السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي مَنّ علينا بإتمام شهرنا، فتلك النعمة والله، فاحمدوا ربكم -يا عباد الله- على إتمام شهركم، وقد قال -سبحانه-: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]. قال -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه".
ها نحن أكملنا العدة، وكبرنا الله -عز وجل-، الله أكبر الله أكبر! وبقي علينا شكر ما بعد الصيام، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ومن الشكر أن نستقيم في طاعة الله، وأن نكون بعد رمضان خيرا مما كنا قبله، فالشكر ليس مجرد لفظ ننطق به ونحن بعيدون عن معناه ومقتضاه، ليس من الشكر -يا إخوة- ولا من الاستقامة شهود المنكر، ولا حضور مناسبات فيها إعلاء لمعصية الله بالطرب أو بغيره مما هو صريح التحريم، ليس هذا من الشكر، بل الشكر هو العمل الصالح، هو الصبر على الاستقامة، كما في قوله -تعالى-: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) [فصلت:6].
اليوم نفرح، فلْنوسع دائرة الفرح، ولنعد ترتيب أولوياتنا، ولنفرح بطاعتنا لربنا قبل فرحنا بملابسنا الجديدة، ولنفرح بتجديد روح الإيمان في قلوبنا قبل الفرح بالنزهات والزيارات والاجتماعات، ولنفرح بما نرجو الله من عفوه ومغفرته أكثر من فرحنا بأنواع الأطعمة على الموائد، (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المسلمين: في العيد تأتلف القلوب بعد نفور، وتجتمع الأجساد بعد تفرق، ويصفح من يصفح ويغفر من يغفر، فما أجمل الاجتماع على الخير! وما أسوأ التفرق والجفاء! فديننا يعلمنا، والحياة كذلك تعلمنا، ألّا كمال إلا لله، وأن الإنسان، يعني جنس الإنسان، كما جاء في الحديث، خَلق ضعيف، لا يتمالك، أي: لا يملك نفسه ولا يحبسها عن الشهوات، إلا بعون من الله، ولا يملك دفع الوسواس عنه إلا بإذن الله، ولا يكاد يملك نفسه عند الغضب.
فينبغي مراعاة أن ابن آدم تعصف به الأحوال والظروف والمشاكل والمشاعر، فيخطئ هنا ويصيب هناك، ويزل الزلة فلا يتنبه لها إلا أن ينبهه من معه، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطاءين التوابون".
الناس في نقصهم وتمكن العيوب منهم سواسية، في صحيح الترغيب، من حديث أبي هريرة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "يُبصر أحدكم القَذَى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه!". إذا كان هو يخطئ فأنت أيضا تخطيء، وإذا كان يغضبك بكلامه أحيانا فهو أيضا يتأذى من كلامك أحيانا، ومتى طلبت صاحبا بلا عيب بقيت بلا صاحب!.
وإذا أخطأ أحدهم بحقك؛ فأين أنت من خلق العفو؟ وللعافين مقام رفيع عند الله، كما في الآية: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) [آل عمران:134].
ولما رأيت أنه أخطأ بحقك؛ هل بحثت له عن عذر؟ أي عذر! وهل بدأت باحتساب الأجر في عفوك عنه وتجاوز خطئه لأنك يمكن أن تخطيء مثله؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: "وخيرهم الذي يبدأ بالسلام".
أرى كل إنسان يرى عيب غيره | ويعمى عن العيب الذي هو فيه |
وما خير من تخفى عليه عيوبه | ويبدو له العيب الذي لأخيه؟ |
العتب على من بانت له الحقيقة وأدرك خطأه ثم أعرض واستكبر! فذلك الكبر المحظور، وتلك هي العزة بالإثم.
أيها المسلمون: نعود ونقول: العيد ابتسامة، العيد نفس طيبة، العيد بداية جديدة، وصفحة بيضاء، ففي العيد نجتمع ولا نفترق، ونتآلف ولا نتناكر، ونتفق في معظم شأننا ولا نختلف، ونتوادد ولا نتباغض، ونتسامح ولا نختصم، وها نحن نجتمع في هذا الصباح، الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، والأطفال في أحلى حلة. فهل تتصافى القلوب؛ طاعة لله؟! قال -تعالى-: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) [الأنفال:1]، وقال -سبحانه-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران:103]، وقال -جل جلاله-: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].
وصح في مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا". وفيه -أيضا- من حديث أبي الدرداء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ, وَالصَّلاةِ, وَالصَّدَقَةِ؟". قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إصلاح ذات البين. وفساد ذات البين الحالقة". فإصلاح ذات البين من أعظم الأعمال عند الله، وقد قال -تعالى-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].
ولذلك فنحن بحاجة إلى التناصح فيما بيننا لا إلى النميمة، نحتاج إلى تناقل ما يبرئ الجروح لا إلى من ينكئها، وتمرير ما يشفي الصدور لا إلى ما يغورها.
إن من الرشد أن يعمد الإنسان إلى نشر الخير، لا إلى تضخيم الشر، ويسارع إلى إطفاء الحريق، لا إلى إضرامه بمزيد الحطب، وان يسكت حين يرى في السكوت دحرا للشيطان، وأن يتكلم إذا رأى في الكلام دحرا للشيطان.
وقد نقل أن الإمام الشافعي قال: "مَن نمّ لك نمّ بك, ومن نقل إليك نقل عنك". ولذلك؛ لما جاءه رجل وقال له إن فلاناً يذكرك بسوء، قال: "إن صدقت فأنت نمام، وإن كذبت فأنت فاسق، فانصرف عني".
وأسرع رجل إلى أحد الصالحين قائلا له: أما تدري ماذا قال فلان في غيابك؟ إنه يقول عنك كذا وكذا! ناقلا كل سوء ومنقصة، فرد عليه الرجل الصالح: "إن فلانا الذي تحدث عني بالسوء في غيابي قد أطلق السهم لكنه لم يصبني، فجئت أنت بنقلك حديثه إلي وغرست السهم في صدري!". فما أقبح صنيعه! وما أبشع سعيه!.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
فأسأل الله -تعالى- أن يجمع قلوبنا وقلوب جميع المسلمين الموحدين على رضوان الله وطاعته، وأن يصرف عنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يوحد صفوفنا، وأن يصلح ذات بيننا؛ إنه سميع قريب مجيب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...