الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
كلمةٌ يَحصلُ بها رِضوانُ اللهِ -تعالى- وتُرفعُ بها الدَّرجاتُ، وكلمةٌ يَنالُ بها سخطَ اللهِ -تعالى- ويُلقى في الدَّركاتِ، وإن كانتْ تخرجُ من هذا اللِّسانِ الصَّغيرِ، ولكن لها الفاعليَّةُ والأثرُ الخطيرُ،.. الكلمةُ سِلاحٌ ذو حدَّينِ، فبالكلمةِ يدخلُ الإنسانُ إلى الإسلامِ، وبالكلمةِ يخرجُ منه، فيها الحياةُ وفيها المماتُ، وفيها السَّعادةُ وفيها الحُزنُ، الكلمةُ تَجرحُ وتُداوي، وتَبني وتَهدمُ، وتَرفعُ وتَخفضُ، وتُقدِّمُ وتُؤخرُ، وتُقرِّبُ وتُبَّعدُ،...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، خَلَقَ الإِنْسَانَ وَوَهَبَهُ اللِّسَانَ وَالْبَيَانَ، لِيُتَرْجِمَ الْفِكْرَ وَيُعَبِّرَ عَنْ مَكْنُونَاتِ الْجَنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَبْلَغُ الْخَلْقِ مَقَالاً، وَأَصْدَقُهُمْ فِعَالاً، أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلامِ، فَبَلَّغَ الدِّينَ بالتَّمامِ، صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي التُّقَى وَالْهِمَمِ، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَدَعَا بِدَعْوَتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
اسمعوا وتأملوا إلى أثرِ الكَلمةِ، يقولُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إنَّ أحدَكُم ليتَكَلَّمُ بالكلِمةِ من رضوانِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلُغَ ما بلغتْ، فيَكْتبُ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- لَه بِها رِضوانَهُ إلى يومِ القيامةِ، وإنَّ أحدَكُم ليتَكَلَّمُ بالكلِمةِ من سَخَطِ اللَّهِ ما يَظنُّ أن تبلُغَ ما بلغتْ، فيَكْتبُ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- عليهِ بِها سَخطَهُ إلى يومِ يلقاهُ".
فلا إلهَ إلا اللهُ، كلمةٌ يَحصلُ بها رِضوانُ اللهِ -تعالى- وتُرفعُ بها الدَّرجاتُ، وكلمةٌ يَنالُ بها سخطَ اللهِ -تعالى- ويُلقى في الدَّركاتِ، وإن كانتْ تخرجُ من هذا اللِّسانِ الصَّغيرِ، ولكن لها الفاعليَّةُ والأثرُ الخطيرُ، وهكذا هي الكلمةُ تخرجُ عَجولةً وبسهولةٍ، وتصنعُ ما لا يصنعُ السُّيوفُ المسلولةُ.
الكلمةُ سِلاحٌ ذو حدَّينِ، فبالكلمةِ يدخلُ الإنسانُ إلى الإسلامِ، وبالكلمةِ يخرجُ منه، فيها الحياةُ وفيها المماتُ، وفيها السَّعادةُ وفيها الحُزنُ، الكلمةُ تَجرحُ وتُداوي، وتَبني وتَهدمُ، وتَرفعُ وتَخفضُ، وتُقدِّمُ وتُؤخرُ، وتُقرِّبُ وتُبَّعدُ، هناكَ كلمةٌ جميلةٌ وكلمةٌ قبيحةٌ، وكلمةٌ حسنةٌ وكلمةٌ سيِّئةٌ، وكلمةٌ طيِّبةٌ وكلمةٌ خبيثةٌ.
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)[إبراهيم:24-26].
الكلمةِ هي الموعظةُ، وهي النَّصيحةُ، وهي الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُّ عن المنكرِ، وكلُّ كلمةٍ طيبةٍ صدقةٌ، كم صحَّحتْ من خطأٍ، وكم أرشدتْ من غيٍّ، وكم هَدتْ من ضلالةٍ، وكم قوَّمتْ من سُلوكٍ، وكم جبرتْ من كَسرٍ، وكم أورثتْ من صبرٍ، ولكم أن تتخيلوا أثرَ هذهِ الكلمةِ على موسى وهارونَ -عليهما السَّلامُ-: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)[طه:46]، فعجيبٌ أثرَ الكلمةِ الصَّادقةِ على قلوبِ النَّاسِ.
الكلمةُ هي أصلُ الذِّكرِ، وهي عمودُ الشُّكرِ، بالكلمةِ يكونُ الاستغفارُ، وبالكلمةِ يحصلُ الاعتذارُ، بالكلمةِ تُحفَّزُّ الهِممُ، وتُنالُ القِممُ، الكلمةُ الجميلةُ كالبلسمِ للجروحِ، تسمو بها إلى السَّماءِ الرُّوحُ، ويرتفعُ بها سَقفُ الطُّموحِ، تُشفي القلوبَ بما لا تستطيعُه العقاقيرُ، وتكسرُ القلوبَ أشدَّ من كسرِ القواريرِ.
وَقَدْ يُرجى لِجُرحِ السيفِ برءٌ | وَلا برءٌ لِما جَرَحَ اللسانُ |
بل ولقد بلغَ من أثرِ الكلمةِ، أنَّها كم قتلتْ من فارسٍ، لا يُباريهِ في ساحةِ القتالِ فارسٌ:
كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ | كانَت تَهابُ لِقاءَهُ الشُّجعانُ |
واسمعوا لأثرِ الكلمةِ على رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ)[الحجر:97]، فالكلمةُ كانتْ سببَ ضيقِ صدرِه، والكلمةُ هي العلاجُ لانشراحِ الصدرِ؛ حيثُ قالَ له ربُّه: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)[الحجر:98]، فكلما ضاقَ صدرُكَ من كلمةٍ، فعليكَ بالتَّسبيحِ: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)[طه:130].
كم من كلمةٍ هدمتْ أُسرةً، وفرَّقتْ شَملاً، وقطعتْ أرحاماً، وأفسدتْ وُدّاً، وأورثتْ حِقداً، وأوقدتْ حَرباً، وأهلكتْ خَلقاً، بِالكلمةِ يُكتبُ العبدُ عندَ اللهِ كذَّاباً، وبها يُكتبُ عندَ اللهِ صدِّيقاً.
عوِّد لسانك قولَ الصِّدق تحظَ به | إنَّ اللِّسانَ لِمَا عوَّدتَ مُعتادُ |
ولما عابتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- على صفيةَ أنَّها قصيرةٌ، قَالَ لها النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ"، أي لو خُلطتْ بماء البحرِ لغيَّرتْ لونَه وطعمَه وريحَه.
بل الكلمةُ هي أكثرُ ما يَكبُّ النَّاسَ في النارِ، فعندما أخبرَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- مُعاذاً بما يُدخلُه الجنَّةَ ويُباعدُه عن النَّارِ، قالَ له: "أَلَا أُخْبِرُك بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟"، -أيْ: ما يجمعُ لكَ أمورَ الخيرِ-، فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: "كُفَّ عَلَيْك هَذَا"، قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟، فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".
بارَكَ اللهُ لي ولكم في الكتابِ والسنةِ، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من جميعِ الذنوبِ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّ ربي لغفورٌ رَحيمٌ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الْمُرْسَلِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ: اليومَ نحتاجُ إلى الكلمةِ المُحفِّزةِ، نحتاجُ إلى الكلمةِ المُشجِّعةِ، نحتاجُ إلى كلماتِ الهُدى والنُّورِ، التي تُدخلُ في النَّفسِ السُّرورُ، حدِّثونا عن الأملِ والتَّفاؤلِ، ذكِّرونا بمجدِ آبائنا الأوائلِ.
أخبرونا عن سرِّ كلمةِ "أحدٌ .. أحدٌ"، كلمةُ العزِّ التي أطلقها بلالٌ تحتَ سطوةِ التَّعذيبِ، فاحتارتْ عقولُ سادةِ قُريشٍ من أثرِها العجيبِ .. قُصوا علينا أثرَ كلمةِ "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ"، وكيفَ فتحتْ لآلِ ياسرٍ أبوابَ الطُّمأنينةِ والرَّجاءِ، فهانَ عليهم الموتُ في سبيلِ جنَّةِ السَّماءِ.
قولوا لنا ماذا حدثَ عندما اعترضَتْ صخرةٌ في حفرِ الخندقِ؟، وكيفَ كانتْ "بسمِ اللهِ" كلمةٌ تكسَّرتْ لها صخورُ الصِّعابِ والمُستحيلاتِ، وكانت "اللهُ أكبرُ" كلمةٌ ينقشعُ بسببِها ليلُ اليَّأسِ والحسراتِ، وكيفَ وهو مُحاصرٌ في المدينةِ من الأحزابِ، يستلمُ مفاتيحَ الشَّامِ وفارسٍ واليمنِ، فهل لهذا تفسيرٌ إلا الإيمانَ.
تعالوا معي إلى الغارِ، واسمعوا إلى كلمةِ "ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهما"، وكيفَ جعلتْ الغارَ مُستقرَّاً للهدوءِ والأمانِ، وانطلقَ منه نورُ الهدايةِ والرَّحمةِ لبني الإنسانِ، وهكذا فلتكنْ كلماتُنا مليئةً بالأملِ وحُسنِ الظَّنِّ بربِّ العالمينَ، فهو الذي وعدَ ووعدَه الحقِّ أنَّ النَّصرَ لهذا الدِّينِ، وأنَّ العاقبةَ للمتَّقينِ.
صَبَّرْتَنِي وَوَعَظْتَنِي وَأَنَا لَهَا | وَسَتَنْجَلِي بَلْ لَا أَقُولُ لَعَلَّهَا |
وَيَحُلُّهَا مَنْ كَانَ صَاحِبَ عَقْدِهَا | كَرَمًا بِهِ إذْ كَانَ يَمْلِكُ حَلَّهَا |
اللهم احفظ علينا أمنَنا وطُمأنينتَنا، ورخاءَنا وسخاءَنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفِنا وعن أيمانِنا وعن شمائلنا ومن فوقِنا ونعوذُ بعظمتِك أن نُغتالَ من تحتِنا.
اللهم آمنا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهم أصلح لنا قادتَنا، واسلك بنا وبهم سبيلَ الرشادِ، اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ لما تُحبُّ وتَرضى، وفِّقه لهُداكَ، واجعل عملَه في رِضاكَ يا ربَّ العالمينَ، وانصر به الدينَ إنَّك على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللهم وألبِسه ثوبَ الصحةِ والعافيةِ يا ربَّ العالمينَ، اللهم وفِّق نائبَه لما تحبُّ وتَرضى، ولما فيه الخيرُ والصلاحُ للبلادِ والعبادِ.
اللهم اجعل ولاةَ أمورِ المسلمينَ عَملَهم خَيرًا لشعوبِهم وأوطانِهم يا ربَّ العالمينَ.
اللهم ارزقنا الثباتَ على الإيمانِ والطاعةِ، ولزومَ السنةِ والجماعةِ، واعصِمنا من طريقِ أهلِ الفتنِ والتفريطِ والإضاعةِ، إنك جوادٌ كريمٌ، اللهم أدِم على بلادِ الحرمينِ أمنَها واستقرارَها، وعقيدتَها وقيادَتها يا ذا الجلالِ والإكرامِ، يا ذا الطَّوْلِ والإنعامِ.
اللهم أعِذنا من مُضِلاَّتِ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ، عن بلدِنا وسائرِ بلادِ المسلمينَ يا ربَّ العالمينَ.