الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
وَبَيْتُ المَقْدِسِ هُوَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي ضَحَّى فِي سَبِيلِهَا مَنْ ضَحَّى؛ فَمِنَ المَقَادِسَةِ مَنْ بَذَلَ دَمَهُ فِدَاءً لِلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَحَّى بِهَزِيعٍ مِنْ عُمُرِهِ خَلْفَ الْقُضْبَانِ يُعَذَّبُ بِسَبَبِ قَضِيَّتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَحَّى بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ.. وَبَيْتُ المَقْدِسِ هُوَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي تَاجَرَ بِهَا مَنْ تَاجَرَ، وَتَسَوَّلَ بِهَا مَنْ تَسَوَّلَ؛ فَتَسَلَّقَ عَلَيْهَا تُجَّارُ الذِّمَمِ، وَتُجَّارُ الدَّمِ، وَتُجَّارُ المَالِ، وَتُجَّارُ السِّيَاسَةِ، فَخَانَ مِنْهُمْ مَنْ خَانَ، وَتَخَلَّى عَنْهَا مَنْ تَخَلَّى، وَأَثْرَى بِهَا مَنْ أَثْرَى. وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجِدُ المُضَحِّي جَزَاءَ مَا ضَحَّى، وَيَجِدُ الْخَوَنَةُ أَلْوِيَةَ غَدْرِهِمْ مَنْصُوبَةً لَهُمْ..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى؛ (أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى) [الإسراء:1]، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى) [النَّجم: 10-11]، نَحْمَدُهُ فَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الحُسْنَى) [طه: 7- 8].
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ فَفَتَحَ بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَعُيُونًا عُمْيًا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَهُوَ سَبَبُ نَجَاتِكُمْ وَفَوْزِكُمْ، وَلَا يَهُولَنَّكُمْ كَثْرَةُ المُتَسَاقِطِينَ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِدَعَايَاتِ الْكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ حَقٌّ وَإِنْ ضَعُفَ أَنْصَارُهُ، وَإِنَّ الْبَاطِلَ بَاطِلٌ وَإِنِ انْتَفَشَ خُدَّامُهُ وَأَعْوَانُهُ، وَإِنَّ لِلْحَقِّ نُورًا يَرَاهُ مَنْ شَاءَ اللهُ -تَعَالَى- هِدَايَتَهُ، فَوَيْلٌ لِمَنْ أَضَاعَ الْهُدَى وَتَرَكَ الْحَقَّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) [آل عمران: 90].
أَيُّهَا النَّاسُ: تَكْتَسِبُ أَمَاكِنُ الْعِبَادَةِ أَهَمِّيَّةً بَالِغَةً فِي كُلِّ الدِّيَانَاتِ، وَلَهَا أَحْكَامٌ تَخْتَصُّ بِهَا فِي الشَّرَائِعِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَفِي الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ. وَامْتَازَتْ مَسَاجِدُ المُسْلِمِينَ عَلَى مَعَابِدِ غَيْرِهِمْ بِمِيْزَاتٍ كَثِيرَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا: كَثَافَتُهَا فِي الْأَرْضِ، فَلَا تَخْلُو بَلَدٌ مِنْ مَسَاجِدَ، وَبِعِمَارَتِهَا بِالمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي المَسَاجِدِ شَأْنٌ يَوْمِيٌّ عِنْدَ المُسْلِمِينَ يَتَكَرَّرُ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَظُهُورُهَا بِالْأَذَانِ الَّذِي يُجَلْجَلُ مِنْ مَآذِنِهَا فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ.
وَامْتَازَ المَسْجِدُ عَنْ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إِلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ أَوْ مَصْلَحَةُ المُسْلِمِينَ، كَتَوْسِعَتِهِ، وَنَقْلِهِ مِنْ مَكَانٍ مَهْجُورٍ إِلَى مَكَانٍ مَعْمُورٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ سَمِعْنَا كَثِيرًا عَنْ بَيْعِ الْكَنَائِسِ، وَتَحْوِيلِهَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَلَمْ نَسْمَعْ أَنَّ مَسْجِدًا قَدْ بِيعَ أَوْ حُوِّلَ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ إِلَّا أَنْ يُبْنَى بَدَلًا عَنْهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْلاً لَهُ مِنْ مَكَانِهِ.
وَلِلْمُسْلِمِينَ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى المَسْجِدِ أَخْبَارٌ عَجِيبَةٌ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ المَدَّ الشُّيُوعِيَّ حِينَ اجْتَاحَ الْبَلْقَانَ، وَفَرَضَ الْإِلْحَادَ بِالْقُوَّةِ، وَهَدَمَ مَسَاجِدَ وَأَغْلَقَ أُخْرَى؛ حَفِظَ المُسْلِمُونَ أَمَاكِنَ المَسَاجِدِ المُهَدَّمَةِ، وَظَلُّوا ثَلَاثَةَ أَجْيَالٍ تَقْرِيبًا كُلُّ جِيلٍ يَنْقِلُ لِلَّذِي بَعْدَهُ أَنَّ الْأَرْضَ أَرْضُ مَسْجِدٍ، وَأَنَّهَا وَقْفٌ لَا يَحِلُّ شِرَاؤُهَا وَلَا الْبِنَاءُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا سَقَطَتِ الشُّيُوعِيَّةُ، وَتَنَفَّسَ النَّاسُ الْحُرِّيَّةَ؛ أَعَادُوا بِنَاءَ المَسَاجِدِ فِي مَوَاقِعِهَا.
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ مِمَّا تَفْخَرُ بِهِ أُمَّةُ الْإِسْلَامِ، فَمَا عُرِفَتْ أُمَّةٌ فِي التَّارِيخِ حَافَظَتْ عَلَى دِينِهَا وَمَوْرُوثِهَا كَمَا حَافَظَتْ عَلَيْهِ أُمَّةُ الْإِسْلَامِ، حَتَّى تَتَبَّعَتْ مَوَاضِعَ مَسَاجِدِهَا المُهَدَّمَةِ خِلَالَ قُرُونٍ أَوْ عُقُودٍ فَأَعَادَتْ بِنَاءَهَا.
وَأَعْظَمُ المَسَاجِدِ فِي الْإِسْلَامِ: المَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْهَا، وَهِيَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ: المَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ المَسْجِدُ النَّبَوِيُّ ثُمَّ المَسْجِدُ الْأَقْصَى، الَّذِي سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِبُعْدِهِ عَنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء: 1].
وَسُمِّيَ فِي السُّنَّةِ بَيْتَ المَقْدِسِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الحِجْرِ، فَجَلاَ اللهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (رواه البخاري: 3886).
وَالمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ -تَعَالَى- (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور: 36]، فَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ خَرَجَ مِنْ مُلْكِهِ، وَصَارَ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَمَسْجِدُ مَكَّةَ هُوَ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ بَيْتُ المَقْدِسِ الوَقْفُ الثَّانِي، وَحُجَّةُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الحَرَامُ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "المَسْجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً..." (رواه البخاري 3425).
فَعُلِمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ وَضْعَ الْبَيْتَيْنِ الْكَعْبَةِ وَالْقُدْسِ كَانَ قَبْلَ بِنَاءِ الْخَلِيلِ وَذُرِّيَّتِهِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الَّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَالَّذِي بَنَى المَسْجِدَ الْأَقْصَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، وَبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ. وَجُمْهُورُ المُؤَرِّخِينَ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اخْتَطَّ أَرْضَ المَسْجِدَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَحَدَّدَ مَعَالِمَهُمَا هُوَ آدَمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَإِنَّمَا الْخَلِيلُ وَذُرِّيَّتُهُ جَدَّدُوا الْبِنَاءَ بَعْدَ انْدِرَاسِهِ.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس: "كَانَ الْبَيْت المعمور مكان الكعبة فِي زمان آدَم، فلما كَانَ زمن نوح أمر النَّاس بحجه فعصوه، فلما طغى الماء رفع فجعل بحذاء الْبَيْت فِي السماء الدنيا". (المنتظم: 1/ 188).
وقال ابن الجوزي: "روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن آدم -عليه السلام- أول من أسس وصلى فيه وطاف به، ثم درس موضع البيت من الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده، وإذا كان الأمر كذلك وكان بينه وبين المسجد الأقصى أربعون سنة، كان ابتداء المسجد الأقصى قبل سام -عليه السلام-". (تاريخ بيت المقدس لابن الجوزي: 37).
وقال وهب بن منبه: وإن آدم قال يا حبيبي يا جبريل، لا أعرف البلد الحرام، فأوحى الله إلى جبريل إني دليل الأدلاء، دله على البلد الحرام، فسار جبريل بآدم حتى أوقفه على الحرم وعلى المسجد، وأراه مبتدأ البيت،.. ثم بنى آدم البيت وتعينه حواء حتى رفع الحطيم. (التيجان في ملوك حمير: 17).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: "ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي كِتَابِ التِّيجَانِ أَنَّ آدَمَ لمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ أَمَرَهُ اللهُ بِالسَّيْرِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَنْ يَبْنِيَهُ، فَبَنَاهُ وَنَسَكَ فِيهِ، قال: وَبِنَاءُ آدَمَ لِلْبَيْتِ مَشْهُورٌ" اهـ. (فتح الباري 6/409).
فَالمَسْجِدَانِ الْحَرَامُ وَالْأَقْصَى بَيْتَانِ لِلَّهِ -تَعَالَى- مَوْقُوفَانِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ عَهْدِ آدَمَ -عليه السلام-، وَإِلَى آخِرِ الزَّمَانِ. وَالمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْهَا لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ مَكَانِهَا بِأَيِّ حَالٍ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهَا عَنْ بَقِيَّةِ مَسَاجِدِ الْأَرْضِ وَأَوْقَافِهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ نُصُوصِ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَيْهَا، وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَالمُجَاوَرَةِ عِنْدَهَا، مُتَعَلِّقٌ بِبُقْعَتِهَا لَا بِبِنَائِهَا؛ وَلِذَا لَوْ وَقَعَ -لَا قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى- هَدْمٌ لَهَا، أَوِ اسْتِيلَاءُ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا، وَتَحْوِيلُهَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ فَإِنَّ أَحْكَامَهَا بَاقِيَةٌ فِي بُقْعَتِهَا، وَوَاجِبٌ عَلَى المُسْلِمِينَ رَدُّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بُيُوتًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَوْقَافًا لِلْمُسْلِمِينَ يَتَعَبَّدُون فِيهَا.
وَأَطْمَاعُ الْأُمَّةِ الصَّفَوِيَّةِ فِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ يُصَرِّحُونَ بِهَا، وَأَطْمَاعُ الصَّهَايِنَةِ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ لَيْسَتْ تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، يُرِيدُونَ هَدْمَهُ لِبِنَاءِ هَيْكَلِ سُلَيْمَانَ -عليه السلام-؛ لِيَنْقِلُوا المَسْجِدَ مِنْ مَحَلٍّ لِلتَّوْحِيدِ إِلَى مَوْضِعٍ لِلشِّرْكِ، كَمَا قَدْ أَشْرَكُوا مِنْ قَبْلُ لمَّا بَدَّلُوا دِينَهُمْ، فَسَلَبَ اللهُ -تَعَالَى- خَيْرِيَّتَهُمْ، وَمَنَحَهَا أُمَّةَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ، أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِسُلَيْمَانَ وَبِسَائِرِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ لِأَنَّ المُسْلِمِينَ حَافَظُوا عَلَى التَّوْحِيدِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَأَقَامُوا شَعَائِرَهُ فِي المَسَاجِدِ الَّتِي شَيَّدَهَا الْأَنْبِيَاءُ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-.
إِنَّ قَضِيَّةَ بَيْتِ المَقْدِسِ مُنْذُ اسْتَلَمَ مَفَاتِيحَهُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّصَارَى فَارُوقُ الْحَقِّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، هِيَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي رُزِئَ فِيهَا المُسْلِمُونَ مَرَّتَيْنِ فِي تَارِيخِهِمْ، فَاحْتَلَّهُ الصَّلِيبِيُّونَ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ الْهِجْرِيِّ، وَعَطَّلُوا الْأَذَانَ وَالصَّلَاةَ فِيهِ زُهَاءَ تِسْعِينَ سَنَةً حَتَّى حَرَّرَهُ المُسْلِمُونَ بِقِيَادَةِ صَلَاحِ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-. (ينظر خطبة: سلب الأقصى واسترداده (3/466) وخطبة: معركة حطين (3/490).
ثُمَّ صَارَ المَسْجِدُ الْأَقْصَى هُوَ قَضِيَّةَ المُسْلِمِينَ الَّتِي تَشْغَلُهُمْ فِي عَصْرِنَا هَذَا، مُنْذُ احْتَلَّ الْيَهُودُ فِلَسْطِينَ قَبْلَ مَا يُقَارِبُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَخَطَّطُوا لِهَدْمِهِ وَقَدْ أُسِّسَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَأُقِيمَتْ فِيهِ الشَّعَائِرُ؛ لِيُشَيِّدُوا مَعْبَدَ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ (هَيْكَلَ سُلَيْمَانَ).
وَالصَّهَايِنَةُ مَاضُونَ فِي مَشْرُوعِ هَدْمِ المَسْجِدِ الْأَقْصَى لَوْلَا خَوْفُهُمْ مِنْ رَدَّةِ فِعْلِ المُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَسَّسُوا مُنَظَّمَاتٍ وَجَمْعِيَّاتٍ تُسَمَّى بِالْهَيْكَلِ لِيَغْرِسُوا فِي وِجْدَانِ أَطْفَالِهمْ أَنَّ هَذَا الْحُلْمَ الصِّهْيُونِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَتَحَقَّقَ، وَيُرْسِلُوا رَسَائِلَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّ بِنَاءَ الْهَيْكَلِ عَلَى أَنْقَاضِ المَسْجِدِ الْأَقْصَى وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، فَصَارَتْ هَذِهِ الْجَمْعِيَّاتُ الْكَثِيرَةُ تَتَسَمَّى بـ"أَنْصَارِ الْهَيْكَلِ" وَ"مَعْهَدِ الْهَيْكَلِ"، وَ"حُرَّاسِ الهَيْكَلِ"، وَ"أُمَنَاءِ الْهَيْكَلِ"، وَ"الْحَرَكَةِ لِبِنَاءِ الْهَيْكَلِ"، وَ"نِسَاءٍ مِنْ أَجْلِ الْهَيْكَلِ"، وَالْيَهُودُ أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يُحَقِّقُوا ذَلِكَ لَوْلَا الْحِبَالُ المَمْدُودَةُ إِلَيْهِمْ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَلَوْلَا اخْتِلَافُ الْعَرَبِ وَخِيَانَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
إِنَّ الْيَهُودَ مَا تَجَمَّعُوا مِنْ سِتِّينَ دَوْلَةً حَوْلَ الْعَالَمِ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِيهَا؛ وَلَا تَرَكُوا فِرْدَوْسَ أُورُبَّا الزَّاخِرَ بِالنِّعْمَةِ وَالتَّرَفِ لِيَسْتَقِرُّوا فِي فِلَسْطِينَ، إِلَّا لِتَحْقِيقِ حُلْمِ بِنَاءِ الْهَيْكَلِ عَلَى أَنْقَاضِ المَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَا ضَحُّوا خِلَالَ سِتِّينَ سَنَةً تَضْحِيَاتٍ جَسِيمَةً، وَعَاشُوا فِي بُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ فِي حَالَةِ رُعْبٍ تُحِيطُ بِهِمْ أَمْوَاجٌ بَشَرِيَّةٌ مِنْ أَعْدَائِهِمْ إِلَّا لِبُلُوغِ هَذِهِ الْغَايَةِ. وَمَا بَنَوْا دَوْلَتَهُمْ إِلَّا لِأَجْلِ هَيْكَلِهِمْ.
لَقَدْ كَانُوا يُرِيدُونَ شِرَاءَ فِلَسْطِينَ بِأَمْوَالِهمْ، مُسْتَغِلِّينَ انْهِيَارَ دَوْلَةِ بَنِي عُثْمَانَ الِاقْتِصَادِيَّ الَّذِي سَيَتْبَعُهُ انْهِيَارٌ سِيَاسِيٌّ، وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ الْعُثْمَانِيَّ قَطَعَ أَمَلَهُمْ فِي بَيْعِ بَيْتِ المَقْدِسِ لَهُمْ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ، فَكَتَبَ رَدًّا عَلَى المُحَاوَلَاتِ المُتَكَرِّرَةِ لِرَئِيسِ الْحَرَكَةِ الصِّهْيُونِيَّةِ آنَذَاكَ قَائِلاً: "انْصَحُوا الدُّكْتُورَ هِرْتِزْل بِأَنْ لَا يَتَّخِذَ خُطُوَاتٍ جِدِّيَّةً فِي هَذَا المَوْضُوعِ، إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَخَلَّى عَنْ شِبْرٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْضِ؛ فَهِيَ لَيْسَتْ مِلْكَ يَمِينِي، بَلْ مِلْكُ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي جَاهَدَتْ فِي سَبِيلِهَا، وَرَوَتْهَا بِدِمَائِهَا، فَلْيَحْتَفِظِ الْيَهُودُ بِمَلَايِينِهِمْ، وَإِذَا مُزِّقَتْ دَوْلَةُ الْخِلَافَةِ يَوْمًا فَإِنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَأْخُذُوا فِلَسْطِينَ بِلَا ثَمَنٍ، أَمَّا وَأَنَا حَيٌّ فَإِنَّ عَمَلَ المِبْضَعِ فِي بَدَنِي لَأَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَى أَرْضَ فِلَسْطِينَ قَدْ بُتِرَتْ مِنَ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكُونُ. إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ المُوَافَقَةَ عَلَى تَشْرِيحِ أَجْسَادِنَا وَنَحْنُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ".
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ عَلَى هَذَا المَوْقِفِ النَّبِيلِ، وَارْحَمْ كُلَّ مُخْلِصٍ مِنْ أُمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَرُدَّ المُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِمْ رَدًّا جَمِيلاً، وَاضْرِبِ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْيَهُودِ وَأَعْوَانِهِمْ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: قَضِيَّةُ بَيْتِ المَقْدِسِ هِيَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي رُزِئَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ المُسْلِمَةُ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ الْهِجْرِيِّ عَلَى أَيْدِي عُبَّادِ الصَّلِيبِ، فَلَمْ يَهْنَأ المُسْلِمُونَ بِنَوْمٍ وَلَا طَعَامٍ حَتَّى حَرَّرُوهُ مِنْهُمْ فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ الْهِجْرِيِّ، وَقَدَّمُوا تَضْحِيَاتٍ كَبِيرَةً.
وَبَيْتُ المَقْدِسِ هُوَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي فُجِعَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ قَبْلَ زُهَاءِ سِتَّةِ عُقُودٍ، وَلَا زَالَتْ مَفْجُوعَةً عَلَيْهِ إِلَى الْيَوْمِ، وَيَجِبُ أَنْ تَبْقَى الْفَجِيعَةُ بِهِ حَاضِرَةً إِلَى أَنْ يَتِمَّ تَحْرِيرُهُ حَتَّى لَا تَمُوتَ قَضِيَّتُهُ.
وَبَيْتُ المَقْدِسِ هُوَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي ضَحَّى فِي سَبِيلِهَا مَنْ ضَحَّى؛ فَمِنَ المَقَادِسَةِ مَنْ بَذَلَ دَمَهُ فِدَاءً لِلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَحَّى بِهَزِيعٍ مِنْ عُمُرِهِ خَلْفَ الْقُضْبَانِ يُعَذَّبُ بِسَبَبِ قَضِيَّتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَحَّى بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَرْخَصَ لِلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بَيْتَهُ وَمَزْرَعَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَقَدَ جَاهَهُ وَسُلْطَانَهُ.
وَبَيْتُ المَقْدِسِ هُوَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي تَاجَرَ بِهَا مَنْ تَاجَرَ، وَتَسَوَّلَ بِهَا مَنْ تَسَوَّلَ؛ فَتَسَلَّقَ عَلَيْهَا تُجَّارُ الذِّمَمِ، وَتُجَّارُ الدَّمِ، وَتُجَّارُ المَالِ، وَتُجَّارُ السِّيَاسَةِ، فَخَانَ مِنْهُمْ مَنْ خَانَ، وَتَخَلَّى عَنْهَا مَنْ تَخَلَّى، وَأَثْرَى بِهَا مَنْ أَثْرَى. وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجِدُ المُضَحِّي جَزَاءَ مَا ضَحَّى، وَيَجِدُ الْخَوَنَةُ أَلْوِيَةَ غَدْرِهِمْ مَنْصُوبَةً لَهُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ" (رواه البخاري 6178، ومسلم: 1735).
فَيَا لَهَا مِنْ فَضِيحَةٍ فِي مَوْقِفٍ عَظِيمٍ أَمَامَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ! اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا وَلَا تَفْضَحْنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَا تُعَذِّبْنَا.
لَقَدْ ظَلَّ المَسْجِدُ الْأَقْصَى قُوَّةً دَافِعَةً لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُقَاوَمَةِ الِاحْتِلَالِ الصَّلِيبِيِّ لِلشَّامِ قَدِيمًا، وَمُقَاوَمَةِ الِاحْتِلَالِ الصِّهْيُونِيِّ حَدِيثًا، وَنُصُوصُ فَضْلِهِ وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ تُغَذِّي هَذِهِ الْقُوَّةَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ؛ فَمَنْ مِنَ المُسْلِمِينَ مَنْ لَا يُرَاوِدُهُ حُلْمُ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى المَسْجِدِ الْأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِ؟!
وَمَنْ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَغْمُرُهُ الشَّوْقُ لِرُؤْيَةِ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرُؤْيَةِ المَكَانِ الَّذِي تَعَبَّدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَدَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ، وَدَعَا فِيهِ زَكَرِيَّا فَرُزِقَ يَحْيَى، وَتَبَتَّلَتْ فِيهِ مَرْيَمُ الْعَذْرَاءُ الْبَتُولُ، وَتَرَبَّى فِي أَكْنَافِهِ عِيسَى -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- أَجْمَعِينَ؟
وَمَنْ لَا يَشْتَاقُ إِلَى الْبَلْدَةِ المُقَدَّسَةِ الَّتِي فَتَحَهَا الْفَارُوقُ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِهَا، وَجَاوَرَ فِيهَا عَدَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَحَرَّرَهَا صَلَاحُ الدِّينِ، وَنَشِطَ فِيهَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ عَلَى أَيْدِي عُظَمَاءِ المَقَادِسَةِ وَعُلَمَائِهِمْ، وَلَوْلَا المَقَادِسَةُ لَضَاعَ كَثِيرٌ مِنْ فِقْهِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؟
لَقَدْ حَاوَلَ الْيَهُودُ وَأَذْنَابُهُمْ أَنْ يُذِيبُوا قَضِيَّةَ الْقُدْسِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُزِيلُوهَا مِنْ وِجْدَانِهِمْ؛ لِاسْتِكْمَالِ مَشْرُوعِهِمْ فِيهَا، فَغَزَوْهُمْ بِالْقَوْمِيَّةِ وَالْوَطَنِيَّةِ وَلَكِنَّهُمْ فَشَلُوا فَشَلاً ذَرِيعًا؛ إِذْ أَخَذَتِ الْقَضِيَّةُ بُعْدَهَا الدِّينِيَّ الْعَقَائِدِيَّ الَّذِي يَحْفَظُهَا مِنَ الذَّوَبَانِ وَالِاحْتِوَاءِ، فَلَا تَمُوتُ عَلَى طَاوِلَةِ المُفَاوَضَاتِ، وَلَا تُلْقَى فِي الدَّهَالِيزِ المُظْلِمَةِ لِلسِّيَاسَاتِ؛ لِأَنَّهَا قَضِيَّةُ كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُ فَضْلَ المَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَيَشْتَاقُ لِزِيَارَتِهِ، وَيَتَمَنَّى الصَّلَاةَ فِيهِ.
وَإِنَّ إِخْوَانَنَا المَقَادِسَةَ لَأَهْلٌ لِحَمْلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنِ الْأُمَّةِ جَمْعَاءَ بِالْحِفَاظِ عَلَى المَسْجِدِ الْأَقْصَى مِنَ الْهَدْمِ وَالتَّهْوِيدِ، وَرَدِّ عُدْوَانِ الصَّهَايِنَةِ عَلَيْهِ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ إِخْوَانُهُمْ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ بِالتَّأْيِيدِ وَالدُّعَاءِ وَالنُّصْرَةِ. عَسَى اللهُ أَنْ يَرُدَّ كَيْدَ الْيَهُودِ وَأَعْوَانِهِمْ إِلَى نُحُورِهِمْ، وَيَجْعَلَ تَدْبِيرَهُمْ فِي تَدْمِيرِهِمْ، وَيَحْفَظَ المَسْجِدَ الْأَقْصَى وَعُمَّارَهُ مِنْ شَرِّهِمْ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا...