الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | عدنان مصطفى خطاطبة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
لماذا نضيع كل هذه الجور العظيمة على أنفسنا؟ وأي شيء كسبناه من تركنا لصلاة الفجر؟ لماذا نضيع حق الله العظيم علينا؟ لماذا نستجلب غضب الله علينا؟ لماذا نصرّ على أن نلقى الله وقد فرطنا في حقوقه؟ لماذا؟ لأجل ماذا؟ لأجل...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان.
وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، وإني في هذه الخطبة ناصح نفسي وإياكم والسامعين والمبلغين بأمر عظيم عند الله -تعالى-، ألا وهو: أمر صلاة الفجر.
ولا يظن ظانّ ولا متوهم أن هذا أمر بسيط، كن على يقين أن النصر طريقه صلاة الفجر، وأن الجنة طريقها صلاة الفجر، وأن التوفيق طريقه صلاة الفجر.
صلاة الفجر، تلك الصلاة عظيمة الشأن عند الله، وكل الصلوات رفيعة الشأن عند الله.
وحق الله عليك -أيها العبد- في الصلوات الخمس أمران:
الأول: أن تحافظ على إقامة الصلوات؛ لقوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) [البقرة: 43].
والثاني: أن تحافظ على أدائهن في أوقاتهن، لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء: 103]، وكلا الحقين الاثنين عظيم وخطير.
ولذلك عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، مُسْنِدِي ظُهُورِنَا إِلَى قِبْلَةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، سَبْعَةُ رَهْطٍ أَرْبَعَةٌ مِنْ مَوَالِينَا، وَثَلاثَةٌ مِنْ عَرَبِنَا، إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، صَلاةَ الظُّهْرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا، فَقَالَ: "مَا يُجْلِسُكُمْ هَاهُنَا"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، قَالَ: فَأَرَمَّ قَلِيلا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ رَبُّكُمْ -عَزَّ وَجَلَّ-"، قَالَ: "قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ رَبَّكُمْ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَحَافَظَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُضَيِّعْهَا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا فَلَهُ عَلَيَّ عَهْدٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا لِوَقْتِهَا، وَلَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، وَضَيَّعَهَا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا، فَلَا عَهْدَ".
وقد وقع اليوم تفريط في إقامة الصلوات الخمس، وأعظم هذا التفريط وقع في صلاة الفجر، ووقع تفريط في أقات الصلوات الخمس، وأعظم هذا التفريط وقع في وقت صلاة الفجر.
ولذلك جاءت دعوة القرآن والسنة لنا واضحة جلية بأن نتقي الله في صلاة الفجر، وأن نؤدي فيها حق الله، حتى جاء ذكرها مميزا وخاصا عن سائر الصلوات، وكلها عظيمة، فقال جل شأنه: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي لزوالها وهو الظهر (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) وهو العشاء فشمل بذلك أربع صلوات. ثم قال: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي وصلاة الفجر (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78].
وقد بين الرسول -صلى الله عليه سلم- أن من أثقل الصلوات على المنافقين -والعياذ بالله- صلاة الفجر.
أيها الإخوة المؤمنون: إن الناظر اليوم في حال المسلمين مع صلاة الفجر يجدهم على أصناف أربعة، لا يوجد واحد منا إلا وهو تحت حال من هذه الأحوال وفي صنف من هذه الأصناف، فانظر -أيها المسلم- في أيّ حال أنت، ومع أي صنف من هذه الأصناف.
أيها المؤمنون والمؤمنات: الصنف الأول: هم أولئك الأبعاد، هو الصنف الذي لا يصلي الفجر، وهذا الصنف التارك لصلاة الفجر بداية نسأل الله له الهداية والتوفيق، ولكن على من لا يصلي الفجر أن يعلم أنه هالك ما لم يتدارك نفسه بتوبة قبل موته. ويكفي مَنْ يترك صلاة الفجر (وأي من لصلوات الخمس) أن يستمع معي بقلبه قبل أذنه إلى هذا الحديث النبوي، الذي لو نسينا كل ما يقال في هذه الخطبة وحفظناه لكفانا أجمعين، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حق هذا الصنف من المسلمين: "ولا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا؛ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ" (حديث حسن).
فيا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة: إذا استيقظت من نومك ولم تصلّ فجر ذلك اليوم فاعلم علم اليقين بأن الله -تعالى- بريء منك ولا أدري ما حال عبد قد برئ الله منه، وما حاله طوال يومه ذاك، بل ما حاله إذا قبضت روحه في يومه ذاك وهو قد برئت من ذمة الله؛ لأنه لم يصل لله -تعالى- فجر ذلك اليوم فقابل الله على هذه الحال. فماذا تنفعك الشهادات، والوظيفة والدوام، والعزائم والزيارات، والله رب العالمين قد برئت ذمته منك؟
إذا استيقظت -يا مسلم- من نومك ولم تصلّ الفجر ذلك اليوم فاعلم أنك قد رضخت لعدوك الشيطان، وأنك لم تطع ربك الرحمن، واعلم عندها أنك قد استيقظت وأصبحت في يومك ذاك "خبيث النفس"، نعم، خبيث النفس وإن عطّرت نفسك بعطر الدنيا الزائلة وتجّملت بثيابها الجميلة الفانية فإن ذلك لن يغير من حقيقتك شيئا عند الله -تعالى-؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال في ذلك كما في صحيح البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ".
فما قيمتك إذا أصبحت خبيث النفس في ميزان الله؟ وما قيمة عملك ذلك اليوم؟ وما قيمة مالك الذي عدت به إلى البيت؟ وما قيمة رحلاتك وتنزهك طالما أنت في ميزان الله خبيث النفس؟ وما أقساه من وصف، ما قيمة يومك وقد استقبلته بمعصية الرحمن وطاعة الشيطان؟ تستقبله بكبيرة من الكبائر عند الله –تعالى-؟
إن حال بعض المسلمين اليوم مع صلاة الفجر لا تسر الناظرين، وأنت يصيبك الفزع حينما تكون ذاهبا لصلاة الفجر في غلس من الليل وإذا ببعض شباب المسلمين يعودون إلى بيوتهم من السهرات طوال الليل التي ستكون تِرَة وحسرة عليهم يوم القيامة، ويمرون قرب المساجد لا يبالون بصلاة الفجر، فما قيمة تلك السهرات مع الأصحاب؟ وما قيمة الأصحاب حتى نضيع حق رب الأرباب لأجل السهر معهم؟
وأنت تفزع حينما ترى بيوتا مسلمة يسهر أهلها وأصحابها طوال الليل تبقى مضيئة وإذا ما اقترب الفجر اطفئت الأنوار، ونامت العائلة الساهرة دون أن تستمع إلى أذان الفجر ولا انتظار لصلاة الفجر.
أيها المؤمنون والمؤمنات: وأما الصنف الثاني: فهو الذي يصلي الفجر، ولكنه يصليها غالبا بعد طلوع الشمس، بعد فوات وقتها، لا يبالي بحرمة وقتها، ولا يأخذ بالأسباب لأدائها في وقتها، حتى بات اليوم كثير من الناس، والله لا يدري متى يؤذن للفجر ولا متى تشرق الشمس، بل إن هناك عائلات بأكملها لا يستيقظ أحد منهم ليصلى الفجر في وقتها، نعم، بيوت كاملة لا يعبد الله فيها بسجدة واحدة فجر ذاك اليوم، فلا أب يسجد، ولا أم تركع، ولا ولد يكبر، ولا أخت تتوضأ، الكلّ يغط في سبات حتى طلوع الشمس.
وبعضنا يربط وقت الصلاة الفجر بوقت الدوام، وآخر صلاة الفجر معطلة يوم العطلة.
وهذا كله من التساهل في حق الله وهو محرم ومن الكبائر، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء: 103]، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4 - 5].
أتعرفون -أيها الإخوة- أن من أسباب عذاب القبر تأخير الصلاة عن وقتها، عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي عَلَيْهِ بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ بِهَا رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَا الْحَجَرُ هَاهُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ يَأْخُذُهُ، فَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى"، قَالَ: قُلْتُ: "سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: "قَالَا لِي: "أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ: أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ ... يَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ".
نعم، هذا هو جزاء تلك الأجساد التي ندللها بالنوم وننعمها بالمعصية، لتلقى بعد ذلك مصيرها المهين.
فماذا عليك -أيها المسلم- لو قمت وصليت لربك العظيم؟ وما ينقصك لو قمت وصليت لخالقك؟ فإن العقبة أمامك كؤود، قال صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر".
أيها المسلم: خذ بالأسباب، واستعن بالله، واحرص على أن تستيقظ لصلاة الفجر في وقتها، ومما يعينك على ذلك: أن تختم ليلك بخير لا بمعاصي، وأن تنام مبكرا، وأن تضع المنبه للصلاة، وأن تصدق الله في نيتك للقيام لصلاة الفجر؛ بذلك تقوم للصلاة الفجر وتقف بين يدي الرحمن بدلا من أن تظل صريعا طريحا تحت نفخ الشيطان؛ ففي صحيح البخاري عنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ: "ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ".
أيها المؤمنون والمؤمنات: أما الصنف الثالث وحالهم مع صلاة الفجر: فهم الذين يصلون الفجر في وقتها لكن منفردين في بيوتهم لا جماعة في المساجد، وبخاصة الذكور من الشباب والرجال، فهذا الصنف على خير إن شاء الله وله أجره عند الله، ولكنه فاته خير كبير، وهو فضيلة صلاة الفجر جماعة.
أيها المسلمون: لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضيلة سنة الفجر؛ كما في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، فإن كان هذا فضل صلاة سنة الفجر فما بالك بفضل صلاة الفريضة، تلك الفريضة التي قال فيها نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذِمَّتِهِ".
ولذلك لما أمر الحجاج سالم بن عبد الله بقتل رجل، فقال له سالم: أصليت الصبح؟ فقال الرجل: نعم، فقال له سالم: انطلق. فقال له الحجاج: ما منعك من قتله؟ فقال سالم: كيف أقتله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من صلّى الصبح كان في جوار الله يومه"، فكرهت أن أقتل رجلا قد أجاره الله.
فإياك أن تؤذي مسلما قد صلّى الفجر.
أيها المؤمنون والمؤمنات: إن صاحب الدرجات العلى، صاحب الخير العظيم، هو ذاك العبد المؤمن الذي يحافظ على صلاة الفجر جماعة، هؤلاء الذين يغادرون بيوتهم وفرشهم إلى بيت الله، يسبحون الله بالغدو والآصال. هؤلاء لهم البشرى كل البشرى.
نعم -عباد الله- إن شأن صلاة الفجر جماعة في المسجد عظيم مبارك له منزلته، فاستمع معي إلى شيء من ذلك مما جاء في الكتاب والسنة، لتكون لنا جميعا حافزا للمداومة على صلاة الفجر جماعة (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النـور: 36].
نعم -يا عباد الله- إن صلاة الفجر جماعة، تشهدها ملائكة الله، وكفى بذلك فخرا للمصلين، قال تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78] قال ابن كثير: "(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) يعني: صلاة الفجر، (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية: "إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا" قال: "تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار"، وفي رواية: "وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر".
نعم -يا عباد الله- إن صلاة الفجر جماعة، يكتب لك بها أجر قيام ليلة كاملة، فكما في صحيح مسلم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ"، فلماذا تذهب علينا هذه الأجور العظيمة تلقاء زيادة النوم لدقائق معدودة لا تقدم ولا تؤخر؟
نعم -يا عباد الله- إن صلاة الفجر جماعة، يجعل الله لك بها نورا خاصا بك يوم القيامة في وقت عصيب شديد، وفي حال مظلمة معتمة؛ ففي الحديث الحسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليضيء للذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة".
أقول قولـي هـذا، وأستـــغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد:
أيها الإخوة المؤمنون وأيتها الأخوات المؤمنات: لماذا نضيع كل هذه الجور العظيمة على أنفسنا؟ وأي شيء كسبناه من تركنا لصلاة الفجر؟ لماذا نضيع حق الله العظيم علينا؟ لماذا نستجلب غضب الله علينا؟ لماذا نصرّ على أن نلقى الله وقد فرطنا في حقوقه؟ لماذا؟ لأجل ماذا؟
لأجل سهرة، لأجل أن نطيل النوم ساعة في دنيا ما هي إلا ساعات، كما قال ربك: قال (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ) [المؤمنون: 112 - 113] لماذا لا تستيقظ لتؤدي حق ربك؟ تخشى أن تزعج نفسك إذا قطعت نومك واستيقظت لتسجد لربك.
أيها المسلم أيها العاقل: إذا قيل لك اليوم: "الصلاة خير من النوم" ولم تجب، غدا سيقال لك: العذاب أولى من النوم، فلن يدعك ترك صلاة الفجر تعرف راحة ولا نوما ولا طمأنينة في قبرك، فاتق الله في نفسك وفي أهل بيتك، وانظر ماذا قدمت لغدك.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا يا رب العالمين.