البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

معالم منهجية في تربية الطفل

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الأطفال
عناصر الخطبة
  1. صعوبة تربية الأطفال في وقتنا الحاضر .
  2. وجوب الاهتمام بالجانب العلمي للأطفال .
  3. تعويد الطفل على القيام بواجباته الشرعية .
  4. تربية الطفل على الأخلاق الفاضلة .
  5. أهمية الترفيه للصغار .
  6. اكتشاف الموهوبين من الأطفال .
  7. تنمية حب القراءة لدى الأطفال. .

اقتباس

وَلِحُبِّ الْأَطْفَالِ لِلْقِصَصِ وَتَشَوُّقِهِمْ إِلَى سَمَاعِهَا فَلْتَكُنْ سِيرَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوَّلَ مَا يَطْرُقُ أَسْمَاعَهُمْ؛ لِيَرْتَبِطُوا بِنَبِيِّهِمْ حُبًّا وَتَعْظِيمًا وَاقْتِدَاءً, ثُمَّ قَصَصُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ, وَصَفَهَا اللهُ بِقَوْلِهِ: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)[يوسف: 3], تُلْقَى عَلَيْهِمْ مُخْتَصَرَةً مَعَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا مِنْ دُرُوسٍ تَرْبَوِيَّةٍ…

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: أَضْحَتِ التَّرْبِيَةُ عَمَلِيَّةً شَاقَّةً وَصَعْبَةً فِي وَقْتِنَا الْحَاضِرِ؛ لِوُجُودِ الِانْفِتَاحِ الْإِعْلَامِيِّ وَالْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ والثَّقَافِيِّ, وَالَّذِي يَسْتَهْدِفُ شَبَابَنَا وَأَطْفَالَنَا عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ؛ لِسَلْخِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ عَقِيدَتِهِمْ وَقِيَمِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ؛ وَلِذَا كَانَ لِزَامًا عَلَى الْأُسْرَةِ وَالْمَحَاضِنِ التَّرْبَوِيَّةِ أَنْ تَعْتَمِدَ مَنْهَجًا تَرْبَوِيًّا شَامِلاً, عِلْمِيًّا وَعَمَلِيًّا, تُرَبِّي عَلَيْهِ أَطْفَالَهَا, فَذَلِكَ صِمَامُ أَمَانٍ فِي وَجْهِ فِتَنِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ.

وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَضَعُ مَعَالِمَ مَنْهَجِيَّةً يَسْتَفِيدُ مِنْهَا الْمُرَبُّونَ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ, وَلَا بُدَّ أَوَّلاً أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْمَنْهَجَ التَّرْبَوِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَرْتَبِطَ فِيهِ الْجَانِبُ النَّظَرِيُّ بِالتَّطْبِيقِيِّ, فَمِنْ هَذِهِ الْمَعَالِمِ التَّرْبَوِيَّةِ:

وُجُوبُ الِاهْتِمَامِ بِالْجَانِبِ الْعِلْمِيِّ: فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا يَنْشَأَ عَلَيْهِ الطِّفْلُ كِتَابُ اللهِ -تَعَالَى-؛ فَهُوَ الْأَسَاسُ لِبِنَاءِ ثَقَافَةِ الطِّفْلِ, وَصَقْلِ شَخْصِيَّتِه, وَتَقْوِيمِ لِسَانِهِ, وَتَوْسِيعِ مَدَارِكِهِ, وَقَدْ أَكَّدَتِ الدِّرَاسَاتُ الْعِلْمِيَّةُ الْحَدِيثَةُ أَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يُقَوِّي الذَّاكِرَةَ، وَيَضْمَنُ لِلْأَوْلَادِ النَّجَاحَ وَالتَّفَوُّقَ الدِّرَاسِيَّ؛ فَعَلَى الْمُرَبِّينَ أَنْ يُوَجِّهُوا جُلَّ اهْتِمَامِهِمْ لِتَنْشِئَةِ الْأَطْفَالِ عَلَى حُبِّ الْقُرْآنِ تَعَلُّمًا وَحِفْظًا وَتَدَارُسًا؛ فَحِفْظُ الْقُرْآنِ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الطَّلَبِ, قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَأَمَّا طَلَبُ حِفْظِ الْقُرْآنِ: فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا تُسَمِّيهِ النَّاسُ عِلْمًا: وَهُوَ إمَّا بَاطِلٌ أَوْ قَلِيلُ النَّفْعِ، وَهُوَ -أَيْضًا- مُقَدَّمٌ فِي التَّعَلُّمِ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ عِلْمَ الدِّينِ مِنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّ مِثْلِ هَذَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ أَصْلُ عُلُومِ الدِّينِ"(مجموعة الفتاوى).

ثُمَّ الِاهْتِمَامُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ, وَغَرْسُ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي قُلُوبِهِمْ, وَلْيَتَخَيَّرِ الْمُرَبِّي لِأَطْفَالِهِ بَعْضًا مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْجَامِعَةِ لِيَحْفَظُوهَا, وَلْيُشَارِكْهُمْ حِفْظَهَا, وَيُشَجِّعْهُمْ عَلَى ذَلِكَ, وَلْيَسْتَعِنْ بِبَعْضِ الْكُتُبِ فِي ذَلِكَ؛ كَالْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ وَنَحْوِهَا.

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْشَأَ عَلَيْهِ الطِّفْلُ: حِفْظُهُ لِلْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ؛ كَأَذْكَارِ النَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ مِنْهُ, وَالدُّخُولِ إِلَى الْمَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ, وَأَذْكَارِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ, وَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ, وَرُكُوبِ السَّيَّارَةِ... وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَذْكَارِ وَالتَّحْصِينَاتِ الشَّرْعِيَّةِ, فَعَلَى الْمُرَبِّي أَنْ يَنْتَقِيَ لِلْأَطْفَالِ مِنَ الْأَذْكَارِ مَا يُنَاسِبُ أَعْمَارَهُمْ, ثُمَّ لِيَقُمْ بِتَحْفِيظِهِمْ إِيَّاهَا بِتَكْرِيرِهَا لَهُمْ تَلْقِينًا, وَسُؤَالِهِمْ عَنْهَا, وَمُتَابَعَتِهِمْ فِي تَطْبِيقِهَا؛ حَتَّى يَأْلَفُوهَا.

أَيُّهَا الْآبَاءُ: لَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- غَرْسُ أُسُسِ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ فِي نُفُوسِ الْأَطْفَالِ, قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَوْمًا: "يَا غُلامُ! إنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ"(رواه الترمذي).

وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْمُرَبِّي أَشَدَّ الْحِرْصِ أَنْ تَكُونَ عَقِيدَةُ طِفْلِهِ سَلِيمَةً, بَعِيدَةً عَنِ الْخُرَافَاتِ وَالْخُزَعْبَلَاتِ, يُعَلِّقُهُ بِاللهِ -تَعَالَى- مُنْذُ صِغَرِهِ, يُعَلِّمُهُ التَّوْحِيدَ وَمَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ, وَيُعَرِّفُهُ بِأَرْكَانِ الْإِيمَانِ, وَيُوَضِّحُ لَهُ حَقِيقَةَ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا الْغَايَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا خُلِقَ النَّاسُ, وَحَبَّذَا أَنْ يُحَفِّظَهُ شَيْئًا مِنْ مَنْظُومَاتِ الْعَقِيدَةِ الْمُبَسَّطَةِ؛ لِتَرْسَخَ فِي قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ.

وَيَنْبَغِي لِلْمُرَبِّي أَنْ يُعَلِّمَ طِفْلَهُ كَذَلِكَ أَدَاءَ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ, فَيَقُومُ بِتَسْهِيلِ بَعْضِ الْمَوْضُوعَاتِ الْفِقْهِيَّةِ؛ كَأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ؛ حَتَّى يُلِمَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا, وَيُؤَدِّيَهَا عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ.

وَلِحُبِّ الْأَطْفَالِ لِلْقِصَصِ وَتَشَوُّقِهِمْ إِلَى سَمَاعِهَا؛ فَلْتَكُنْ سِيرَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوَّلَ مَا يَطْرُقُ أَسْمَاعَهُمْ؛ لِيَرْتَبِطُوا بِنَبِيِّهِمْ حُبًّا وَتَعْظِيمًا وَاقْتِدَاءً, ثُمَّ قَصَصُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ, وَصَفَهَا اللهُ بِقَوْلِهِ: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)[يوسف: 3], تُلْقَى عَلَيْهِمْ مُخْتَصَرَةً مَعَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا مِنْ دُرُوسٍ تَرْبَوِيَّةٍ, قَالَ -تَعَالَى-: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176], وَهُنَاكَ قِصَصُ عُظَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ, وَأَعْلَامِ الْأُمَّةِ مِنْ قَادَةِ فُتُوحَاتِهَا, وَعُلَمَائِهَا الرَّبَّانِيِّينَ, فَإِذَا تَشَبَّعَتْ نَفْسُ الطِّفْلِ بِسِيَرِ هَؤُلَاءِ الصَّالِحِينَ عَلَتْ هِمَّتُهُ, وَقَوِيَتْ عَزِيمَتُهُ, فَتَطَلَّعَ لِلْمَعَالِي.

أَيُّهَا الْآبَاءُ: لَنْ يَسْتَطِيعَ الْأَبُ نَظَرًا لِكَثْرَةِ مَشَاغِلِهِ وَارْتِبَاطَاتِهِ وَعَمَلِهِ بِأَنْ يَقُومَ هُوَ بِتَحْفِيظِ أَبْنَائِهِ الْقُرْآنَ, وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ, وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ وَاجِبَاتِهِ الَّتِي لَا يُعْذَرُ بِإِهْمَالِهَا, لَكِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ؛ كَأَنْ يُلْحِقَ أَبْنَاءَهُ بِحِلَقِ الْقُرْآنِ وَيُتَابِعَهُمْ فِي ذَلِكَ, وَيُحَفِّزَهُمْ عَلَيْهَا, وَيَتَوَاصَلَ مَعَ مُدَرِّسِ الْحَلَقَاتِ لِمَعْرِفَةِ مَا يُعْطَى لَهُمْ؛ حَتَّى يُرَاجِعَهُ لَهُمْ, قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ"(متفق عليه).

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: وَمِنَ الْمَعَالِمِ الْمَنْهَجِيَّةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: تَعْوِيدُهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ؛ كَالصَّلَاةِ, قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وِهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ, وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ"(رواه أحمد وأبو داود), وَهَذَا الضَّرْبُ لِلتَّأْكِيدِ عَلَى تَعْظِيمِ شَأْنِ الصَّلَاةِ فِي نَفْسِ الطِّفْلِ؛ فَإِذَا تَعَوَّدَ عَلَيْهَا مُنْذُ صِغَرِهِ حَافَظَ عَلَيْهَا فِي شَبَابِهِ, وَهَكَذَا يُدَرِّبُهُ عَلَى الصِّيَامِ -أَيْضًا-؛ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ: "مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ, وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ" قَالَتْ: "فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ, فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ, حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ", وَقَدْ قِيلَ:

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا

عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ, وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَبَعْدُ:

أَيُّهَا الْآبَاءُ: وَمِنَ الْمَعَالِمِ الْمَنْهَجِيَّةِ: أَنْ يُرَبَّى الطِّفْلُ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ, وَالْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُرَبِّي أَنْ يُهْمِلَ ذَلِكَ بِدَعْوَى أَنَّهُ لَا زَالَ صَغِيرًا؛ فَيَتْرُكُ لَهُ الْمَجَالَ فَيَنْطِقُ لِسَانُهُ بِالْكَلَامِ الْقَبِيحِ أَوِ الْبَذِيءِ, أَوْ يَتَخَلَّقُ بِبَعْضِ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ؛ فَإِنَّهُ يَصْعُبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ؛ فَمَنْ شَبَّ عَلَى شَيْءٍ شَابَ عَلَيْهِ, وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ -تَعَالَى- مُخَاطِبًا الْمُؤْمِنِينَ بِتَرْبِيَةِ أَطْفَالِهِمْ عَلَى أَدَبِ الِاسْتِئْذَانِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)[النور:58].

وَالنَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حِينَمَا رَأَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ وَهُوَ صَغِيرٌ عَلَّمَهُ أَدَبَ الطَّعَامِ، فَقَالَ لَهُ: "يَا غُلاَمُ! سَمِّ اللهَ، وَكلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ", قَالَ: "فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ"؛ أَيْ: لَزِمْتُ ذَلِكَ وَصَارَ عَادَةً لِي.

فَمِنَ الْآدَابِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُرَبَّى الطِّفْلُ عَلَيْهَا مُنْذُ صِغَرِهِ: اسْتِخْدَامُ يَدِهِ الْيُمْنَى فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ, فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بِشِمَالِهِ يُذَكِّرُهُ وَيَنْهَاهُ بِرِفْقٍ, وَيُحَوِّلُ مَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى إِلَى يَدِهِ الْيُمْنَى.

وَمِنْهَا: أَنْ يُعَوِّدَهُ التَّيَامُنَ فِي لُبْسِ ثِيَابِهِ وَنَعْلِهِ, وَأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ لُبْسِ الْقَصِيرِ مِنَ الثِّيَابِ وَالسَّرَاوِيلِ؛ لِيَنْشَأَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ, وَيُعَمِّقَ فِيهِ خُلُقَ الْحَيَاءِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُعَوَّدَ النَّوْمَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ, وَأَنْ يُعَوَّدَ عَلَى حَمْدِ اللهِ بَعْدِ الْعُطَاسِ, وَإِذَا تَثَاءَبَ غَطَّى فَمَهُ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُرَبِّيَهُ عَلَى احْتِرَامِ كِبَارِ السِّنِّ, وَلَا سِيَّمَا وَالِدَيْهِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُعَوِّدَهُ عَلَى النَّظَافَةِ؛ فَلَا يَرْمِي الْأَوْسَاخَ إِلَّا فِي أَمَاكِنِهَا الصَّحِيحَةِ, وَيُعَلِّمُهُ إِمَاطَةَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ.

وَالْآدَابُ وَالْأَخْلَاقُ كَثِيرَةٌ, وَمَتَى مَا نَشَأَ عَلَيْهَا الطِّفْلُ أَصْبَحَتْ لَهُ طَبْعًا يَتَخَلَّقُ بِهِ.

وَمِنَ الْمَعَالِمِ الْمَنْهَجِيَّةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: أَهَمِّيَّةُ التَّرْفِيهِ لِصِغَارِ السِّنِّ؛ إِذْ يُبْعِدُ عَنْهُمُ الْمَلَلَ وَالسَّآمَةَ, وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُرَفَّهُونَ بِهَا: الرِّحْلَاتُ وَالنُّزْهَاتُ؛ فَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَغِلَّ أَوْقَاتَ الْإِجَازَاتِ لِيَأْخُذَ أَبْنَاءَهُ فِي رِحْلَاتٍ وَنُزْهَاتٍ عَائِلِيَّةٍ, يُبْعِدُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْهُمْ هُمُومَ الْحَيَاةِ, وَيَكْسِرُ بِهَا الرُّوتِينَ الْيَوْمِيَّ الْمَأْلُوفَ, وَلِكَيْ تَكُونَ أَكْثَرَ فَاعِلِيَّةً تَرْبَوِيَّةً يُحَبَّذُ أَنْ يُحَمِّلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُهِمَّةً مُعَيَّنَةً يَقُومُ بِهَا؛ تَحْضِيرًا لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ؛ لِيَنْشَأَ الطِّفْلُ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ, وَالثِّقَةِ بِنَفْسِهِ, وَغَرْسِ مَبْدَأِ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ.

وَمِنْ صُوَرِ تَرْفِيهِ الْأَطْفَالِ: عَمَلُ الْمُسَابَقَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ؛ عِلْمِيَّةً, وَفِكْرِيَّةً, وَرِيَاضِيَّةً, مَعَ عَمَلِ جَوَائِزَ بَسِيطَةٍ لِتَشْجِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ؛ فَالْمُسَابَقَاتُ تُنَمِّي قُدُرَاتِ الْأَطْفَالِ الْعِلْمِيَّةَ, وَالثَّقَافِيَّةَ, وَكَانَ هَذَا دَأَبَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَعَ أَصْحَابِهِ؛ بَوَّبَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ: (بَابُ طَرْحِ الإِمَامِ المَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ), وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟", قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ", قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا"(متفق عليه)؛ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: "وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ؛ مِنْهَا: اسْتِحْبَابُ إِلْقَاءِ الْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ؛ لِيَخْتَبِرَ أَفْهَامَهُمْ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِي الْفِكْرِ وَالِاعْتِنَاءِ".

وَأَمَّا الْمُسَابَقَاتُ الرِّيَاضِيَّةُ فَتُنَمِّي لَدَيْهِمُ الْمَهَارَاتِ الْحَرَكِيَّةَ, وَتَسْتَهْلِكُ طَاقَتَهُمُ الزَّائِدَةَ, وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُفُّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ وَكَثِيرًا مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا", قَالَ: فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ, فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ(مسند أحمد), وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ, فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا" فَتَقَدَّمُوا, ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ", فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ, فَسَكَتَ عَنِّي, حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ, فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا" فَتَقَدَّمُوا, ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ", فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي, فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: "هَذِهِ بِتِلْكَ"(أحمد وأبو داود).

وَمِمَّا يُرَفَّهُونَ بِهِ: اللَّعِبُ؛ فَهُوَ حَيَاةُ الْأَطْفَالِ؛ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصِّصَ الْأَبُ أَوْقَاتًا لِأَطْفَالِهِ يَلْعَبُونَ فِيهَا أَلْعَابًا آمِنَةً مُفِيدَةً هَادِفَةً.

وَمِنَ الْمَعَالِمِ الْمَنْهَجِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ الْأَبُ دَقِيقَ الْمُلَاحَظَةِ لِأَبْنَائِهِ؛ لِيَكْتَشِفَ الْمَوْهُوبِينَ مِنْهُمْ, فَيُوَجِّهَهُمْ مُنْذُ الصِّغَرِ إِلَى مَا يُنَمِّي مَوَاهِبَهُمْ؛ فَبَعْضُ الْأَطْفَالِ ذَوُو إِمْكَانَاتٍ مُتَمَيِّزَةٍ، كَقُوَّةِ الْحِفْظِ وَالذَّكَاءِ مَثَلاً, فَهَؤُلَاءِ يُعْتَنَى بِهِمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مُتَمَيِّزُونَ؛ حَتَّى لَا تَضْعُفَ مَوْهِبَتُهُمْ وَتَتَلَاشَى, فَيَزِيدُ الْمُرَبِّي حِفْظَهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, وَيُشَجِّعُهُمْ عَلَى حِفْظِ الْمُتُونِ الْعِلْمِيَّةِ.

وَمِنَ الْمَعَالِمِ الْمَنْهَجِيَّةِ فِي التَّرْبِيَةِ: تَنْمِيَةُ حُبِّ الْقِرَاءَةِ لَدَيْهِمْ, فَيَجْلِبُ الْأَبُ لِأَطْفَالِهِ مَا يُنَاسِبُ أَعْمَارَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ, وَيُتَابِعُهُمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ لَهَا, وَيُحَفِّزُهُمْ عَلَى ذَلِكَ, وَيُمْكِنُ أَنْ يَقْرَأَ لَهُمْ شَيْئًا مِنَ الْقِصَصِ, وَيُلْزِمَهُمْ بِإِكْمَالِ قِرَاءَتِهَا بِأَنْفُسِهِمْ؛ حَتَّى تُصْبِحَ الْقِرَاءَةُ لَهُمْ عَادَةً مُحَبَّبَةً, وَقَدْ أَثْبَتَتِ الدِّرَاسَاتُ الْعِلْمِيَّةُ أَنَّ هُنَاكَ تَرَابُطًا كَبِيرًا بَيْنَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالتَّفَوُّقِ الدِّرَاسِيِّ.

تِلْكَ بَعْضٌ مِنَ الْمَعَالِمِ الْمَنْهَجِيَّةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ, وَالطِّفْلُ كَالزَّرْعِ إِنْ تَهَيَّأَتْ لَهُ الْبِيئَةُ الصَّالِحَةُ, وَاعْتَنَى بِهِ وَالِدَاهُ مُنْذُ صِغَرِهِ أَثْمَرَ مَا يُسعِدُ وَالِدَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, وَذَاكَ مَا يَرْجُوهُ كُلُّ أَبٍ وَأُمٍّ فِي ابْنِهِمَا, فَلْنَحْرِصْ عَلَى التَّرْبِيَةِ السَّلِيمَةِ لِأَبْنَائِنَا.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].