البحث

عبارات مقترحة:

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

كيف تجعل الملائكة تستغفر لك؟ (4)

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أهمية دعاء الملائكة للمسلم .
  2. فضل التزاور في الله تعالى .
  3. فضل دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب .
  4. عظم جزاء المتصدقين في الدنيا والآخرة .
  5. فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. .

اقتباس

يفرح العبد إذا علم بأن أناسًا صالحين قد دعوا له بظهر الغيب، ويأُمل أن دعائهم له لن يرده الله -عز وجل-، فكيف إذا كانت الملائكة الكرام هم الذين سيدعون لك ويطلبون لك المغفرة من الله -عز وجل- والتوفيق والسداد وحسن العيش؟.. لقد عرضت عليكم في ثلاث خطب سابقة سبعة أعمال تُعدُ من فضائل الأعمال، التي إذا عملناها حظينا بدعاء الملائكة لنا، واليوم نكمل هذه الأعمال، لنتحدث عن أربعة أعمال أخرى، فأما العمل الثامن لكي تجعل الملائكة تدعو لك، أن تقوم بزيارة أخيك المسلم لوجه الله...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة في الله: يفرح العبد إذا علم بأن أناسًا صالحين قد دعوا له بظهر الغيب، ويأُمل أن دعائهم له لن يرده الله -عز وجل-، فكيف إذا كانت الملائكة الكرام هم الذين سيدعون لك ويطلبون لك المغفرة من الله -عز وجل- والتوفيق والسداد وحسن العيش؟

لقد عرضت عليكم في ثلاث خطب سابقة سبعة أعمال تُعدُ من فضائل الأعمال، التي إذا عملناها حظينا بدعاء الملائكة لنا، واليوم نكمل هذه الأعمال، لنتحدث عن أربعة أعمال أخرى، فأما العمل الثامن لكي تجعل الملائكة تدعو لك، أن تقوم بزيارة أخيك المسلم لوجه الله -عز وجل- لا تريد غرضًا من الدنيا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً" (رواه الترمذي).

ذكر الطِّيبِيُّ -رحمه الله تعالى- في معنى قوله: "طبت وطاب ممشاك: أنه دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ الْعَيْشِ فِي الأُخْرَى كَمَا أَنَّ "طِبْت" دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا, وَإِنَّمَا أُخْرِجَتْ الأَدْعِيَةُ فِي صُورَةِ الأَخْبَارِ؛ إِظْهَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى عِيَادَةِ الأَخْيَارِ". اهـ.

ومن زار أخًا له في الله، بُشِّر بالجنة، وليس ذلك فحسب؛ بل وعَده الله بأن يكرمه ويحسن وفادته وضيافته، فعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد أتى أخاه يزوره في الله، إلا ناداه ملك من السماء، أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه: عبدي زار فيَّ، وعليَّ قِرَاه، فلم يرضَ له بثواب دون الجنة" (رواه البزار وأبو يعلى وصححه الألباني).

وقد أكد النبي –صلى الله عليه وسلم- على أن التزاور في الله يحظى صاحبه بدخول الجنة؛ حيث روى كعب بن عجرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟ النبيُ في الجنة، والصدِّيقُ في الجنة، والشهيدُ في الجنة، والمولودُ في الجنة، والرجلُ يزورُ أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة، ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟ كل ودود ولود إذا غضبت أو أسيء إليها -أو غضب زوجها- قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى" (رواه الدارقطني وصححه الألباني).

ومن زار أخاه المسلم لله -عز وجل- أحبه الله -عز وجل-، فعن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ" (رواه أحمد).

ولعظم قدر التزاور في الله -عز وجل-، أنزل الله ملكًا ليبشر رجلاً بمحبة الله له؛ لأنه زار صديقا له أحبه لله -عز وجل-، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ -عز وجل-، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ" (رواه مسلم).

ولقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يزور أصحابه، ويزور الأنصار في بيوتهم، ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم؛ تأكيدًا على هذه العبادة التي هجَرها بعض الناس.

فعلينا أن نجتهد في إحياء هذه الشعيرة العظيمة، لاسيما وقد كثر التفريط فيها، وأصبح أكثر الناس لا يتزاورون فيما بينهم إلا قليلاً؛ لكثرة انشغالاتهم، وإن تزاوروا كانت زيارة بعضهم من أجل الدنيا والمصالح العاجلة فقط.

فينبغي أن تكون زيارتك بنية صالحة كي تنال هذا الثواب العظيم، كأن تزور والديك بنية بر الوالدين، وتزور أقاربك بنية صلة الرحم، وتزور جارك بنية الإحسان إلى الجار، وتزور أي مسلم بنية الزيارة لوجه الله، وليس لغرض دنيوي، ومن فعَل ذلك نال الأجر العظيم والمتمثل بدعاء الملائكة له بطيب العيش في الدنيا والآخرة، وبحب الله له، وبدخوله الجنة.

قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-: "كنا إذا فقدنا الأخ أتيناه، فإن كان مريضًا كان عيادة، وإن كان مشغولاً كان عونًا، وإذا كان غير ذلك كان زيارة".اهـ. "أدب الصحبة".

العمل التاسع: لكي تجعل الملائكة تدعو لك، بأن تدعو لأخيك المسلم بظهر الغيب، وإن فعلت ذلك أمَّن ملك على دعائك، ثم دعا لك بمثل ذلك، بذلك يكون دعاؤك لأخيك بظهر الغيب وسيلة وسبب لدعاء الملك لك، فقد روت أم الدرداء -رضي الله- عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ" (رواه مسلم).

فهذا الحديث يحثّ الناس على أن يدعو بعضهم لبعض بظهر الغيب، لذلك إذا أردت أن تستجاب دعوتك، ويدعو لك ملك فلا تدعو لنفسك فحسب، وإنما ادع لأخيك المسلم بظهر الغيب لكي يؤمِّنَ الملَك على هذا الدعاء، وتضمن الإجابة، وأما إذا دعوت لنفسك فقط لا تضمن أن يؤمِّنَ الملك على دعائك ولا تضمن الإجابة.

وقد كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه، يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب -بإذن الله- ويحصل له مثلها.

وهذا لا يمنع أن يدعو المسلم لنفسه أولاً ثم لغيره، فقد روى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى –صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ" (رواه الترمذي وأبو داود).

العمل العاشر: لكي تجعل الملائكة تدعو لك، بأن تحرص على الصدقة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ، إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا" (متفق عليه).

إن من كرم الله -عز وجل- أن أغدق على المتصدقين بالثواب في الدنيا والآخرة، وأن المتصدق ينفع نفسه بصدقته أكثر من انتفاع الفقير بها.

أما الفوائد التي يجنيها المتصدق في الدنيا من صدقته فأهمها الآتي:

- أن الصدقة ستنمي ماله، لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ؛ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ..." (رواه أحمد).

 بل هي نفقة مخلوفة لوعد الله -عز وجل- (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].

- أن الصدقة التي أنفقها ستدفع عنه البلاء، وتقيه مصارع السوء وتدفع عنه الكرب؛ وذلك لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات" (رواه الحاكم وصححه الألباني).

- أن الصدقة وسيلة للعلاج من الأمراض؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "داووا مرضاكم بالصدقة" (حسنه الألباني).

- أن الصدقة والزكاة تُطلق سراح المطر من قيد السحاب؛ لقوله -عز وجل-: "وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا" (رواه ابن ماجه).

- أن فيها دواءً للأمراض القلبية، خاصة قسوة القلب وغفلته؛ لقوله -عز وجل- لمن شكا إليه قسوة قلبه: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك" (رواه الطبراني).

- أن استغناء الفقراء في المجتمع تأمين على أموال الناس من السرقة، كما أنه تأمين من دعاء المحرومين من حقهم في الصدقة على أصحاب هذه الأموال بالخسارة ونحوه.

أما أهم الفوائد الأخروية للصدقة فأجملها في الآتي:

- أنها تطفئ غضب الرب عن المتصدق؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "صدقة السر تطفئ غضب الرب" (رواه البيهقي).

- أنها تظلل صاحبها يوم القيامة حين تقترب الشمس من الرؤوس قدر ميل؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ" (رواه أحمد).

- أنها تكمِّل النقص الذي قد يحصل عند حساب وإخراج الزكاة؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلاتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ؟ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ" (رواه أحمد).

- أنها تقي صاحبها من النار حين مروره على الصراط، لقوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل: 17-18]، وكما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث يحيى بن زكريا -عليه السلام- لقومه في بيت المقدس الذي قال فيه: "وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ، فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ، وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ؟ فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ.." (رواه أحمد).

- أنها تطفئ الخطيئة وتُذهِب نارها عن المتصدق؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم- وهو يوصي معاذ بن جبل –رضي الله عنه-، فكان مما قاله له: "أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ" (رواه أحمد).

- أن ثوابها في الميزان سيكون كبيرًا، وهي مما يثقل الميزان، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ، إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً تَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ، حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ" (رواه مسلم).

وتأمل كم نسبة التمرة إلى الجبل، لتدرك فضل الله –تعالى- في مضاعفة الثواب خصوصًا الصدقة التي يضاعفها إلى أضعاف كثيرة.

- أن من يشتهر بكثرة الصدقة سيدعى -بإذن الله تعالى- لدخول الجنة من باب الصدقة، لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ" (رواه البخاري ومسلم).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ تعظيمًا لشأنه، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ المصطفى بين أنبيائه، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وأتباعه.

أما بعد: فاتقوا الله –تعالى- حق التقوى واعملوا صالحًا تفوزوا برضوانه.

أيها الإخوة في الله: العمل الحادي عشر: لكي تجعل الملائكة تستغفر لك، بأن تصلي على النبي –صلى الله عليه وسلم-، ومتى ما فعلت ذلك صلت عليك الملائكة، ودعت لك بالرحمة، حيث روى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ –رضي الله عنه- أن النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ، إِلاَّ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ" (رواه أحمد وابن ماجه).

وهذا أمر مطلق يمكن أن تقوله في معظم وقت فراغك.

وأهم ما سيكسبه من صلى على سيد الخلق أجمعين –صلى الله عليه وسلم- ما يلي:

- صلاة الله تعالى عليه عشرة أضعاف عدد صلاته على النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا" (رواه مسلم).

وعن أَبِي طَلْحَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ، فَقَالَ: "إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلاَّ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلاَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا" (واه النسائي).

- صلاة الملائكة عليه مرة واحدة: إذا صلى المسلم على النبي –صلى الله عليه وسلم-، صلت عليه الملائكة الكرام مرة واحدة، ولا ندري عدد الملائكة الذين سيصلون عليه، هل كلهم أو بعضهم، فقد روى عامر بن ربيعة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ، إِلاَّ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

- كفاية الهمّ ومغفرة الذنب: لقد طلب النبي –صلى الله عليه وسلم- أن نكثر من الصلاة عليه –صلى الله عليه وسلم- ولم يحدد العدد، وكلما زدت زاد أجرك، ولحرص أحد الصحابة -رضي الله عنهم- على هذا الأجر، قرر أن يجعل كل دعائه صلاةً على النبي –صلى الله عليه وسلم-، فماذا قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-؟

فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ"، قَالَ قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا، قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" (رواه الترمذي).

- تكثير الحسنات وتكفير السيئات ورفع الدرجة في الجنة: لما رواه أبو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ –رضي الله عنه- قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِكَ الْبِشْرُ، قَالَ: "أَجَلْ، أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي -عز وجل-، فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلاةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا" (رواه أحمد).

- يكون من أولى الناس بالنبي –صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة: من أكثر الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- كان أقربهم بالنبي –صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة أو أحقهم بالشفاعة، لما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً" (رواه الترمذي).

اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، اللهم ألهمنا رشدنا، وبصِّرنا بعيوبنا وحبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا...