البحث

عبارات مقترحة:

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

المحافظة على ستر العورات

العربية

المؤلف محمد بن حسن المريخي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. عناية الإسلام بالتستر والحياء .
  2. بعض صور كشف العورات .
  3. مخاطر كشف العورات .

اقتباس

المجتمع الذي يكشف العورات، ويظهر المفاتن، مجتمع جاحد لنعمة مولاه، يسير إلى التدمير والتخريب سيراً حثيثاً، فما جحد أحد نعم الله وسلم، وما تجرأ أحد على الله ونجا. إن كشف العورات مسلك الكفار والدواب، فالدابة...

الخطبة الأولى:

الحمد لله غافر الذنب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، أحمده سبحانه وأشكره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه وشريعته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- واستمسكوا من دينه بالعروة الوثقى، وتدثروا بدثار الإسلام، وتحصنوا بحصنه، فإنه لن يقتحم أبداً ولو اجتمعت عليها من أقطارها.

عباد الله: دين الله الإسلام أولى عنايته بالتستر والحياء والحشمة، فأعطى التستر قيمة كبيرة، وجاء الوعد والوعيد في حق التستر، والتأكيد المبالغ فيه، فأثنى على من تحلى بالستر والحياء، وذكر أصحاب الستر بالرشد والاستقامة، وذم التكشف وقلة الحياء.

ألا وإن أشد ما اعتنى به الإسلام في قضية الستر هو: ستر العورات، وتغطية السوءات؛ فأمر الإسلام بستر العورة عامة والغليظة خاصة عمن لا يجوز له أن ينظر إليها، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "احفظ عورتك إلا من زوجك ومما ملكت يمينك" (رواه أبو داود والترمذي وغيرهما) (والعورة هي ما يسوء الإنسان إخراجه والنظر إليه وهي من العور وهو العيب).

فأمر الإسلام بستر العورة في الصلاة وفي غير الصلاة، وكان سترها من شروط صحة الصلاة، فمن صلى عرياناً مع قدرته على اللباس فصلاته باطلة.

ونهى المرأة أن تبدو لغيرها من النساء حتى لا تنقل الأخرى صفاتها لمن لا يحلون لها من الرجال، ونهى أن يسير الرجل عرياناً، يقول صلى الله عليه وسلم للمسور بن مخرمة -رضي الله عنه-: "خذ عليك ثوبك ولا تمشوا عراة" (رواه أبو داود)، وقال: "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم"، وقال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" (رواه مسلم).

وزجر المرأة من أن تخلع ثيابها في غير بيتها من البيوت والأندية والصالونات، وما كان موجوداً قديماً مما يسمونه: الحمامات، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله -تعالى-" (رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وهو حديث صحيح) (والستر هنا الذي أمرها الله به فتستر نفسها بثيابها وتحفظ نفسها من أن يراها أجنبي).

وهي مأمورة بجلباب الأدب والحياء، وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام" (رواه الترمذي وحسنه).

وزجر الإسلام من ستره الله فأصبح يكشف ستر الله الذي ستره به، يقول عليه الصلاة والسلام: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه فيصبح يكشف ستر الله عنه" (رواه البخاري ومسلم).

ونهى الإسلام حتى عن النظر إلى عورة الميت فلا يجوز لمن يغسله أن يرى منه؛ لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، كل هذا لخطورة انكشاف العورات، وما يترتب عليه من فضح الإنسان نفسه، وإيقاعه في الحرج والإساءة إليه، وما يترتب على كشف العورات من خطورة وآثار سلبية على المجتمع، وكان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يصبح وحين يمسي: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي..." (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة بإسناد حسن).

وتوعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تتبع عورات المسلمين بطريقة أو بأخرى ليكشفها أو تسبب في كشفها لأي غرض من الأغراض، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" (رواه أبو داود بإسناد حسن).

ونادى المسلمين إلى التستر ودعاهم إلى الستر على بعضهم البعض وبشرهم، فقال: "لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة" (رواه مسلم)، وقال: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" (رواه مسلم).

أيها المسلمون: أين حرص الإسلام هذا على ستر العورات من أهل هذا الزمان الذي انكشفت فيه العورات وبدت السوءات، وأعلن عنها وصرح بها؟ كم في الدنيا من خبيث يعمل ليل نهار من أجل أن تفسد مجتمعات المسلمين بكشف العورة بعرض المغنيات الفاسدات الهادمات وعارضات الأزياء، وما يفعلونه من الحيل والمكر من المسابقات للفساد والهدم، كالذي يسمونه: مسابقات ملكات الجمال، تقول تائبة منهم: "استيقظت متأخراً إننا نتعرض لأسوء ابتذال، وأحط معاملة، نظير دراهم ومال نبيع أعراضنا ونسلم أبداننا لرجال يعيثون بالمرأة يخلعونها من ملابسها ويلبسونها ما يشتهون ويقيسون أي مكان في بدنها ويلمسون ويباشرون أجسادنا كأننا إماء اشترينا فهم يتصرفون فينا كما يشاؤون".

إن مجتمعات المسلمين تئن من الكاسيات العاريات اللاتي يأتين من هنا وهناك عاريات الصدور والنحور والفخوذ، ومبرزات للعورات باللباس الرقيق أو المفتح أو المفصل الضيق.

لقد تضررت مجتمعاتنا وبلداننا -معشر المسلمين- من كشف العورات حتى قلدت نساء المسلمين أو بعضهن هؤلاء النسوة فظهرن في الأعراس والأفراح، وأحياناً في الميادين العامة بملابس الكافرات حصب النار.

وإن الفضائيات الفاضيات الخاويات لتعمل هدماً في نساء المسلمين، كما يشرق ويغرب المغرضون في نشر صور النساء العاريات في الصحف، وإعلانات الصحف والسلع التجارية والبضائع المتعددة، والتي لا صلة لها بالمرأة ألبتة، لكن حب الهدم والتخريب طغى على نفوس هؤلاء، فأبت نفوسهم إلا صورة للمرأة بوضع مخل ولباس فاتن، تظهر على الإعلان والدعاية التجارية؛ فإن حال نساء المسلمين لا يسر في الأعراس، وقد تعدين الحدود، ووقعن في المحاذير الشرعية، وكذلك في ارتياد الصالونات والأندية والمسابح واختلاطهن بالرجال في الفتيل والقطمير، ففي الوقت الذي يستيقظ فيه الغرب لخطورة الاختلاط، ويقف على مآسيه وفظائعه، ويركض عائداً إلى الفصل بين الجنسين، ومحاربة الاختلاط، في الوقت نفسه يسارع العالم الإسلامي إلى هذا البلاء الذي حذرهم الله ورسوله منه قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، حتى إن بعض دول الغرب حملت المرأة التي تعرض مفاتنها حملتها مسؤولية الاعتداء عليها، فهي المسؤولة الأولى بسبب تصرفها ولباسها الفاتن.

أيها المسلمون: إن كشف العورات من أكبر الأسباب لانتشار الفواحش، وخراب الديار، وذهاب الأرزاق، وانعدام الأمان، ومقدمة لنزول العذاب، يقول الله -تعالى-: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) [الزخرف: 55]، ويقول سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ: 15 - 17].

المجتمع الذي يكشف العورات، ويظهر المفاتن، مجتمع جاحد لنعمة مولاه، يسير إلى التدمير والتخريب سيراً حثيثاً، فما جحد أحد نعم الله وسلم، وما تجرأ أحد على الله ونجا.

إن كشف العورات مسلك الكفار والدواب، فالدابة لا تبالي بانكشاف سوءتها، وكذلك الكافر والكافرة، أما مجتمع المسلمين فإنه مأمور بالتأدب في اللباس والتصرف والسلوك، والإسلام حريص على المسلم بأن يكون سوياً في كل أحواله، وخاصة في ستر عوراته، حتى فيما أباح الله -تعالى- بكشف العورة عند قضاء الوطر أمر بالمحافظة على الستر ومراعاة الأدب، حرصاً من الإسلام على المسلم ومكانته ومقامه، خاصة المرأة التي كلها عورة، فأمرها بالحجاب والثوب السابغ، والابتعاد عمن لا يحل لها من الرجال الأجانب، ولو كان قريباً لها، أو رحماً من أرحامها.

إن في دنيا الناس حاقدين وحاسدين وظلمة، قض مضجعهم ما عند المسلمين من نعمة الستر والحياء والأدب، وخاصة نساء المسلمين، فغاضهم هذا وكدر عليهم، فشرعوا ينشرون ما يهون من نعمة اللباس الشرعي، ويطعنون فيه، ويزينون ملابس الكفار والموديلات والموضات الفاضحة.

إن إغواء امرأة مسلمة أو التسبب في ضلالها وتحولها عن الهدى وإقناعها باللباس الفاضح جرم كبير ينتقم الله من عبده في الدنيا قبل الآخرة؛ ففي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب" يقول عز وجل: "أبي يغترون أم علي يجترئون؟ فبي حلفت لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم منهم حيران" (قال الترمذي: "هذا حديث حسن")، قال بعض أهل العلم: وهذا في كتاب الله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة: 204] يحاربون الله ورسوله، ويصدون عن سبيله بما ينشرون من الصور وما يبثونه من الأفكار، وما يبغض المسلمين في سترهم والأدب ثم يقولون: نحن دعاة خير وإصلاح: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [الزخرف: 65].

إن العورات مكشوفة وإن السوءات مفضوحة، وإن الله -تعالى- لبالمرصاد، وإن الله عزيز ذو انتقام، فلقد كشف بعض العباد ستر الله فأخذهم الله نكال الآخرة والأولى، فذهبت عوافيهم، وذهب أمنهم، واحترقت ديارهم، وكثر موتاهم في التاريخ القديم والحديث: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2].

اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا...