الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | راشد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
وفي يوم عاشوراء أحدث الناس بدعًا ما أنزل الله بها من سلطان، وتفرقت الأمة بسبب هذا اليوم إلى فرق وأحزاب، وكل ذلك بسبب البُعد عن منهج محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويوم أن تدخل الأهواء وتتحكم العقول في العبادات التي شرعها محمد -صلى الله عليه وسلم- تتقسم هذه الأمة، وتذهب إلى فرق وأحزاب... من سار على هدي محمد بن عبدالله واقتفى خطاه فهو من الفرقة الناجية التي تنجو من عذاب الله.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستغفره ونستعينه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدا.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى من سلك سبيلهم أو سار أو استنار بهدي المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى.
إخوة الدين والعقيدة: هذا الشهر المبارك والشهر العظيم الذي حل بنا شهر الله المحرم الذي أضافه الله -جل وعلا- إليه وهو من الأشهر الحرم التي قال الله -جل وعلا- عنها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا"، ثم ذكر الأربعة الحرم وهي "ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر".
وهذه الأشهر الحرم سميت حُرمًا؛ لأن الله -جل وعلا- حرّم القتال فيها، وفي هذا الشهر اتفق الصحابة -رضوان الله عليهم- على أن يكون ابتداء العام الهجري من شهر محرم؛ لأنه الشهر الذي عزم فيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الهجرة إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام.
وشهر الله المحرم فيه الكثير من العبر والدروس التي يستلهمها المسلم في حياته يستلهم منها دروس النصر، ويستلهم منها دروس التعلق بالله -جل وعلا-، ويأخذ منها كذلك أن يجعل العبد نفسه طوعًا لأمر الله يسير وفق شرع الله -جل وعلا-؛ لأن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
وفي شهر الله المحرم يوم عظيم من أيام الله الخالدة، يوم يتذكره المسلمون ويتذكرون نصر الله -عز وجل- لعباده المؤمنين، إنه يوم عاشوراء الذي صامه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان فرضًا على هذه الأمة أن يصوموه؛ إنه يوم عاشوراء الذي بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب صيامه، فقد أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة فكان اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" قالوا: يوم نجى الله -جل وعلا- فيه موسى وقومه فنحن نصومه لذلك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أولى بموسى منكم"، فصامه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر المسلمين بصيامه شكرًا لنعمة الله -جل وعلا- على أن نجى الله -عز وجل- موسى وقومه.
وهكذا أهل الإسلام، وهكذا أتباع القرآن، وهكذا حَمَلة الرسالة أتباع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إذا وجبت عليهم النعم شكروها بشكر الله -جل وعلا- والتقرب إليه بطاعته، كان شكر النعم عند الصحابة -رضوان الله عليهم- هو تقرب إلى الله بالحمد والثناء والطاعة لله -جل وعلا-؛ لأنهم يعلمون علم يقين أن النعم تبقى بشكرها وتفر بكفرها، وتُستجلب بالثناء والحمد لله -جل وعلا- عليها: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].
وبيّن لنا -صلى الله عليه وسلم- فضل صيام يوم عاشوراء، فقال عليه الصلاة والسلام، وأرعوا أسماعكم يا أتباع رسالته، يا حراس ملته، يا أحبابه، ويا من تقتفون سيرته وتسيرون على منهجه ومسيرته، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والسنة القابلة"، "وصيام يوم عاشوراء يكفّر السنة الماضية".
ولفضله ولأهميته ومنزلته يقول ابن عباس -حبر الأمة وبحرها وحبرها، رضي الله عنهما- قال: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى يومًا من الأيام التي أمر بصيامها كما يتحرى صوم يوم عاشوراء" عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه أن يكثروا من الصيام في شهر الله المحرم وخاصة يوم عاشوراء؛ ولأن من منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن هديه مخالفة الكفار من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".
فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وحث أصحابه على أن يصوموا اليوم التاسع مع يوم عاشوراء؛ مخالفة لليهود؛ عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
أيها المؤمنون: وفي يوم عاشوراء أحدث الناس بدعًا ما أنزل الله بها من سلطان، وتفرقت الأمة بسبب هذا اليوم إلى فرق وأحزاب، وكل ذلك بسبب البُعد عن منهج محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويوم أن تدخل الأهواء وتتحكم العقول في العبادات التي شرعها محمد -صلى الله عليه وسلم- تتقسم هذه الأمة، وتذهب إلى فرق وأحزاب كيف لا وقد قال سيدنا -صلى الله عليه وسلم-: "وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة"، قالوا: من هي يا رسول الله؟ ما علامتها كيف نعرفها حتى نسير على هديها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
من سار على هدي محمد بن عبدالله واقتفى خطاه فهو من الفرقة الناجية التي تنجو من عذاب الله.
أما فرقة الروافض الذين ينوحون ويلطمون، ويشقون الجيوب، ويلطمون الخدود حزنا على موت الحسين بن علي -رضي الله عنه وأرضاه-، وهنا ننبه إلى بعض القضايا، لما ولي يزيد بن معاوية لم يبايع الحسين بن علي، فأرسل إليه أهل العراق يقولون: إن الظلم حل بنا، فنريدك أن تقدم علينا لحماية هذه الشريعة، وإقامة العدل.
فتهيأ الحسين بن علي للذهاب إليهم، وأرسل قبله ابن عمه مسلم بن عقيل، فأتى إليه ابن عباس وابن عمر وسادة الصحابة -رضوان الله عليهم- يحذرونه من مغبة هذا القرار، ومن هذه الخطوة ويقولون له: إن شيعة العراق قوم أهل غدر، وقد غدروا بأبيك فلا ترحل إليهم، وإن كنت لا بد ناويًا، فعليك باليمن؛ فإن بها شيعة لأبيك سيمنعونك ويحمونك.
فأبى إلا اللحاق بهم، فلما ذهب مسلم بن عقيل، وبقي أيامًا قتلوه، فعلم الحسين بن علي -رضي الله عنهما- بعدما ذهب إليهم أنهم قد غدروا به فخيرهم بين ثلاثة أمور: بين أن يعود إلى بلده فأبوا، وبين أن يذهب إلى يزيد فأبوا، وبين أن يذهب إلى الثغور للجهاد فأبوا، فقاتلوه قتالاً عظيمًا، ومعهم جيش يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد فحاصروه حصارًا عظيمًا حتى أدخلوا فيه الجراح وقتلوه، ولم يراعوا حرمة له؛ لأنه مسلم، ولا حرمته لأنه من آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فاحتذ رأسه -رضي الله عنه وأرضاه وأكرم ذاك الرأس!- ثم ذُهب به إلى عبيد الله بن زياد، وكان فاجرا ظالما، فلما أخذ رأسه وإذا به يأخذ عود فينكت به بين أسنانه، فيقول له أنس بن مالك: "يدك عن فم بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبّله في هذا الموضع".
وشاء الله -عز وجل- أن يقتص من الظالم وإذا برأس عبيد الله بن زياد بين رجل آخر ينكت بالعود بين أسنانه.. "بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين".
ومن ذاك اليوم أحدث الروافض في هذا اليوم بدعًا عظيمة، وأمورًا كثيرة هي عار على هذه الأمة لم يأذن الله -جل وعلا- بها، بل إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أنها من أمور الجاهلية التي حذّر منها، والآن تقام باسم الإسلام، تُضرب الأجساد، ويُضرب الأطفال وتراق الدماء، وتحدث فتن عظيمة ما أنزل الله بها من سلطان، فينظر الغرب إلى هذه الأفعال الشنيعة على أنها من دين محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام-، وليست من دينه -صلى الله عليه وسلم-.
أما يزيد بن معاوية يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وفي هذا اليوم وهو يوم عاشوراء أحدث الروافض لعنًا وسبًّا وشتمًا وقذفًا لسادة الصحابة -رضوان الله عليهم-، فيسبون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وسادات الصحابة -رضوان الله عليهم-"، ثم يقول -رحمه الله-: "إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ لهم حريماً، بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم.
أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل، بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم، ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم، بل لم تُسْبَ هاشميّة قط" ا.هـ.
أما يزيد بن معاوية فهو كما قال شيخ الإسلام: "هو من ملوك المسلمين له حسنات وله سيئات عظيمة، ولعل من حسناته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول جيش يقاتل القسطنطينية فهو جيش مغفور له"، وكان قائد هذا الجيش يزيد بن معاوية، ومعهم الصحابي الجليل الذي أضاف النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أبو أيوب الأنصاري".
أما البدعة الثانية التي أحدثت في يوم عاشوراء فهي بدعة نقيض لهذه البدعة، ولا تحدث بدعة في هذه الأمة إلا ويحدث من الشر مثلها، وهي بدعة النواصب الذين ناصبوا أمير المؤمنين عليًّا -رضي الله عنه- وأهل بيته العداء، فإذا أتى يوم عاشوراء؛ فإنهم يفرحون ويستبشرون، ويوسعون على أنفسهم بأنواع من التوسعة بالمال والأكل واللباس؛ فرحًا بهذا اليوم وغيظًا للرافضة الذين يحزنون فيه، وكلا طرفي الأمور ذميم، والخير الوسط الذي أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم-.
يوم عاشوراء يوم مبارك ومقدس عند المسلمين يصومونه شكرًا لله -جل وعلا- أن نجى الله -عز وجل- حزبه المؤمنين من الظالمين الكافرين، أن نجى الله موسى وقومه من فرعون وقومه، ونصومه كذلك لأن نبينا وقرة أعيننا -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بصيامه فنحن نصومه اتباعًا له عليه الصلاة والسلام (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31].
أيها المؤمنون: إن الخير فيما أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام
فخير الأمور السّالفات على الهدى | وشـرّ الأمـور المحدثات البدائع |
اللهم يا ذا الجلال والإكرام! يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض والأكوان، اللهم يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، اللهم يا رب الأرباب ومسبب الأسباب ويا خالق خلقه من تراب، اللهم يا من بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله لا إله إلا أنت سبحانه إنا كنا من الظالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان..