البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

عقوبات الله: الزلازل

العربية

المؤلف عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار والتفكر في آيات الله ومخلوقاته .
  2. التفكر والاعتبار في مصير الأمم المكذبة وبعض قصص وحكم ذلك .
  3. كثرة الزلازل في هذا الزمان وشدتها .
  4. الزلازل بين العقوبة والتخويف .
  5. بعض الأمور المشروعة عند حدوث الزلازل .
  6. كثرة الزلازل من علامات الساعة .

اقتباس

يَبيت الأطفال والنساء والرجال في العَراء؛ حائري القلوب، شاحبي الوجوه، غائري العيون، حُفاة الأقدام، يتكدَّسون في المناطق الواسعة، والساحات الشاسعة، ليس حولهم بناء، تدور رؤوسهم، يتخيَّل أحدهم أنَّ...

الخطبة الأولى:

أمَّا بعدُ:

فاتقوا الله ربَّكم وأطيعوه تُفلحوا.

عباد الله: إنَّ في خَلْق الله -تعالى- وعظيم صُنعه لعِبرة للمُعتبرين، وآية للمُتأمِّلين: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]، (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [يونس: 101]، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) [الحج: 46].

ففي خَلْق السماوات والأرض عِظة: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ  اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية: 3 - 5].

وفي خَلْق الإنسان عِبرة: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].

وفي كل ما حولنا وما نَسمعه من بديع خَلْق الله -تعالى- آية شاهدة بقُدرته جلَّ جلاله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات: 96].

فسبحانه وتعالى له الحمد والخَلْق والأمر، وفي كل شيء له آية تدلُّ على أنه واحد، وقد أمَرَنا ربُّنا أنْ نتفكَّر فيما خلَق ودبَّر سبحانه ومن ذلك ما فعَله سبحانه بأُممٍ سبقَت وغَبَرت حين كذَّبت رُسل الله وأنبياءَه، وعصَت خالقَها واستَنكَفت عن عبادته، فحاق بها ما لَم تَحسب له حِسابًا، ولَم يكن منها على بالٍ، خدَعتهم قوَّتهم، وغرَّهم سوءُ عملهم، فباؤوا بالخُسران.

ها هم قوم نوح يُغرقهم الله -تعالى- بالماء الذي لا مَحيص عنه ولا مَفرَّ: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) [القمر: 9 - 14].

أمَّا عن عاد وثمود، فيُخبرنا القُرآن الكريم عن مَصِيرهم: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ  وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا  قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت: 13 - 17]، ويقول سبحانه: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ *فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) [الحاقة: 4 - 8].

وعن قوم لوط يقول سبحانه: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 82 - 83].

وعن مَدْيَنَ قوم شُعيب يقول سبحانه: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) [هود: 94 - 95].

وفرعون وقومه صلوا من أنواع العَذاب وصنوفه: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) [الأعراف: 133].

وفي الجملة يُبيِّن لنا القرآن مصيرَ مَن غَبَر وتَجبَّر: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ  أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 38 - 40].

إنَّ ربَّنا -سبحانه- حين يُذكِّرنا بمصير أولئك القوم الذين عَصوا ربَّهم، يُحذِّرنا عاقِبتهم، ويُنذرنا أن نَسلك صَنيعهم: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف: 111]، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 6 - 14].

وإنَّ الذي أهلك الأُمم المكذِّبة الأولى قادرٌ على أن يُذيق غيرهم من العُصاة ما أذاقَهم: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].

أخرَج البخاري عن جابر -رضي َالله عنه- قال: "لَمَّا نزَلت هذه الآية: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) [الأنعام: 65]، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "أعوذ بوجهك"، قال: (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) [الأنعام: 65]، قال: "أعوذ بوجهك".

ورُوِي عن مجاهد في تفسير هذه الآية: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) [الأنعام: 65]، قال: "الصَّيْحة والحجارة والرِّيح: (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)، قال: الرَّجفة والخَسف".

ومن عُقوبات الله -تعالى- المتنوِّعة التي يُعاقب بها ويُحذِّر بها عبادَه: ما يُصيب الأرض من الزلزال الذي نَسمع به هنا وهناك، ولا يكاد يمرُّ شهر أو أقل إلاَّ ونسمع بشيءٍ عنه، وما أدراك ما الزلزال؟!

بينما الناس في غَفلة، يشعر الحيوان بالزلزال فتَطير الطيور هربًا، وتفرُّ البهائم، وتَصرُخ الحيوانات في حدائق الحيوان، والحيوانات تهزُّ الأقفاص؛ لأنها تريد الهروب، والإنسان لا يدري ماذا سيَحدث؟ ثم يعمُّ صمت رهيبٌ كأنَّ الكون كله يَصيح لهذا الحدَث، ثم فجأة يكون انفجار رهيبٌ تحت أقدام الناس، تتكسَّر قشرة الأرض، وليست الأرض هذه القشرة البسيطة التي مهَّدها الله وسوَّاها الله، تتكسَّر تكسُّرًا بسيطًا، ثم فجأة تتحوَّل الأرض إلى أخاديدَ سوداء مُظلمة، وتتطايَر البنايات والعمارات كأنها علبٌ من الكرتون، ويتراكض الناس في غير اتِّجاه، فترى الرجل الكبير مرَّة يَحبو برِجليه ويديه، ومرَّة تَبتلعه الأخاديد، ومرَّة يأتيه الجدار عن يمينه أو شماله، فيرفع يديه الضعيفتين ليردَّهما فلا يستطيع، والجسور تتمايل وتترنَّح، وتَقذف ما فوقها من شاحنات وعرَبات.

وأمَّا السدود فتتصدَّع وتأتي مياهها، فتُغرق كلَّ شيء، وأعمدة الكهرباء تترنَّح، وتقذف شراكها وأسلاكها تصعق المارَّة، ويرتفع الغبار، ويَشتعل الحريق، ويَزدحم الناس في المخارج والممرَّات.

لحظات رهيبة تُحسَب بالثواني لا بالدقائق، يسقط فيها القتلى بالآلاف لا بالعشرات، ويَهدأ الزلزال، ولكنَّ الناس لا يعودون إلى بيوتهم من الخوف، فعند كلِّ حركة يجفلُ قلب أحدهم وتهتزُّ فَرائصه، ويظنُّ أنَّ الزلزال قد عاد، ويَبيت الأطفال والنساء والرجال في العَراء؛ حائري القلوب، شاحبي الوجوه، غائري العيون، حُفاة الأقدام، يتكدَّسون في المناطق الواسعة والساحات الشاسعة، ليس حولهم بناء، تدور رؤوسهم، يتخيَّل أحدهم أنَّ نسمة الهواء التي تهبُّ على غُصن الشجرة جدارًا يَنهمر عليه، ويتجلَّى الإنسان بضَعفه وقلَّة حوله وحِيلته، وتَفيض الأرواح إلى الله، وتَنسكب الدماء، وتَختلط بالحديد والأسمنت والأسفلت.

وبعد أنْ يَهدأ الزلزال يأتي الناس يبحثون عن بعض أقاربهم؛ لعلَّ من بينهم أحياء، وكم هنالك من مَكلومٍ، فقَد بيته وأُسرته في غمضةٍ عين بقُدرة القادر -سبحانه-.

ومن العجيب: أنَّ الإنسان بكلِّ ما يفخرُ به الآن من قُدراتٍ واختراعاتٍ، لَم يستطع أنْ يعرفَ وقت حُدوث الزلزال، فضلاً عن ردِّه أو التخفيف من قوَّته، فسبحان مَن لا يُرَدُّ أمرُه ولا يُعجزه شيءٌ وهو على كلِّ شيء قدير.

الخطبة الثانية:

أيُّها الأحبَّة: ألا يُذكِّرنا هذا الزلزال أو ذاك بزلزالٍ عظيمٍ سيقع في يوم شديد الكرْب، عظيم الهوْل؟ ألا يُذكِّرنا بزلزالٍ يوم القيام الأكبر: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ *فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 1 - 8] سورة ما أكثر ما نقرؤها في صَلواتنا ونَوافلنا، ما أقلَّ ما نتدبَّر فيها، الزلزال الحقيقي العظيم حين تُخرجُ الأرض ما فيها من بشرٍ ومَعادن وغيرها، ويتساءل الإنسان: ما الذي حدَث؟ فتُحدِّث بأنَّ الله أوحى لها أمرَها، أليس هو الذي خلقَها؟! فإذا أمرَها أطاعَتْ مباشرةً، فيَخرج الناس أفواجًا وجماعات؛ ليَأخُذوا صَحائف أعمالهم؛ إمَّا باليمين، وإمَّا بالشمال، فيرى الجليل والدقيق حتى مِثقال الذَّرَّة.

عباد الله: إنَّ الزلزال عقوبةٌ ونذيرٌ، فما موقف المسلم منه إن سَمِع به؟

عن ذلك يُحدِّثنا الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- فيقول رحمه الله: "فإنَّ الله - سبحانه وتعالى- حكيم عليم فيما يَقضيه ويُقدِّره، كما أنَّه حكيم عليم فيما شرَعه وأمرَ به، وهو سبحانه يَخلق ما يشاء من الآيات ويُقدِّرها؛ تخويفًا لعباده، وتذكيرًا لهم بما يجب عليهم من حقِّه، وتحذيرًا لهم من الشِّرك به، ومخالفة أمره، وارتكاب نَهْيه؛ كما قال الله -سبحانه-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، وقال عزَّ وجلَّ: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53]، وقال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام: 65].

ولا شكَّ أنَّ ما حصل من الزلازل في جهات كثيرة، هو من جملة الآيات التي يخوِّف الله بها -سبحانه- عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها -مما يضرُّ العباد، ويُسبِّب لهم أنواعًا من الأذى- كله بأسباب الشِّرك والمعاصي؛ كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30]، وقال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء: 79]، وقال تعالى عن الأُمم الماضية: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].

فالواجبُ على جميع المكلَّفين من المسلمين وغيرِهم: التوبةُ إلى الله -سبحانه-، والاستقامة على دِينه، والحَذَر من كلِّ ما نهَى عنه من الشِّرك والمعاصي؛ حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدُّنيا والآخِرة من جميع الشرور، وحتى يدفعَ الله عنهم كلَّ بلاءٍ، ويَمنحهم كلَّ خير، وقال العلاَّمة ابن القَيِّم -رحمه الله- ما نصُّه: "وقد يأذَنُ الله -سبحانه- للأرض في بعض الأحيان بالتنفُّس، فتَحدث فيها الزلازل العِظام، فيَحدث من ذلك لعباده الخوف والخَشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي، والتضرُّع إلى الله -سبحانه- والندم؛ كما قال بعض السلف وقد زُلزلت الأرض: "إنَّ ربَّكم يَستعتبكم".

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد زُلزلت المدينة، فخطَبهم ووعَظهم، وقال: "لئن عادَت، لا أُساكنكم فيها".

والآثار في هذا المقام عن السلف كثيرةٌ.

فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف، والرياح الشديدة والفياضانات: البِدار بالتوبة إلى الله -سبحانه-، والضَّراعة إليه، وسؤاله العافية، والإكثار من ذِكره واستغفاره؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم عند الكسوف: "فإذا رأيتم ذلك، فافْزَعوا إلى ذِكر الله ودعائه واستغفاره".

وقد ثبَت عن الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: أنَّه لَمَّا وقَع الزلزال في زمانه، كتَب إلى عُمَّاله في البلدان، وأمرَهم أن يأمروا المسلمين بالتوبة إلى الله والضراعة إليه، والاستغفار من ذنوبهم. انتهى كلامه رحمه الله.

عباد الله: كثرة الزلازل من علامات الساعة؛ فقد أخرَج البخاري قوله صلى الله عليه وسلمَ: "لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العلم، وتَكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويَكثر الهَرْج، وهو القتل".

فنسألك اللهمَّ يا رحمن يا رحيم أنْ تُعامِلَنا بعفوك ورحمتك.

ربَّنا لا تؤاخذنا بما فعَل السُّفهاء منَّا.

اللهمَّ رحمتَك نرجو، فلا تَكلنا إلى نفوسنا طرْفة عينٍ.