البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

فضل الزيارة في الله

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. قلة التواصل بين الناس .
  2. فضل الزيارة في الله وثوابها .
  3. أنواع الاجتماع بين الناس .
  4. حرص السلف على زيارة إخوانهم وتفقُّد أحوالهم .
  5. أهمية الزيارة في الله .
  6. فوائد التزاور في الله .
  7. أسباب التقاطع وعدم التواصل. .

اقتباس

والزيارة في الله تدل على المحبة في الله، وعلى الرباط الإيماني بين الإخوان؛ حيث تدل على الحب في الله، والحب في الله من مقومات وأساسيات الإيمان، عندما يزور المؤمن أخاه معناه: كان ذلك تعبيراً له عن محبته في الله، ودلالة على ولائه له، وتوثيق أواصر الأخوة الإيمانية بين أفراد المجتمع المسلم، ولذلك فالزيارة عبارة عن أمرٍ داخلٍ في العقيدة وصميم الإيمان؛ لأنها مرتبطة بالمحبة في الله...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي عمت رحمته كل شيء ووسعت، وتمت نعمته على العباد وعظمت، ملكٍ ذلت لعزته الرقاب وخضعت، وهابت لسطوته الصعاب وخشعت، وارتاعت من خشيته أرواح الخائفين وجزعت، كريم تعلقت برحمته قلوب الراجين فطمعت، بصير بعباده يعلم ما كنت الصدور وأودعت، عظيم عجزت العقول عن إدراك ذاته فتحيرت, نحمده على نعم توالت علينا واتسعت.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجّي قائلها من النار يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته وجناته، ولا تغرنكم الحياة الدنيا بما فيها من زهرة العيش ولذاته؛ فقد قرب الرحيل، وذهب بساعات العمر وأوقاته.

عباد الله: مع ضيق الأوقات, وكثرة الواجبات والمتطلبات, ونزع البركة من الأعمار والساعات,  وقلة الجهد, وسوء المعيشة, وقلة المال, غابت عنا عبادات كثيرة، منها عبادة الزيارة في الله, أن نتجالس في الرحمن فيرحمنا, أن نتقارب فيقرّبنا القريب منه, أن نطرق أبواب بعضنا بالزيارة فيفتح لنا بابه, أن ننفق الأوقات في التحاب والتقارب والتراحم والتفقد، فيخلفها الله لنا بركة في الأوقات والذرية, فهي من الآداب الشرعية التي أمر بها الإسلام ودعا إليها إبقاءً على الألفة وإقامة للعشرة والمودة وحفاظًا على صفاء القلوب.

ولا أدل على فضل السفر لزيارة الإخوان في الله من فعل المصطفى, كما في حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال أبو بكر لعمر -رضي الله عنهما- بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انطلق بنا إلى أم أيمن -رضي الله عنها- نزورها كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فقالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيّجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها" [مسلم(195)].

والزيارة لها مردودها الكبير في نفس المزار، ناهيك عن ما يكون فيها من إيناس، ونصيحة، وذكرى، وشد الأزر، وتثبيت القلب، ومناقشة قضايا عديدة؛ أسرية، واجتماعية، وغيرها، ولمثل هذه المقاصد طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- من جبريل -عليه السلام- تكرار زيارته، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل: "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟" فنزلت: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ) [البخاري (200)].

وأما عن فضل الزيارة وثوابها وقدر أصحابها عند الله فكثير لا يُحصى، منها حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنَّ رَجُلاً زَارَ أخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أخْرَى، فَأرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أتَى عَلَيْهِ قال: أيْنَ تُرِيدُ؟ قال: أرِيدُ أخاً لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قال: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ فِي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، قال: فَإِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكَ، بِأنَّ اللهَ قَدْ أحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ" [مسلم (2567)].

فاجعل -أخي المسلم- زيارتك لله تعالى ولتكن خالصة له, لا رياء فيها ولا لتحقيق مصلحة دنيوية بحتة,  ولا لضياع الأوقات فنتائج ذلك يعود عليك بالندم والحسرات.

وهذا الحديث العظيم المذكور فوائده لا تنضب، ولطائفه لا تجف، ومن خلاله وغيره على المسلم أن يجتهد في إحياء هذه الشعيرة العظيمة، ولاسيما وقد كثر التفريط فيها في هذا الزمن حيث أصبح أكثر الناس لا يتزاورون إلا من أجل الدنيا والمصالح العاجلة.

كما أنه يشرع للمسلم إذا زار أخاه في الله أن يلتزم بآداب الزيارة، ومنها الاستئذان، وغض البصر، وأن يعمر المجلس بذكر الله تعالى، وأن يبتعد عن الغيبة والفحش، وأن لا يطيل الجلوس حتى لا يثقّل على أخيه.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : "الاجتماع بالإخوان قسمان:

أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.

والثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ولكن فيه ثلاث آفات: أحداها تزين بعضهم لبعض. الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة. الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود".

عباد الله: والمتزاورون في الله وعدهم الله- عز وجل - بالثواب العظيم لمن حافظ منهم على هذا الأدب وخلصه من شوائب متاع الدنيا الزائل، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ" [أخرجه مالك (1779) وأحمد (22380) وصححه الألباني]. وعن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-: "حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ، وحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَصَافِينَ فِيَّ، أَوْ قَالَ: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ" [صحيح الترغيب(3020)].

هذه الأحاديث القدسية العظيمة التي تبين وجوب محبة الله لمن زار أخاه فيه, فمحبة الله حقت لمن يزور إخوانه في الله، فما أشد تفريط المفرطين، وما أتعس حالهم وقد فاتهم من الأجر ما فاتهم! فإن الذي يزور أخاه في الله فقد أحبه الله، ومن أحبه الله فلا تخاف عليه دركًا ولا تخشى.

عباد الله: والزيارة في الله موعود أصحابها بنُزُل في الجنة، ومقام فيها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً" [الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الترغيب ( 2578)].ومنه حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟". قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة" [الطبراني وقال الألباني حسن لغيره صحيح الترغيب والترهيب(2580)].

كما أن الزائر في الله تعالى يتهلل له ملائكة الرحمن ويهنئونه بالجنة، ويرحّب به في ضيافته ربه ونزل خالقه، فعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد أتى أخاه يزوره في الله إلا ناداه ملك من السماء أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه عبدي زار فيّ، وعليّ قِرَاه، فلم يرض له بثواب دون الجنة" [البزار وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (2579)].

عباد الله: الأخوة في الله ليست شعارًا دون معنى، بل أنها تتطلب محبة فيه، وزيارة من أجله، وتعاونًا على البر والتقوى، عن أنس -رضي الله عنه- قال: مر رجل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده ناس فقال رجل ممن عنده: "إني لأحب هذا في الله". فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعلمته؟" قال: لا، قال: "قم إليه فأعلمه"، فقام إليه فأعلمه، فقال: "أحبك الذي أحببتني له". قال: ثم رجع. فسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما قال. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت" [الصحيحة (3253)].

عباد الله: في الحديث المشهور لزيارة سلمان لأبي الدرداء -رضي الله عنهما- خير دليل لمعنى الأخوة في الدين، وبيان شافي للصورة المشرقة، والمنهج المستقيم المطلوب بين المؤمنين، فعن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: "آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء"، والحقيقة أن هذين الصحابيين أُخوتهما عظيمة، وقد استمرت استمراراً عظيماً طويلا.

فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلةً، فقال لها: ما شأنك؟ جاء في بعض الأحاديث أن الزيارة كانت قبل نزول آية الحجاب، "فرأى أم الدرداء متبذلةً" ليس عندها زينة ولا تعتني بها، "فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليست له حاجةٌ في الدنيا" أي: أنه مقبل على العبادة وتارك للدنيا، ومن ضمن الدنيا شهوة النساء، فهو تارك كأنه لا يريد النساء".

فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال: كل. المضيف أبو الدرداء يقول لـسلمان: كل؟ قال: فإني صائم, أبو الدرداء يقول: كل أنت؛ أما أنا فصائم، قال: ما آنا بآكلٍ حتى تأكل, ولأن صيامه نافلة، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنامَ، ثم ذهب يقوم، فقال: نم -سلمان يقول لأبي الدرداء: نم- فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليّا، فقال له سلمان: "إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه".

فأتى أبو الدرداء النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدق سلمان"؛ فهذه الزيارة من سلمان لأبي الدرداء، كم عادت بالنفع على أبي الدرداء وبيته من جهة التوازن وإصلاح ما بينه وبين أهله، وما حصل من مصلحة لأم الدرداء بعودة زوجها لتأدية حقوقها، وما حصل لأبي الدرداء في جسده من الراحة، وما حصل من منع الإملال في العباد.

حصلت أشياء كثيرة جداً، تغيرات في بيت أبي الدرداء؛ بسبب زيارة سلمان له، فالزيارة إذاً تتيح للأخ التعرف على حال أخيه, على بيته, على أحواله، فقد يكون عنده خلل أو نقص، فيسدده ويصلح من حاله وشأنه، وهذه فائدة عظيمة للزيارة.

فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، واحفظوا حقوق إخوانكم، واحرصوا على الجماعة والألفة، ولا تتجشموا التكلف، وأخلصوا في الود، واحفظوا العهد، قال الفضيل -رحمه الله-: "إنما تقاطع الناس بالتكلف؛ يزور أحدهم أخاه فيتكلف له فيقطعه ذلك عنه".

نسأل الله تعالى اليسر والتسهيل ونسأل الله أن يسدد نقصنا، ويصلح لنا قلوبنا، ويهدي لنا نفوسنا، ويصلح لنا أحوالنا، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي بدأ الخلق ثم يعيده وهو على كل شيء قدير، والحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه فيجازيهم بعملهم والله بما يعملون بصير، فسبحانه من رب عظيم وإله غفور رحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والملك والتدبير، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.

أيها الناس: ينبغي للعبد الموفَّق أن يكون أشد اعتناءً بإصلاح قلبه، وتغذيته بالأغذية النافعة، وأن يحرص على العلم النافع، والإخلاص في الأقوال والأعمال، والتواصل مع إخوانه في الخير، ويحرص على زيارتهم وإدخال السعادة إلى نفوسهم.

عباد الله: لقد درج السلف -رحمهم الله- من الصحابة وغيرهم على السفر لزيارة إخوانهم والانتفاع بلقياهم؛ لأجر الزيارة وما يسمعونه من العلم، فكان أحدهم يسير الأيام ويواصل الليالي من أجل زيارة أخٍ له في الله.

قال أبو حاتم -رضي الله عنه-: "الواجب على العاقل تعاهد الزيارة للإخوان وتفقد أحوالهم؛ لأن الزائر في قصده الزيارة، يشتمل على مصادفة معنيين: أحدهما: استكمال الذخر في الآجل بفعله ذلك. قال بعض القدماء: إن الرجل إذا زار أخاً له في الله، لم يبق في السماء ملك إلا حياه بتحية مستأنفة لا يحييه ملك مثله لم تبق شجرة من شجر الجنة إلا نادت صاحبتها: ألا إن فلان ابن فلان زار أخا له في الله.  والآخر: التلذذ بالمؤانسة بالأخ المزور، مع الانقلاب بغنيمتين معًا".

قال عبد الله بن رجاء الغداني: "كان عتبة الغلام يأوي المقابر والصحاري، ثم يخرج إلى السواحل فيقيم بها، فإذا كان يوم الجمعة دخل البصرة فشهد الجمعة ورأى إخوانه فسلم عليهم". وعن محمد بن سهل التميمي، قال: سمعت الفريابي يقول: "جاءني وكيع بن الجراح من بيت المقدس وهو محرم بعمرة، فقال: يا أبا محمد لم يكن طريقي عليك، ولكن أحببت أن أزورك وأقيم عندك"، فأقام عندي ليلة، وجاءني ابن المبارك وقد أحرم بعمرة من بيت المقدس، فأقام عندي ثلاثًا، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أقم عندي عشرة أيام، قال: "لا الضيافة ثلاثة أيام".

قال أبو حاتم -رضي الله عنه-: "الناس في الزيارة على ضربين: منهم من صحح الحال بينه وبين أخيه، وتعرى عن وجود الخلل وورود البغض فيه، فإذا كان بهذا النعت، أحببت له الإكثار من الزيارة، والإفراط في الاجتماع؛ لأن الإكثار من الزيارة بين من هذا نعته لا يورث الملالة، والإفراط في الاجتماع بين من هذه صفته يزيد في المؤانسة.

والضرب الآخر: لم يستحكم الود بينه وبين من يواخيه، ولا أداهما الحال إلى ارتفاع الحشمة بينهما فيما يبتذلان لمهنتيهما، فإذا كان بهذا النعت أحببت له الإقلال من الزيارة؛ لأن الإكثار منها بينهما يؤدي إلى الملالة، وكل مبذول مملول، وكل ممنوع ملذوذ، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبار كثيرة تصرّح بعدم الإكثار من الزيارة فعَنْ عبدالله بن عمرو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا" [صحيح الترغيب والترهيب (2583)]".

عباد الله: أما أهمية الزيارة في الله، فلا شك أن الشريعة ما حثّت ولا ندبت عليها ولا جعلت الأجر العظيم لمن قام بها إلا لما فيها من مزايا عظيمة، وفوائد متعددة، والزيارة في الله تدل على المحبة في الله، وعلى الرباط الإيماني بين الإخوان؛ حيث تدل على الحب في الله، والحب في الله من مقومات وأساسيات الإيمان، عندما يزور المؤمن أخاه معناه: كان ذلك تعبيراً له عن محبته في الله، ودلالة على ولائه  له، وتوثيق أواصر الأخوة الإيمانية بين أفراد المجتمع المسلم، ولذلك فالزيارة عبارة عن أمرٍ داخلٍ في العقيدة وصميم الإيمان؛ لأنها مرتبطة بالمحبة في الله، والمحبة في الله من أساسيات الإيمان.

إن الزيارة في الله تقرب المسلمين من بعضهم البعض.

الزيارة في الله: تجعل المسلمين جسداً واحداً.

الزيارة في الله: تعرف الواحد بمشكلات الآخر.

الزيارة في الله: تُكسب العلم.

الزيارة في الله: تُعرف بالأخبار والأحوال، وفيها تفقدٌ لمصالح الإخوان في الله.

الزيارة في الله: إصلاحٌ للأوضاع وسدٌ للخلل.

قال محمد بن المنكدر وقد سئل: ما بقي من لذةٍ في هذه الحياة؟ قال: "التقاء الإخوان، وإدخال السرور عليهم"، وقال الحسن البصري: "إخواننا أحب إلينا من أهلينا؛ إخواننا يذكّرونا بالآخرة، وأهلونا يذكرونا بالدنيا".

فالزيارة في الله -عز وجل- تؤلف القلوب، وتزيد الإيمان، وتفرح النفس، وفيها التناصح والتعاون على الخير.

وبالجملة فالاجتماع والخلطة لقاحٌ إما للنفس الأمارة، وإما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته.

إن التزاور في الله، وتفقُّد الحال من ظواهر المجتمع المسلم؛ لأن التزاور بين الإخوان في الله من شأنه أن يدعم أواصر الجماعة، ويقوي الروح الجماعية ويوسع مجالاتها، ويمد آثارها، ويقوي المودات، ويزيد وشائج الصلات.

وليس هذا خاصًّا في الرجال، بل عام في الرجال والنساء، فتزور المؤمنات أخواتهن في الله، ويتحاببن فيه، ويتجالسن ويتباذلن في الله. والحديث: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا" [الترمذي 2008 وحسنه الألباني]، عام لكل المسلمين رجالهم ونسائهم، ودعوة لكل المؤمنين.

وليكسب الأخوة فرصة التزاور في الله للتناصح بصالح الأعمال، والتدارس بالعلم والخير. ولا شك أن الزيارة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة الفردية، غير أنه يجب على الداعية أن يتأدب بآداب الزيارة، فيحسن اختيار الوقت المناسب لظروف المدعو، فلا يزوره في وقت راحته، ولا في وقت عمله، كما يجب ألا يتدخل في شئونه الخاصة، وألا يمد يديه أو يتطلع بعينه إلى كل ما يخص المدعو، من أوراق أو كتب أو أشرطة، وأن يخفف مدة الزيارة، وأن يطلب من المزور ألا يتكلف في إكرامه وهكذا.

عباد الله: إن من أشهر أسباب التقاطع وعدم التواصل بين الناس: حرص بعضهم على الفخر والمباهاة والتكلف والاهتمام بالمظهر مما أدى إلى عدم التزاور بين الناس؛ لعدم قدرة البعض مثلاً على لبس الغالي والنفيس، وتزيين البيت بكل جديد، وإعداد الولائم والموائد، ولا رد الهدايا، فأصبحت الحياة عند كثير من الأفراد والمجتمعات حياة مظهرية في كل جزء من حياتهم حتى سيطرت على حياتهم سيطرة تامة بل كثير من الأنظمة والقوانين اهتمت بالظاهر ولم تهتم بتحقيق المصالح.

فجرّت المظهرية المصائب والويلات على الناس,  ديونا متراكمة,  وضياعا للأوقات, وإهمالا للأولويات. تفكير وحيرة وإشغال للذهن, انحراف وفتور وتنازلات في دين الله,  فخر ومباهاة وتحاسد وعجب وزحام وصخب وحياة متعبة ومعقدة, إسراف وبذخ وترف وتميع, كبر وغرور وحب تعال على الآخرين, فرقة وقطيعة للأقارب والجيران وخاصة بين النساء,  مشاكل أسرية قطيعة للأرحام وفقد للأصحاب وهجر للخلان.

بل وصل الأمر بالبعض إلى الطلاق لأجل قطعة من الثياب أو اختلاف رأي بين الزوجين في أمر مظهري، هم وغم,  تشبه بالكفار والفساق,  وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، والعجب كل العجب ما نرى ونسمع من استخدام بعض الشباب الذكور لا الإناث أدوات تبييض البشرة وتلميع الجسد وصبغ الشعور تقليداً وبحثاً عن الجمال وتنافساً فيه وتغطية للنقص وستراً للعيوب ولفتاً للأنظار وتذمراً من البشرة السمراء.

عباد الله: إن من حقوق المسلمين بعضهم على بعض: التزاور فيما بينهم، وإفشاء السلام، وقضاء حوائجهم، والرفق بضعفائهم، وتوقير كبارهم ورحمة صغارهم، وعيادة مرضاهم، واتباع جنائزهم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "حق المسلم على المسلم خمس: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس" [البخاري(2445)].

فاحرصوا -عباد الله- على أداء حقوق المسلمين، وتواصلوا فيما بينكم، ولا تقاطعوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا.

نسأل الله أن يجعلنا من الصالحين المصلحين المتزاورين في الله، المتحابين فيه، ونعوذ بالله من أن نكون متقاطعين أو متدابرين، اللهم يا حي يا قيوم، يا عظيم المن، يا كريم العطايا، يا واحد يا أحد، يا ذا الجلال والإكرام نسألك صحة في إيمان، وعافية في حسن خُلق، ونعوذ بك اللهم من أن نَضِل أو نُضل، أو نَزِل أو نُزل، أو أن نجهل أو يُجهل علينا. اللهم إنا نعوذ بك وبوجهك الكريم من المظالم كلِّها، ومن عمل السوء، ومن قول السوء، ومن عاقبة السوء، اللهم اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم، وأصلح لنا شأننا كله.