البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

الأمل والتفاؤل شعاعان

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. تعامل المؤمنين في حال السراء والضراء .
  2. كثرة تقلبات الحياة .
  3. أهمية الأمل والتفاؤل ودورهما في مواجهة مكدرات الحياة .
  4. الأمل والتفاؤل من سمات أهل الإيمان .

اقتباس

إِنَّ حَقِيقَةَ الأَمَلِ والتَّفَاؤُلِ في الشَّدَائِدِ والمِحَنِ لا يَنْشَآنِ من عَدَمٍ, ولا يَأْتِيَانِ من فَرَاغٍ, بَل هُمَا وَلِيدَا الإِيمَانِ باللهِ -تعالى-, والمَعْرِفَةِ بِسُنَنِهِ ونَوَامِيسِهِ في الكَوْنِ والحَيَاةِ, فَهُوَ الذي يُصَرِّفُ الأُمُورَ كَيْفَ يَشَاءُ, بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ, ويُسَيِّرُهُمَا بِإِرَادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ, فَيُبَدِّلُ من بَعْدِ الخَوْفِ أَمْنَاً, ومن...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عِبَادَ اللهِ: دَيْدَنُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ الحَقُّ الكَامِلُ في إِيمَانِهِ, وسِمَتُهُ التي يَمْتَازُ بِهَا عن غَيْرِهِ, ونَهْجُهُ الذي لا يَحِيدُ عَنْهُ, هُوَ شُكْرٌ على النَّعْمَاءِ, وصَبْرٌ على الضَّرَّاءِ, ولا ضَجَرَ مَعَ البَلاءِ, فلا بَطَرَ مَعَ النَّعْمَاءِ, ولا ضَجَرَ مَعَ البَلاءِ.

لِمَ لا يَكُونُ وَصْفُ المُؤْمِنِ هذا, وَهُوَ يَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، فَبِالشُّكْرِ يَعْقِلُ النِّعْمَةَ المَوْجُودَةَ, ويَسْتَجْلِبُ النِّعْمَةَ المَفْقُودَةَ.

لِمَ لا يَكُونُ وَصْفُ المُؤْمِنِ هذا, وَهُوَ يَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]، وقَوْلَهُ تعالى: (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، وقَوْلَهُ تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 157]؟

لِمَ لا يَكُونُ شَاكِرَاً صَابِرَاً, وَهُوَ يَعْلَمُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "عَجَبَاً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ, إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ, وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ, وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ" [رواه الإمام مسلم عَنْ صُهَيْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-]؟

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد جَعَلَ اللهُ -تعالى- الحَيَاةَ الدُّنْيَا كَثِيرَةَ التَّقَلُّبِ, لا تَسْتَقِيمُ لأَحَدٍ على حَالٍ, ولا تَصْفُو لِمَخْلُوقٍ من الكَدَرِ, فَفِيهَا خَيْرٌ وشَرٌّ, وصَلاحٌ وفَسَادٌ, وسُرُورٌ وَحُزْنٌ, وأَمَلٌ ويَأْسٌ.

ويَأْتِي الأَمَلُ والتَّفَاؤُلُ كَشُعَاعَيْنِ يُضِيئَانِ دَيَاجِيرَ الظَّلامِ, ويَشُقَّانِ دُرُوبَ الحَيَاةِ للأَنَامِ, ويَبْعَثَانِ في النَّفْسِ الجِدَّ والمُثَابَرَةَ, ويُلَقِّنَانِهَا الجَلَدَ والمُصَابَرَةَ, فَإِنَّ الذي يُغرِي التَّاجِرَ بالأَسْفَارِ والمُخَاطَرَةِ أَمَلَهُ في الأَرْبَاحِ, والذي يَبْعَثُ الطَّالِبَ إلى الجِدِّ والمُثَابَرَةِ, أَمَلَهُ في النَّجَاحِ, والذي يُحَبِّبُ إلى المَرِيضِ الدَّوَاءَ المُرَّ,  أَمَلَهُ في الشِّفَاءِ, والذي يَدْعُو المُؤْمِنَ إلى الشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ, والصَّبْرِ عِنْدَ البَلاءِ, أَمَلَهُ فِيمَا عِنْدَ اللهِ -تعالى- من وَعْدٍ للشَّاكِرِينَ والصَّابِرِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا يُلَاقِي شَدَائِدَهَا وصِعَابَهَا ومَرَارَتَهَا بِقَلْبٍ مُطْمَئِنٍّ, وَوَجْهٍ مُسْتَبْشِرٍ, وثَغْرٍ بَاسِمٍ, وأَمَلٍ عَرِيضٍ, فَهُوَ وَاثِقٌ بالزِّيَادَةِ إِنْ شَكَرَ, وَوَاثِقٌ بالأَجْرِ إِنْ صَبَرَ, وإذا تَعَسَّرَتِ الأُمُورُ, وضَاقَ الخِنَاقُ, أَمَلُهُ في قَوْلِهِ تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً) [الشرح: 5 - 6]، وفي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً) [رواه الحاكم عَن الحَسَنِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حَقِيقَةَ الأَمَلِ والتَّفَاؤُلِ في الشَّدَائِدِ والمِحَنِ لا يَنْشَآنِ من عَدَمٍ, ولا يَأْتِيَانِ من فَرَاغٍ, بَل هُمَا وَلِيدَا الإِيمَانِ باللهِ -تعالى-, والمَعْرِفَةِ بِسُنَنِهِ ونَوَامِيسِهِ في الكَوْنِ والحَيَاةِ, فَهُوَ الذي يُصَرِّفُ الأُمُورَ كَيْفَ يَشَاءُ, بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ, ويُسَيِّرُهُمَا بِإِرَادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ, فَيُبَدِّلُ من بَعْدِ الخَوْفِ أَمْنَاً, ومن بَعْدِ العُسْرِ يُسْرَاً, ويَجْعَلُ من كُلِّ ضِيقٍ فَرَجَاً ومَخْرَجَاً, ومن بَعْدَ الظُّلْمَةِ نُورَاً, ومن بَعْدِ الظَّمَأِ رِيَّاً.

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا قَوْلَ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَمَا وَقَفَ المُشْرِكُونَ على بَابِ الغَارِ, وَهُوَ يَقُولُ للصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "يَا أَبَا بَكْرٍ, مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا" [رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-]، وقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا وَقَفَ على أَبْوَابِ مَكَّةَ, وَهُوَ يَقُولُ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: "يَا زَيْدُ, إنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرْجَاً وَمَخْرَجَاً, وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ, وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ" [الطَّبَقَات الكُبرَى لابن سَعد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

أَسْأَلُ اللهَ -تعالى- أَنْ يَجْعَلَنَا من الشَّاكِرِينَ عِنْدَ الرَّخَاءِ, ومن الصَّابِرِينَ عِنْدَ البَلاءِ, ومن الرَّاضِينَ بِمُرِّ القَضَاءِ، آمين.