البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

التحذير من فحش القول وبذاءة اللسان

العربية

المؤلف أحمد عماري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. المقصود بالفحش والبذاءة .
  2. بعض أضرار الفحش والبذاءة .
  3. وسائل علاج الفحش والبذاءة .

اقتباس

كلامُه قبيح ومنطقه خبيث، وَصْف للعورات، وتتبع للزلات، وقذف وسبّ واستهزاء. لا يستحيي من خالقه الذي يسمعه، ولا يستحيي من رجل ولا امرأة، ولا يعرف وقارا لصغير ولا كبير. ومن الناس من عوّد لسانه السبّ والشتم، واعتاد النطقَ بلعن الأشخاص والأماكن والدوابّ، حتى...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

ثم أما بعد:

مع خُلق آخر من مساوئ الأخلاق، وخصلة أخرى من قبيح الخصال، مع داء يدل على ضعف الإيمان وقلّة الدّين، وخبث الطّويّة، وقلّة الحياء، مع مرض انتشر بين الناس، وعمت رائحته المنتنة كل الأزقة والأحياء، ذلكم هو فحْش الكلام وبَذاءَة اللسان. مرض أصيب به الصغار والكبار، والذكور والإناث، ومن سَلِمَ من الوقوع فيه لم يَسْلمْ مِن سَماعِه هنا وهناك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الفحش هو كل ما يشتد قبْحُه من الذنوب والمعاصي قولًا أو فعلًا.

والفحش هو ما ينفر عنه الطّبع السّليم، ويستنقصُهُ العقل المستقيم.

والبذاءة هي التّعبير عن الأمور المستقبَحة بالعبارات الصّريحة.

والفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان كلماتٌ نابية ساقطة، تمُجّها الأذواق السليمة، وتنفر منها الطباع السليمة، وترفضها العقول السوية، ويشمئز من سماعها الإنسانُ السوي، ويستحيي من النطق بها العاقلُ اللبيب.

الفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان ظاهرة اجتماعية خطيرة، انتشرت بين الناس كالنار في الهشيم، فلا تكاد تمر عليك لحظة من اللحظات وأنت تسير في شارع أو سوق أو في أي مكان إلا وتسمع من الكلام الساقط الفاحش البذيء ما يُغضب الله، وما لا يليق بمسلم يخاف الله ويستحيي من الله ومن عباده.

فمن الناس من اعتاد النطق بالكلمات النابية والألفاظ الساقطة، ولا يستحيي أن يجهر بها بين الناس؛ لأن لسانه قد تعوّدَها، وطبعَه قد أشرِبَها، فهو يتشدّق بها طول نهاره، ويفتخر بها بين أقرانه.

كلامُه قبيح ومنطقه خبيث، وَصْف للعورات، وتتبع للزلات، وقذف وسبّ واستهزاء.

لا يستحيي من خالقه الذي يسمعه، ولا يستحيي من رجل ولا امرأة، ولا يعرف وقارا لصغير ولا كبير.

ومن الناس من عوّد لسانه السبّ والشتم، واعتاد النطقَ بلعن الأشخاص والأماكن والدوابّ، حتى أصبح النطقُ باللعنة أسهلَ الألفاظ عليه، يسبّ خالقه، ويسب دينه، ويسب قريبه وجاره، ويسب صديقه وعدوّه، فالسبّ شِعارُه، والشتمُ دِثارُه، لا يمنعه من ذلك عقل ولا مُروءة ولا دين.

ومن الناس مَن إذا كانت بينه وبين أخيه المسلم منازعة أو مشادّة، يُطلِق لسانه عليه بالسبّ والشتم والتعيير والتنقيص، ويَقذفه ويَرميه بما ليس فيه من المعايب والقبائح.

ومن الناس مَن جرّدَ لسانَه مِقراضًا للأعراض، وهاتِكا للأستار، بكلمات تنضحُ بالسوء والفحشاء، سليط اللسان، مسرف في العدوان على العباد بالسخرية والاستهزاء، والتنقص والازدراء، وتعداد المعايب، والكشف عن المثالب، وتلفيق التهم والأكاذيب، وإشاعة الأباطيل، لا يَحْجُزُه عن ذلك دينٌ ولا مروءة ولا حياء.

والفحشُ في القول وبذاءة اللسان مرض خطير، وشرّ مستطير، حرّمه الله -تعالى- على عباده صيانة لهم، ورفعة لهم، فقال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].

الفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان طريق إلى الهلاك والخسران؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النّار" (أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- في وصيته له أخذ بلسانه وقال: "كفّ عليك هذا" فقال مُعاذ: يا نبيّ الله، وإنا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكِلتك أمك يا معاذ، وهل يَكبّ الناسَ في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم؟" (أخرجه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح")، والمراد بحصائد الألسنة: جزاءُ الكلام المحرّم وعقوباته؛ فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يَحصُد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة.

الفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان ذنبٌ مُستوجبٌ لمَقتِ الله وغضبه سبحانه، ومَنْ مَقته الله وغضِبَ عليه فقد خاب وخسر خسرانا مبينا؛ فعن أبي الدّرداء -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "ما شيء أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله ليُبْغِض الفاحِشَ البذيء" (أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "إيّاكم والفحش والتّفحّش، فإنّ الله لا يحبّ الفاحش المتفحّش، وإيّاكم والظّلم، فإنّه هو الظّلمات يوم القيامة، وإيّاكم والشّحّ، فإنّه دعا من قبلكم، فسفكوا دماءهم، ودعا من قبلكم فقطعوا أرحامهم، ودعا من قبلكم فاستحلّوا حرماتهم" (رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له، وصححه الألباني في التعليقات الحسان).

وقال الله -عز وجل-: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) [النساء: 148]، قال البغوي -رحمه الله-: يعني لا يُحبّ الله الجهر بالقبح من القول إلا من ظلم، فيجوز للمظلوم أن يُخبر عن ظلم الظالم وأن يدعو عليه، قال الله -تعالى-: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى: 41].

الفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان سببٌ في البُعد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- والحِرْمان من شفاعته وصُحبته يوم القيامة، فكلما كان اللسان مُعْوَجًّا، كثيرَ الزلل، شأنُه الخطأ، ودأبُه القبحُ والخبث، كان صاحبه من أبغض الناس عند النَّبيّ -صلى الله عليه وسلمَ-، وكفى بذلك خزيًا، وكفى بصاحبه خيبة وخسرانًا، فعَنْ جَابر -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "إنّ مِن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسِنَكم أخلاقا، وإن أبغضَكم إليّ وأبعدَكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارُون والمتشدقون والمتفيْهقون" قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيْهقون؟ قال: "المتكبرون" (أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).

فاحِشُ القول بذيءُ اللسان شرّ الناس منزلة وأحَطهم قدرا، وإن ظن نفسه أنه على شيء؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذنَ رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- فقال: "ائذنوا له، بئسُ أخو العشيرة، أو ابنُ العشيرة" فلمّا دخل ألانَ له الكلام، قلت: يا رسول الله قلتَ الّذي قلتَ ثمّ ألنتَ له الكلام؟ قال: "أيْ عائشة إنّ شرّ النّاس مَن ترَكه النّاسُ -أو وَدَعَه النّاس- اتّقاءَ فحشِه" (متفق عليه).

فأين أثرُ الصلاة والصيام والزكاة والحج في سلوك العبد وأقواله وأفعاله؟ فقد شرع الله -تعالى- لعباده من الطاعات والقربات ما تزكو به نفوسهم وتتطهر به قلوبهم وتسلم به جوارحهم من كل سوء ورذيلة، ومن لم يجد لعبادته أثرا في أقواله وأفعاله فليراجع عبادته؛ فقد قال الله -تعالى- عن الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45]، وقال عز وجل عن الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103]، وقال عن الحج: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].

أما نبينا -صلى الله عليه وسلمَ- فقد قال عن الصيام: "الصّيام جنّة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إنّي صائم" مرّتين (متفق عليه من حديث أبي هريرة)، وقال عن الحج: "من حجّ لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمّه" (متفق عليه من حديث أبي هريرة).

وعن زكاة الفطر يقول ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- زكاة الفطر طهرة للصّائم من اللّغو والرّفث، وطعمة للمساكين" (أخرجه أبو دود وابن ماجة، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود وابن ماجة).

ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- الأسوة الحسنة في طِيب كلامه، وحُسن مَقاله، وبُعده عن كل فحش ورذيلة؛ فعن أبي عبد الله الجدلي قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن خُلق رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- فقالت: "لم يكن فاحِشا ولا متفحّشا، ولا صَخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح" (أي لم يكن ناطقا بالكلام السيء الفاحش، ولم يكن متكلفا للنطق بالكلام الفاحش السيء، فليس الفحش من أخلاقه ولا من طبْعه -صلى الله عليه وسلمَ-).

إخوتي الكرم: ما السبيل إلى تطهير الألسن من الكلام القبيح الفاحش البذيء؟ هل من علاج لهذا الداء الذي تعاني منه الأسر والأفراد والمجتمعات؟

أولا: الحياء من الله ومن عباد الله؛ فالحياء يمنع صاحبه من الفحش والبذاءة، ويحمله على لزوم الطيّب من القول، والصالح من الأعمال. فإذا تخلق الناس بالحياء استقامت أحوالهم، وحسنت أخلاقهم، وصلحت أعمالهم وأقوالهم، وإذا غاب الحياء عن الناس ظهر الفحش وعمّت الرذيلة، فساءت أحوال الناس وأعمالهم وأقوالهم، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه" (أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع)، وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

ثانيا: الخوف من الله -تعالى- فالذي يخاف الله -تعالى- لا يتكلم بكلام يكون سببا في غضب الله وسخطه عليه، ولا يتكلم بكلام يُورده المهالك؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "إنّ العبدَ ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم".

ثالثا: ذكرُ الله -تعالى-، فمن شغل لسانه بذكر الله، يصبح عليه ويمسي عليه، ويلهج به في كل وقت وحِينٍ، اطمأنّ قلبه، وطابت أقواله، وحسنت أعماله، ووجد في ذلك ما يؤنسه ويغنيه عن الكلام البذيء؛ فعن عبد الله بن بُسْر -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله؛ إنّ شرائع الإسلام قد كثُرَتْ عليّ، فأخبرني بشيء أتشبّث به؟ قال: "لا يزال لسانك رَطبا من ذِكر الله".

يقول ابن القيم -رحمه الله- -مِن فوائد الذكر-: "أنه سببُ اشتغالِ اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل، فإنّ العبد لا بد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذِكْر أوامِره، تكلم بهذه المحرمات أو بعضها، ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله -تعالى-، والمشاهدةُ والتجربة شاهدان بذلك، فمن عوّد لسانه ذكرَ الله صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يَبسَ لسانه عن ذِكر الله -تعالى- ترَطب بكل باطل ولغو وفحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله".

رابعا: استعمال أسلوب الكناية بدل التصريح بالألفاظ البذيئة التي تخل بالحياء؛ فإذا احتاج المرء إلى الحديث في بعض الأمور التي يستحيي من التصريح بألفاظها طلبا لِعلمٍ أو مَشورة. كالأمور التي تتعلق بالعورة وقضاء الحاجة، والمعاشرة الزوجية، فمن الأدب والخلق الحسن أن يُكني عن ذلك بألفاظ لا تخل بالحياء ولا بالأخلاق، ولْيَجتنب التصريح بالألفاظ النابية الفاحشة.

لكنّ الملاحَظ أن كثيرا من الناس ممن قل حياؤهم، يتحدثون في هذه الأمور لا لِطلب عِلم أو مَشورة، ولكن للتشدق والاستهزاء والسبّ والشتم وذكر المعايب والنقائص.

خامسا: مجالسة الأخيار ومصاحبة الصالحين؛ فإنّ مَن جالس الأخيار أعانوه على طريق الخير، يشجعونه إذا أحسن، وينصحونه إذا أخطأ، وينبهونه إذا غفل، ويذكرونه إذا نسي.

ومن جالس الفساق تأثر بأحوالهم وأخلاقهم، وتأسى بهم في أعمالهم وأقوالهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: "الرجل على دين خليله، فلينظرْ أحدكم من يخالل" (أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).

فاصحَبْ مَن لا تسمعُ منه إلا قولا حسنا وكلاما طيبا، اصْحبْ من ليس طعانا، ولا لعانا، ولا فاحشا، ولا بذيئا.

وجالِسْ مَن يمنعُه إيمانه أن يتكلم بكلام فاحش بذيء؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "ليس المؤمن بالطّعّان، ولا اللّعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء" (أخرجه الترمذي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).

سادسا: لزوم الصمت؛ ففي السكوت السلامة، وفي كثرة الكلام الندامة، وطولُ الصمتِ أفضلُ من كثرة الكلام فيما لا ينفع، فقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلمَ- لأبي ذر: "عليك بحُسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما" (أخرجه البزار وأبو يعلى، وحسنه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة).

وكثرة الكلام توقع في الزلل والخطأ، ومَن كثرَ كلامُه كثرَ سقطه، فقد قال نبينا -صلى الله عليه وسلمَ-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" (متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

ومِن كلام الحُكماء: إنّكَ ما سَكَتَّ فأنتَ سالمٌ، فإذا تكلمتَ فخُذ حِذرَكَ: إمّا لكَ وإمّا عليكَ. وإذا افتخرَ الناسُ بِحُسْنِ كلامِهم، فافتخرْ أنتَ بِحُسْنِ صَمْتِكَ. وإيَّاك وَفضُولَ الكلامِ، فإنّه يُظهرُ من عُيوبكَ ما بَطنَ، ويُحرِّك مِن عَدُوِّكَ ما سَكَن، إذا تكلمتَ بكلمةٍ فاعتبرْها قبلَ أنْ تتكلمَ بها، فإنّك مالِكُها ما لم تُخْرجْهَا مِن فيكَ، فإذا أخرجْتها مَلكتكَ فتَصِيرُ أسيراً لها. وإنَّما خُلِقَ للإنسان لسانٌ واحدٌ، وعينانِ، وأذنانِ، ليسمعَ ويُبْصِرَ أكثرَ مما يقول. ومَا أَضْمَرَ أحدٌ شيئاً إلَّا ظَهَرَ في فلتاتِ لِسَانه وصَفحاتِ وَجْههِ. والصَّبْرُ هو الصَّمْتُ، والصَّمْتُ مِن الصَّبْر، ولا يكون المُتكلِّم أورع مِن الصَّامِتِ، إلَّا رجلٌ عالمٌ يتكلم في موضِعِه ويَسْكُتُ في موضِعِه. ومَنْ قَالَ ما لا يَنْبَغِي، سَمِعَ مَا لَا يَشْتهي. وخيرُ الكلامِ ما دَلّ على هُدًى، أو نَهَى عَنْ رَدَى.

فاعْقِلْ لِسَانَك إلا عَنْ حَقّ تُوَضِّحُه، أوْ بَاطِلٍ تَدْحَضُه، أوْ حِكمَةٍ تَنْشُرُهَا، أوْ نِعْمَةٍ تذكرُهَا.

واحْبسْ لِسَانَك قَبْلَ أنْ يُطِيلَ حَبْسَك أَوْ يُتلِفَ نَفسَك، فلا شَيْءَ أوْلى بطول حَبْسٍ مِنْ لِسَانٍ يَقصُرُ عَنِ الصَّوَابِ، وَيُسْرِعُ إلى الجَوَاب.

فاتقوا الله -عباد الله- واحفظوا ألسنتكم، وأحسِنوا في أقوالكم، وتذكّرُوا أنّ الله -تعالى- يسمع سِرّكم ونجواكم، واعلموا أنّ كلامكم محفوظ عليكم ومُسَجل في صحائف أعمالكم، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، وقال سبحانه: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80].

فاللهم احفظ ألسنتنا من كل سوء وفحش ورذيلة، يا رب العالمين.

اللهم طهر ألسنتنا من الكلام السيء الفاحش البذيء، واجعلها يا رب ألسنة تلهج بذكرك وشكرك وحسن الثناء عليك.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا يا مولانا من عبادك الصالحين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وفرج همومهم، ونفس كروبهم، وانصرهم على أعدائهم يا قوي يا عزيز.

وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].