب بالإحسان إلى الجار والوعيد الشديد لمن آذى جاره. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد؛ فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق، فالجار المسلم القريب، له حق الجوار، وحق القرابة وحق الإسلام، والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم، فله حق الإسلام وحق الجوار، والجار الذي له حق واحد وهو الكافر له حق الجوار.

ثم حق الصاحب بالجنب؛ وهو الرفيق في السفر، وذلك بحسن مصاحبته والإحسان إليه.

ثم حق ابن السبيل؛ وهو المسافر الذي يجتاز بك ماراً. ومن الإحسان إليه إعطاؤه ما يحتاج إليه في سفره وهدايته إلى الطريق إذا ضل.

ثم حق المماليك من الأرقاء والبهائم بالإحسان إليهم والرفق بهم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة سيّئ الملكة".

ثم ختم سبحانه الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) فنفى سبحانه محبته عن المختال الفخور؛ وهو المتكبر الذي يفتخر بنفسه ويتطاول على الناس، وخص هاتين الصفتين؛ لأنهما تحملان المتصف بهما على الإعراض عن الأقارب والفقراء والجيران وغيرهم ممن ذكر في الآية فلا يحسن إليهم.

أيها المسلم: إن هذه الحقوق المذكورة في هذه الآية من أهم أنواع الأمانة التي تحملها فأحسن أداءها والقيام بها كما أمرك الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا).

أيها التاجر: إنك مؤتمن على أموالك، فأحسن التصرف فيها على الوجه المشروع. ومؤتمن على بيعك وشرائك فالزم الصدق ولا تغش ولا تخدع المتعاملين معك.

أيها الموظف: إنك مؤتمن على عملك الوظيفي؛ فأحسن القيام به على الوجه المطلوب لا تعرقل معاملات المراجعين، لا تحاب الأقوياء وتستهين بالضعفاء، لا تقبل الرشوة؛ فإنها سحت ومقت، توجب لعنة الله وغضبه على آخذها ودافعها والساعي فيها.

أيها الأب: إنك مؤتمن على أولادك؛ فأحسن تربيتهم وتعليمهم وتنشئتهم على الخير، وأبعد عنهم وسائل الشر التي تفسد أخلاقهم؛ فلا يكن في بيتك أفلام خليعة أو أغان ماجنة، أو مجلات تشتمل على الصور الفاتنة والمقالات الفاسدة، أو كتب تشتمل على قصص العشق والغرام وتقود إلى الفحش والحرام، أو كتب تشتمل على الكفر والإلحاد، وفساد الاعتقاد. لا يكن في بيتك خديمون وخديمات أجانب يختلطون بنسائك وأولادك يفسدون أخلاقهم وينفثون فيهم الشر، وربما يوقعونك في كارثة لا تستطيع الخلاص منها، فإن معظم النار من مستصغر الشرر.

أيها المسلمون: تنبهوا لمسؤليتكم، وخذوا على أيدي سفهائكم، وتذكروا الأمانة التي تحملونها، وقوموا بحفظها ورعايتها تفوزوا بالثواب وتنجوا من العقاب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، على فضله وإحسانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، واعلموا أن الأمانات على قسمين:

قسم يتحمله الإنسان لازماً من حين يبلغ الحلم ويستمر حاملاً إلى أن يموت. وهو ما أوجبه الله عليه من عبادته وحده لا شريك له، وفعل أوامره وترك نهي عنه، والإحسان إلى إخوانه المسلمين وكف الأذى عنهم، وملازمة الصدق في تعامله معهم والنصيحة لهم وعدم التعدي على دمائهم وأموالهم وأعراضهم وأسرارهم، وهذه الأمانة يعم تحملها جميع المكلفين.

والقسم الثاني من الأمانة: الأمانة الخاصة وهي: ما يتحمله الإنسان بإرادته واختياره من حفظ الودائع والنظر للقاصرين من اليتامى ونحوهم، والقيام على الأوقاف والوصايا، والقيام بالأعمال الوظيفية العامة والخاصة، والتعهدات التي يتعهد الإنسان بالقيام بها عن طريق الإجازة أو المقاولة، والديون التي يتحملها الإنسان في ذمته والأسرار التي يتعهد بحفظها وعدم إفشائها، والعهود والمواثيق التي يقطعها الإنسان على نفسه للآخرين، فيجب على المسلم المحافظة على هذه الأمانات وأداؤها لأصحابها بالوفاء والتمام، يقول الله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) ويقول سبحانه: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وقال صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن أمانة له" وقال صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف،وإذا ائتمن خان". والأحاديث في هذا كثيرة.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- بحفظ أماناتكم ورعايتها وأدائها؛ فإن أمرها عظيم، وخطرها جسيم، وما منكم من أحد إلا وهو مؤتمن على دينه وعلى ماله وأهله وإخوانه المسلمين.

فاتقوا الله واستعينوا بالله على تحمل هذه الأمانات، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.