البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات فقه النوازل - التوحيد
عناصر الخطبة
  1. أهمية إصلاح العقيدة .
  2. أهمية الاعتصام بحبل الله .
  3. أهمية مناصحة ولي الأمر .

اقتباس

وقد ضل عن هذه الطريقة اليوم كثير من الدعاة فصاروا يطالبون بإصلاح جوانب من الأعمال والتصرفات، ويتركون جانب العقيدة وهم يشاهدون الناس يقعون في الشرك الأكبر عند القبور والمزارات؛ فلا ينهونهم ولا يبينون لهم ما هم عليه من ضلال وشرك، وهذا من جهل هؤلاء الدعاة أو تجاهلهم بطريقة الرسل في الدعوة. ومهما دعوا ومهما اتبعوا؛ فإن دعوتهم لا تفيد ولا تجدي ما دامت تتجاهل أمر العقيدة

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، أرسل إلينا أفضل الرسل، وأنزل علينا أفضل الكتب وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، وأمرنا بالاجتماع على الحق والهدى، ونهانا عن الافتراق واتباع الهوى، أحمده وأشكره على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ترك أمته على المحجة البيضاء، لا خير إلا دلها عليه، ولا شر إلا حذّرها منه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم وبمقتضى هذه الأخوة تتحابون، وبمقتضاها تتناصرون على الحق، وبمقتضاها تتراحمون، وبمقتضاها تتناصحون وتتآمرون بالمعروف وتتناهون عن المنكر؛ فإن الأخوة في الدين أعظم وأقوى من الأخوة في النسب.

روى الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".

فالله تعالى غني عن خلقه لا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم، وإنما نفع ذلك أو ضرره عائد إليهم؛ فهو يرضى لعباده ما ينفعهم ويكره لهم ما يضرهم؛ رحمة منه بهم وإحساناً منه إليهم؛ فقد رضي لهم الإسلام ديناً وكره لهم الكفر؛ قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).

وهو -سبحانه- يرضى عن المؤمنين ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ورضاه وكراهيته صفتان من صفات كماله، تليقان بعزه وجلاله.

وفي هذا الحديث الشريف يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه يرضى لنا أن نتصف بثلاث خصال تجمع لنا خير الدنيا والآخرة:

الخصلة الأولى:

أن نصلح عقيدتنا فنعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً؛ لأن العقيدة هي الأساس الذي يبنى عليه جميع الأعمال، فإذا صحت العقيدة صحت جميع الأعمال وأفادت، وإذا فسدت العقيدة فسدت جميع الأعمال ولم يستفد منها صاحبها، ولهذا كان جميع الرسل يطالبون قومهم بإصلاح العقيدة قبل كل شيء –كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) وكل رسول يقول لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). وهكذا يجب على كل الدعاة والمصلحين أن يبدؤوا في دعوتهم في إصلاح العقيدة وتنقيتها من الشرك.

وقد ضل عن هذه الطريقة اليوم كثير من الدعاة فصاروا يطالبون بإصلاح جوانب من الأعمال والتصرفات، ويتركون جانب العقيدة وهم يشاهدون الناس يقعون في الشرك الأكبر عند القبور والمزارات؛ فلا ينهونهم ولا يبينون لهم ما هم عليه من ضلال وشرك، وهذا من جهل هؤلاء الدعاة أو تجاهلهم بطريقة الرسل في الدعوة. ومهما دعوا ومهما اتبعوا؛ فإن دعوتهم لا تفيد ولا تجدي ما دامت تتجاهل أمر العقيدة.

إن أمر الأمة لا يستقيم ولا يتوفر لها الأمن والرزق إلا إذا صلحت عقيدتهم، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فوعد سبحانه بحصول هذه المطالب العظيمة: الاستخلاف في الأرض، وتمكين الدين، وتوفر الأمن بعد الخوف إذا صحت العقيدة بالإيمان به وبعبادته وحده لا شريك له.؛ فإذا أوفى العباد بذلك فإن الله لا يخلف وعده.

 

 

الخصلة الثانية:

 

مما يرضاه لنا أن نعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق. وحبل الله هو القرآن والسنة، والاعتصام به هو التمسك به والعمل بما فيه بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن ذلك ضمان من افتراق الكلمة واختلاف الآراء؛ قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).

ولما أمر صلى الله عليه وسلم بالاعتصام بحبل الله والاجتماع عليه نهى عن التفرق بجميع أنواعه؛ كالتفرق في الولاية والقيادة والتفرق في الآراء، والتفرق في العمل؛ فإن التفرق مذموم وهو من صفات اليهود والنصارى. كما قال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ).

والتفرق يفضي إلى تمزق الأمة ووقوع العداوة بين أفرادها ويطمع فيها أعداءها، وديننا دين الجماعة فهو يأمرنا بالاجتماع تحت قيادة واحدة، ويأمرنا بالاجتماع لأداء الحج، ويأمر المسلمين في جميع أقطار الأرض أن يتجهوا إلى قبلة واحدة؛ كل ذلك مما يدل على طلب الاجتماع في القلوب والأعمال.

ولما كان حصول الاختلاف متوقعاً؛ لأنه من طبيعة البشر، أمر بحسمه بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ولا بد أن في الكتاب والسنة ما يحل الإشكال وينهي النزاع. وهذا من رحمة الله بعباده.

ومما يؤسف له أننا نرى اليوم بعض من يتسمّون بالدعاة وينتسبون لطلب العلم نراهم متفرقين إلى جماعات أو جمعيات. كل جماعة أو جمعية لها اسم خاص ومنهج خاص يختلف عن منهج الأخرى وهذا التفرق سيفضي بهم إلى نتائج سيئة، ولا نستبعد أن يكون ذلك من تخطيط أعداء الإسلام؛ ليكيدوا للمسلمين ويشغلوا بعضهم ببعض، وقد حذر الله من ذلك بقوله: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).

فالواجب على هؤلاء أن يتركوا التعصب ويرجعوا إلى اجتماع الكلمة ووحدة الصف ويوحدوا منهجهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم، وإذا حصل بينهم اختلاف في فهم بعض المسائل الفرعية فلا يكون هذا سبباً في تفرقهم؛ فقد كان السلف يختلفون في فهم بعض المسائل الفرعية ولا يؤثر ذلك في محبة بعضهم لبعض وفي اجتماع كلمتهم.

الخصلة الثالثة:

مما يرضاه الله لنا مناصحة من ولاه الله أمرنا –وهو إمام المسلمين ومن ينوب عنه من الولاة وذلك بطاعتهم بالمعروف وعدم مخالفتهم، وبالدعاء لهم، وإعانتهم على ما فيه صلاحهم وصلاح رعيتهم.

ويجب على من فوض إليه ولي الأمر القيام بعمل من الأعمال أن يؤديه على الوجه المطلوب، فيجب على الموظف أن يقوم بعمل وظيفته على الوجه المطلوب لا ينقص منه شيئاً، ولا يحابي فيه قريباً أو صديقاً، ولا يأخذ عليه رشوة أو أي مقابل سوى ما حدده له ولي الأمر من المرتب الخاص.

فالموظف الذي لا يقوم بعمل وظيفته على الوجه المطلوب، أو يحاول أن يستغل منصبه لمضارة المسلمين، ويبيع عليهم عمله بالرشوة المحرمة الملعونِ من تعاطاها أو أعان عليها. الموظف الذي هذه حاله قد خان أمانته ولم ينصح لولي الأمر.

أيها المسلمون: وهكذا نجد في الحديث الشريف من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم ما يضمن لنا الفلاح والصلاح وذلك بالاجتماع على عقيدة واحدة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه من الأصنام والقبور بأي شكل من أشكال العبادة.

والاجتماع على الرجوع إلى مصدر واحد لحل مشكلاتنا وإنهاء خصوماتنا هو كتاب الله وسنة رسوله، والاجتماع تحت قيادة واحدة نطيعها ونناصحها في كل تصرفاتنا. إننا بهذا نحصل على رضي الله وحسن مثوبته عاجلاً وآجلاً.

وفق الله المسلمين للتمسك بكتابه وسنة رسوله، وجنبهم التفرق والاختلاف إنه سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.