الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - الأديان والفرق |
إن من أقبح الخلال وأشنع الخصال وأكثرها فسادًا وإفسادًا للمجتمعات والأمم الخيانة في الأمانات، وذلك بالتفريط فيها ومخالفة الحق بنقض العهد في السر والغدر في العهود وعدم الوفاء بها.. لأن هاتين الصفتين الذميمتين والخُلقين السيئين هما مجمع الأخلاق السيئة ومستودع التصرفات القبيحة، وهما سبب الشرور والآفات؛ فبسببها تُسفك الدماء، وتُزهق الأرواح، وتُنتهك الأعراض، وتُنهَب الأموال وتُغتصب الحقوق وينتشر الخوف..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد عباد الله ما من وصية أنفع للعبد في دنياه وأخراه من الوصية بتقوى الله -عز وجل-، ألا فاتقوا الله عباد الله في جميع ما تأتون وتذرون، وذلك بأن تكون أقوالكم وأفعالكم وتصرفاتكم جميعها موافقة لما أمركم به مولاكم -عز وجل- ورسولكم -صلى الله عليه وسلم- ففي ذلك والله عز الدنيا والآخرة وسعادة الدنيا والآخرة، جعلني الله وإياكم ممن عبد الله واتقاه ولازم أمره وأعرض عما عنه نهاه إنه سميع مجيب.
عباد الله: إن من أقبح الخلال وأشنع الخصال وأكثرها فسادًا وإفسادًا للمجتمعات والأمم الخيانة في الأمانات، وذلك بالتفريط فيها ومخالفة الحق بنقض العهد في السر والغدر في العهود وعدم الوفاء بها.
ولهذا عد جماعة من أهل العلم الخيانة والغدر عدهما كبيرتين من كبائر الذنوب والآثام وما ذاك أيها الإخوة المسلمون إلا لأن هاتين الصفتين الذميمتين والخُلقين السيئين هما مجمع الأخلاق السيئة ومستودع التصرفات القبيحة، وهما سبب الشرور والآفات؛ فبسببها تُسفك الدماء، وتُزهق الأرواح، وتُنتهك الأعراض، وتُنهَب الأموال وتُغتصب الحقوق، بالغدر والخيانة يتلاشى الأمن وينعدم وينتشر الخوف وتعمُّ الفوضى.
بالغدر والخيانة تستحكم في المجمع الأحقاد، وتستشري الإحن، ويكثر القتل والهرج لا يدري القاتل لِمَ قَتَل ولا المقتول لِمَ قُتِل، كم من حقوق سلبت بسبب الخيانات والغدر في العهود والمواثيق! كم من آلام تجرعت وأحزان امتلأت بها القلوب والنفوس بسبب الخيانات والغدر.
كم من حروب طاحنة قضت على الأخضر واليابس، وعُطلت المدارس والمساجد، وشُردت الأسر، ويُتِّمت الأطفال ورُمِّلت النساء وهُجرت مجتمعات بأكملها وأوقفت حركة النماء والإعمار، ونُشِر الخراب والدمار بسبب تفشّي الخيانات والغدر في العهود والمواثيق والاتفاقيات.
ولهذا كله جاء القرآن الكريم في غاية التحذير من هذه الصفات الذميمة التي بلغت في السوء منتهاه؛ فالله سبحانه يبغض الخيانة وأهلها ويمقت الخائنين ولا يحبهم؛ كما قال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج:38]، وكما قال سبحانه (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) [الأنفال:58].
وبيَّن -عز وجل- أن أهل الإيمان بعيدون عن الخيانة والغدر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
وحذَّر -عز وجل- رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الخيانة في عهوده ومواثيقه حتى مع أعداءه فقال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) [الأنفال:58].
وبيَّن -عز وجل- أن سعي الخائن مهما كان فهو إلى ضلال، وأمله إلى فشل، وتخطيطه إلى خسران كما قال -عز وجل- (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ).
ويكفي للتنفير في الأمانة للخيانات والغدر للعهود والمواثيق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل ذلك من صفات المنافقين وأخلاقهم التي يتنزه عنها كل مؤمن ومؤمنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".
وجعل -صلى الله عليه وسلم- الخيانة من أسباب دخول النار؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وأهل النار خمسة" وذكر منهم "والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك".
وكان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من خلق الخيانة فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ".
وبلغ التحذير من الغدر أن الله -عز وجل- خصيم كل غادر يوم القيامة ومن كان الله خصمه خُصم لا محالة فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال، قال الله تعالى: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ".
وظاهر أن الجامع بين هؤلاء الثلاثة الذين يكون الله خصمهم يوم القيامة الجامع بينهم الخيانة والغدر.
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يربِّي أصحابه على حفظ الأمانة والوفاء بالعهود ويحذرهم من الخيانة والغدر حتى مع الأعداء، ولهذا كان من وصاياه -صلى الله عليه وسلم- لجنده إذا بعثهم للقتال أن يقول لهم: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله؛ اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا".
هذه هي أخلاق المسلمين في الحرب فكيف في حال الأمن والسعة؟
لقد جُبلت النفوس الشريفة والعقول الصحيحة على بغض الخيانة والغدر والنفور منها ومن أهلها، والاشمئزاز من الخائنين والغادرين حتى عُدَّ ذلك من أعظم المعايب وأشنع القبائح التي يُعيَّر بها الإنسان في الدنيا عند بني البشر؛ لأنه خائن أو غادر.
وأما في الآخرة فالخائن والغادر محل للتشهير يوم القيامة على رؤوس الخلائق أجمعين؛ كما جاء في الحديث "لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة".
وفي حديث آخر: "من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة".
وبالجملة أيها الإخوة في الله فإن الخيانة والغدر من أعظم الطرق الموصلة إلى العار والشنار في الدنيا والآخرة والمكْسِبَة لغضب الجبار جل جلاله.
ولن يحصل للغادر والخائن إلا نقيض قصده وخلاف ما يسعى إليه وإن طال الزمن، وإن تحقق له بسبب خيانته وغدره شيء مما يظنه من المنافع والمصالح، فعما قريب يعقب ذلك الخزي والعار والخسارة والبوار، وقد قيل: "كم أوقع الغدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات الفسيحات المصادر، وطوقه غدره طوق خزي فهو على فكه غير قادر".
أعاذني الله وإياكم من الغدر والخيانة وجعلنا من أهل الوفاء والأمانة إن ربي سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:91].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد رسول الله وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
عباد الله: اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها فإن أجسادكم ضعيفة على النار لا تقوى، راقبوا علام الغيوب واعملوا على إصلاح القلوب، وكونوا على الحق أعوانًا وعلى التعاون على الخير والبر إخوانًا، وفي إعلاء كلمة الله أركانًا، جعلني الله وإياكم من أهل محبته ورضاه وخشيته وتقوه إنه سميع مجيب.
عباد الله: على مدار التاريخ مثلت الفرق الضالة والمذاهب المنحرفة أجلى صور الغدر والخيانة وأقبح مظاهرهما، وكم عانى المسلمون في تاريخهم المجيد من غدر الفرق الضالة وخياناتها وعمالتها وللصفويين وأتباعهم من الحوثيين ومن شايعهم من الانقلابيين في هذا الزمن النصيب الأوفى من خيانات الأمانات ونقد العهود والاتفاقيات والمواثيق من الخيانة فيها.
فها هم الحوثيون وأعوانهم من الانقلابيين في كل اتفاقية يعقدونها ومعاهدة يوقعونها يبادرون إلى خيانتهم ونقضهم، والغدر في بنودها قبل أن يجف الحبر الذي كُتبت به.
وأنَّى لهؤلاء الظلمة المبتدعين أن يوفوا بالعهود أو يحترموا المواثيق وقد خانوا الله -عز وجل- من قبل، أن لهم أن يحترموا المعاهدات وطبعهم العمالة لكل عدو للأمة وشعوبها وأوطانها، لم تجنِ منهم الأمة إلا الدمار والخراب تحقيقًا لمخططات الأعداء، وانظروا إلى اليمن السعيد، وماذا حل به من دمار وتهجير وتشريد؛ كل ذلك ما كان ليكون لولا غدر الحوثيين وظلمهم وبغيهم وحقدهم وخياناتهم ونقضهم لعشرات العهود والاتفاقيات التي وقَّعوها في داخل اليمن وخارجه، ولكن (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ).
لقد انكشف أمرهم وبان مكرهم وكيدهم للعالم كله، وأنهم لا يريدون لليمن إلا الخراب والدمار ونشر الشرك والبدعة وسبّ الصحب والآل، وهذه أعمالهم شاهدة عليهم تدميرًا للمساجد والمدارس وتجويعًا للناس وحصارًا للمدن واعتقالاً وقتلاً للشرفاء من أبناء اليمن.
فنسأل الله -عز وجل- أن يعجل بهلاكهم وإنزال بأسه ونكاله بهم، وأن ينصر جند الحق عليهم ويخلِّص اليمن من شرورهم وظلمهم؛ إنه على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"؛ اللهم صلِّ وسلم وبارك..