القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | أحمد بن عبدالله بن أحمد الحزيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
إنَّ الذِين يفعلونَ الخيرَ في رمضانَ ثُمَّ إذا انقضَى عَادوا إلى سِيرتِهِمُ الأُولى مِن الفُسوقِ والعصْيانِ إنَّما هُم كَمَنْ يُجْهِدُ نفسَه بالغَزلِ طُولَ النهارِ ثُم في آخِرِه يَنْقُضُهُ. إنَّما هُم يعبدونَ رمضانَ لا ربَّ رمضانَ، ومَن كَانَ يَعبدُ رمضانَ فإنَّ رمضانَ شَهرٌ يُوَلِّي ويَنقضِي ومَن كَانَ يَعبدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يموتُ.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا اللهَ معاشرَ المسلمينَ، وراقِبوهُ في السرِّ والعَلنِ، واعبُدوهُ كأنَّكم تَرَوْنَهُ، فإنْ لَمْ تكونوا تَرونَه فإنَّه يَراكُم، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الشعراء: 217- 220].
امْرأةٌ قدْ أعَدَّتْ خَامَاتِ غَزْلِهَا، وبَدأتْ بِجِدٍّ واجتهادٍ تَغْزِلُ خُيُوطَهَا بِإِحكَامٍ، ظَلَّتْ تَجتهِدُ طُوَالَ الوقتِ وأَنْتَجَتْ غَزْلاً قويًا يَسُرُّ النَّاظرينَ، وفَجأةً تتوقفُ المرأةُ، تَنظُرُ إلى غَزلِهَا، ثُم تَنهَالُ عليهِ نَقْضًا حتى إذا أفْسَدَتْهُ وأعادتِ الخيوطَ سِيرَتَهَا الأُولى عادتْ إلى الغَزْلِ والنقْضِ مرةً أُخرى، وهكذا كانَ دَأبُهَا وشَأْنُهَا أبدًا.
عبادَ الله: إنَّ الذِين يفعلونَ الخيرَ في رمضانَ ثُمَّ إذا انقضَى عَادوا إلى سِيرتِهِمُ الأُولى مِن الفُسوقِ والعصْيانِ إنَّما هُم كَمَنْ يُجْهِدُ نفسَه بالغَزلِ طُولَ النهارِ ثُم في آخِرِه يَنْقُضُهُ.
إنَّما هُم يعبدونَ رمضانَ لا ربَّ رمضانَ، ومَن كَانَ يَعبدُ رمضانَ فإنَّ رمضانَ شَهرٌ يُوَلِّي ويَنقضِي ومَن كَانَ يَعبدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يموتُ.
جَاءَ سُفيانُ بنُ عبدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ إلى رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ" (رواه مسلمٌ).
نَعَمْ.. استَقمْ على الجَادَّةِ.. اسْتقمْ مَا دامَ الدَّمُ يجرِي فِي عُرُوقِكَ.. استقمْ في رمضانَ.. استقمْ في شَوَّالٍ وشَعْبَانَ.. استقمْ على شَرعِ اللهِ حتَّى تلقَى ربَّك وهو عنكَ رَاضٍ، قالَ الحسنُ البَصْرِيُّ -رحمه اللهُ-: "إنَّ اللهَ لَمْ يَجعَلْ لعملِ المؤمنِ أَجَلاً دونَ الموتِ"، ثُمَّ قَرأَ قولَهُ -عَزَّ وجَلَّ-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
أيُّها المسلمُ: إنَّ مَنْ ذَاقَ لذَّةَ الطاعةِ على الحقيقةِ لا يَسْأَمُ العبادةَ ولا يَمَلُّهَا، اسْمَعْ لقولِ اللهِ تعَالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]؛ فَالحياةُ الطَّيِّبَةُ هِي لذَّةُ المنَاجاةِ للهِ، وقُوَّةُ الاتِّصالِ باللهِ، والثِّقةُ باللهِ، والاعتمادُ عليه، والأُنْسُ بطاعةِ اللهِ، والرَّاحةُ بالقيامِ بِمَا أوجَبَ اللهُ.
إنَّ الحياةَ الطيِّبةَ لا يُحَقِّقُهَا مالٌ تَكسِبُهُ ولا جَاهٌ تَنَالُه ولا بَنَونَ ولا عُمْرٌ مَدِيدٌ، وإنَّما يحقِّقُهَا الارتِبَاطُ باللهِ -جلَّ وعَلا-.
عبادَ اللهِ: إنَّ مدرسةَ رمضانَ الذي عِشْنَاهُ ثَلاثونَ يَوماً؛ صُمْنَا نهَارَهُ وأحْيَينَا لَيْلَهُ، ومَارَسْنَا فيهِ العَدِيدَ مِنَ العِبَادَاتِ وانْتَهَيْنَا عنِ مَعاصٍ رُبَّمَا أنَّ البعضَ كانَ يَقعُ فيها، إنَّ هَذا المَوْسِمَ كَفِيلٌ بأَنْ يُبْقِيَ أَثَرًا كبيرًا علَى صَاحِبهِ فيجْعَلُهُ أَكْثَرَ قُرْبًا لِرَبِّهِ وأعظَمَ شَوقاً لِجَنَّتِهِ وأَبْعَدَ مَا يَكُونُ عَن سَخَطِ رَبِّهِ.
إنَّ هذِه المدرسةَ التي اسْتَمَرَّتْ شَهراً كاملاً أُريدَ منهَا مَا أُرِيدَ أَنْ يكونَ الإنسانُ قادراً على أنْ يفعَلَ مَا يَطْلُبُ منهُ الشارعُ الحكيمُ دُونَ مَا مَهلكَةٍ أو مشقةٍ.
خُذْ مثالاً على ذلكَ: عبادةُ الصومِ مثلاً كمْ منَ الناسِ إذا سَمِعَ عن فضلِ صيامِ التطوعِ ومَا أَعَدَّ اللهُ لصاحِبِهِ مِن الأُجورِ العظيمةِ يَتَعَذَّرُ بأنَّه لا يستطيعُ أَدَاءَ ذلكَ وأنَّ النَّفْسَ تَعْجَزُ عن صيامِ ثلاثةِ أيامٍ في الشهرِ وإنْ صامَ يَوماً مِنهَا يَجِدُ المشقَّةَ العظيمةَ!
لكنْ إذا جَاءَ رمضانُ صامَ شهراً كاملاً بكُلِّ طَواعِيَةٍ. لا يُمكِنُ أنَ تُحَدِّثُه نفسُهُ مطلَقاً بالإخْلالِ بيومٍ مِنه بَل ولو بِدقِيقةٍ!
وخُذ مثالاً آخرَ..
قِراءةُ القرآنِ الكريمِ التي ورَدَ فيهَا من الأجورِ مَا اللهُ -تعالى- بهِ عَليمٌ، ومَع ذلك نَجِدُ تَقصيراً كبيراً في أداءِ هذه العبادةِ الجليلةِ خلالَ العامِ، بَل ربَّما أقولُ إنَّها مَهجورةٌ مِنَ الكثيرِ فإذا جَاءَ رمضانُ وجَدْتَ الجميعَ مُنْكَبُّونَ علَى قراءَتِهِ، فمنهُمْ مَن يَختِمُهُ كُلَّ ثلاثٍ أو كلَّ أسبوعٍ، والكثيرُ لا يَخرُجُ رمضانُ إلاَّ وقَدْ خَتَمَهُ كَامِلاً.
أيها المسلمونَ: هَذان المثَالان أردْتُ فيمَا أَوْرَدْتُ أنْ أُبَيِّنَ أنَّ النفُوسَ مَتى أُرِيدَ منهَا العملَ فإنَّها قادرةٌ علَى العَطاءِ والصبرِ في تحصيلِ الأجرِ مَتى مَا جَدَّتْ في ذلكَ.
لا يُشترطُ -أيها الأخوةُ- أنْ نكونَ بعدَ رمضانَ كَما كُنَّا في رمضانَ؛ فنحنُ نَعْلَمُ أنَّ ذلك مَوسِمٌ عظيمٌ لا يَأتي بعدَه مثْلُهُ إلا رمضانَ الذي بعدَه، لا يَأتي شهرٌ فيهِ خَيراتٌ ومغفرةٌ ورحمةٌ وعِتقٌكَما في هذا الشهرِ الذي انْصَرَمَ، فنحنُ لا نقولُ كُونوا كَما كُنتمْ في رَمضانَ من الاجتهادِ؛ فالنَّفْسُ لا تُطِيقُ ذلكَ لَكِنْ لا للانْقِطَاعِ عنِ الأعمالِ.
لكنْ بالمحافظةِ على الفرائضِ وهُجْرَانِ النواهِي والإصَابَةِ مِنَ النَّوافلِ بحظٍ وَافِرٍ, هُو أَدْنى مَا يَحرصُ عليه المسلمُ بعدَ رمضانَ.
عبادَ الله: لِنُعَوِّدْ أنفُسَنَا علَى ما يُقَرِّبُنَا إِلى رَبِّنَا ولْنَصْبِرْ على ذلكَ.
أخي الكَرِيمُ: عَوِّدْ نفسَكَ صِيامَ الأيامِ التي وَرَدَ عنِ الشَّارِعِ الحكيمِ فَضْلُهَا كصيامِ الستِّ من شَوالٍ، وصيامِ أيامِ البِيضِ أو صِيَامِ الاثنينِ والخَمِيسِ.
اصْبِرْ علَى هذه العبادةِ واجْعَلْهَا أَمْرًا لازِمًا لكَ وعادةً طَيبةً تَكْتَسِبُ أجْرَهَا حتى ولَو لَمْ تَعْمَلْهَا قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"، (رواه البخاريُّ).
اجْعلْ لكَ مِقدَاراً مُحَدَّداً منَ القرآنِ الكريمِ تقْرَأُهُ فِي كلِّ يَومٍ بحيثُ تَخْتِمُ القرآنَ على الأَقَلِّ في الشهرينِ مَرَّةً.
ومِثلُهَا صلاةُ الليلِ.. اجْعَلْ لكَ وِرْداً يَومياً من هذِه العبادةِ ولَو رَكعةً وَاحدةً.
وهكَذا سائرُ العباداتِ التي تَرفَعُ قَدْرَكَ عندَ اللهِ –تعالى-، وَتُعْلِي مَنْزِلَتَكَ عندَه وتَجعَلُكَ دَائِمَ الصِّلَةِ وقَرِيبَ العَهْدِ بهِ سبحانَهُ.
عبادَ اللهِ: ومنَ الدروسِ المستفادةِ مِن هذا الشهرِ الكريمِ أيضاً: أنَّ الناسَ في أمرِ الصيامِ يَحَاولُونَ قَدْرَ اسْتطاعَتِهِم تَجْوِيدَهُ وتَحْسِينَهُ حتى يكونَ صَومُهُمْ مَقبُولاً وعمَلُهُمْ صَالحاً؛ لهذا تَجِدُ الْكَمَّ الهَائِلَ مِن الأسئلةِ التي تَنهَالُ على العلماءِ والْمُفْتِينَ لأجلِ طَلَبِ الفتوى في دَقَائِقِ الصومِ ومَسَائِلِهِ، لِذَا يَقِلُّ جداً أن تَجِدَ مَن يَأكلُ أو يَشربُ بعدَ أَذانِ الفجرِ بوقتٍ أَو أَنْ يَتَعَمَّدَ إدْخَالَ الماءِ إِلى فِيهِ أَثناءَ النهارِ أو مَنْ يُبَكِّرُ للإفطارِ بشَكلٍ لاَفِتٍ!
أقولُ هذَا الحِرْصُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الجيِّدُ لماذَا لا يَستَمِرُّ بعدَ رمضانَ وذلك بالْبُعْدِ عمَّا حَرَّمَ اللهُ –تعالى-، قَلَّتْ تِلكَ المعْصِيةُ أَو كَبُرَتْ.
فإنْ فعَلْنَا ذلكَ واستَمَرَّ السيرُ علَى هذا الخيرِ فإنَّ العَاقبةَ الحسنةَ والفضلَ الجزيلَ مِنَ الْمُنْعِمِ الكَبِيرِ عَظِيمةٌ؛ خُصُوصًا في ظِلِّ كَثْرَةِ الْمُغْرِيَاتِ وتَعَدُّدِ الْمُلْهِيَاتِ في هذا العَصْرِ الذي لَمْ يَمُرَّ في تَاريخِ الإسلامِ مِثلُهُ؛ حيثُ المعصيةُ تُلاحِقُكَ والشَّهْوَةُ تَدْعُوكَ حتَّى فِي بيتِ اللهِ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ باللهِ –تعَالى-.
لقدْ غَرَس رمَضانُ في نُفُوسِنَا خيراً عظيماً، صَقلَ القلوبَ، أَيقظَ الضَّمائرَ، طهَّر النُّفوسَ، ومَنِ استَفَادَ مِن رمضانَ فإنَّ حَالَه بعدَ رمضانَ خَيرٌ لَه مِن حَالِهِ قَبْلَهُ، ومِن عَلاماتِ قَبُولِ الحسَنَةِ: الحسنَةُ بعْدَهَا، ومِن عَلامَاتِ بُطْلانِ العَمَلِ وَرَدِّهِ: العودةُ إلى المعَاصِي بعدَ الطَّاعَاتِ، فاجْعَلْ مِن نَسَمَاتِ رمضانَ الْمُشْرِقَةِ مِفْتَاحَ خَيرٍ سَائِرَ الْعَامِ، ومَنْهَجَ حَياةٍ في كُلِّ الأحْوَالِ.
باركَ اللهُ لي ولَكُمْ بالقرآنِ العظيمِ..
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، أرشَدَ النفوسَ إلى هُدَاهَا، وحذَّرَهَا مِن رَدَاهَا.. أحمَدُهُ سبحانَه وأشكُرُهُ على نِعَمٍ لا تُحصَى وآلاءٍ لا تَتَنَاهَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنَا محمدًا عبدُ اللهِ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَكَ عليهِ وعلَى آلِهِ وأصحَابِهِ ومَن تَبِعَهُمْ بإحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أخِي الكريمُ.. مِن أَكْثَرِ ما يَسْتَحِثُّ المؤمنَ لمواصَلةِ الطَّاعةِ مَع ربِّ العالمينَ: تَذَكُّرُ مَا يَنتظِرُه في الجنَّةِ إِن أَحْسَنَ العملَ مع ربِّه وتَقَبَّلَهُ بقَبُولٍ حَسَنٍ.
في الجنَّةِ -أيها المؤمنونَ- مَا لا عَينٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلبِ بَشرٍ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" (رواه مسلمٌ).
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: عَرَفتُمْ فَالْزَمُوا، وَبَدَأتُمْ فَاستَمِرُّوا، وَوُفِّقتُمْ فلا تَنْكِصُوا، ذُقتُمْ حَلاوةَ الإيمانِ وعَرفتُمْ طَعْمَهُ، صُمتُمْ وقُمتُمْ وصَلَّيتُمْ، ورتَّلْتُمُ القرآنَ تَرتيلاً .. فَالْزَمُوا هذا الطريقَ المُنيرَ، واستَمِرُّوا على هذا الصراطِ المستقيمِ، حتى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ.
أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ الكريم، أنْ يجْعَلَنِي وإيَّاكُم مِن أهلِ الجنةِ.. نسألُ اللهَ أن يجعلنا مِمَّن قَبِلَ عَمَلَهُمْ في رمضانَ.. اللهمَّ تَقبَّلْ مَا حَصَلَ من العملِ واغفِرْ لنَا الخطأَ والتقصيرَ والزللَ.
اللهمَّ إنَّا نسأَلُكَ رحمةً من عندِكَ تلم بها شَعَثَنَا وتَغْفِرَ بِهَا ذنبَنَا وترحمَ بهَا مَيِّتَنَا وتشفِي بها مريضَنَا وتقضِي بها دَيْنَنَا..
اللهمَّ إننا نسأَلُكَ رحمةً من عندكَ تجْعَلُنَا فيهَا بعدَ هذا الشهرِ الكريمِ خيرًا مما كُنَّا قبلَهُ.
اللهم وفِّقْ وليَّ أمرِنَا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقْهُ ونائِبَهُ وأعوانَه لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ يا حيُّ يا قَيومُ.
اللهمَّ انْصُرْ جنودَنا المُرابِطينَ على ثُغورِنا، وكلَّ رِجالِ أمنِنَا.
اللهم انشُرِ الأَمْنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرَارِ، وكيدَ الفُجَّارِ، وشرَّ طوارِقِ الليلِ والنهارِ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزَّةِ عمَّا يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.