المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد آل طالب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة - الصيام |
في هذه الليلة تمتزِجُ مشاعِرُ الفرَحِ والرِّضا بعبَرَات الوداع، وتختلِطُ دعواتُ الحمد والثناء الكثير بسُؤال المغفِرةِ على التفريطِ والتقصيرِ.. ويا ليلةَ الخَتم والوداعِ ما أشجاكِ! في ليلةِ الوداعِ يمُرُّ طَرفُ الشهر أمامَ عينِ العابِد، لا يدرِي كيف مضَت أيامُه، ولا كيف تقضَّت ليالِيه، ولا يدرِي أيَعُودُ إلى مثلِه أو لا يعُود. فيا سَعدَ مَن نالَ في هذا الشهر أمانِيه، وفازَ بالقَبُول والجنَّة، والمحرُومُ مَن حُرِمَ .. ويا ليلةَ الخَتم والوداعِ ما أشجاكِ!
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، الحمدُ لله كريمِ الوصفِ عليِّ الذات، شادَ بقُدرتِه هذا الملَكُوتَ وقهَرَت عزَّتُه جميعَ الكائِنات، جعلَ لبداياتِهم نهايات، ولكلِّ مُفتَتحٍ في كونِه خواتِيمَ ولكل غُرَّةٍ مآلات، فالإنسانُ إلى رُفات، وفي خاتمة الدَّهر تكونُ الأرضُ جميعًا قبضَتُه والسماواتُ بيَمينِه مطوِيَّات.
أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ربُّ البريَّات، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه ربُّه بآخر الشرائِعِ وخاتمةِ الرسالات، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه ومَن اتَّبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد.. أيها المُسلمون: فوصِيَّةُ الله للأولين والآخرين تقوَاه، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
والتقوَى ثمرةُ الصوم العُظمى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
أيها المسلمون: هنيئًا لكم خواتِيمُ هذا الشهر، وحمدًا لك اللهم أن بلَّغتَنا مِنه هذا القَدر، فاللهم تقبَّل منَّا كما بلَّغتَنا، وبارِك لنا كما أنعَمتَ علينا.
ومِن بركات شهر رمضان: أنه لن يُعدَم مُسلمٌ منه خيرًا؛ صيامٌ وصلاةٌ وقُرآن، وصدقةٌ وبِرٌّ وإحسانٌ، فما بين مُستقِلٍّ ومُستكثِر، وما بين خيِّرٍ وأخيَر، فهو كسحابةٍ طافَت بقومٍ فما بين سَيلٍ ودِيمةٍ، وأقلُّهم لم يفُتْه الظلُّ أو رائِحةُ المطَر.
ولأن العِبرةَ بالخواتِيم، فلم يزَلْ في الشهر بقِيَّةٌ لمُستعتِب، بقِيَت ساعاتٌ قد تكونُ فيها ليلة القَدر، وفيها الليلة الأخيرةُ التي يتكرَّمُ الله على عبادِه بالمغفِرةِ وجَزيلِ الأجر؛ فجُهدُ ساعات تحلُو بها النِّهايات، ويكون بها الاستِدراكُ مِن الفوَات، وهذه الأمةُ مرحُومةٌ ومبسُوطةٌ لها المراقِي والبركات، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
في هذه الليلة تمتزِجُ مشاعِرُ الفرَحِ والرِّضا بعبَرَات الوداع، وتختلِطُ دعواتُ الحمد والثناء الكثير بسُؤال المغفِرةِ على التفريطِ والتقصيرِ، وتسمَعُ الحامِدَ الباكِي، والضارِعَ الشاكِي، وتغلُبُ على العُبَّاد أحوالٌ وأحوالٌ، ويا ليلةَ الخَتم والوداعِ ما أشجاكِ!
في ليلةِ الوداعِ يمُرُّ طَرفُ الشهر أمامَ عينِ العابِد، لا يدرِي كيف مضَت أيامُه، ولا كيف تقضَّت ليالِيه، ولا يدرِي أيَعُودُ إلى مثلِه أو لا يعُود.
فيا سَعدَ مَن نالَ في هذا الشهر أمانِيه، وفازَ بالقَبُول والجنَّة، والمحرُومُ مَن حُرِمَ .. ويا ليلةَ الخَتم والوداعِ ما أشجاكِ!
في ليلةِ الوداعِ تنطفِئُ مِن المساجِد المصابِيح، وقد كانت عامِرةً بالصلاةِ والتسابِيحِ، ويُعتِقُ الله فيها من النار عبادًا له، وإنما يُوفَّى العامِلُ أجرَه إذا قضَى عملَه، وإنما الأعمالُ بالخواتِيم .. ويا ليلةَ الخَتم والوداعِ ما أشجاكِ!
يا ربِّ أحسَنتَ بَدءَ المُسلمين بِهِ | فتمِّمِ الفضلَ وامنَحْ حُسنَ مُختَتمِ |
أيها المُسلمون: وكما انسَلَّ هذا الشهرُ مِن بينِنا، ووقَفنَا مِنه على عتبَةِ الخِتام، نعجَبُ لليالِيه كيف تصرَّمَت، ولأيامِه كيف فرَطَت؛ فإن هذا الخِتامَ مشهَدٌ مُتكرِّرٌ في كل طيَّاتِ الحياةِ وتصارِيفِها، فالنهاياتُ مكتوبةٌ على جَبين البدايات، والخواتيمُ هي أقدارُ المُفتَتَحات، حتى نصِلَ لخاتمةِ الخواتِيم، ونهايةِ النهاياتِ حين تُغادِرُ الحياةُ والأحياءُ هذا الكَون، ونُخلِّفُ وراءَنا كل ما كنَّا نَكدَحُ فيه ونتعَب، ونصطرِعُ لأجلِه ونَنصَب.
حينها نُدرِكُ حقائِقَ الأشياء، وقِيمَ الآمال السالِفةِ في الدنيا وما بُذِلَ فيها مِن عناء، وقد وصَفَ الله حقيقةً تبدُو عند مشهَد الخِتام بقولِه: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق: 22]؛ أي: شديدُ الحِدَّة، نافِذُ البصَر، يرَى ما لم يكُن يرَاه في سالِفِ عهدِه، والمُرادُ بذلك كلُّ أحدٍ مِن برٍّ وفاجِر؛ لأن الآخرةَ بالنسبةِ إلى الدنيا كاليقَظَة بالنسبةِ للمنامِ، كما ذكرَ ابنُ جريرٍ - رحمه الله -.
أيها المُسلمون: خواتِيمُ الأعمال، ومآلاتُ الأحوال هي المُغيَّباتُ التي وجَفَت لها قلوبُ الأنبِياء، وأمضَّت نفوسَ العُبَّاد والصُّلَحاء؛ لأن العِبرةَ بها وحسب، وما قبلَها إنما هو دليلٌ إليها لا يَقينَ بطَيِّ الصحائِفِ عليها.
روى البخاريُّ - رحمه الله -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمالُ بالخَواتِيمِ».
وعن ابن مسعُودٍ - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أحدَكم ليعمَلُ بعملِ أهلِ الجنة، حتى ما يكون بينَه وبينَها إلا ذِراع، فيسبِقُ عليه الكِتابُ، فيعمَلُ بعملِ أهلِ النار فيدخُلَها، وإنَّ أحَدَكم ليعمَلُ بعملِ أهلِ النار، حتى ما يكون بينَه وبينَها إلا ذِراع، فيسبِقُ عليه الكِتابُ، فيعمَلُ بعملِ أهلِ الجنة فيدخُلَها» (رواه الشيخان).
إلا أنَّ الخواتِيمَ ميراثُ السوابِق؛ فمَن كانت حياتُه في الطاعةِ فتُرجَى له الخاتمةُ الحسنة، ومَن كان مُقيمًا على المعاصِي فإنه يُخشَى عليه، فإذا كان الشيطانُ مُتمكِّنًا مِنه في حالِ قوَّتِه وصحَّتِه، فكيف تكونُ حالُه حين الاحتِضار؟! حين يضعُفُ سُلطانُ الجوارِح، وتظهَرُ كمائِنُ النُّفُوسُ، وتتحدَّثُ القلوبُ بما فِيها، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27].
وكان الدُّعاءُ بالتثبيتِ وحُسن الخاتمةِ هو لهَجُ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه مِن بعدِه، وكان أكثرُ دُعائِه - صلى الله عليه وسلم -: «يا مُقلِّبَ القُلوبِ! ثبِّت قلبِي على دينِك».
عباد الله: خِتامُ كل عملٍ هو تاجُه ورِتاجُه، وفي "الصحيحين" أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتعاقَبُون فيكُم ملائِكةٌ بالليل وملائِكةٌ بالنهار، ويجتمِعُون في صلاةِ الفجر وصلاةِ العصر، ثم يعرُجُ الذين باتُوا فيكُم، فيسألُهم - وهو أعلمُ بهم -: كيف تركتُم عبادِي؟ فيقولون: تركنَاهم وهم يُصلُّون، وأتينَاهم وهم يُصلُّون».
زادَ ابنُ خُزيمةَ: «فاغفِر لهم يوم الدين».
والمجالِسُ تُختَمُ بكفَّارةِ المجلسِ والاستِغفار، وأُمِرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في ختم حياتِه بقولِ الله - عزَّ وجل -: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [النصر: 3].
وفي الجنَّة يُكرِمُ الله الأبرارَ بشرابٍ مِن الرَّحِيقِ المختُوم، فيكونُ آخرُ الكأسِ التي يشرَبُون مِسكًا يجِدُون طعمَه ورائِحتَه، وتبقَى حلاوتُه في أفواهِهم؛ ليعُودُوا إليه مرةً بعد مرةٍ، إنها الحلاوةُ في الخِتام، (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 22- 26].
عباد الله: كلُّ ما سبَقَ يجعلُ السائِرَ إلى ربِّه مُشفِقًا على خواتِيمِ أعمالِه، ونهاياتِ مآلاتِه، ولا يَركَنُ إلى جُهدٍ، ولا يُدِلُّ على ربِّه بعملٍ، وإنما يسألُ اللهَ القَبُولَ، ويرجُوه حُسنَ الخِتام؛ فكلُّ عملٍ صالحٍ بذَلتَه فحقيقتُهُ ليست منك؛ بل هو مَحضُ فضلٍ مِن الله إليك. والله شَكُورٌ، والله كريمٌ، وظنُّنَا في ربِّنا خير، ولن يُضيعَ عملَ عاملٍ.
وحيث العِبرةُ بالخواتِيمِ، فإن هذه الحقيقة تشرَعُ الأبوابَ، وتفتَحُ الآمال لمَن فرَّطَ في سالِفِ أمرِه. فكَم سبَقَ المُبطِئون إذا استَعتَبُوا! وكَم سُعِدُوا إذ استرجَعُوا! فما دامَت الأنفاسُ تتردَّدُ، والقلوبُ تخفِقُ، فإن كل اللَّحَظات مزاداتٌ مِن الخير، وسفائِنُ مِن البرِّ، ولن يمَلَّ مُؤمنٌ مِن خيرٍ حتى يكون مُنتهَاهُ الجنَّة.
عن ابن عُمر - رضي الله عنهما - قال: أخذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكِبِي فقال: «كُن في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ»، وكان ابن عُمر يقولُ: "إذا أمسَيتَ فلا تنتَظِر الصباحَ، وإذا أصبَحتَ فلا تنتَظِرِ المساءَ، وخُذ مِن صحَّتِك لمرضِك، ومِن حياتِك لمَوتِك" (رواه البخاري).
أخي المُسلم! إنك مُقبِلٌ على رحلةٍ بعيدةٍ شديدةٍ، لا ينجُو مِنها إلا مَن أعظمَ الزادَ، وفرَّ بقلبٍ سليمٍ إلى ربِّ العِباد. فكُن نافِذَ البصيرة، عمِيقَ الفِكر، صافِيَ القلب، لا تغُرُّك الأمانِي، ولا تُلهِيكَ الشَّهَوات، ولا يخدَعُك الشيطانُ، وتذكَّر القبرَ والبعثَ والحشرَ والحسابَ.
اعرِف ربَّك ولا تُخاتِل فِيه، واعرِف أوامِرَه لتعملَ بها، ونواهِيَه لتهرُبَ منها، وإياكَ والتسوِيفَ؛ لأنك لا تدرِي متى يأمُرُ بك الجبَّار، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) [الأنعام: 61، 62]، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99، 100].
بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنَّة، ونفعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو أهلُ التقوَى وأهلُ المغفِرَة.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، الحمدُ لله المُؤمَّلِ الكريم، الرحمنِ الرحيم، شرعَ لنا أعيادًا ومسرَّات، وأعادَ علينا مواسِمَ الخير مرَّاتٍ وكرَّات؛ ليُثقِّلَ موازِينَنا بالحسنات ونستكثِرَ فيها مِن الخيرات، أشهَدُ أن لا إله إلا الله الملكُ العليم، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه حدَّ للدينِ حُدودًا وأمارات، وجعلَ الوقوفَ عندها على التوفيقِ شارات، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابِه والتابِعين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أيها المُسلمون: إن الله –تعالى- قد شرعَ لكم في خِتامِ شهرِكم زكاةَ الفِطر، وهي واجِبةٌ بالإجماعِ على القادِرِ عن نفسِهِ وعمَّن يعُول، كما أنها وجهٌ مُشرِقٌ في محاسِنِ هذا الدين العظيم؛ حيث العيدُ للغنيِّ والفقيرِ، والواجِدِ والمُعدَمِ، وحتى يكون عيدًا فلا بُدَّ أن يفرَحَ الجميعُ.
ويُسنُّ إخراجُ زكاةِ الفِطرِ عن الحَملِ ولا يجِبُ، ووقتُها مِن قبلِ العيدِ بيومٍ أو يومَين إلى ما قبلَ صلاةِ العيد. فاحرِصُوا على أدائِها - رحمكم الله - لمُستحقِّيها.
ومِقدارُها: صاعٌ مِن تمرٍ، أو صاعٌ مِن شعيرٍ، أو طعامٌ مِن غالبِ قُوتِ البلَدِ كالبُرِّ والأرز، وتُخرَجُ في بلدِ الصائِمِ، ويجوزُ نقلُها لبلدٍ أهلُه أكثر حاجةٍ.
قال عبدُ الله بن عُمر - رضي الله عنهما -: "فرضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطرِ مِن رمضان صاعً مِن تمرٍ، أو صاعًا مِن شعيرٍ على العبدِ والحُرِّ، والذَّكَر والأُنثَى، والصغيرِ والكبيرِ مِن المُسلمين، وأمَرَ بها قبل أن تُؤدَّى قبل خُروجِ الناسِ إلى الصلاةِ" (أخرجه البخاري).
وقال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما -: "فرضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطر طُهرةً للصائِمِ مِن اللَّغوِ والرَّفَث، وطُعمةً للمساكِين، مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبُولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدَقةٌ مِن الصدقات" (رواه أبو داود وابنُ ماجَه وغيرُهم، وهو صحيحُ الإسناد).
ثم أدُّوا صلاةَ العيد مع المُسلمين، واصحَبُوا إليها أولادَكم ونساءَكم؛ فهي شَعيرةٌ ظاهِرةٌ مِن شعائِرِ المُسلمين.
ويُسنُّ التكبيرُ ليلةَ العيد وصَبيحَةَ العيد حتى يدخُلَ الخَطِيبُ، ويُجهَرُ بالتكبيرِ في الأسواقِ والطُّرُقات، قال الله - عزَّ وجل -: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
فأعيادُ المُسلمين تميَّزَت عن أعيادِ الجاهلِيَّة بأنها قُربةٌ وطاعةٌ لله، وفيها تعظيمُ الله وذِكرُه بالتكبيرِ في العِيدَين، وحُضورُ الصلاةِ في جماعةٍ، وتوزيعُ زكاةِ الفِطر، وإظهارُ الفرَحِ والسُّرورِ على نِعمةِ الدين ونِعمةِ تمامِ الصيام.
فابتَهِجُوا بعيدِكم، واشكُرُوا اللهَ على التمامِ، واسأَلُوه القَبُولَ وحُسنَ الخِتام.
العيدُ هِبةُ الله لعبادِه؛ ليفرَحُوا وليُوسِّعُوا على أنفُسِهم وأهلِيهم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «للمُؤمنِ فرحَتان: فَرحةٌ عِند فِطرِه، وفَرحةٌ عند لِقاءِ ربِّه»؛ متفق عليه.
والمقصُودُ بفَرحةِ الفِطر: هي فَرحةُ عِيدِ الفِطر، لأجلِ هذا شُرِع لُبس الجَديد وفِعلُ ما يُبهِجُ في غير معصِيةِ الله؛ فإظهارُ السُّرور في الأعياد مِن شعائِرِ هذا الدين، ويُغتفَرُ فِيه مِن الانبِساطِ ما لا يكونُ في غيرِه.
اللهم اجعَل خيرَ أعمالِنا خواتِيمَها، وخيرَ أعمارِنا أواخِرَها، وخيرَ أيامِنا يومَ نلقَاك، اللهم اغفِر لنا ما مضَى، وأصلِح لنا ما بقِي.
اللهم إنا نسألُك فِعلَ الخيرات، وتَركَ المُنكَرات، وحُبَّ المساكِين، وأن تغفِرَ لنا وترحَمَنا، وإذا أردتَّ فِتنةَ قَومٍ فتوفَّنا غيرَ مفتُونِين، ونسألُك حُبَّك وحُبَّ مَن يُحبُّك، وحُبَّ العملِ الذي يُقرِّبُنا إلى حُبِّك.
ثم اعلَمُوا أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأَ فيه بنفسِه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ النبيِّ الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصِيَتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمُسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلِك في فِلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم إنا نسألُك باسمِك الأعظَم أن تلطُفَ بإخوانِنا المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم كُن لهم في فلسطين، وسُوريا، والعراق، واليمَن، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم الطُف بهم، وارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج، اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم، اللهم اكبِت عدوَّهم.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن عاونَهم.
اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه مُحمدَ بنَ سَلمان وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.
وإننا إذ نُبايِعُ وليَّ العهد على كتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، لنسألُ اللهَ تعالى أن يجعلَه مِفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشرِّ، وأن يرزُقَه البِطانةَ الصالِحةَ النَّاصِحةَ الطيبةَ المُبارَكةَ التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم أصلِحه وأصلِح به، وانصُر به الإسلامَ والمُسلمين.
اللهم جازِ بالخيرات كلَّ مَن بذَلَ لخِدمةِ الحرمَين الشريفَين وقاصِدِيهما، اللهم وفِّق رِجالَ أمنِنا، والعامِلِين لخِدمةِ المُعتمِرين وقاصِدِي الحرمَين، وأجزِل لهم الأجرَ والثوابَ.
اللهم وفِّق واحفَظ المُرابِطِين على ثُغورِنا وحُدودِ بلادِنا، والمُجاهِدين لحفظِ أمنِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا، وأعِدهم عاجِلًا إلى بلادِهم سالِمين غانِمين مُنتَصِرين يا حيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفَظهم مِن بين أيدِيهم ومِن خلفِهم، وعن أيمانِهم وعن شمائِلِهم، ومِن فوقِهم ونُعيذُهم بك اللهم أن يُغتالُوا مِن تحتِهم.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.
اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
ربَّنا اغفِر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القومِ الكافِرين.
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، إنك سميعُ الدعاء.
اللهم إنا نسألُك رِضاك والجنَّة ونعُوذُ بِك مِن سخَطِك والنار.
اللهم ما سألنَاك في هذا الشهر الكريم مِن مسألةٍ صالِحةٍ فاجعَل أوفَرَ الحظِّ والنَّصِيبِ فيها لنا ولأحبابِنا ولمَن أوصانا بالدُّعاء ولمَن له حقٌّ علينا، اللهم اجعَلنا مِن المُوفَّقين لقِيامِ ليلةِ القَدر، واجعَلنا مِن عُتقائِك مِن النار.
اللهم تقبَّل صِيامَنا وقِيامَنا ودُعاءَنا، وصالِحَ أعمالِنا، إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سُبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.