البحث

عبارات مقترحة:

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- من هم أهلها؟

العربية

المؤلف فؤاد بن يوسف أبو سعيد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. فضل المدينة النبوية .
  2. شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن مات بالمدينة النبوية صابرًا محتسبًا .
  3. شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمكثرين من نوافل الصلاة والمكثرين للسجود .
  4. شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمداومين على ترديد الأذان بعد المؤذن والمصلين على النبي -صلى الله عليه وسلم- عقب ذلك .
  5. الشفاعة العظمى للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة .
  6. شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب .

اقتباس

عباد الله: نحن في هذه الحياة الدنيا نعيش ويتعامل بعضنا مع بعض، الكلُّ له عند الآخرِ مصلحة، وبهذا يكون عمران الدنيا. هذه المصلحة ربما تحتاج إلى وسيط، إلى شفيع، إلى من يسهِّل لك الأمور، حتى تسير مصلحتك. والجنة -يا عبد الله- أنت تتعامل مع الله، والله -سبحانه وتعالى- لن يدخل مسلما الجنة إلا...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً  * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار.

عباد الله: نحن في هذه الحياة الدنيا نعيش ويتعامل بعضنا مع بعض، الكلُّ له عند الآخرِ مصلحة، وبهذا يكون عمران الدنيا.

هذه المصلحة ربما تحتاج إلى وسيط، إلى شفيع، إلى من يسهِّل لك الأمور، حتى تسير مصلحتك.

والجنة -يا عباد الله- أنت تتعامل مع الله، والله -سبحانه وتعالى- لن يدخل مسلما الجنة، إلا بواسطة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فمن أذن له دخل، وإلا فلا.

وخطبتنا اليوم؛ الكلام فيها عن أهل الشفاعة، من هم أصحاب شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ من هم الفائزون بهذه الشفاعة؟ من هم الذين سيشفع لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

المسألة تحتاج إلى صفات، والصفاتُ تحتاج إلى رجال يقومون بهذه الصفات، فليس كل من ادعى الإسلام مسلما، وليس كل من ادعى الإيمان مؤمنا.

فنسأل الله أن نكون من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين يشفع لهم يوم القيامة.

النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أين عاش آخرَ حياتِه؟

العشر سنوات التي قام بها دين الإسلام، عاشها في المدينة المنورة.

المدينة المنورة لها شأن آخر يختلف عن بقاع الأرض، وإن كانت مكةُ أفضلَ منها، فلها فضائلها، والمدينة لها فضائلها.

اختُصت المدينة بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، وقبره فيها، ومسجده فيها، وفيها جبل أحد، الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ" [رواه البخاري: 1482].

فيها البقيع، بما فيها من الصحابة -رضي الله عنهم-، فيها مسجد القبلتين، فيها أكملت شرائع الإسلام.

لذلك حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي" [صحيح البخاري: 1196].

حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بين البيت والمنبر، و"إِنَّ مِنْبَرِي هَذَا عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ" [انظر: الصحيحة: 2363].

لذلك من ذهب هناك، وتذكَّر أيامَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحبَّ العيش هناك، وأحبَّ الحياة هناك، فمات هناك شفع له رسول الله، شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا؛ إِلَّا أَبْدَلَ اللهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا، أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [صحيح مسلم: 1363].

"لأوائها" قال أهل اللغة: "اللأواء الشدة والجوع "وجهدها" هو المشقة "شفيعا أو شهيدا" "أو" بمعنى "الواو" "أو" للتقسيم؛ أي شفيعا لقوم وشهيدا لآخرين".

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ--: "مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا" [سنن الترمذي: 3917، وابن ماجة: 3112].

من مات بالمدينة، من صبر على لأوائها وجهدها ومشقتها، أي وشدة الحرارة التي فيها، والضنك والغربة، فمات فيها، كنت له شهيدا، أو شفيعا يوم القيامة.

والشرط: أن يموت على الإسلام، أن يموت على الإيمان، فالمنافق عبد الله بن أبي بن سلول مات في المدينة، وهو منافق، وهو في الدرك الأسفل من النار، فالبلاد لا تقدس أحدا، لكن الصالح الذي قدسه عمله، وجعلهم يكونون في بلاد مقدسة، قداسة مع قداسة، طهارة مع طهارة، شهادة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أنّ من مات في المدينة كان له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة.

صفة أخرى؛ لأن هذه الصفة ربما لا تتيسر لنا نحن أهل الشام، فقد مُنِعنا من العمرة هذا العام، لا توجد عمرة إلا أن يشاء الله أمرا في الأشهر القادمة، وكانت المكاتب تترى بالمعتمرين، وقد حرمنا ذلك، وحرمنا الصلاة في المسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، فهل هناك أمر آخر أيسر من ذلك؟

نعم -يا عبد الله- الصلاة -يا عباد الله- بعد المفروضات أن تكثر من النوافل والتطوعات، أن تصليَ الرواتبَ مع الفرائض؛ قبل الصبح، وقبل الظهر وبعده، وبعد المغرب، وبعد العشاء، وأن تصلي الضحى، وأن تصليَ سنة الوضوء، وقيام الليل.

وعلى قدر طاقتك أكثر من النوافل، فبهذه أنت تتقرب من الله، وتساعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف تساعده؟ أنت تعين النبي -صلى الله عليه وسلم- بصلاتك هذه، التي هي بينك وبين الله، كيف تعينه؟

رجل خويدمٌ مولىً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يحبُّ أن يخدمَه دائما، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجة، أي أنه يريد حاجة، وهذا الغلام يريد حاجة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإذا به يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: حاجتي يا رسول الله؟ فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: هاته يا رسول الله؟ يقول: "اسألك مرافقتك في الجنة؟" بأن يشفع معه، ويكون معه في الجنة، قال: من قال لك ذلك؟ مَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا؟ قال: رَبِّي، قال: "فَأَعِنِّي على نفسك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".

عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ خَادِمٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ: "أَلَكَ حَاجَةٌ؟" قَالَ: حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حَاجَتِي؟ قَالَ: "وَمَا حَاجَتُكَ؟" قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: "وَمَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا؟" قَالَ: رَبِّي، قَالَ: "إِمَّا لَا! فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ" [مسند أحمد: 25/ 479، ح: 16076، الصحيحة: 5/ 138، ح: 2102].

أنتم لا تعلمون هذا الحديث، بل ربما تسمعونه أول مرة، وربما منكم من يقوم الليل، فهذا أعان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شفاعته من حيث لا يعلم، لذلك بعض الناس يأتي يوم القيامة، ويستغرب ما هذا الثواب العظيم؟! فيقول متعجبا: وهذا الجزاء الكبير الذي آخذه أنا؟ وأين أعمالي التي فعلتها حتى آخذَ هذا؟

لا -يا عبد الله- أنت إذا عملت عملا تتعامل مع الله ولله، الذي لا ينسى من فضل أحدا، في كتاب: (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].

الصلاة؛ الصلة بين العبد وربه، الصلاة التي فرط فيها كثير من نسائنا، وأبنائنا وبناتِنا في هذا الزمان، وربما بعض كبار السن لا يصلي، ويقول: بدري على الصلاة! الحياة طويلة! يظن أن الدنيا فيها زمن طويل.

بعضهم يخرجونه من غرفة الإنعاش، وعمره ستين سنة، وسألوه عن نعمة الله في رجوعه، وأن الله أكرمه بالخروج، وقالوا له: صلِّ! فقال: العمر مطوّل، ومات بعد لحظات، لا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله أن يرحمَنا جميعا -يا عباد الله- التقصير في الفرائض مصيبة دينية، فكيف يرجى لهؤلاء الشفاعة؟ وصاحب الشفاعة صلى الله عليه وسلم، لا يشفع لتارك الفريضة.

بعضهم يقول: صلاة التطوعات، ربما تصعُب عليَّ، فقط أفعل الفرائض والرواتب، وما أن أصلي صلاة الوتر، وإذا بالنوم يهجم عليَّ من شدة التعب والعمل في الدنيا، لا أستطيع أن أصليَ الليل، لكن أصلي الفجر في جماعة، وأصلي الرواتب، ما في وقت بسبب السعي على العيال، ما يوجد سبب آخر للشفاعة؟ نعم يوجد!.

والسبب الآخر أسهل من ذي قبل، السبب الآخر: أن تذكرَ الله وتصلي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما سمعت الأذان: الله أكبر، الله أكبر، في الأوقات الخمسة، إذا قال: "الله أكبر، الله أكبر" تقول مثله، والله ما يخسِّرك شيئا، أن تقول لله، وإنما يحتاج منك أن تتوجه إلى الله: "الله أكبر، الله أكبر" مثله، تشهّد "أشهد أن لا إله إلا الله" "أشهد أن محمدا رسول الله" تكرر، لكن إذا قال: "حي على الصلاة" تقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" [حي على الفلاح" تقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" "الله أكبر، الله أكبر" مثله "لا إله إلا الله" مثله، ثم تصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتسأل الله له الوسيلة، والمقام المحمود، فإنه لا يكون إلا لرجل ويرجو الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون هو، فإذا سألت له الوسيلة حلت لك الشفاعة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [البخاري: 614].

أنت عليك أن تتخيَّر، ومن أي فئة تكون، وبأي صفة تكون، والطماع منكم من يطمع فيما عند الله، يحب أن يموت في المدينة، ويحب أن يكثر من السجود، ويحب أن يذكر الله في كلِّ وقت وآن، خصوصا مع الأذان، فأكثر -يا عبد الله- أمور سهلة وميسورة إن شاء الله.

بعض الناس، يقول: أنا في منطقة نائية على البحر مثلا، لا أسمع أذانا، هل هناك طريقة أخرى أنال بها شفاعته صلى الله عليه وسلم؟

نعم! هذه ما تحتاج أن تكون مساجد يرفع منها الأذان، هذه بينك وبين الله، أن تصلي على رسول الله، فمن صلى على رسول الله مرة، صلى الله عليه بها عشرا، من صلى على رسول الله، وسأل الله له الوسيلة حلت له، وفي رواية: "حقت له الشفاعة".

أكثر من الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورد في الحديث؛ "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا؛ وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا" أي بعد صلاة الفجر إلى ما قبل طلوع الشمس، وبعد العصر إلى غروب الشمس، عشرا وعشرا، حقت له شفاعتي: "أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" سهلة أم صعبة؟

عبد الله: بقيت واحدة نذكرها في الخطبة التالية -إن شاء الله تعالى-، توبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

الموت بالمدينة؛ من مات بها مسلما، شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- تنتظره، أن يذكر الله مع الأذان، ويصلي ويسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويسأل الله له الوسيلة، ويكثر من السجود والتطوعات، هذه كلها من أسباب شفاعته صلى الله عليه وسلم، وبقيت واحدة في خطبتي هذه، وربما أسباب الشفاعة كثيرة.

الواحدة هذه، والصفة والخصلة لو إنسان فقدت منه، لن يشفع له رسول الله، إذا فقدت منه مات، وهي معه هذه الصفة، لن يدخل الجنة أبدا، سيخلد في جهنم -يا عباد الله- ومقارنة لكم بين اثنين، أقارن لكم بين اثنين.

* في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- قريب جدًّا للنبي -صلى الله عليه وسلم- رجل عربي شهم، دافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورفض "لا إله إلا الله"، فرفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يشفع له ليدخله الجنة، إنه عمه أبو طالب، كان يقول له يا عم: "قُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَشْفَعُ لَكَ بِهَا عند الله" أثناء نزع الروح.

فماذا كان رده؟ قال: "يَا ابْنَ أَخِي! ماذا تقول العرب عني؟".

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي طَالِبٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: "قُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَشْفَعُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ: "يَا ابْنَ أَخِي! لَوْلَا أنْ تُعيِّرَني قُرَيْشٌ لَأَقْرَرْتُ عَيْنَيْكَ بِهَا" فَنَزَلَتْ: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص: 56]. [التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: 9/ 87، ح: 6237].

استصعبها على نفسه، فمات ولم ينطقها -نسأل الله السلامة-.

ولكنه يشفع لعمه ليكون أخفَّ أهل النار عذابا، لا أن يخرج منها أبدا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ، فَقَالَ: "لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ" [البخاري: 3885].

* والمثل الآخر لغلام يهودي ابن يهودي، يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا الغلام شاب صغير السن حدث، يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- من أخلاقه وآدابه، فكان يخدمه في المدينة المنورة، تأخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما فافتقده، فذهب إليه، فوجده وهو يجود بنفسه يعني في نزع الموت، أخره أنه يحتضر، فماذا كانت وظيفة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فقال: "قُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَشْفَعُ لَكَ بِهَا عند الله".

فالغلام نظر إلى والده اليهودي، يريد أن يستأذنه، فقال له اليهودي أبوه: "أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ" فلم يقل: نبي الله، ولا رسول الله، فإذا به يقول: "لا إله إلا الله" ويموت، عَنِ أَنَسٍ: أَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ: "اذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ نَعُودُهُ" فَأَتَوْهُ -وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عَلَى رَأْسِهِ- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَشْفَعُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَنْظُرُ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: "انْظُرْ مَا يَقُولُ لَكَ أَبُو الْقَاسِمِ" فَقَالَ: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-: "الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ" [التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: 5/ 7، ح: 2949].

ما عمل شيئا -يا عبادَ الله- بل نطق بها، وكانت آخر ما قال، ف "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَارِ".

الحمد لله، لن يخلد في النار، بل سيدخل في الجنة، بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف ذلك العم، لكنه كان يدافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحوصر في الشعب ثلاث سنوات، ما له جزاء في الآخرة؟ هو مشرك يدخل النار، فهل له جزاء؟ له جزاء، سيشفع له، وهو الكافر الوحيد الذي سيشفع له النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا لإخراجه من النار، ولكن من أجل تخفيف العذاب عنه، فبشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- له يخرجه من غمرات، يعني منغمس في النار إلى ضحضاح من نار، والضحضاح وهو مستنقع الماء الذي يبلغ إلى الكعبين، وفي رواية: "نعلين من نار يغلي بهما دماغه".

ويشعر أنه أشد أهل النار عذابا، وهو أهون أهل النار عذابا -نسأل الله السلامة-.

وفي الختام -يا عباد الله-: أهل الموقف يوم القيامة الذي يشفع لهم المسلمون مع الكفار مع الوثنيين مع السهود والنصارى، الكل واقف في الحشر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد ويشفع، وفي المرة الرابعة، والحديث طويل، نأخذ منه هذا المقطع، قال: "ثم أعود الرابعة فَأَحْمَدُهُ" يعني إذا أردت شيئا -يا عبد الله- فقبل أن تقول: يا رب انصرنا، يا رب ارزقني، قدم شيئا لله، احمد الله، اثنِ على الله، اذكر بعضا من أسماء الله وصفاته، ادخل على الله بالصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم اذكر حاجتك، ثم اختمها بالدعاء والحمد والثناء، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وانظر ماذا كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فأحمده بِتِلْكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا" والناس في الموقف والحشر "فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ" فالله سيسمعك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- "وَسَلْ تُعْطَهْ" ماذا تريد اسأل ما شئت "وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ" كل هذه الطلبات أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- مجابة، فماذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ "فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أي اسمح لي يارب، بأن من قال: لا إله إلا الله، اسمح لي بأن  يبقى في هذا الحشر، ولا يبقى في النار "فَيَقُولُ الله -عز وجل-" وإذا قال سبحانه صدق، لكن للتأكيد يقسم بصفاته سبحانه "فيقول الله -عز وجل-: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" [البخاري: 7510].

فأبشروا -يا عباد الله- فإن من قال: "لا إله إلا الله" سيخرج من النار، لن يبقى في النار أحد قال: "لا إله إلا الله" قالها قبل موته: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ "لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ" وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".

ويروي أبو هريرة -رضي الله عنه- فيقول: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أَنْ لا يَسْأَلنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، "أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ" [البخاري: 99].

فمن يوفق لها -يا عباد الله-؟

ما يوفق لها إلا من وفقه الله، فاطلبوا التوفيق من الله -سبحانه وتعالى-.

عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، يُسَمَّوْنَ الجَهَنَّمِيِّينَ" [البخاري: 6566].

ويغير الله هذا الاسم باسم آخر، هو: "عتقاء الله"، وذلك لما ثبت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ في حديث طويل: "... فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللهِ، الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ" [صحيح مسلم: 183].

اللهم اعتق رقابنا من النار.

وفي الحديث الطويل: "فيخرجون كاللؤلؤ من جهنم، يخرجون من النار، لهم إضاءة، يخرجون من النار، وفي قلوبهم "لا إله إلا الله"، وعليهم ذنوب وخطايا تأخروا عن دخول الجنة".

لكن في النهاية سيدخلونها في هذه الصفة، كاللؤلؤ في رقابهم خواتيم، في رقابهم إشارة، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، نعيم ومنة وعطاء غير مجذوذ من الله -تعالى-.

لمثل هذا فليشمر المشمرون، شمروا -يا عباد الله- إلى طاعة الله، وإلى مرضاة الله -سبحانه وتعالى-، ولا تنسوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الحين والحين، واللحظة واللحظة.

وصلوا عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، اللهم أكرم نزلنا، وارزقنا شفاعة نبينا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وأنت -يا مؤذن- أقم الصلاة: فإن (الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].