الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله الهذلول |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن التشبه حالة تطرأ على بعض النفوس البشرية تنبئ عن ولع المتشبه بمن تشبه به؛ ولذلك فإنها في كثير من أحيانها تعتبر ظاهرة غير محمودة، إذ إنها تدل على رغبة صاحبها في الخروج عن طبيعته إلى طبيعة غيره الذي يختلف عنه في الخَلق والخُلق، ثم يمتد أثرها ليشمل مظهر الفرد والأمة، ثم تبعيتها للغالب.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن التشبه حالة تطرأ على بعض النفوس البشرية تنبئ عن ولع المتشبه بمن تشبه به؛ ولذلك فإنها في كثير من أحيانها تعتبر ظاهرة غير محمودة، إذ إنها تدل على رغبة صاحبها في الخروج عن طبيعته إلى طبيعة غيره الذي يختلف عنه في الخَلق والخُلق، ثم يمتد أثرها ليشمل مظهر الفرد والأمة، ثم تبعيتها للغالب.
لهذا، ولغيره، أولت الشريعة الإسلامية قضية التشبه اهتماماً بالغاً، وحرصت على محاصرتها في مبادئ نشوئها قبل أن تستفحل لتصبح ظاهرة مرضيةً على مستوى الأمة بأسرها.
أيها المؤمنون: التشبه بالكفار مرض خطير، وآثاره سيئة على المسلمين؛ لأن التشبه بالغير -في أصله- نابع من تفضيل الإنسان هيئة غيره على هيئة نفسه، وهذا فيه كفران للنعمة التي اختص الله -تعالى- بها الفرد أو المجتمع، فالرجل المتشبه بالمرأة غير راضٍ عن هيئته التي كرمه الله عليها، لينتقل إلى هيئة مغايرة، إلى إنسان آخر اختصه الله بخصائص أخرى، وحينما تتشبه الأمة المسلمة بغيرها من الأمم، فكأنها بذلك تعلن بصراحة أن هيئة تلك الأمة الكافرة خيرٌ لها من هيئتها التي كرمها الله -جل وعلا- بها.
إن التشبه بالغير دليل قوي على الضعف النفسي الداخلي للفرد والأمة، وهو دليل على هزيمة نفسية بالغة، والشريعة الإسلامية لا تقبل من المسلمين أن يعلنوا تلك الهزيمة الشنيعة ولا يعترفوا بها حتى وإن كانت واقعاً؛ لأن الاعتراف بالهزيمة وإعلانها على الملأ -في هذه المسائل- يزيد الضعيف ضعفاً، والقوي قوة، ويمكّن القوي من رقبة الضعيف، بل يتجاوز ذلك إلى الإعلان الصريح بالخضوع والتعظيم لهذا المتشبه به؛ لذا حرصت الشريعة على دفعه بكل وسيلة.
إن العزيز والشريف لا يمكن أن يحاكي غيره، فضلاً عن أن يتشبه به، بل إنه ينتظر من غيره أن يحاكيه ويقلده.
التشبه بالغير ينبعث من نفسية محطمة ذليلة، وهذه النفسية أكبر عائق لنهوض صاحبها مادياً ومعنوياً، ولعل هذا تفسير لتخلف الدول الإسلامية اليوم عن ركب الحضارة، ومقعد القيادة.
ولهذا؛ فإن العقلاء من أي أمة من الأمم يأبون أن تقلد شعوبُهم عدوَّهم، بل إنهم يحرصون على تميزهم بتراثهم وتقاليدهم وأزيائهم حتى ولو رأوا أن العدو له تراث وتقاليد وأزياء خير مما هم عليه؛ وما ذاك إلا لأنهم يدركون الأبعاد النفسية والاجتماعية، بل والسياسية، للتبعية الشكلية للعدو.
أيها المسلمون: التشبه في الظاهر والمظاهر يورث المحبة، وهذا أصل مقرر في طبائع النفس البشرية، وأمرٌ مشاهد، وتفسير ذلك أن ثمة ارتباط وثيق بين الظاهر والباطن، فأعمال الطاعات الظاهرة مثلاً، تزيد في الإيمان القلبي، كما أن أعمال القلوب وما يقرُّ فيها من الإيمان واليقين والرضا والتوكل ونحوها تُحرك الجوارح للعمل، ومن هنا جاء النهي عن التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين، ونُهي الرجال أن يتشبهوا بالنساء، ونهى النساء أن يتشبهن بالرجال.
عباد الله: لسائلٍ أن يسأل: ما التشبه المنهي عنه؟ والجواب على ذلك: إما أن يكون المتشبه قَصَد التشبه بطوائف معينة، والأصل في هذا حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد وأبو داود والحديث صحيح، وحديث: "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" أخرجه البخاري.
فإذا قصد المسلم التشبه بأولئك وقع في المحظور، سواء كان التشبه قولاً أو فعلاً، فإذا لبس المسلم لباساً مباحاً أصلاً ولو كان مشتركاً بين المسلمين والكفار، كالبنطال مثلاً، لكنه لبسه بقصد التشبه بالكفار، فقد ارتكب محرماً على أقل الأحوال؛ أما إذا لبسه بغير قصد التشبه فالأمر واسع، ولو سمّى مسلمٌ ولَدَه باسم من الأسماء المشتركة بين الكفار والمسلمين مثل: سوزان، وآدم ونحوها وكان يقصد مشابهة الكفار أَثم، ولو نظم الإنسان أثاث منزله قاصداً التشبه بالكفار في منازلهم فقد ارتكب مخالفة.
ولو لبست المرأة لباساً مشتركاً بين الرجال والنساء لكنها قصدت به مشابهة الرجال حرم عليها، بل تعرضت للعن والطرد من رحمة الله، وكذا الأمر بالنسبة للرجل، فإذا ألان كلامه مثلاً واستعمل بعض الكلمات قاصداً مشابهة النساء دخل في الذم، وتعرض للعن.
وإذا سنَّت دولةٌ أنظمةً، أو خططت مدنها أو مبانيها قاصدة بذلك التشبه بالدول الكافرة حرم هذا القصد في أقل أحواله، ونُظِرَ في ذات الفعل؛ فإن كانت فيه مصلحة راجحة، ولا بديل عنه، وهو خارج عن المشابهة، فلا بأس، وإلا وجب تغييره.
والحاصل أن التشبه بقصد ونية هو أشد أنواع التشبه تحريماً، حتى أشار بعض العلماء إلى أنه قد يكون في بعض الأحوال كفراً مخرجاً من الملة، نسأل الله العافية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].
اللهم انفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً نافعاً، وأقرَّ الحكمة في قلوبنا، وأجرها على ألسنتنا وأعمالنا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى، والصلاة والسلام على من بُعث رحمة للورى، صلى الله عليه وعلى آله أصحابه مصابيح الدجى، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: معاشر المسلمين، فالتشبه هو التقليد، وهو أن يتبع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقداً الحقيقة فيه، من غير نظر ولا تأمل، وكأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه.
وللتشبه أو التقليد أسباب، من أهمها:
أولاً: التربية الخاطئة التي يتلقاها الأولاد في البيوت، إذا كان الأَبَوان ممن أعجبوا وأشربوا حبَّ الغرب ومناهجه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة –أي على الإسلام– فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
ترى الأبوين أو أحدهما يسوقان أولادهم إلى التشبه بالكافر، أو على الأقل لا يوجهونهم ولا ينكرون عليهم مظاهر التشبه في الملبس والحركات، فينشأ الولد المسلم، ابن الأسرة المسلمة، وفي البلد المسلم، وتراه وكأنه يعيش في إحدى الدول الكافرة، للأسف!.
ثانياً: من أسباب التقليد: التأثر بالقرناء المعجبين بالنمط الغربي، والمفتونين بكل ما يصدره الغرب، وخوفاً من هذا التأثير أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذر فقال: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". وهذا السبب من أقوى أسباب التشبه والتقليد في أوساط الشباب خاصة.
ثالثاً: حب الظهور والشهرة، ويبرز هذا أيضاً في الشباب بغية جذب انتباه الآخرين، ولفت الأنظار إليه، فإذا مازج هذا الشعورَ خوفُ الوصف بأنه متخلف إن لم يقلد ويتشبه سارع الأغرار إلى التشبه، وكأنهم إلى نُصبٍ يوفضون، ومن المعلوم أن اشتغال حواس الإنسان بالمظاهر والموضات الفاسدة تصرفه عن النافع والمفيد، وتحرمه منها، وتزعزع ثقته بأصوله وثوابته ومبادئه، لتوجد منه إنساناً لا شخصية له يتلاعب به تجار الموضات.
ورابعاً: من أسباب التشبه أو التقليد: جهل المقلدِّ بحقيقة دينه، وينسى أو يتناسى أن الإسلام هو الدين الذي رضيه الله لعباده دون سواه، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
ومن أبلغ الوسائل التي تصرف المسلم عن الافتخار بدينه عكوفه أمام شاشات القنوات الفضائية المنحطة والمفسدة، والموجَّهة قصداً لإفساد الشعوب عامةً، والمسلمين على وجه الخصوص.
أيها المؤمنون، يا أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-: وإن من الأسباب الداعية للتشبه، جهل المسلمين المتشبهين بحقيقة الحضارة الغربية التي يلهثون في التقاط ما ترمى خلفها من قيح وصديد، يجهلون أنها حضارةٌ مفلِسة في الجانب الروحي والنفسي.
وهاكم بعض الأرقام التي تؤكد هذه الحقيقة، أجراها باحثان غربيان على بني قومهم، وجاء فيها: أربعة وسبعون في المائة ممن أجريت الدراسة عليهم قالوا: لن نتردد في السرقة متى ما وجدت الفرصة، ستة وخمسون في المائة قالوا: لن نتردد في قيادة السيارة ونحن في حالة سكر، واحد وأربعون في المائة قالوا نستخدم المخدرات للترفيه عن النفس، ثلاثة وخمسون في المائة من المتزوجين قالوا: لن نتردد في الخيانة الزوجية، واحد وتسعون في المائة قالوا: إن الكذب أصبح عادة وسلوكاً مألوفاً في الحياة اليومية، اثنان وثمانون في المائة يمارسون الزنا وكأنه أمر عادي لا يندمون عليه! فهل هذه حضارة تستحق أن تُقلَّد ويُعجب بها؟ لكنه ضعف المسلمين -للأسف- أدى بالكثيرين إلى الانبهار بالأعداء، وظنوا أن قوة الغرب إنما جاءت بسبب ربطة العنق والقبعة والحذاء وحلْق اللحى!.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا...