المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | صالح بن مقبل العصيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّبَابِ يَعَزِفُ عَنِ الزَّوَاجِ؛ لِصُعُوبَةِ تَحَمُّلِ تَكَالِيفِهِ، فَقَدْ يَسْتَطِيعُ تَوْفِيرَ الْمُهْرِ، وَبَيْتَ زَوْجِيَّةٍ مُنَاسِبٍ؛ لَكِنْ زَادَتْ عَلَيهِ الأَعْبَاءُ بحَفْلَةِ مِلْكَةٍ، ثُمَّ حَفْلِ زَواجٍ يَتَجَاوَزُ عَشَرَاتِ الآلَافِ، ثُمَّ سَفْرَةٍ تُكَلِّفُ مِثْلَهَا؛ فَيَجِدُ الشَّابُّ أَنَّ تَكْلُفَةَ مَشْرُوعِ زَواجِهِ تَجَاوُزَتِ الثَّلَاثَمَائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ: مَا بَيْنَ مَهْرٍ، وَتَأْسِيسِ بَيْتٍ، وَاِسْتِئْجَارِ قَاعَةٍ لِلْحَفْلِ، وَتَكْلُفَةِ حَفَلَاتٍ مُسَانِدَةٍ، وَسَفْرَةٍ لِلْسِياحَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَصَارِيفِ...
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ: يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْتَطِيعُ الْمُسَاهَمَةَ فِي تَيْسِيرِ الزَّوَاجِ عَلَى الشَّبَابِ؛ أَلَّا يَتَأَخَّرَ عَنْ تِلْكَ الْمُسَاهَمَةِ، سَوَاءً مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، أَوِ الْفَتَيَاتِ، أَوْ رِجَالِ الأَعْمَالِ، وَالْمُؤَسَّسَاتِ الْخَيْرِيَّةِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدَّعْوَةِ؛ وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ حَثِّهِمْ للشَّبَابِ عَلَيْهِ، وَدَعْمِهِمْ لَهمْ. لأنَّ هُنَاكَ عُزُوفًا مَلْحُوظًا عَنِ الزَّوَاجِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ، حَتَّى اِمْتَلَأَتِ الْبُيُوتُ بِالْعَوَانِسِ، وَالْمُطَلَّقَاتِ، وَالأَرَامِلِ. وَهَذَا الْعُزُوفُ عَنِ الزَّوَاجِ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ؛ لَعَلَّ مِنْ أَهَمِّهَا:
الْمُبَالَغَةُ فِي حَفَلَاتِ الزَّوَاجِ، بِسَبَبِ الْمُبَاهَاةِ وَالْمُحَاكَاةِ؛ فَأَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّبَابِ يَعَزِفُ عَنِ الزَّوَاجِ؛ لِصُعُوبَةِ تَحَمُّلِ تَكَالِيفِهِ، فَقَدْ يَسْتَطِيعُ تَوْفِيرَ الْمُهْرِ، وَبَيْتَ زَوْجِيَّةٍ مُنَاسِبٍ؛ لَكِنْ زَادَتْ عَلَيهِ الأَعْبَاءُ بحَفْلَةِ مِلْكَةٍ، ثُمَّ حَفْلِ زَواجٍ يَتَجَاوَزُ عَشَرَاتِ الآلَافِ، ثُمَّ سَفْرَةٍ تُكَلِّفُ مِثْلَهَا؛ فَيَجِدُ الشَّابُّ أَنَّ تَكْلُفَةَ مَشْرُوعِ زَواجِهِ تَجَاوُزَتِ الثَّلَاثَمَائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ: مَا بَيْنَ مَهْرٍ، وَتَأْسِيسِ بَيْتٍ، وَاِسْتِئْجَارِ قَاعَةٍ لِلْحَفْلِ، وَتَكْلُفَةِ حَفَلَاتٍ مُسَانِدَةٍ، وَسَفْرَةٍ لِلْسِياحَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَصَارِيفِ.
وَقَدْ يَسْتَطِيعُ بَعْضُ الآبَاءِ مُسَاعَدَةَ اِبْنِه أَوْ اِبْنَتِهِ، وَلَكِنَّ الْغَالِبِيَّةَ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ، نَاهِيَكَ عَنْ التَّفَاخُرِ الْاِجْتِمَاعِيِّ، وَنقلِ هَذِهِ الْحَفَلَاتِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ؛ مِمَّا جَعَلَ غَالِبَ الْفَتَيَاتِ لَا يَتَنَازَلْنَ عَنْ إِقَامَةِ حَفَلَاتِ الْمِلْكَةِ وَالزَّواجِ، الَّتِي أَنْهَكَتْ غَالِبَ الأُسَرِ الْمُتَوَسِّطَةِ، وَعَامَّةَ الأُسَرِ الْفَقِيرَةِ.
فَعَلَى الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ وَالْفَتَيَاتِ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ فِي أْنَفُسِهِمْ، وَأَنْ يُعْرِضُوا عَنْ هَذِهِ الْمُفَاخَرَاتِ، وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ التَّوْفِيقَ مِنَ اللهِ فِي الزَّواجِ هُوَ الْمَطْلَبُ الأَسَاسُ، وَالْهَدَفُ الرَّئِيسُ، وَلَيْسَ الْمُبَاهَاةَ وَالْمَفَاخِرَةَ؛ فَعَلَيهِمُ السَّعْيُ لِتَحْصِيلِهِ، أَمَا الْمُفَاخَرَةُ وَالْمُبَاهَاةُ فَتِلْكَ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَلَا خَيْرَ مِنْ وَرَائِهَا، لَا فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الآخِرَةِ؛ فَمَا الْفَائِدَةُ مِنْ زَوَاجٍ تَحَدَّثَ بِهِ الْقَاصِي وَالدَّانِي، ثُمَّ أَعْقَبَهُ خِصَامٌ وَطَلاقٌ؟!
فَعَلَيْنَا – عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَقْتَدِيَ بِالنَّبِيِّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الَّذِي زَوَّجَ الْكَامِلَةَ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، مِنْ عَلِيٍّ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، مُقَابِلَ مَهْرٍ يَسِيرٍ؛ حَيْثُ قَالَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "أَعْطِهَا شَيْئًا، قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ؟ فَزَوَّجَهُ بِهَا". (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
بَلْ تَزَوَّجَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ اِمْرَأَةً مُقَابِلَ تَعْلِيمِهَا الْقُرْآنَ حِينَمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ. وَأَصْلُ الْخَبَرِ فِي الْبُخَارِيِّ.
بَلْ "وَتَزَوَّجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، مِنْ أَبِي طَلْحَةَ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَكَانَ مَهْرُهَا إِسْلَامَهُ" (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ» (رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ). وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ يمْنِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَتَيَسَّرَ خِطْبَتُهَا، وَأَنْ يَتَيَسَّرَ صَدَاقُهَا، قَالَ عُرْوَةُ رَاوِي الْحَدِيثِ: "وَأَنَا أَقُولُ مِنْ عِنْدِي: مِنْ أَوَّلِ شُؤْمِهَا أَنْ يَكْثُرَ صَدَاقُهَا" (رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ).
وَقَدْ ذَمَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ كَلَّفَ نَفْسَهُ مَا لَا يُطِيقُ مِنْ صَدَاقٍ؛ حَيْثُ سَأَلَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَحَدَ أَصْحَابِهِ: "عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَسَأَلَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدَ أَصْحَابِهِ: «كَمْ أَمْهَرْتَهَا؟» فَقَالَ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُمْ تَغْرِفُونَ مِنْ بُطْحَانَ مَا زِدْتُمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ إِكْثَارِ الْمَهْرِ بِالِنسْبَةِ لِحَالِ الزَّوْجِ".
وَأُثِرَ عَنْ عُمَرَ -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ- بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ:"إِيَّاكُمْ وَالْمُغَالاَةِ فِي مُهُورِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّه،ِ أَوْ مَكْرُمَةً عِنْدَ النَّاسِ؛ لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْلاَكُمْ بِهَا، مَا نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ، وَلاَ أَنْكَحَ وَاحِدَةً مِنْ بَنَاتِهِ بِأَكْثَرِ مِنِ اثْنَىْ عَشَرَةَ أُوقِيَّةً، وَهِىَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا، وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُغَالِي بِمَهْرِ امْرَأَتِهِ؛ حَتَّى يَبْقَى عَدَاوَةً فِي نَفْسِهِ فَيَقُولُ: لَقَدْ كُلِّفْتُ لَكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ" (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
وَمَعْنَى "عَلَقَ الْقِرْبَةِ": أَيْ: تَكَلَّفْتُ إِلَيْكِ، وَتَحَمَّلْتُ حَتَّى الْحَبْلَ الَّذِي تُعَلَّقُ بِهِ الْقِرْبَةُ. كِنَايَةً عَنْ تَحَمُّلِهِ تَكَالِيفِ الزَّوَاجِ الْكَثِيرَةِ، الَّتِي أَرْهَقَتْهُ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبةُ الثَّانيةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ، تَكَلَّمْنَا عَنْ بَعْضِ مُعَوِّقَاتِ الزَّوَاجِ، وَالآنَ نَتَكَلَّمُ عَنْ وَسَائِلِ تَيْسِيرِ الزَّوَاجِ، وَالَّتِي تَكُونُ بِتَذْلِيلِ الْعَقَبَاتِ السَّابِقَةِ، ثُمَّ بِوَسَائِلَ أُخْرَى مُتَعَدِّدَةٍ، وَمِنْهَا:
تَشْجِيعُ رِجَالِ الأَعْمَالِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ الْوَقْفِيَّةِ عَلَى دَعْمِ الشَّبَابِ الْمُقْبِلِ عَلَى الزَّوَاجِ بِالْمَهْرِ، وتَوْفِيرِ الْقَاعَاتِ الْمُنَاسِبَةِ بِأَسْعَارٍ تَشْجِيعِيَّةٍ، أَوِ التَّبَرُّعِ بِهَا، وَأَنْ تُشَجِّعَ الأُسَرُ أَبْنَاءَهَا عَلَى الزَّوَاجِ الْجَمَاعِيِّ؛ فَيَكُونُ هُنَاكَ تَنْسِيقٌ مُسْبَقٌ بَيْنَهُمْ؛ بِحَيْثُ يُحَدَّدُ مَوْعِدٌ للزَّوَاجِ يَشْتَرِكُ فِيهِ أَكْبَرُ عَدَدٍ مِنْ ذَوِي الْقَرَابَةِ لِتَقْلِيلِ التَّكْلُفَةِ.
وَتَشْجِيعِ الْجَمِيعِ عَلَى الْحُضُورِ، وَيَضْمَنُ عَدَمَ التَّعَارُضِ الَّذِي يُوقِعُ أَبْنَاءَ الْأُسْرَةِ فِي حَرَجٍ فِي أَيِّ الْمُنَاسَبَتَيْنِ يَحْضُرُ؟ أَوْ يُكَلِّفُ نَفْسَهُ عَنَاءَ حُضُورِ الْمُنَاسَبَتَيْنِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْخَطَرِ، مِنْ جَرَّاءِ حِرْصِهِ عَلَى سُرْعَةِ التَّنَقُّلِ بَيْنَ الْقَاعَتَيْنِ، خَاصَّةً إِذَا بَعِدَتْ بَيْنَهُمَا الْمَسَافَةُ.
أَنْ يُشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَهَمِيَّةَ الزَّوَاجَاتِ الْمُخْتَصَرَةِ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الزَّوَاجَاتُ الْمُبَهْرَجَةُ مَوْجُودَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلْ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنَ بِنَ عَوْفٍ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، تَزَوَّجَ وَلَمْ يُعْلِمِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى قَلْبِهِ بِزَوَاجِهِ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زِيجَاتِهِمْ كَانَتْ مُيَسَّرَةً.
وَاِعْلَمُوا – يَا عِبَادَ اللهِ- أَنَّ الْمَيْلَ لِلْاختِصَارِ فِي وَلَائِمِ الزَّوَاجِ كَانَ مَنْهَجًا نَبَوِيًّا كَرِيمًا. حَيْثُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْحَيْسُ: التَّمْرُ، يُنْزَعُ نَوَاهُ وَيُخْلَطُ بِالسَّوِيقِ. وَقَالَ أَنَسٌ، رَضِيَ اللهُ عَنْه: «مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْلَمَ بِشَاةٍ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ اِرْزُقْنَا اِتِّبَاعَهُ، وَالسَّيْر عَلَى سُنَّتِهِ وَمَنْهَجِهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.