القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | صلاح بن محمد البدير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
ثانية أركان الإسلام، ودعائمه العظام، هي بعد الشهادتين آكد مفروض، وأجل طاعة، وأرجى بضاعة، من حفظها حفظ دينه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع. جعلها الله قرة للعيون، ومفزعا للمحزون؛ فكان...
الخطبة الأولى:
إن تقوى الله أفضل مكتسب، وطاعته أعلى نسب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
ولقد أنعم الله عليكم بنعم سابغة، وآلاء بالغة، نعم ترفلون في أعطافها، ومنن أسبلت عليكم جلابيبها، وإن أعظم نعمة، وأكبر منّة: نعمة الإسلام والإيمان، يقول تبارك وتعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17]، فاحمدوا الله كثيرا على ما أولاكم وأعطاكم، وما إليه هداكم، حيث جعلكم من خير أمة أخرجت للناس، وهداكم لمعالم هذا الدين الذي ليس به التباس، ألا وأن من أظهر معالمه، وأعظم شعائره، وأنفع ذخائره: الصلاة، ثانية أركان الإسلام، ودعائمه العظام، هي بعد الشهادتين آكد مفروض، وأجل طاعة، وأرجى بضاعة، من حفظها حفظ دينه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع، يقول النبي -صلى الله عليه وسلمَ-: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة".
جعلها الله قرة للعيون، ومفزعا للمحزون؛ فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ويقول عليه الصلاة والسلام: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وكان ينادي: "يا بلال أرحنا بالصلاة".
إن الصلاة هي أكبر وسائل حفظ الأمن، والقضاء على الجريمة، وأنجع وسائل التربية على العفة والفضيلة: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت: 45].
وهي سر النجاح، وأصل الفلاح، وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله فإن صلحت فقد أفلح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.
والمحافظة عليها عنوان الصدق والإيمان، والتهاون بها علامة الخذلان والخسران، طريقها معلوم، وسبيلها مرسوم، "من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة".
ومن حافظ على هذه الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله وجبت له الجنة نفحات ورحمات وهبات وبركات؛ بها تكفر السيئات، وترفع الدرجات، وتضاعف الحسنات، يقول رسول الهدى -صلَى الله عليه وسلم-: "أرأيتم لو أن نهرا باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" [متفق عليه].
إن من أكبر الكبائر وأبين الجرائر: ترك الصلاة تعمدا، وإخراجها عن وقتها كسلا وتهاونا، يقول النبي -صَلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" [رواه أحمد]، وقال عليه الصلاة والسلام: "بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة" [رواه مسلم]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلمَ-: "من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان" [رواه البزار]، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- محذرا ومنذرا: "لا تتركن صلاة متعمدا فمن فعل ذلك فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله" [رواه الطبراني].
إن التفريط في أمر الصلاة من أعظم أسباب البلاء والشقاء ضنك دنيوي وعذاب برزخي وعقاب أخروي، يقول جل وعلا: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59].
أيها المسلم: كيف تهون عليك وأنت تقرأ الوعيد الشديد في قوله جل وعلا: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4 - 5]، كيف تتصف بصفة من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 142]؟
والصلاة عبادة عظمى لا تسقط عن مكلف بحال ولو في حال الفزع والقتال، ولو في حال المرض والإعياء ما عدا الحائض والنفساء، يقول تبارك وتعال: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 238 - 239].
أيها المسلمون: جاءت الأدلة الشرعية الصحيحة الصريحة ساطعة ناصعة متكاثرة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال حضرا وسفرا، يقول جل وعلا: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43]، ويقول تبارك وتعالى لنبيه وهو في ساحة القتال: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ) [النساء: 102]، ويقول عبد الله بن مسعود -رَضي الله عنه-: "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى بها يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" [رواه مسلم].
لقد اشتد غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- على المتخلفين عن جماعة المسلمين، فقال عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا يصلى بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" [متفق عليه]، ويقول أبو هريرة -رَضي الله عنه-: "لأن تمتلىء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب"، وقال صَلى الله عليه وسلم: "من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلى" قيل: وما العذر يا رسول الله؟ قال: "خوف أو مرض" [رواه أبو داود وغيره].
يا من يأتي المساجد في فتور وكسل ويقضي وقتا قليلا على ملل: أما علمت أن المساجد بيوت الله وأحب البقاع إليه جل في علاه، يقول النبي -صَلى الله عليه وسلم-: "المسجد بيت كل تقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة" [رواه الطبراني]، وقال عليه الصلاة والسلام: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "ورجل قلبه معلق بالمساجد" [متفق عليه].
فيا من يتوانى ويتثاقل ويتساهل ويتشاغل: لقد فاتك الخير الكثير ،والأجر الوفير، يقول النبي -صلى الله عليه وسلمَ-: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح" [متفق عليه].
ومن تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته أحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة، وإن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -نعوذ بالله من الخذلان والخسران-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 36 - 38].
اتقوا الله في أبنائكم قرة عيونكم فإنهم أمانة في أعناقكم، مروهم بالمحافظة على الصلوات، وحضور الجمع والجماعات، رغبوهم ورهبوهم وشجعوهم بالحوافز والجوائز، نشئوهم على حب الآخرة، وكونوا لهم قدوة صالحة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طـه: 132]، يقول رسول الله -صَلى الله عليه وسلم-: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين" [أخرجه أحمد].