الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله |
لقد بين الله -تعالى- فوائد اللباس بأنه زينة، ومواراة للسوأة، أي: ستر للعورة، ولم يجعل الله للإنسان ساترا طبيعيا من أصل الخلقة ليتذكر الإنسان أنه دائما في عورة ومحتاج إلى الستر، فينتقل من معرفة الحاجة إلى الستر الحسي للعورة الحسية، إلى معرفة الحاجة إلى الستر المعنوي للعورة المعنوية، وهي...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه على ما أنعم عليكم بما أخرجه لكم من طيبات الرزق واللباس: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف: 26].
لقد بين الله -تعالى- فوائد هذا اللباس بأنه زينة، ومواراة للسوأة، أي: ستر للعورة، ولم يجعل الله للإنسان ساترا طبيعيا من أصل الخلقة ليتذكر الإنسان أنه دائما في عورة ومحتاج إلى الستر، فينتقل من معرفة الحاجة إلى الستر الحسي للعورة الحسية، إلى معرفة الحاجة إلى الستر المعنوي للعورة المعنوية، وهي عورة نقص الدين والأخلاق، فيسترها بتكميل دينه وأخلاقه.
ولقد دلت النصوص أن اللباس بقسميه لباس الزينة، ولباس الحاجة جائز، والأصل فيه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[البقرة: 29].
وقال سبحانه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف: 32].
قاله إنكارا على من يحرمون شيئا من اللباس والطعام بغير دليل.
ولقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته ما لا يجوز لهم من اللباس بيانا ظاهرا؛ فمن ذلك: لباس ما يختص بالكفار، سواء كان لباسا شاملا للجسم كله، أو لعضو منه.
فكل لباس يختص بالكفار، ولا يلبسه غيرهم، فإنه لا يجوز للمسلم لبسه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم"[أبو داود(4031)].
فإن التشبه بهم يقتضي شعور المتشبه بأنهم أعلى منه، فيعجب بهم، وبصنيعهم، حتى يؤدي به ذلك إلى إعجابه بعقائدهم وأعمالهم.
ومن ذلك: لباس الرجل ما يختص بالمرأة، ولباس المرأة ما يختص بالرجل، فكل لباس يختص بالرجل سواء كان شاملا لجميع الجسم كالقميص، أم مختصا بعضو منه كالسراويل والحذاء وغيرها، فإنه لا يجوز للمرأة أن تلبسه، وكل لباس يختص بالمرأة، فإنه لا يجوز للرجل لبسه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.
ومن ذلك: لباس ما يقصد به الفخر والخيلاء، من ثوب أو سروال أو نعل أو غيرها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يفخر أحد على أحد، فيتظاهر بالرفعة والعلو عليه، وما يدري هذا المفتخر، فلعل الأحوال تتغير، فيحل محل من افتخر عليه في الفقر والإعواز، ويحل الثاني محله في الغنى والوجود، وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي في حلة -إزار ورداء- تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة"[البخاري(5452) مسلم(2088) أحمد (2/456) الدارمي (437)].
وفي الحديث عن ابن عمر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تعظم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله، وهو عليه غضبان"[أحمد (2/118)].
ومن ذلك: أن ينزل لباس الرجل إلى ما تحت الكعبين سواء كان قميصا أم سروالا أم مشلحا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أسفل من الكعبين فهو في النار".
فإن جره خيلاء كانت العقوبة أعظم وأشد؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"[البخاري(3465) مسلم (2085) الترمذي (1731) النسائي (5335) أبو داود (4085) ابن ماجة (3569) أحمد (2/147) مالك (1696)].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"[مسلم (106) الترمذي (1211) النسائي (2563) أبو داود (4087) ابن ماجة (2208) أحمد (5/178) الدارمي(2605)].
ومن ذلك: لباس الرجل الحرير الطبيعي، فكل لباس من حرير سواء كان ثوبا، أم سروالا، أم شرابا، أم غترة، أم طاقية، أم غيرها، فهو حرام على الرجال؛ ففي الصحيحين عن عمـر بن الخطـاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قـال: "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"[البخاري(5110) مسلم (2067) الترمذي (1878) النسائي (5301) أبو داود (3723) أحمد (5/397) الدارمي (2130)].
وقـال: "إنما يلبس الحرير من لا أخلاق له"[البخاري (5497) مسلم(2069)].
ومن ذلك: لبس الرجل الذهب، فلا يجوز للرجل أن يلبس ذهبا لا خاتما، ولا سوارا، ولا أزرارا، ولا غيره؛ ففي صحيح مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتما من ذهب في يد رجل، فنزعه وطرحه، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار، فيجعلها في يده" فقال الناس للرجل بعدما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفع به، فقال: والله لا آخذه، وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"[مسلم (2090)].
وفي سنن النسائي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أن رجلا قدم من نجران إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه خاتم من ذهب، فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار"[النسائي (5188) أحمد (3/15)].
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات من أمتي، وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة"[أحمد (2/209)].
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حريرا وذهبا، فقال: "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم"[الترمذي (1720) النسائي (5148)].
ومن ذلك: لبس خاتم الخطبة الذي يسمونه -الدبلة- فهو سيء للرجال والنساء؛ لأن هذه العادة سرت من النصارى، قاله محدث الشام في عصره الألباني قال: ويرجع ذلك إلى عادة قديمة يضع الرجل العروس الخاتم على رأس إبهام العروسة المرأة، ويقول: باسم الرب، ثم يضعه على رأس السبابة، ويقول: باسم الابن يعنون بالأب الله، وبالابن عيسى -تعالى- الله عن قولهم، ثم يضعه على رأس الوسطى، ويقول باسم روح القدس، وعندما يقول آمين يضعه في البنصر حيث يستقر.
أيها المسلم: إذا كانت هذه العادة متلقاة من النصارى، فكيف ترضى لنفسك بصفتك مسلما أن تقلدهم فيها، وتتشبه بهم، وقد علمت أن نبيك -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تشبه بقوم فهو منهم"[أبو داود (4031)].
كيف تذهب بعقلك إلى هذه الخرافة التي لا حقيقة لها، فليست الدبلة بالتي تجلب المودة، وليس عدمها بالذي يطرد المودة.
وعن ابن مسعـود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قـال: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"[أبو داود (3883) ابن ماجة (3530) أحمد (1/381)].
وفسر العلماء: "التولة" بأنها شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها.
و"الدبلة" شبيهة بالتولة؛ لأنهم يعتقدون أنها رابطة بين الزوج وزوجته، وهي بعيدة من ذلك فليست بربط شرعي؛ لأن الربط الشرعي بين الزوجين يكون بعقد النكاح، وليست ربطا كونيا؛ لأنها لا تأثير لها حسا سوى ما يقع في وهم لابسيها بناء على عقيدة لا أصل لها.
ولا تعجبوا أن تكون التولة نوعا من الشرك، وذلك لأن الخلق والأمر كله لله -عز وجل- وحده، فوضع السببية في الأسباب إلى الله وحده، فمن جعل شيئا ما سببا لشيء لم يجعله الله سببا له، فقد شارك الله فيما يختص به.
إذن، فخاتم الخطبة -الدبلة- إن كان من ذهب فهو حرام سيئ على الرجل من جهتين: من جهة أنه ذهب، ومن جهة: العقيدة الفاسدة والتقليد الأعمى الذي مصدره من النصارى، وإن كان غير ذهب أو استعملته الأنثى، فهو سيء من جهة واحدة.
ومن اللباس المحرم: لبس الرجل والمرأة ما لا يستر من الثياب ما يجب ستره كلبس الرهيف الذي لا يستر، والقصير، ويتضح ذلك في الرجال في أيام الصيف حيث يلبسون سراويل قصيرة يبدو منها بعض الفخذ، وثيابا رهيفة عليها لا تستر، وهذا غير ساتر في الصلاة، فلا تصح الصلاة حينئذ، فيقعون في خطر عظيم حيث يصلون صلاة لا تنفعهم.
ويتضح في النساء حيث تلبس خمارا رهيفا، وتخرج إلى السوق، فتبدو كأنها غير ساترة وجهها.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: واستعينوا بنعم الله على طاعته، ولا تجعلوا هذه النعم وسيلة للأشر والبطر والرفاهية الموقعة في الاثم: (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران:131 - 132].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم | الخ |