الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | أحمد عماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - المنجيات |
ما أقبح النفاق وما أقبح عواقبَه ونتائجَه؛ إنه مُفرّق للجماعات، ومُسَبّبٌ للأزمات، ومُوقِعٌ في الويْلات والنكبات. فما أصعبَ الحياة حين يبدأ الناس فيها يتوجّسون مِمّن حولهم خيفة، فتحُلّ الرّيبة مَحلّ الثقة، ويحلّ الشك محلّ اليقين، وما ذاك من أخلاق الإسلام ولكنها بلية النفاق وآثار المنافقين.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
وبعد:
إخوتي الكرام: حديثنا اليوم عن خلق ذميم ووصف قبيح، عن داء يصيب القلوب بالمرض، والمجتمعات بالوهن، مسبّبٌ في المِحَن والفتن، ومزيل للنعم والمنن، طارد للخير، جالب للشر؛ ذلكم هو مرض النفاق. وما أدراكما النفاق؛ مرض خطير، وشر مستطير، يميت القلوب ويفسدها، من اتصف به خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة: 10].
النفاق مخالفة الظاهر للباطن. النفاق إظهار الإيمان باللسان، وكتمان الكفر بالقلب. النفاق إظهارُ الإسلام والخير، وإبطانُ الكفر والشر.
النفاق دخول في الإسلام من وجه، وخروج عنه من وجه آخر؛ لذا قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67] أي الخارجُون من شرعِه المخالفون لطاعتِه.
ما أقبح النفاق وما أقبح عواقبَه ونتائجَه؛ إنه مُفرّق للجماعات، ومُسَبّبٌ للأزمات، ومُوقِعٌ في الويْلات والنكبات. فما أصعبَ الحياة حين يبدأ الناس فيها يتوجّسون مِمّن حولهم خيفة، فتحُلّ الرّيبة مَحلّ الثقة، ويحلّ الشك محلّ اليقين، وما ذاك من أخلاق الإسلام ولكنها بلية النفاق وآثار المنافقين.
فالنفاق عدو الإسلام والإيمان، وعدو السلم والسلام، وعدو الأمن والأمان، وعدو الأخلاق والقيم، وعدو التقدم والاستقرار؛ لذا حذر الله -تعالى- من كيد المنافقين وخطرهم، فقال سبحانه: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون: 4]، فحصرَ العداوة فيهم مع كثرة الأعداء من غيرهم؛ لأن غيرهم من الأعداء ظاهِرٌ أمرُه وبَيّن وَصْفُه، أمّا هؤلاء فهم مع المسلمين في الديار والمنازل صباحاً ومساءً، يَدُلون العدوّ على العورات، ويدبرون المكايد والمخططات، ويتربّصون الدوائرَ بالمؤمنين والمؤمنات، وأمرهم خفي على العباد.
قال سبحانه وتعالى مبينا حالهم: (وَيَحْلِفُونَ بِللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [التوبة: 56] جُبَناء؛ يخافون من إظهار ما يبطنون. لا يَرْتفِعُ بهم شأنُ الإسلام مهما قالوا، ولا يزداد بهم الصف إلا ضعفاً وخبالاً مهما كثروا: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التوبة: 47].
يزرعون الفتن، ويجُرّون مجتمعاتهم نحو المِحن، لا همّ لهم إلا خراب البلاد، وفساد العباد، لا يُعتدّ بهم في الخُطوب، ولا يُعتمدُ عليهم في الشدائد: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [الأحزاب: 19].
ولقد هتك الله -سبحانه وتعالى- أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن الكريم، وجلى لعباده أمورَهم ليكونوا منها ومن أهلها على حَذر.
فكم في القرآن الكريم من آيات تحذر من النفاق والمنافقين؛ ففي القرآن سورة كاملة تسمى بسورة "المنافقون"، وفي غيرها من السور المدنية آيات كثيرة تحذر من النفاق وسبيل المنافقين؛ كسورة البقرة وآل عمران والنساء والتوبة والأحزاب، وغيرها، وما ذلك إلا لشدة خطر النفاق وقبحِه، وشدة فتنة المنافقين على الإسلام وأهله؛ لأنهم منسوبون إلى الإسلام وإلى نصرته وموالاتِه، بينما هم أعداؤه وخصومُه.
ونبيّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- يحذّرنا من شرورهم وفتنهم، فيقول عليه الصلاة والسلام: "إنّ أخوفَ ما أخاف على أمتي كلّ منافِق عليم اللسان" (أخرجه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
فالنفاق يسري في المجتمعات كما تنتشر النار في الهشيم، والمنافقون لا يخلو منهم زمان ولا مكان، قد تتباين أشكالهم وألوانهم ووسائلهم من زمان إلى آخر، لكنهم لا يختلفون في أهدافهم وغاياتهم في ضرب الإسلام وتشويه صورته وطمس معالمه، وإلحاق الأذى بأتباعه، ففي صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان، قال: "إنّ المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كانوا يومئذ يُسِرّون، واليومَ يَجْهَرون".
أفلا يجدر بنا أن نخاف النفاق ونجتنبه، وأن نبتعد عن كل الصفات والطرق التي تؤدي إليه، وأن نتعرّف على مخاطره وأشكاله حتى لا نقترب منه أو نقع فيه.
عَرَفتُ الشرّ لا للشرِّ لكنْ لتوقيهِ | ومَن لم يَعرفِ الشرّ جديرٌ أن يقعْ فيهِ |
لقد كان الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- وهم أفضل هذه الأمة الذين اختارهم الله -تعالى- لصحبة نبيه - يخافون على أنفسهم من النفاق ويَشتدّ قلقهم وجزَعهم منه، يقول ابن أبي مليكة -رحمه الله-: "أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل" (أخرجه البيهقي في الشعب، وذكره البخاري في صحيحه تعليقا).
وعن جبير بن نفير قال: "دخلتُ على أبي الدرداء منزله بحِمْص، فإذا هو قائم يصلي في مسجده، فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق، فلما انصرف قلت: غفر الله لك يا أبا الدرداء! ما أنت والنفاق؟ قال: "اللهم غفرا -ثلاثا- مَن يأمَنُ البلاء؟ من يأمن البلاء؟ والله إن الرجل ليفتتن في ساعة فينقلب عن دينه" (أخرجه البيهقي في الشعب).
وعن المعلى بن زياد قال: سمعت الحسن يقول: "والله ما أصبح على وجه الأرض ولا أمسى على وجه الأرض مؤمن إلا وهو يتخوف النفاق على نفسه، وما أمن النفاق إلا منافق" (أخرجه البيهقي في الشعب، وابن بَطة في الإبانة).
وعن حنظلة الأسيديّ -رضي الله عنه- وكان من كتّاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتّى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: "وما ذاك؟" قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: "والّذي نفسي بيده إن لو تدُومُون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرُشِكم وفي طرُقِكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات (أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي في سننه).
والنفاق قسمان: نفاق أكبر، وهو النفاق الاعتقادي، ونفاق أصغر وهو النفاق العملي.
1- النفاق الاعتقادي: وهو النفاق الأكبر، الذي يُخْرج صاحبَه من المِلة -عياذا بالله- وحقيقته: أن يُظهر الإنسانُ الإيمانَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضَه، يظهر الإيمان ويبطن الكفر، تحايلا ومكرا وخديعة. وهذا هو النفاق الذي كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبرَ أن أهله في الدرك الأسفل من النار؛ كما قال سبحانه: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفلِ مِنَ النَّارِ وَلن تجدَ لهُمْ نَصِيراً) [النساء: 145].
وقد بين الله -تعالى- في كتابه الكريم حقيقة هذا النوع من النفاق، وذكر مجموعة من علاماته، فقال سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخادعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قلوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَة بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [البقرة: 8 - 16]، وقال عز وجل: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 1 - 8]، وقال تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة: 64 - 66].
2- النفاق العملي:
إخوتي الكرام: ما زال حديثنا عن مرض النفاق، ذلكم الخلق الذميم والذنب الكبير الذي يصيب الإنسان في عقيدته وفي عمله، فيخسر في دنياه وفي أخراه.
وبعد أن تحدثنا في الجمعة الماضية عن النفاق الاعتقادي، نتحدث اليوم -بإذن الله تعالى- عن النفاق العملي.
والنفاق العملي هو النفاق الأصغر، الذي يتعلق بالعمل دون الاعتقاد؛ ويكون بعمل شيء من أعمال المنافقين، والاتصاف ببعض صفاتهم.
وقيل: هو اختلاف السر والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد.
وللنفاق العملي علامات وأمارات كثيرة تدل عليه؛ من ذلك ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حَدّث كذب، وإذا وَعدَ أخلف، وإذا ائتمِنَ خان"، وفي رواية لمسلم: "آية المنافق ثلاث، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعَها: إذا اؤتمِن خان، وإذا حَدّثَ كذب، وإذا عاهدَ غدَر، وإذا خاصَم فجَر" (متفق عليه).
1- الكذب؛ "إذا حدث كذب": فالمنافق إنسان يحترف الكذب، ويُكثِرُ من الكذب، ولا يعرف إلى الصّدْق سبيلا، شهد الله -تعالى- بذلك، فقال سبحانه: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون: 1]، وقال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) [الحشر: 11 - 12].
فمن أراد أن يُبَرّئَ نفسَه من النفاق وينأى بنفسه عن صفاتِ المنافقين، فليلزم الصّدْق، وليبتعِدْ عن الكذب؛ فإن الصدق طريق إلى كل خير، كما أن الكذب طريق إلى كل شر، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدُق ويتحرى الصدق حتى يُكتَب عند الله صِدّيقا. وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يَهدي إلى الفُجور، وإن الفجور يَهدي إلى النار، وما يزال الرجل يَكذِب ويتحَرّى الكذِب حتى يُكتبَ عند الله كذّابا".
2- إخلاف الوعد: "إذا وعدَ أخلف"، فإخلاف الوعْدِ وعدمُ الوفاء به من صفات المنافقين، قال الله -تعالى- في وصفهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة: 75 - 77]. فالمنافق يَعِدُ الناس فيُخلِف وعدَه عمدا من دون عُذر، لا وفاء لديه.
بينما الوفاء بالعهود والوعود من صفات المؤمنين المتقين، قال تعالى في وصفهم: (وَالْمُوفونَ بعَهْدِهِمْ إِذا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177].
فواجب على المسلم أن يفي بما التزم به مع الآخرين من عهود ووعود وعقود في بيع أو إجارة أو عمل، أو غير ذلك من العهود المعروفة، وسواء كانت هذه العقود والعهود والوعود مبرمة بين المسلم وأخيه المسلم، أو بين المسلم وغير المسلم، فالوفاء واجب مع الجميع، وليعلم العبد أنه سيسأل عن وُعُودِه وعُهودِه يوم القيامة، فقد قال عز وجل: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 34].
3- خيانة الأمانة: "وَإِذا اؤْتُمِنَ خَانَ": فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق، وربنا -سبحانه وتعالى- يأمرنا بأداء الأمانة، وينهانا عن خيانتها، فقال سبحانه: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأَمَانَاتِ إلى أهْلِهَا) [النساء: 58]، وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (أخرجه الترمذي وأبو داود وابن حبان والدارمي وغيرهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-).
4- الغدر: "وإذا عاهَدَ غدر"، أي نقضَ العَهْد، فالغدْرُ ونقضُ العهد من صفات المنافقين، والذي يغدر بمن أخذ عليه العهد والميثاق فيه خصلة من خصال النفاق. والغدرُ حرام في كل عهد بين المسلم وغيره، ولو كان المعاهَدُ كافرا؛ ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قتل نفسا مُعاهدا لم يَرِحْ رائحَة الجنة، وإنّ ريحَها ليُوجَدُ مِن مسيرة أربعين عاما".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكل غادِر لواءٌ يوم القيامة يُعرَف به".
والوفاء بالعهد واجب مع الناس أجمعين، قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 91].
وفي صحيح مسلم عن حُذَيْفَة بْن الْيَمَانِ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي -حُسَيْلٌ- قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ الله وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: "انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ".
5- الفجور عند الخصومة: "وإذا خاصم فجر"، أي مالَ في الخصومة عن الحق، واقتحَمَ الباطل.
فالمنافق يخاصم بالباطل، ويجادل بالباطل، ويختلق التهم والأكاذيب، ويُفشي الأسرار، ويسبّ ويشتم، ويدّعي ما ليس له، أو يجحَد ما كان عليه، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم" "الألد الخصم" (المعوجّ عن الحق، المولع بالخصومة والماهر بها).
وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة 204] أي شديد العداوة والخصومة.
6- التهاون في أداء الصلوات: قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) [النساء: 142 - 143]، يستثقلون الصلاة ويقومون إليها وهم كسالى؛ لأنهم لا يرجون ثواب المحافظة عليها، ولا يخافون العقاب على تركها وتضييعها.
وفي صحيح مسلم عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، ودارُه بجنْب المسجد، فلما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعةَ من الظهر. قال: فصلوا العصر. فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تلك صلاة المنافق؛ يجلس يَرْقبُ الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرَها أربعا، لا يذكرُ الله فيها إلا قليلا".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ليس صلاة أثقلَ على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا"، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ، فإنّ الله شرع لنبيّكم صلى الله عليه وسلّم سنن الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيّئة، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق معلومُ النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يُهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ".
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك ثلاث جمعات مِنْ غير عُذر كتِبَ من المنافقين" (أخرجه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع).
فيا مَنْ تخاف النفاق على نفسك؛ حافِظْ على الصلوات، واحرصْ على أدائها في أوقاتها مع الجماعة ما استطعت، فبالمحافظة على الصلوات تكون البراءة والنجاة من النفاق، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة: 45 - 46]، فكيف لمن يظنّ ويعتقد أنه ملاقٍ ربه وراجع إليه وواقف بين يديه أن يترك الصلاة؟ وكيف له أن يضيع الصلاة؟
7- قلة ذِكر الله -تعالى-: (وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 142]، فالمنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، غالبُ أحوالهم غفلة وإعراض، فهم لا يذكرون الله إلا ذِكرَ رياء وسمعة، لتحقيق مصالحِهم وخَدِيعة غيرهم، لا ذِكرَ مُوقِن ومُصدّق بوعد الله طامع في حسن جزائه وثوابه. لو صاحبتَهم الأيام والليالي الطوال ما سمعت منهم تهليلة، ولا تسبيحة، ولا تحميدة، ولا تكبيرة، كل كلامهم عن الدنيا وزينتها، وجل كلامهم كذب وافتراء، وغيبة ونميمة، وزور وفحش، وسب وشتم، وسخرية واستهزاء.
فيا مَن تريد أن تبرّئ نفسك من النفاق أكثرْ من ذكر الله، لا تكن غافلا عن ذكر الله، عارٌ عليك أن يمرّ بك يومٌ أو ليلة مِن غير ذِكر لله.
إذا أصبحتَ فابدأ يومك بذكر الله، وإذا أمسيت فاختم يومك بذكر الله، كنْ ذاكرا لله عند خروجك ودخولك، وعند نومك ويقظتك، وعند مأكلك ومشربك، وفي جميع أحوالك.
فالمؤمنُ هو الذي يُكثِرُ مِن ذِكر الله؛ لأنه محِبّ لله ومُعظم لله، ومستجيب لأمر الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب: 41 - 43].
المؤمن يكثر من ذكر الله؛ لأنه يعلم أن الذكر من أفضل الأعمال الصالحات، وبه تحيى القلوب وتطمئن، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
8- الأمرُ بالمنكر والنهيُ عن المعروف: قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67].
وما أكثر اليوم من يأمر بالمنكر؛ بالمعاصي والمنكرات، ويعتبر ذلك تقدما وتحرّرا، وكم من الناس اليوم من ينهى عن المعروف؛ عن البِرّ والخير، ويعتبر ذلك تخلفا وتشددا.
9- البخل والشح: قال تعالى في وصفهم: (ويَقبضون أيْدِيَهم) أي يُمسكونها عن الإنفاق والإحسان. فإذا أنفقوا أنفقوا رئاء الناس وهم كارهون للإنفاق، ولا ينفقون عن طيب نفس، لذلك قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 54].
ما أقبح النفاق وما أسوأ نتائجه وعواقبه، إنه سبيل إلى الندامة والخُسْرَان، والهلاك والعذاب، ولا خلاص ولا نجاة إلا لمن تاب وأناب، قال تعالى مُحَذرا من عاقبة المنافقين: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحديد: 13 - 15]، وقال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) [التوبة: 68]، وقال عز وجل: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 145 - 146].
فاحَذروا النفاقَ، وجنّبوا أنفسكم خصالَ المنافقين. اصدُقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتُمِنتُم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم.
واعلموا أن الله مطلع على ظواهركم وبواطنكم، عليم بسرائركم وهواجسكم، ما من غائبة في السماء ولا في الأرض إلا يعلمها، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فأصلحوا -عباد الله- بواطنَكم كما تعتنون بصلاح ظواهر كم، فإن الله -تعالى- لا ينظر إلى الصور والأجسام، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال.
نسأل الله -تعالى- أن يُطهّرَ قلوبَنا وأعمالنا من النفاق، وأن يثبت قلوبنا على طاعته وتقواه، وأن يسلك بنا سبيل المؤمنين ويجنبنا طريق المنافقين.
وصَلِّ اللهم وسلمْ وباركْ على نبينا وحبيبنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهُداه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.