الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
عباد الله: أنزل الله -تعالى- غيثين لعباده: أحدهما أهم من الآخر، والناس يحتاجون إليه أشد من الآخر. أما الغيث الأول: فهو غيث القلوب، بما أنزل الله من الوحي على رسله، وهذا الغيث مادة حياة القلوب، وسعادة الدنيا والآخرة، وبه يستجلب. الغيث الثاني: وهو غيث ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والحمد لله مغيث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وكاشف الكرب عن المكروبين، ومسبغ النعمة على العباد أجمعين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ)[القصص:68] وهو الولي الحميد، فسبحانه من إله كريم شمل بكرمه ورزقه وإحسانه القريب والبعيد، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها وربك على كل شيء حفيظ، ولكنه يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة إن ربي على صراط مستقيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم الوعيد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل، وخلاصة العبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم الرشيد، وسلم تسليما.
عباد الله: قال الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ)[لقمان:34].
وقـال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28].
وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ)[الواقعة: 68 - 69].
عباد الله: أنزل الله -تعالى- غيثين لعباده: أحدهما أهم من الآخر، والناس يحتاجون إليه أشد من الآخر.
أما الغيث الأول: فهو غيث القلوب، بما أنزل الله من الوحي على رسله، وهذا الغيث مادة حياة القلوب، وسعادة الدنيا والآخرة، وبه يستجلب.
الغيث الثاني: وهو غيث الأرض بما ينزله الله من المطر، ولقد خرجتم تستغيثون ربكم لهذا الغيث، وإنه لجدير بنا أن نهتم بالغيث الأول قبل الثاني؛ لأن به سعادة الدنيا والآخرة، وحصول الغيث الثـاني، قـال الله -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)[الأعراف: 96].
وقال تعالى على لسان نوح -عز وجل-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا)[نوح: 10 - 11].
إلى قوله: (وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 12].
وقال تعالى عن هود -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)[هود: 52].
أيها المسلمون: يجب علينا أن نتفقد قلوبنا: هل رويت من هذا الغيث أم هي ظامئة يجب علينا أن ننظر في صحائفنا؟ هل هي ربيع بهذا الوحي أم مجدبة منه؟
يجب علينا أن نصلح ما فسد، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد.
يجب علينا أداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، والقيام بإصلاح الأهل، وإصلاح المجتمعات.
يجب علينا: أن نتوب إلى الله من جميع الذنوب، وأن نحسن الظن بالله عندما نتوب، فإن الله -سبحانه- يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53].
فارفعوا أيديكم، واتجهوا بقلوبكم إلى ربكم داعين مؤملين منه الفرج، وإزالة الشدة.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا.
اللهم وفقنا للتوبة النصوح التي تمحو بها ما سلف من ذنوبنا، وتصلح بها أحوالنا وقلوبنا.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واكشف الضر عن المستضرين، وأسبغ النعم على المؤمنين.
اللهم اسقنا الغيث والرحمة، ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا واسعا شاملا لجميع أراضي المسلمين.
اللهم أغثنا غيثا مباركا تحيي به البلاد، وترحم به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر والباد.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض.
اللهم وسع أرزاقنا، ويسر أقواتنا، واجعل ما رزقتنا قوة لنا على طاعتك ومتاعا إلى حين.
اللهم إنا عبيدك مضطرون إلى رحمتك، خائفون من عذابك، فارحمنا برحمتك، ونجنا من عذابك، ولا تؤاخذنا بما فعلنا، فإنك أهل العفو والإحسان.
اللهم تقبل منا دعواتنا بمنك وكرمك.
وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد.
عباد الله: اقتدوا بنبيكم محمد -عز وجل- في قلب العباء، فإن ذلك سنة، وفيه تفاؤل بقلب الأحوال إلى حال أخرى، وعنوان على التزامكم بقلب اللباس الباطن إلى لباس آخر: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف: 26].
ثم يستقبل القبلة، فيقلب رداءه، ويدعو ثم يتجه ويعظ الناس قليلا وينصرف.