العالم
كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - المنجيات |
واعلموا أن الله -تعالى- قد يؤخر إجابة الداعي؛ لأنه يحب الملحين في الدعاء ويحب المتضرعين، فقد يبتلي الرب -جل وعلا- عبده بل قد يبتلي شعباً كاملاً؛ لأنه يريد منه الدعاء والتضرع،...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: يقول الحق -تبارك وتعالى- في سورة الأنبياء: (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)[الأنبياء:37]. فقوله -تعالى-(خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ)؛ أي: أن الإنسان خُلِقَ عجولاً، وهي صفة مبالغة للعجلة التي فيه، كما يقال للرجل الذكي هو نار تشتعل، فالإنسان من شأنه العجلة ومطبوع عليها فكأنه خُلق من العجلة.
وقال -تعالى- في سورة الإسراء: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً)[الإسراء::11]؛ أي: أن العجلة وُجدت في الإنسان، وأصبحت من طبعه، ولا يعني أنه لا يُؤَاخَذ عليها، فالعجلة والاستعجال صفة مذمومة في ابن آدم؛ ولذلك حذَّر الشرع الحكيم من العديد من الخصال التي يستعجل فيها الإنسان ولا يدرك عواقبها، وفي المقابل حثَّ على أمورٍ، وأمر بالمبادرة إليها.
فدعونا اليوم نتحدث عن العجلة المحمودة والمذمومة في حياة المسلم، لنعرف ما هو مذموم وما محمود، والسبب أن بعض الناس قلبوا بعض الأمور فعجلوا ما طُلب تأجيله، وأجلوا ما طُلب تعجيله.
فمن الخصال المذموم الاستعجال فيها: استعجال إجابة الدعاء: فكثير من الناس يدعون الله -تعالى- فإذا لم يُجِب الله دعائهم في الحال تركوا الدعاء قانطين من الإجابة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الأمر؛ حيث روى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ"؛ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: "يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ"(رواه مسلم). فكن على حذر أن تقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي، فتمل الدعاء وتركن إلى اليأسِ والقنوط.
والمسلم إذا دعا ربه فهو مأجور على كل حال غير خاسر؛ لأن الدعاء عبادة جليلة يحبها الله -عز وجل-، ومن دعا الله -تعالى- يكسب أحد ثلاثة أمور؛ إما أن يحقّق الله مراده، أو يصرف عنه من السوء قدر دعائه أو يدخر له ثواب ذلك الدعاء في الآخرة، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذا نكثر، قال: "الله أكثر"(رواه الإمام أحمد).
كما ينبغي العلم بأن لإجابة الدعاء شروط من أهمها المطعم الحلال، فقد يكون عدم إجابة الدعاء سببه أن العبد اكتسب أموالاً بطرق غير مشروعة، وقد روى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"(رواه مسلم).
ومن العجلة المذمومة في الدعاء أن بعض الناس قد يدعو الله -تعالى- أن يعجل له العقوبة في الدنيا كي لا يعذب في الآخرة؛ فعن أَنَسٍ بن مالك -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه الترمذي)، فتراه يدعو على نفسه أن تعجل له عقوبته في الدنيا وهذا منهي عنه.
فقد عاد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أحد أصحابه المرضى -رضي الله عنهم- فرآه يوشك على الهلاك فماذا قال له؟ روى أَنَس-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَادَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ"؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تُطِيقُهُ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ"(رواه مسلم).
ومن العجلة المذمومة في الدعاء: عدم الثناء على الله -تعالى- في أول الدعاء وعدم ختمه بالصلاة على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ -رضي الله عنه- قال: بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ"، قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم- "أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ"(رواه الترمذي).
هذه بعض أخطاء الناس في استعجال الدعاء نسأل الله -تعالى- أن يفقهنا في أمر ديننا، وأن يفتح لنا أبواب الإجابة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله جزيل العطاء ومجيب الدعاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واعلموا أن الله -تعالى- قد يؤخر إجابة الداعي؛ لأنه يحب الملحين في الدعاء ويحب المتضرعين، فقد يبتلي الرب -جل وعلا- عبده بل قد يبتلي شعباً كاملاً؛ لأنه يريد منه الدعاء والتضرع، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)[المؤمنون:76]، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الأنعام:42]، وقال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)[الأعراف:94]، وقال -تعالى-: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[الأنعام:43].
فهذه سُنَّة الله -تعالى- فلنفهمها ولا نُسِئ الظن بالله -عز وجل-، ولنكثر من الدعاء والتضرع.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا.
اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.