القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِنَا, وَفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ عَلينَا, أَنْ فَتَّحَ أَبْوابَ الجَنَّةِ لِلمُؤمِنِينَ، كَمَا قَالَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ) [ص:49-50]. فَمَا تِلْكَ الأبْوَابُ يَا تُرى؟ وَمَا عَدَدُهَا وَأَسْمَاؤُها, وَمَنْ هُمْ أَهْلُها؟.
الخطبة الأولى:
الحَمدُ للهِ جَعَلَ جَنَّةَ الفِردَوسِ لِلمُؤمِنِينَ نُزُلاً، يَسَّرَ لَنا الأَعْمَالَ وَنَوَّعَها لِنَتَّخِذَ مِنْهَا إلى الجَنَّاتِ سُبُلاً، نَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَنَا أَيُّنا أَحْسَنُ عَمَلًا.
ونَشهدُ أَنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، دَعَانَا إلى الحَقِّ والهُدَى فَلَنْ نَتَّخِذَ عَنْهُ -بِإذْنِ رَبِّنَا- بَدَلاً، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وَإيمانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا الله -يا مُؤمِنينَ- حَقَّ التَّقْوى, وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِالمَولى, فَـ "يَمِينُ اللهِ مَلْأَى لَا يغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاء اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ".
عِبَادَ اللهِ: مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِنَا, وَفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ عَلينَا, أَنْ فَتَّحَ أَبْوابَ الجَنَّةِ لِلمُؤمِنِينَ، كَمَا قَالَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ) [ص:49-50]. فَمَا تِلْكَ الأبْوَابُ يَا تُرى؟ وَمَا عَدَدُهَا وَأَسْمَاؤُها, وَمَنْ هُمْ أَهْلُها؟.
عِبَادَ اللهِ: فِي الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيَّ -صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ".
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ. فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
وَقَالَ -صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ". قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ! فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ، قَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ -أَوْ فَيُسْبِغُ- الْوضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".
يا مسلمين: هَذهِ أَرْبَعَةُ أَبْوابٍ لِلجَنَّةِ، وهي بَابُ الصَّلاَةِ، وبَابُ الجِهَادِ، وبَابُ الرَّيَّانِ، وبَابُ الصَّدَقَةِ.
أمَّا البابُ الخَامِسُ فَهُوَ بَابُ المُتَوَّكِّلِينَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوكُّلِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ، وَمِنْهُ: "يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ".
البَابُ السَّادِسُ: فَقَدْ يَكُونُ جَدِيدَاً على أَكْثَرِنَا، إنَّهُ بَابُ الوَالِدِ، نَعَمْ، بَابُ الوَالِدِ، رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَحَافِظْ عَلَى الْبَابِ أَوْ ضَيِّعْ".
أمَّا سَابِعُها فهُوَ بَابُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. قَالَ النَّبِيُّ -صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذٍ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؟"، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ".
أمَّا ثَامِنُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ فَقَدْ يَكُونُ -واللهُ أَعْلَمُ- بَاب التَّوْبَةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ؛ سَبْعَةٌ مُغْلَقَةٌ، وَبَابٌ مَفْتُوحٌ لِلتَّوْبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ".
عِبَادَ اللهِ: تَنَوُّعُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، مَاذا يعنِي لَنَا؟ وإلى أَيِّ شيءٍ يَقُودُنا؟ إنَّها تَعْنِي لَكَ -أَيُّهَا المَسْلِمُ- ألَّا تَزْهدَ فِي أَيِّ حَسَنَةٍ صَغِيرةٍ كَانَتْ أَو كَبِيرةٍ، وَلا تَحْقِرَنَّ أَيَّ عَمَلٍ مِنْ أَعمَالِ الخَيرِ وَالقُرُبَاتٍ، فَمَا تَدْرِي أَيُّ حَسَنَةٍ يَثْقُلُ بِهَا مِيزَانُكَ، وَيُغفَرُ بِهَا ذَنْبُكَ، وَيُفْتَحُ لَكَ فِيها مِنْ أَبْوَابِ الجِنَانِ.
وَمِنْ حِكْمَةِ اللهِ -تعالى- أنْ كَانَتْ رَغَبَاتُ النَّاسِ مُتَفَاوِتَةً, وَهِمَمُهُمْ مُتَبَايِنَةً، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل:4]، والقَائِلُ: (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ) [البقرة:60].
وَالأَعْمَالُ الفَاضِلَةُ -يَا كِرَامُ- أَنْوَاعٌ ثَلاثَةٌ، أَوَّلُها: مَا يَعُودُ نَفْعُهَا إلى المُكَلَّفِ نَفْسِهِ,كَالصَّلاةِ، وَالذِّكْرِ، وَالصِّيَامِ. وَالثَّانِي: إِحْسَانٌ إلى الخَلْقِ. أَمَّا الثَّالِثُ فَلا تَسْتَهِينُوا بِهِ يَا مُؤمِنينَ، أَلَا وَهُوَ:كَفُّ الشَّرِّ وَالأَذَى عَن النَّاسِ، فَأَفْضَلُ العَمَلِ بَعْدَ الإيمَانِ بِاللهِ، وَالجِهَادِ فِي سَبِيلهِ, أَنْ تَكُفُّ شَرَّكَ عَن النَّاسِ، فَإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلى نَفْسِكَ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ نَبِيُّنَا -صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ اللهُ -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [الجاثية:15].
أقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحُمدُ للهِ ذِي الفضل والإنعام، بَشَّرَ مَنْ أَطَاعَهُ بِجَزِيلِ الثواب والإكرام، نَشْهَدُ ألَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ حَثَّنا عَلى تنويع الطاعات, وَحَذَّرَنا مِنْ المعاصي المهلكات، صَلَّى الله وسلم وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ البررة الكرام.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا مُؤمِنُينَ، اتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.
إخْوَتِي فِي اللهِ: لَقَدْ خَلَقَنَا اللهُ -تعالى- وفينا ضعف فِي أبْدَانِنَا وَإدْرَاكِنَا، فَنَحْنُ فِي كَثِيرٍ مِن الأحْيَانِ نُرِيدُ كُلَّ شَيءٍ، وَبَعْدَ التَّوفِيقِ والاجْتِهَادِ لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُدْرِكَ إلَّا بَعْضَاً مِن هَذَا الشَّيءِ؛ وَلِهذا قَالَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ".
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا".
فَلَنْ تُطِيقَ كُلَّ عَمَلٍ، وَمَا تُطِيقَهُ فَلَنْ تُحْصِيَهُ، أَي: لَنْ تُتِمَّهُ عَلى وَجْهِهِ؛ وَلِهَذا كَانَ الصَّحَابَةُ -رِضْوَانُ اللهِ عَنْهُمْ- يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ عَنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ, وَعَنْ أَحَبِّهَا إِلى اللهِ، وَعَنْ أَقْرَبِهَا إِلَيهِ. مِنْ هُنَا جَاءَتْ وَصِيَّةُ رَسُولِنَا -صلى الله عليه وسلم-: "احْرصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ".
نَحْنُ مُدْرِكُونَ أنَّا لَنْ نَسْتَوعِبَ أَبْوَاب الخَيْرِ كُلِّهَا، فلا أقَلَّ مِنْ أنْ نُحَصِّلَ جُمْلَةً مِنْهَا، فَمِنَّا -بِحَمْدِ اللهِ- مَن فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ الصَّلاةِ, فَهُوَ دَائِم مُنَاجَاةِ اللهِ, يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ بَعْدَ الصَّلاةِ, قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ إنْ حَلَّ أَو ارْتَحَلَ يَنْظُرُ فِي سَاعَتِهِ: مَتَى الصَّلاةُ؟.
وَآخَرُ فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابَ النَّفَقَاتِ، وَبَذْلِ مَالِهِ وَطَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ، رَاحَتُهُ أَنْ يَجِدَ فَقِيراً يَنْفَعُهُ,أو أُسْرَةً يَكْفَلُها, فَليَبْشرْ بِبَرَكَةِ مَالِهِ وَعَمَلِهِ, وَصَدَقَ اللهُ: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].
وَقِسْمٌ مَأْجُورٌ, وَجَزَاءُ سَعْيِهِمْ مَوفُورٌ, فَهَمُّهُمْ أَنْ يَسْعَوُا فِي مَصَالِحِ الأَرَامِلِ والأَيْتَامِ والمَسَاكِينِ, يَتَفَقَّدُونَ المُحْتَاجِينَ, وَيوصِلُونَ الصَّدَقَاتِ وَالإعَانَاتِ لأُسَرِ المَسَاجِينِ, وَمَنْ رَكِبَتْهُمُ الدُّيُونُ, وَضَيَّقَ عَلَيهِمُ المُؤَجِّرُونَ. فَلِلَّهِ دَرُّهُمْ! مَا أَكْثَرَ خَيرهُم وَأَعَمَّ نَفْعهُمْ! فَعَلَى اللهِ أَجْرُهُمْ! فَقَدْ قَالَ عَنْهُمْ رَسُولُ الرَّحْمَةِ والهُدى -صلى الله عليه وسلم-: "السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ كَالَّذِي يَقُومُ اللَّيْلَ، وَيَصُومُ النَّهَارَ".
وَقِسْمٌ آخَرُ وَجَدَ أُنْسَه بِالصِّيَامِ، وَمُوَاصَلَةِ الأَيَّامِ, يَصُومُ أَيَّامَ الاثْنَينِ والخَميسِ وَأَيَّامَ البِيضِ، سَاعَةُ الإفْطَارِ فَرْحَةٌ لا تُسَامِيهَا فَرْحَةً .
وَمِنْ بينِ هؤلاءِ قَومٌ خَصَّهُمُ اللهُ لِآبَآئِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهمْ، يَبْذُلُونَ وَقْتَهُمْ وَجهْدَهُمْ وَمَالَهُمْ، فَرَاحَتُهُمْ فِي رَاحَتِهِمْ، فَغَيرُهُمْ قَدْ تَخَلَّى وانْشَغَلَ بِنَفْسِهِ وَأَولادِهِ وَأسْفَارِهِ, وَهُوَ مُوَفَّقٌ لِلمُرَابَطَةِ عَليهِم؛ فَهَنِيئا لَهُ!.
عِبَادَ اللهِ: ألا وَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفُتُوحَاتِ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ: أنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً, أو تَنْشُرَ عِلْمَاً, أو تُخْلِصَ فِي نُصْحٍ أو مَشُورَةٍ, أو تُصْلِحَ بَينَ اثْنَينِ, قَالَ نبِيُّنا -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "فَواللَّهِ! لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ".
تَنَوُّعُ الأَعْمَالِ -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- فَتْحٌ لا حَدَّ له، وَدَائِرَةُ الخَيرِ وَالعَمَلِ أوسَعُ مِنْ أنْ تُحْصَى، فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدِنَا عُذْر، قَالَ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:"إِيمَانٌ بِاللهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ"، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا"، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْ؟ قَالَ: "تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ"، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟ قَالَ: "كُفَّ أَذَاكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِكَ".
فَيَا أيُّها المُؤمِنُ: اعْرِفْ مَكَانَكَ, وَحَددْ مَيْدَانَكَ, وَلا تَنْتَظِرَ مِنْ أَحَدٍ أن يَقُودكَ بِيَدَيكَ، فاللهُ -تعالى- خَاطَبَنَا، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ حَكِيماً: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]، وَقَالَ: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الحديد:21].
وَنبِيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ".حَقَّا: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54].
فاللهمَّ اجعلنا مَفَاتيحَ خيرٍ, مَغَالِيقَ شَرٍّ, اهدِنَا واهدِ بِنا يا ربَّ العالَمينَ, اللهمَّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكَافِرِينَ، اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، وَعِبَادَكَ المُؤمِنينَ، يا رب العالمين.
اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، وأصلِح ذات بينهم، احقِن دِمَاءَهُمْ وَأَعْرَاضَهُم وَأَمْوالَهُم يَا رَبَّ العَالِمِينْ، اللهم لا تُسلِّط علينا الأَشْرَارَ اكْفِنَا شَرَّهُمْ، واجْعَل تَدْبِيرَهُم تَدْمِيرَاً عليهمِ.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاة أمورنا. اللهم اجعل هذا البلد آمنًا رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمينَ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201]، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].