المقدم
كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن مما أحكمه الله شرعا وتنظيما: النكاح، فقد جعله الله صلة بين بني آدم، وسببا للقربى بينهم، ورتب لعقده وفسخه أحكاما معلومة، وحدودا معروفة. فهو عقد عظيم خطير، يترتب عليه من أحكام الله شيء كثير، يترتب عليه: النسب، والإرث، والمحرمية، والنفقات، وغيرها. فمن ثم اعتنى الشارع به اعتناء عظيما بالغا، فجعل له...
الخطبة الأولى:
الحمد لله: (الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)[النساء:1].
أبدع ما خلقه وأحكم ما شرعه، وأعطى كل نفس هداها، نحمده حمدا كثيرا لا يتناهى، ونشكره على نعم تفضل بها وأعطاها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل البرية وأزكاها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقو الله -تعالى-، واعلموا أن الله -سبحانه- فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها.
فاعرفوا حدود الله وأحكامه، واعملوا بما تقتضيه شريعته الكاملة.
إلا وأن مما أحكمه الله شرعا وتنظيما: ذلك النكاح الذي جعله الله صلة بين بني آدم، وسببا للقربى بينهم، ورتب لعقده وفسخه أحكاما معلومة، وحدودا معروفة.
فهو عقد عظيم خطير، يترتب عليه من أحكام الله شيء كثير، يترتب عليه: النسب، والإرث، والمحرمية، والنفقات، وغيرها.
فمن ثم اعتنى الشارع به اعتناء عظيما بالغا، فجعل له شروطا وحرمات.
ونحن نذكر هنا شيئا من ذلك.
فمن شروط عقد النكاح: أن يكون بولي بالغ عاقل، يعرف الكفؤ من الناس، ومصالح النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي".
فالمرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها لا بطريق الأصالة، ولا بطريق الوكالة.
والولي، هو العاصب.
وأحق الناس بالولاية: أقربهم.
ولا ولاية لمن يدلي بالأم فقط؛ كأبي الأم، والخال والأخ من الأم؛ لأن الولاية في النكاح للعصبة فقط.
ويجب على الولي: أن يتقي الله -تعالى-، وأن يراعي مصلحة المرأة، ويزوجها من هو كفؤ لها دينا وخلقا إذا رضيته.
ولا يحل له: أن يمنعها من الكفؤ، فإن فعل فقد عصى الله ورسوله، وسقطت ولايته عليها، ويزوجها غيره من أوليائها.
ومن شروط عقد النكاح: رضا المرأة إذا كانت بالغة، فلا يجوز أن تزوج المرأة بغير رضاها سواء كانت بكرا أم ثيبا، وسواء كان الذي يريد أن يزوجها أباها أو غيره؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن"[البخاري (4843) الترمذي (1107) النسائي (3267) أبو داود (2092) ابن ماجة (1871) أحمد (2/434) الدارمي (2186)].
وفي رواية لمسلم: "والبكر يستأمرها أبوها"[مسلم (1421) الترمذي (1108) النسائي (3264) أبو داود (2098) ابن ماجة (1870) أحمد (1/274) مالك (1114) الدارمي (2190)].
وقد كان بعض العلماء -رحمهم الله- يقولون: لا بأس أن يجبر الأب بنته البكر.
ولكن قولهم ضعيف؛ لأنه يخالف الحديث.
ولأنه يترتب على ذلك مفاسد كثيرة غالبا.
ولأن كثيرا من الناس قد يجبر ابنته لمصلحة نفسه.
ولأنه إذا كان لا يملك أن يجبرها على بيع أقل شيء من مالها، فكيف يملك أن يجبرها على بذل نفسها لمن لا تهواه ولا ترضاه؟
إذن، فلا بد من رضا المرأة بكرا كانت أم ثيبا.
ولكن لو فرضنا أنها رغبت الزواج بشخص لا يرضى دينه، فإنه يجب أن تمنع منه.
ومن شروط النكاح: أن تكون الزوجة والزوج خاليين من الموانع، فلا يصح النكاح في حال يحرم العقد فيها.
فلا يصح من المحرم بحج أو عمرة، ولا على المحرمة بحج أو عمرة، ولا يصح النكاح والمرأة في عدة من غيره؛ ولذلك لا يجوز للرجل أن يخطب المرأة المعتدة من غيره.
ومن اهتمام الشارع بعقد النكاح: أن رتب للخروج منه حدودا لا بد منها، فإذا أراد الرجل طلاق امرأته فليصبر وليتأن، لعل الله أن يغير الأمور والأحوال، وربما غير البغض محبة؛ لأن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
إذا كان لا بد من الطلاق فليطلقها على الوجه الشرعي، وهو أن يطلقها واحدة، وهي حامل، أو في طهر لم يجامعها فيه.
ولا يحل له أن يطلقها، وهي حائض، ولا في طهر جامعها فيه، إلا أن يتبين حملها.
فإن طلقها وهي حائض؛ فليراجعها ثم ليتركها، حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وهو في ذلك لا يجامعها ثم ليطلقها بعد ذلك إن شاء؛ ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: أن عبد الله بن عمر طلق زوجته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتغيظ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".
وإياكم والحمق في الطلاق، فلا تطلقوا أكثر من واحدة، ولا تطلقوا اثنتين، ولا تطلقوا ثلاثا، فإن ذلك خلاف الشرع.
وإنه ليجب على الذين يكتبون الطلاق: أن يكون عندهم علم من الشرع، وأن يتمشوا في كتابة الطلاق على الوجه الشرعي، ويرشدوا الناس إلى ذلك.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا له فيه رجعة، فإنه يجب أن تبقى المرأة في بيته، حتى تنتهي عدتها.
ولها أن تتزين له، وأن تكلمه، وأن لا تحتجب منه؛ لأنها في حكم الزوجات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[الطلاق: 1].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... إلخ...