الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | حسام بن عبد العزيز الجبرين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - المنجيات |
سُجِّل القرآن صوتيًّا منذ خمسين سنة وأكثر وسُجِّلت أغانٍ كذلك، فكم من الأجور لأهل القرآن ولمن علموهم! وكم من الأوزار على أهل الغناء ومن نشروا لهم! حين يهتدي بسببك كافر للإسلام فأنت شريك في أجور عباداته ومن يهتدي بسببه، أسلم فلبيني بسبب كتيب عن التوحيد وصار داعية فيما بعد، وأسلم على يديه أكثر من عشرة آلاف! كلهم بإذن الله في صحيفة صاحب الكتيب.. قد تُوقِف كتابًا كرياض الصالحين أو كتيبًا كحصن المسلم فيكون له نصيب من أجور من تعلم منه وعمل به، قد تُوقِف مصحفًا أو تهديه فتحصل على مثل ثواب القارئ...
الخطبة الأولى:
الحمد الله العزيز الغفار الواحد القهار، أنعم على العباد هذه الدار، وجعلها مكان بلاء واختبار، ووعد الطائعين بجنات وأنهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تواب غفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى عليه الله وعلى آله وسلم ما أثمرت الأشجار وما تفتحت الأزهار.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ومجاهدة النفس وتجديد التوبة (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 194].
إخوة الإيمان: تعالوا اليوم نتأمل آية في كتاب الله، فالقرآن الكريم فيه رحمة وهدى وموعظة وشفاء.
يقول سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: 12].
" ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أربعةَ أشياء:
الأول: أنه يحيي الموتى مؤكدًا ذلك متكلمًا عن نفسه بصيغة التعظيم. الثاني: أنه يكتب ما قدموا في الدنيا. الثالث: أنه يكتب آثارهم. الرابع: أنه أحصى كل شيء في إمام مبين أي: في كتاب بين واضح. (أضواء البيان 6/654).
وسوف نركز حديثنا حول الثالث وهو الآثار، ونعرض للبقية باختصار.
قال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) قال السعدي: أي: نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال.
وفي الجملة التي بعدها قال ابن جرير: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) في الدنيا من خير وشر، وصالح الأعمال وسيئها.
وفي قوله (وَآثَارَهُمْ) قولان مشهوران لأهل العلم، وكلاهما صحيح، ولا تعارض بينهما بل لكل منهما شواهد من القرآن والسنة.
التفسير الأول: قال الحسن وقتادة: (وآثارهم) يعني: خطاهم ؛ فعن جابرِ بنِ عبدِاللهِ قال: خلتِ البقاعُ حول المسجدِ. فأراد بنو سلمةَ أن ينتقلوا إلى قربِ المسجدِ. فبلغ ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. فقال لهم: "إنَّهُ بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قربَ المسجدِ؟" قالوا: نعم. يا رسولَ اللهِ ! قد أردنا ذلك. فقال: "يا بني سلمةَ! ديارَكم تُكتبُ آثارُكم. ديارَكم تُكتبُ آثارُكم" (رواه مسلم).
ومما يشهد لهذا المعنى من القرآن قوله سبحانه في المجاهدين: (وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ) [التوبة121].
فخطواتك إن كانت في خير كُتبت لك أجرًا، وإن كانت في معصية كتبت عليك وزرًا!
قال قتادة: "لو كان الله تعالى مغفلاً شيئًا من شأنك يا ابن آدم، أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله أو من معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله، فليفعل".
والتفسير الثاني: آثار الخير وآثار الشر فيموت الإنسان ويبقى أثر عمله الذي عمله في حياته، وما سنّه في حياته وصار فيه قدوة. قال السعدي: "(وَآثَارَهُمْ) وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر" اهـ.
وقال في أضواء البيان: "وأن معنى آثارهم: هو ما سنوه في الإسلام من سنة حسنة أو سيئة فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم" اهـ.
وفي حديث ابن مسعود "ليس من نفسٍ تُقتلُ ظلمًا، إلا كان على ابنِ آدمَ الأولُ كِفلٌ من دَمِها - لأنَّهُ أولُ من سنَّ القتلَ" (أخرجه الشيخان).
قال النووي: "وهذا الحديث من قواعد الإسلام، وهو: أن كل من ابتدع شيئًا من الشر كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل مثل عمله إلى يوم القيامة، ومثله من ابتدع شيئًا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة". ومما يشهد لهذا التفسير قوله تعالى (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25].
ويشهد لهذا التفسير أيضًا حديث "من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً، فله أجرُها، وأجرُ مَن عمل بها بعدَه. من غير أن ينقص من أجورِهم شيءٌ. ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً، كان عليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها من بعده. من غير أن يَنقصَ من أوزارهم شيءٌ" (رواه مسلم).
ومن هذا الباب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ. أو علمٍ ينتفعُ به. أو ولدٍ صالحٍ يدعو له" (رواه مسلم).
إخوة الإيمان: إن آثار الإنسان باب عظيم للخير كما أنه باب عريض للشر كذلك، وفي الحديث: "إنَّ هذا الخيرَ خزائنُ، ولتلكَ الخزائنُ مفاتيحَ، فطوبَى لعبدٍ جعلهُ اللهُ مِفتاحًا للخيرِ مِغلاقًا للشرِّ، وويلٌ لعبدٍ جعله اللهُ مِفتاحًا للشرِّ مِغلاقًا للخيرِ" (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني).
معشر الكرام: تعالوا إلى بعض الأمثلة من آثار الخير والشر ونسأل الله الصواب والسداد.
يتجر الإنسان بحثًا عن الرزق، وقد تدخل تجارته أو بعضها في آثار الخير أو الشر! فمن آثار الشر من يبيع الدخان فربما شرب الدخان بسبب بيعه مئات أو آلاف له مثل آثامهم!
ومثل ذلك من يبيع الملابس النسائية الفاضحة، ولعله لا يستشعر أن إثم لابسة هذا سيكون له منه نصيب! بل وإثم من نظر إليهم أو افتتن بها! بينما من يوفر اللباس الساتر مأجور فهو يعين الناس على الحشمة والخير. وهذا ينطبق كذلك على المستوردين والمصنعين.
وقريب منهم كذلك أصحاب دور النشر والمكتبات فلا تستوي كتب تحوي نفعًا وكتب تحوي ضررًا!
وقد تكون آثار الإنسان بسبب كلمة يقولها أو يكتبها! ولعله مر بكم سبب تصنيف البخاري لكتابه الصحيح، قال البخاري: كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح.
الله أكبر! لقد أثمرت كلمة إسحاق بن راهويه أصح كتاب بعد القرآن الكريم وكم من النفع العظيم الذي حصل به خلال القرون !!
وللحديث بقية.. نسأل الله أن يستعملنا في طاعته وأن يوفقنا لمرضاته وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: فإن من الأمور السهلة وخيرها عظيم تعليم الفاتحة وقصار السور للطفل فإنه إذا حفظها بتعليمك له سيكون له بإذن الله مثل ثوابه كلما قرأها في صلاة أو غيرها! وكذلك تعليم الطفل الصلاة وأذكارها! وكم في ذلك من الأجور! وأطفال اليوم هم رجال الغد فلعلهم يعلمون غيرهم وهكذا فيكون لك خيرًا مستمرًّا. سُجِّل القرآن صوتيًّا منذ خمسين سنة وأكثر وسُجِّلت أغانٍ كذلك، فكم من الأجور لأهل القرآن ولمن علموهم! وكم من الأوزار على أهل الغناء ومن نشروا لهم!
حين يهتدي بسببك كافر للإسلام فأنت شريك في أجور عباداته ومن يهتدي بسببه، أسلم فلبيني بسبب كتيب عن التوحيد وصار داعية فيما بعد، وأسلم على يديه أكثر من عشرة آلاف! كلهم بإذن الله في صحيفة صاحب الكتيب، "فوالله لأَن يهديَ اللهُ بك رجلاً واحداً، خيرٌ لك من أن يكونَ لك حُمْرُ النَّعَمِ" (أخرجه الشيخان).
قد تُوقِف كتابًا كرياض الصالحين أو كتيبًا كحصن المسلم فيكون له نصيب من أجور من تعلم منه وعمل به علمًا أن حصن المسلم صغير الحجم عظيم النفع ويباع بريال واحد!
قد تُوقِف مصحفًا أو تهديه فتحصل على مثل ثواب القارئ، وهذه من أبواب الخير المتيسرة ولله الحمد.
ومن أبواب الخير العظيمة اليسيرة دلالة غيرك على الخير، جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أُبدِعَ بي فاحمِلْني. فقال: "ما عندي"، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ ! أنا أدلُّه على من يحملُه. فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "من دَلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجرِ فاعلِه" (رواه مسلم).
أيه الأحبة: اليوم صارت مواقع التواصل تحتل جزءًا كبيرًا من حياة الناس، وبعض الموفقين يستفيد منها من نواح دنيوية ودينية فينشر من خلالها علمًا أو صدقة فتكون من آثار الخير الباقية الجارية للإنسان، وبعضهم هي عليه وزر وآثار فهو ينشر عبرها محرمات فتكون أوزارًا مستمرة فيجد مع أوزاره يوم القيامة أوزار ملايين بسبب ما نشره! وعدد مشاهدات مقاطع الفيديو في أحد المواقع الشهيرة عشرات الملايين فهنيئًا لمن استغلها في الخير وما أعظم خسارة من استخدمها في شر!
قد تغتاب مسلمًا في مجلس فيروي غيبتك بعض الحاضرين في مجالس أخرى أو يتناقلها الناس في وسائل التواصل فتكون آثامهم عليك؛ لأنها من آثار عملك! قد تطلق على شخص لقبًا فيبقى أجيالاً يُنبَز به فتكون تسببت لنفسك بآثام كثيرة هي من آثار عملك السيئ!
ومن أبواب الخير العظيمة في زماننا: المساهمة في الأوقاف الخيرية وهي كثيرة متنوعة فبعضها لمصارف القرآن وخدمته، وبعضها لمصالح الفقراء والمحتاجين، وبعضها للمساجد ويوجد بعضها لصدقة الماء وحفر الآبار، وبعضها لبناء المساجد، وبعضها لمشاريع الزواج وبعضها للأيتام وبعضها للدعوة إلى الله ونشر العلم، فلو حرص المسلم على المساهمة ولو بقليل لأدرك خيرًا كثيرًا.
ومن البشرى للمزارعين أن للزارع والغارس أجرًا فيما أنتجت، وهي من آثار الخير الجارية، كما أخبر جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: دخل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، على أمِّ معبدٍ، حائطًا. فقال: "يا أمَّ معبدٍ! من غرس هذا النخلَ؟ أمسلمٌ أم كافرٌ؟" فقالت: بل مسلمٌ. قال: "فلا يغرس المسلمُ غرسًا، فيأكل منه إنسانٌ ولا دابةٌ ولا طيرٌ، إلا كان له صدقةٌ إلى يومِ القيامةِ" (رواه مسلم).
قال النووي عندما شرح هذا الحديث والأحاديث التي بمعناه: "في هذه الأحاديث فضيلة الغرس، وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغرس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة "اهـ.
أيها الأحبة: وفي مواقع التواصل مجموعات كثيرة لأقارب وأصدقاء وزملاء ومعارف، وبعض الناس لا يتورع عن إرسال مقطع فيه امرأة متبرجة يتفق العلماء على حرمة النظر إليها، وأدهى من ذلك وأشد من ينشر مقاطع خليعة، فكم سيكون عليهم من أوزار من شاهدها ومن نشرها، وما يترتب على ذلك من ذنوب! نعوذ بالله من الخذلان بينما لو ابتلي المسلم بمشاهدة ذلك فإن هذا لا يسوّغ ولا يبيح له نشره!
معشر الكرام: حري بالمسلم أن يحذر مما يستمر إثمه، وليحرص على ما يجري نفعه بعد موته فتبقى آثارها وتستمر أجورها ففي الحديث: "إنَّ مِمَّا يلحقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِه بعدَ موتِه عِلمًا علَّمَه ونشرَه، وولدًا صالحًا ترَكَه، ومُصحفًا ورَّثَه، أو مسجِدًا بناهُ، أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بناهُ، أو نَهرًا أجراهُ، أو صدَقةً أخرجَها من مالِه في صِحَّتِه وحياتِه يَلحَقُهُ من بعدِ موتِهِ" (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني).
وفي الحديثِ: بيانُ فضْلِ اللهِ على عِبادِه المُؤمنينَ، حيثُ جعَلَ بعْضَ أعمالِهم لا تنقَطِعُ بعدَ الموتِ، بل جعَلَها جاريةً ما دام أثرُها قائمًا (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: 12].
ثم صلوا وسلموا...