البحث

عبارات مقترحة:

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

أهمية الوفاء بالعهود والمواثيق

العربية

المؤلف صالح بن مقبل العصيمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أهمية الوفاء بالعهود .
  2. فضائل الوفاء بالعهود والمواثيق .
  3. ثمرات الوفاء بالعهود والمواثيق .
  4. وفاء المملكة بعهودها وواجباتها. .

اقتباس

الْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ مَنْهَجٌ شَرْعِيٌّ، يُرَبِّي الإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ عَلَيْهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الإِسْلَامِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ؛.. قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ إِنْسَانًا شَيْئًا- لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ- فَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ" بَلْ أَوْجَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفِيَ بِهَذَا الْوَعْدِ. وَضَرَبَ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ الْمُشْرِقَةِ الْمُضِيئَةِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ.

وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ، الْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ مَنْهَجٌ شَرْعِيٌّ، يُرَبِّي الإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ عَلَيْهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الإِسْلَامِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ؛ اِمْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1].

قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ إِنْسَانًا شَيْئًا- لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ- فَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ" بَلْ أَوْجَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفِيَ بِهَذَا الْوَعْدِ.

وَضَرَبَ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ الْمُشْرِقَةِ الْمُضِيئَةِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ؛ فَحِينَمَا صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ مَا فِي ظَاهِرِ هَذَا الصُّلْحِ مِنْ ظُلْمٍ وَجَوْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ إلّا أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ- أَمْضَاهُ، وَوَفَّى بِهِ، وَكَانَ مِنْ بُنُودِهِ أَنْ تُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَ الْجَانِبَينِ عَشْرَ سِنينَ، قَالَتْ قُرَيْشٌ: "أَلَّا يَأْتِينَّكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ؛ إلّا رَدَدْتَهُ إِلَينَا؛ فَوَافَقَ الرَّسُولُ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى هَذَا الْبَنْدِ، وَمَا إِنْ اِنْتَهَى الصُّلْحُ وَأُمْضِي إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلٍ بُنِ عَمْرٍ يَرْسِفُ فِي قُيُودِهِ، وَرَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ زَعيمُ قُرَيْشٍ سُهَيْلُ بُنُ عَمْرٍ، وَلَمْ يَكِنُ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدُ: "هَذَا يا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيهِ، أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ"، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِمْضَاءً لِلْعَهْدِ.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْبَلَ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلُ أَبُو بَصيرٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ الصُّلْحِ، مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ، فَارًّا بَدينِهِ؛ فَأَرْسَلَ الْمُشْرِكُونَ رَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهِ، فَقَالُوا لِلْنَبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْعَهْدُ الَّذِي جَعَلْتَهُ لَنَا"؛ فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ؛ وَفَاءً بِالْعَهْدِ، وَقَدْ ثَبَتَا، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-مَا، عَلَى دِينِهِمَا مَعَ شِدَّةِ مَا لَاقَوْهُ، ثُمَّ كَانَ  نَقْضُ الْعَهْدِ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا تَجَلَّى وَفَاءُ سَيِّدِ الأوفياءِ مَعَ أَعِدَاءِ الإسلام؛ فَأَتَمَّ وَأَوفَى، وَلِمَ لَا وَهُوَ مَنْ أَمَرَنَا بِالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ، وَحَثَّنَا عَلَيهَا، وَحَذَّرَنَا مِنْ نَقْضِهَا؟ وَهُوَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ.

 فالإِسْلَامُ دِينٌ عَظِيمٌ، يَلْتَزِمُ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، وَيَأْمُرُ أَتْبَاعَهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا؛ وَالْمُؤْمِنُ يَلْتَزِمُ بِالْعُهُودِ طَاعَةً للهِ، وَاِلْتِزَامًا بِشَرْعِهِ، وَإِنْفَاذًا لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152]، وقَولِهِ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 91]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34].

وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ مِنْ سِمَاتِ أَهْلِ الإِيمَانِ؛ حَيْثُ مَدَحَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْوَافِينَ بِعَهْدِهِمْ، وَبَينَ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَّقِينِ الصَّادِقِينَ؛ وَذَلِكَ حِينَ قَالَ تَعَالَى: (..وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177].

وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَالصِّدْقُ فِي الْوَعْدِ؛ مِنْ صِفَاتِ الأَنْبِيَاءِ، وَشِيَمِ الصَّالِحِينَ؛ قَالَ تَعَالَى وَاصِفًا نَبِيَّهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) [مريم: 54].

وَقَدْ حَثَّنَا رَسُولُ اللَّهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَلَى الْوَفَاءِ بِكُلِّ الْعُهُودِ والعُقُودِ؛ حَتَّى بِالْعُقُودِ، وَالْعُهُودِ، والأَيْمَانِ؛ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ مَا دَامَتْ تَحُضُّ عَلَى التَّعَاوُنِ؛ فقَالَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوْفُوا بِحِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا شِدَّةً" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).

وَعن أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: "بَعَثَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَقَعَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: "إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

وَمَعْنَى: لَا أَخِيسُ: لَا أَنْقُضُ الْعَهْدَ.

عِبَادَ اللهِ، وَلَقَدْ سَارَ صَحَابَةُ النَّبِيِّ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- عَلَى نَهْجِهِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ؛ فَقَدْ كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِم؛ْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدَرَ، فَنَظَرُوا فَإِذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدُّ عُقْدَةً، وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ خَدِيعَةٌ بِالْمُعَاهِدِينَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا اِقْتَضَاهُ لَفْظُ الْعَهْدِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَفْظًا، أَوْ عُرْفًا خَدِيعَةٌ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ". اِنْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.

وَلَقَدْ ضَرَبَتْ بِلَادُنَا – وَللهِ الْحَمْدُ- مِنْذُ أُسِّسَتْ؛ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، فِي قَرَارَاتِهَا الْفَرْدِيَّةِ وَتَحَالُفَاتِهَا؛ حَتَّى مَعَ نَقْضِ أَعْدَائِهَا لِمُعَاهَدَاتِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُوثِيَّةُ الَّذِينَ نَقَضُوا عَشَرَاتِ الْعُهُودِ، وَكَلَّمَا مَدُّوا أَيدِيهِمْ لِلصُّلْحِ؛ مُدَّتْ إِلَيْهِمُ الأَيْدِي؛ حِرْصًا عَلَى الْيَمَنِ وَمَصَالِحِهَا.

وَبِلَادُنَا وللهِ الْحَمْدُ قَوِيَّةٌ وَعَزِيزَةٌ، وَلَا تَتَنَازَلُ أَوْ تَتَصَالَحُ عَنْ ضَعْفٍ أَوْ خَوَرٍ؛ وَإِنَّمَا تَقْدِيرًا لِلْمَصَالِحِ، وَدَفْعًا لِلْمَفَاسِدِ، وَمُرَاعَاةً لِمَصْلَحِةِ الْيَمَنِ، الَّتِي لَا تَهُمُّ الْحُوثِيَّةَ وَمَنْ مَعَهَا، وَهِيَ -وَللهِ الْحَمْدُ- لَمْ يُعْرَفْ عَنْهَا يَوْمًا أَنَّهَا نَقَضَتْ عَهْدًا، وَلِذَا جَعَلَهَا اللهُ مُوَفَّقَةً وَمُبَارَكَةً، نِعَمُ اللهِ عَلَيْهَا تَتَوَالَى، وَأَمْنُهَا مُسْتَقِرٌّ، وَقَدْ تُخطِّفَ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهَا؛ فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَ لَنَا الأَمْنَ والأَمَانَ، والسَّلَامَةَ وَالإِسْلَامَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.   

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

عِبَادَ اللهِ، اِعْلَمُوا أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَمَرَاتٌ عَظِيمَةٌ، يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْجَمَاعَةِ؛ فَمِنْ هَذِهِ الثَّمَرَاتِ:

الإِيمَانُ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ). أَيْ: مَنْ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ، ثَمَّ غَدَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ؛ فَدِينُهُ نَاقِصٌ.

تَحَقُّقُ التَّقْوَى: فَالتَّقْوَى أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللهِ، وَثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الاِلْتِزَامِ بِمِيثَاقِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 36]

مَحَبَّةُ اللهُ: أَثْبَتَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لِلْمُتَّقِينَ الْمُوفِينَ بِعَهْدِهِمْ، الْمُسْتَقِيمِينَ عَلَى عُهُودِهِمْ وَمَوَاثِيقِهِمْ؛ حَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِمِ؛ مَا اِسْتَقَامُوا هُمْ عَلَى تِلْكَ الْعُهُودِ، قَالَ تَعَالَى: (فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 7].

صَوْنُ الأَعْرَاضِ وَالدِّمَاءِ، وَتَحَقُّقُ الأَمْنِ: لَمْ تَقْتَصِرِ آثَارُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحْدَهمُ، وَإِنَّمَا شَمَلَ أيْضًا الْكُفَّارَ الَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِ الإِسْلَامِ، وَلَهُمْ عُهُودٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَوْجَبَ الإِسْلَامُ الْوَفَاءَ لَهُمْ بِالْعُهُودِ والْمَوَاثِيقِ، صِيَانَةً لِدِمَائِهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُ".

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نُضَلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا.

الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...