القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
من أخضع نفسه لمراقبة الله -عز وجل- استراح وأراح, وضمن لنفسه -بإذن الله- حياة طيبة كريمة في الدنيا, وجنةً عرضها السماوات والأرض بفضل الله -عز وجل-. من أخضع نفسه لمراقبة الله -عز وجل- عمَّر دنياه بالسعادة وآخرته كذلك, وأسعده الله -تعالى- سعادة لا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي بأن كلَّ واحد من الناس هو واحد من اثنين: إما هو عبد عرف ربه وعرف نفسه, وحاول أن يتحقَّق بالعبودية لله -عز وجل-, وإما عبد جهل ربه وما عرف نفسه, فاستكبر على الله -عز وجل-, فهذا سيندم عاجلاً أم آجلاً.
وإني اليوم أخاطبكم أنتم لأنكم من الصنف الأول الذي عرف ربه -عز وجل-, وعرف نفسه أنه عبد لله -عز وجل-, ويحاول أن يتحقق بالعبودية لله -عز وجل-.
يا عباد الله: يجب على كل واحد منا أن يُخضِع نفسه لمراقبة الله -عز وجل- ولو بعض الدقائق في كل يوم, من أجل أن يحاسب نفسه؛ لأن العبد إذا لم يُخضِع نفسه لمراقبة الله -عز وجل- فلن يتحقَّق بالعبودية الحقة لله -عز وجل-.
أيها الإخوة: نحن ما وقعنا في المعاصي والمخالفات الشرعية بجميع صورها وأشكالها وعلى جميع مستوياتنا من القمة إلى القاعدة إلا بسبب غفلتنا عن الله -عز وجل-.
والله -عز وجل- يخاطب كلَّ فرد منا, كل فرد آمن بالله رباً, وآمن بيوم الحساب, خاطبه بقوله -تعالى-: (وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف: 205]؛ لأن العبد الغافل عن الله لا يُحِلُّ حلالاً ولا يُحرِّم حراماً, هذا فضلاً عن الوقوع في الشبهات.
لذا أرى من الواجب علينا أن نخلوا كلَّ يوم مع أنفسنا ولو بعض اللحظات لنحاسب أنفسنا, ولنخضع هذه النفس لمراقبة الله -عز وجل-, ونحن نتذكر بعض آيات من كتاب الله -عز وجل-, مثل قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق: 16]، وقوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) [الحديد: 4]، وقوله تعالى: (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) [طـه: 7]، ومثل قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14]، وقوله تعالى: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طـه: 46]، وقول سيدنا عيسى -عليه السلام- لربنا -عز وجل-: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: 117].
أيها الإخوة: من الواجب علينا: أن نُخضِع أنفسنا لمراقبة الله -عز وجل- في كل يوم لأننا على ثقة بقوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات: 24]، وبقوله تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون) [الحجر: 92 - 93]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ, وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ فيه, وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ" [رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"].
فمن أخضع نفسه لمراقبة الله -عز وجل- استراح وأراح, وضمن لنفسه -بإذن الله تعالى- حياة طيبة كريمة في الدنيا, وجنةً عرضها السماوات والأرض بفضل الله -عز وجل-.
من أخضع نفسه لمراقبة الله -عز وجل- عمَّر دنياه بالسعادة وآخرته كذلك, وأسعده الله -تعالى- سعادة لا شقاوة بعدها أبداً.
أيها الإخوة الكرام: نحن بأمسِّ الحاجة إلى أن نُخضِع أنفسنا لمراقبة الله -عز وجل- إذا وُجِد الدينار والدرهم؛ لأن الله -عز وجل- سائلنا يوم القيامة عن المال من أين اكتسبناه وفيم أنفقناه؛ كما جاء في الحديث: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ, وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ فيه, وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ" [رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"].
راقب الله -عز وجل- وكن على حذر من أكل أموال الناس بالباطل أو إطعام الناس المال بالباطل, لا تأكل مال غيرك بالباطل ولا تطعم الآخرين المال بالباطل.
أيها الإخوة الكرام: ها أنا أسوق لنفسي ولكم هذا المثال الرائع لمن أخضع نفسه لمراقبة الله -عز وجل- سراً وعلانية, وخاصة عند المال الذي هو فتنة للرجال, ليكون أسوة صالحة لنا وخاصة ونحن في زمن أصبح الرجل وأمسى وهو يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل؛ كما جاء في الحديث الشريف: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا, أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا, يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا" [رواه مسلم]، وفي رواية عند الإمام أحمد: "بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا قَلِيلٍ".
هذا المثل الرائع هو حديث صحيح جاءنا عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كما يرويه لنا الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ, فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ, فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا, قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ, قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً, قَالَ: صَدَقْتَ" دفع له المال بدون شهود وبدون توثيق وبدون رهان مقبوضة, وأنا أنصحكم -أيها الإخوة- بتوثيق ديونكم بالكتابة وبالشهود وبالكفلاء, وخاصة في هذا الزمن حتى لا تندموا؛ لأن المال شقيق الروح, وقد قلَّ من يراقب الله -عز وجل- في أموال الناس. يقول صلى الله عليه وسلم: "فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى, فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ, ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا, فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ, ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا, ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلانًا أَلْفَ دِينَارٍ, فَسَأَلَنِي كَفِيلاً فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً, فَرَضِيَ بِكَ, وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا, فَرَضِيَ بِكَ, وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ, وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا, فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ".
انظروا -أيها الإخوة- إلى من أخضع نفسه لمراقبة الله -عز وجل-, إلى من جعل الله شهيداً على قرضه, وكفيلاً له على سداد دينه, انظروا إلى هذا المدين الذي رضي الدائنُ أن يقرضه لِدِينه وصلاحِه, انظروا إليه حيث لم يستغلَّ دينه وصلاحه في أكل أموال الناس بغير حق, انظروا إليه وهو يعطي الصورة الحسنة عن إيمانه بالله -عز وجل-, انظروا إليه كيف فعل هذا الفعل الذي تقشعرُّ له الأبدان هيبة وإجلالاً واحتراماً.
نعم لقد نقر الخشبة وأدخل فيها المال وصحيفة كأنه كتب عليها: من عبد الله فلان إلى فلان, هذا دينك الذي علي.
ثم توسل إلى الله -عز وجل- بتلك الكلمات التي قالها: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلانًا أَلْفَ دِينَارٍ, فَسَأَلَنِي كَفِيلاً فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً, فَرَضِيَ بِكَ, وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا, فَرَضِيَ بِكَ, وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ, وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا, فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ".
لقد أسلمها إلى ربٍّ على كل شيء قدير, لقد أسلمها لربٍّ يقول للشيء: كن فيكون, لقد أسلمها إلى ربٍّ بيده قلوب العباد يقلِّبها كيف يشاء ويلهمها ما يشاء, نعم لقد ألهمه الله -عز وجل- أن يفعل ذلك, وما دام هو الذي ألهم فهو الضامن لنتائج هذا الإلهام.
فألهم الله -عز وجل- المدين أن يفعل هذا, وبحقٍّ فعل هذا, وألقى الخشبة في الماء, ودعا الله -عز وجل-.
أما العبد الدائن فماذا فعل؟ يقول صلى الله عليه وسلم: " ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ, فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ, فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا, فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ".
نعم كذلك ألهم الله -عز وجل- هذا الدائن أن يأخذ تلك الخشية, وألهمه الله -تعالى- أن ينشرها ليرى ماله والصحيفة.
ولكن هل انتهت القصة بهذا؟ هل رجع المدين لينام بدون مبالاة؟ لا أبداً, إنه قد جعل الله شهيداً وكفيلاً على دَيْنِه, لم يهدأ له بال حتى قدِم إلى الدائن بالمال.
يقول صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ".
جاء المدين إلى الدائن ولم يسأله: هل وصل إليك مالك لأني بعثته إليك بالخشبة؟ لا أبداً, بل تنكَّر من ذاك الفعل الذي يعتبر في حقِّه كرامة من الكرامات, فقال له كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ".
تنكَّر من ذاك الفعل وأصرَّ على صاحبه أن يأخذ المال منه, ولكن الدائن كان ممن يراقب الله -عز وجل-, ويتقي الله, كان ممن أخضع نفسه لمراقبة الله -عز وجل-, وكان حريصاً على أن لا يأكل أموال الناس بالباطل, فقال الدائن للمدين كما يقول صلى الله عليه وسلم: "قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ, فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا".
أيها الإخوة الكرام: أخضعوا أنفسكم لهذه الكلمات: الله شاهدي, الله ناظري, الله معي, لا تأكلوا أموال الناس بالباطل, لا تأكلوا أموال الناس بغير حق, وخاصة وأنتم تقرؤون قول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) [التوبة: 34] صفة بعض علماء اليهود وبعض الرهبان من النصارى أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل, فهل أنت -يا أيها المسلم- تتشبَّه بهؤلاء فتأكل أموال الناس بدينك؟
أيها المؤمن: الله شاهدك, الله ناظرك, الله معك, ألست أنت موقناً بذلك؟ فإذا كنت موقناً بذلك فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك, وإذا لم توقن -لا قدر الله بذلك- فقد خرج غير الموقن من الملة -والعياذ بالله-.
أيها الإخوة الكرام: من أسباب اختيار هذا الموضوع: وقوع جريمة في بيت من بيوت المسلمين, حيث جاءني من يومين أكثر من عشرة أشخاص رجال ونساء, شباب وشيبان, في قضية سرقة مال من البيت, والمبلغ كبير جداً, الكلُّ يتَّهم الكلَّ, كل واحد مدَّعٍ ولا بيِّنة عنده, وكلُّ واحد منكر, يريدون الوصول إلى حلِّ هذه المشكلة, ولم يكن أمامهم إلا اليمين, فكلُّ واحد منهم وضع يده على كتاب الله -عز وجل- وأقسم بالله العظيم أنه ما أخذ المال, ولم يعلم أحداً أخذه, ولا يعلم أين هو المال؟
وانتهت القضيَّة بذلك, وتفرَّقت الأسرة وتخاصمت وتدابرت وقُطِّعت الأرحام, ومما لا شك فيه أنه يوجد كاذب بينهم, وإن لم يكن من بينهم فهو طرف ثانٍ.
أين إيمان السارق؟ إن كان السارق واحداً منهم فطامَّة كبرى, وإن كان من غيرهم وهو يراقب الموضوع عن كثب فالطامة أكبر, حيث قُطِّعت الأرحام بسبب هذه السرقة, فماذا سيقول لربه هذا العبد السارق؟ هل تفقَّد إيمانه قبل نهاية الأجل, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ" [رواه البخاري].
أيها الإخوة الكرام: أخضِعوا أنفسكم لمراقبة الله -عز وجل-, وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا, وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم, اجعلوا جلسة فيما بينكم وبين أنفسكم في كل يوم ولو لبعض الدقائق, لتفوزوا بسعادة الدارين.
اللهمَّ أكرمنا بذلك.
ولعلي أن أتابع معكم الحديث حول هذا الموضوع في الخطبة القادمة -إن شاء الله تعالى-.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.