الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | مازن بن شحاده جبالي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - صلاة العيدين |
ونحن بأمسِّ الحاجة إلى اجتماع الصفِّ ووحدة الكلمة والوقوف ضدَّ من يهدّد ديننا وأمنَنا، فعلينا تبديل مظاهر العنف بمظاهر العفو والتسامح التي تعلّمناها من رمضان، إذ كيف تناجي الله تعالى فتقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا, وأنت لا تريد أن تعفو عمن أساء إليك من أقاربك وأهل بلدك؟! أمَا تعلم أن الرحماء يرحمهم الرحمن؟!, "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". كنتَ في رمضان إن سابّك أحد أو شتَمك قلت له: إني صائم، فاستمرّ -أخي المسلم- على هذا الخلق، واعفُ عمّن ظلمك، تمالك...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من إتمام الصيام والقيام، فإن ذلك من أكبر النعم، واسألوه أن يتقبل ذلك منكم ويتجاوز عما حصل من التفريط والإهمال، فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.
أيها المسلمون: منذ أيام استقبلنا شهر رمضان، وبالأمس ودعناه مرتحلاً عنا، شاهدًا لنا أو علينا، وفي صبيحة هذا اليوم الأغر يوم عيد الفطر المبارك غدوتم إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم من رب كريم، ويوم القيامة ينادَى عليكم: أيها الصائمون، ادخلوا الجنة من باب الريان.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- المرفوع: "إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض، فيقومون على أفواه السكك، ينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس يقولون: يا أمة محمد،: اخرجوا إلى رب كريم، يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله -عز وجل- لملائكته: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره، فيقول: إني أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي، انصرفوا مغفورًا لكم".
سبحان الله الكريم المنان، يا رب اجعلنا ممن رضيت عنهم وغفرت لهم, تقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئاتنا، اغفر لنا يا الله.
سبحان الله، تمر أيام هذا الشهر سريعة، بالأمس استقبلنا هذا الشهر، واليوم نودعه, هذا هو حال كل غالٍ علينا، يحضر سريعًا ويمضى سريعًا، ولا يبقى لنا إلا أن نقول: وداعًا يا شهر الخير.
سلام من الرحمن كل أوان | على خير شهر قد مضى وزمان |
سلام على شهرالصيام فإنه | أمان من الرحْمـن كل أمـان |
لئن فنيت أيامك الغر بغتة | فما الحزن من قلبِي عليك بفان |
نودعك -يا خير الشهور- ونحن لا نعلم هل سنلقاك في العام القادم أم سيكون آخر شهر نصومه مع المسلمين؟ هل سنستقبله مرة أخرى أم هو الوادع الأخير؟. حقًا علينا أن نبكي عليه، فوالله إنه شهر كريم عظيم، قضينا به أقدس الأوقات وأجلها.
أي شهـر قـد تـولَّى | يـا عبـاد الله عنَّـا |
حـق أن نبكـي عليـه | بدمـاء لـو عقلنـا |
كيـف لا نبكـي لشهر | مـرَّ بالغفلـة عنـا |
ثـم لا نـعـلـم أنّـا | قد قُبلنا أم حُرمنـا |
ليـت شعـري من هو | المحروم والمطرود منا |
كيف لا نبكي ونحن نودّع من أتانا يحمل الخير لنا من عمل صالح؟! رحل شهر رمضان فما أسعد نفوس الفائزين، وما ألذّ عيش المقبولين، وما أذلّ نفوس العصاة المذنِبين، وما أقبح حال المسيئين المفرطين.
في حديث ابن عباس المرفوع: "لله في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره". هذا هو شهر الخير، انقضى ولم يبقَ لنا إلا الدعاء أن يتقبله منا جميعا.
ذكر بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان وستة أشهر أن يتقبّل منهم. أين نحن منهم الآن؟! يمضى رمضان وبعده آخر ونحن لا نشعر بذلك. اللهم لك الحمد والشكر أن بلّغتنا شهر رمضان، اللهم تقبّل منّا صيامنا وقيامنا، اللهم اجبر كسرنا على فراق هذا الشهر الكريم، وأعده علينا أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، اللهم اجعله شاهدًا لنا لا علينا، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين يا رحمن يا رحيم.
أيها الناس: تذكّروا بجمعكم هذا يوم الجمع الأكبر، حين تقومون يوم القيامة من قبورِكم لرب العالمين، حافية أقدامكم، عارية أجسامكم، شاخصة أبصاركم، (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 2]، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) [عبس: 34 - 37], يوم تفرّق الصحف ذات اليمين وذات الشمال، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا) [الانشقاق: 7 - 12], يوم توضع الموازين، (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ)[المؤمنون:102-105]. يوم ينصب الصراط على جهنم، فتمرون عليه على قدر أعمالكم ومسابقتكم في الخيرات، فمن كان سريعا في الدنيا في مرضاة الله كان سريعا في مروره على الصراط، ومن كان بطيئا في الدنيا في مرضاة الله ومتثاقلا فيها كان مروره على الصراط كذلك، جزاءً وفاقا. فاستبقوا الخيرات -أيها المسلمون- وأعدّوا لهذا اليوم عدّته لعلكم تفلحون.
عباد الله: هذا يومٌ يُظهر فيه المسلمون ذكرَ الله وتعظيمَه والثناءَ عليه، (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. الله أكبر عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. الله أكبر كلما رجع مذنِب وتاب، الله أكبر كلّما ندم عبدٌ وأناب.
والحمد لله الذي منّ علينا بشهر رمضان وتمامه، ونسأله المزيد من توفيقه في شوال وسائر أيام زمانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من زكى وصام وصلى بالليل والناس نيام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها المسلمون: لقد شرع لكم نبيّ الهدى بعد رمضان صيام الست من شوال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان وأتبعه بستّ من شوال كان كصيام الدهر". فصوموها -يا عباد الله- وحافظوا على الصلاة في وقتها، فإنها أول ما تحاسبون عنه يوم القيامة، ومن لم يؤدّ فريضة الحجّ بعدُ فليؤدّها قبل أن يحالَ بينه وبينها، ثم استوصوا بالوالدين خيرًا، وترحّموا على من مات منهما، تحبّبوا إلى أبنائكم، وصِلوا أرحامكم وأقاربكم، واحذروا قطيعتها، فإنّ صلتها من الإيمان، والرّحم معلّقة بالعرش يقول الله: "ألا ترضَين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟" قالت: "نعم"، قال: "فذلك لك".
أحسنوا إلى الأيتام والأرامل والفقراء، وأوفوا المكيال والميزان، واجتنبوا الغشّ والكذب في البيع والشراء، وابتعدوا عن الغيبة والنميمة والكذب والغشّ والخداع.
مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، كلّ بحسب طاقته وقدرته، فقد قال تعالى: (وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر؛ أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه, ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" رواه الترمذي.
عباد الله: في الحديث الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أصبح آمنا في سربه, معافًى في بدنه, عنده قوت يومه, فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" وهو في صحيح الجامع الصغير. فبالأمن يأمن المسلم على دينه وعلى ماله وعلى عِرضه، ويتفرّغ لعبادة الله، ويسعى في إصلاح دينه ودنياه، فهذا الأمن مسؤوليةُ كل فرد منا.
ونحن بأمسِّ الحاجة إلى اجتماع الصفِّ ووحدة الكلمة والوقوف ضدَّ من يهدّد ديننا وأمنَنا، فعلينا تبديل مظاهر العنف بمظاهر العفو والتسامح التي تعلّمناها من رمضان، إذ كيف تناجي الله تعالى فتقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا, وأنت لا تريد أن تعفو عمن أساء إليك من أقاربك وأهل بلدك؟! أمَا تعلم أن الرحماء يرحمهم الرحمن؟!, "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". كنتَ في رمضان إن سابّك أحد أو شتَمك قلت له: إني صائم، فاستمرّ -أخي المسلم- على هذا الخلق، واعفُ عمّن ظلمك، تمالك نفسك عند الغضب، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا.
عباد الله: اعلموا أن السنةَ لمن خرج إلى صلاة العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر.
معاشر المسلمين والمسلمات: لقد جرت عادة الناس أن يتصافحوا ويهنّئ بعضهم بعضا في العيد، وهذه عادة حسنة تجلب المودّة وتزيل البغضاء، فتصافحوا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا تصافح المسلمان تحاتّت ذنوبهما كما تتحاتّ أوراق الشجر".
عباد الله: سأتكلم اليوم عن قضية المصافحة بين الجنسين -الذكر والأنثى-, وقد كنت قد أرجأت الحديث عنها حتى يأتي وقتها المناسب، ورأيت أن اليوم هو وقتها.
إن معظم كتب الفقه تحرّم هذا الفعل وتعتبره مخالفًا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- القولية والفعلية، حيث ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يكن يصافح النساء، وأنه نهى عن هذا الفعل بقوله: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد؛ خير لكم من أن يمس امرأة لا تحل له".
ممكن أن يأتي إنسان ويستشهد بحديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وبما أن نية المصافح سليمة وصافية تجاه الطرف الآخر ولا وجود لديه للشهوة ولا يخشى الفتنة من وراء ذلك فإنه لا مانع من المصافحة، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا: إذا كان مثل هذا الشخص قد أمن على نفسه الفتنة وعدم وجود الشهوة, فهل يأمن ذلك من الطرف الآخر؟ وماذا يفعل هذا الشخص في حال صادَف وجود عدة أشخاص، فهل ينتقي من بينهم من تنتفي الشهوة ضدّه فيصافحه ويترك الآخرين؟! ثم ألا يمكن أن تتبدّل النية بعد الملامسة خاصة إذا حدث أثناء الملامسة ما يستوجب هذا التغيير مثل تلاقي العيون والشد على اليد مثلاً؟!.
يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني مبينًا أحدَث النتائج التي جاء بها علم التشريح الحديث حول ما يحدث أثناء المصافحة بين الرجل المرأة: "إن هناك خمسَة ملايين خلية في الجسم تغطي السطح، كل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس، فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرَى بينهما اتصال يثير الشهوة". وهذا كلام رجال التشريح المادي من الطب يبيّنونه ويدرسونه تحت أجهزتهم وآلاتهم، ونحن نقول: سبحان الله الحكيم الذي صان المؤمنين والمؤمنات، فأغلق عليهم منافذ الشيطان وطرق فساده، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
ثم إذا كان مقياس الحكم هو أمن الفتنة وسلامة النية، فلماذا لم يصافح الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟! فهل يمكن لمسلم أن يشك بسلامة نية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المجال؟! يقول الشيخ الصابوني مبينًا هدف الرسول -عليه الصلاة والسلام- من وراء الامتناع عن مصافحة النساء: "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لسلوك طريق الاستقامة، وإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الطاهر الفاضل الشريف الذي لا يشكّ إنسان في نزاهته وطهارته وسلامة قلبه لا يصافح النساء ويكتفي بالكلام في مبايعتهن, مع أن أمر البيعة أمر عظيم الشأن، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة, مع أن الشهوة منهم غالبة والفتنة غير مأمونة, والشيطان يجري فيهم مجرى الدم؟!".
فابدأ -أخي المسلم- من اليوم وصاعدًا، لا تصافح امرأة من غير المحارم حرمة مؤبدة، وأنتِ كذلك -أيتها المرأة المسلمة- وإن تسبّب ذلك لكم بالضيق والحرج والاتهام بالرجعية، فدين الله أحق أن يتبع.
فبذلك يخدم الإسلام ببيان حكم الشرع في هذه المسألة، ويعتذر بلباقة من الطرف الآخر، ويظهر له بأنه لم يقصد الإهانة والاحتقار، وإنما هو ينفّذ أحكام دينه، وفي هذه الحالة يكون موقف الطرف الآخر المؤكّد أنه لن يمدّ يده في المرّة القادمة كي يسلم عليه أو على أيّ شخص ملتزم.
معاشر الإخوة: لنرفع الأصوات بالتحميد، ولنرسل التهاني لكل قريب وعزيز وجار وحبيب، لنظهر الأفراح ويهنئ بعضنا بعضا بقول: تقبل الله منا ومنكم، أو عيد مبارك، وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة.
أما زيارة القبور في هذا اليوم بالذات فلم أعلم لها أصلا من الشرع، فزيارة القبور مشروعة في كل وقت، ولم يرد تخصيص يوم العيد بزيارتها.
أيها الناس: قبل انتهاء خطبتنا هذه أحب أن أوجه موعظة للنساء كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعظهنّ في صلاة العيد بعد الرجال فأقول:
أيتها النساء: إن عليكن أن تتقين الله في أنفسكن، وأن تحفظن حدوده وترعين حقوق الأزواج والأولاد، (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء: 34].
أيتها النساء: حافظن على لباس الحجاب والعفاف، واحذرن التبرج والسفور، فلقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد"، وذكر: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها". وإذا مشيتن فعليكن بالسكينة، ولا تزاحمن الرجال، ولا ترفعن أصواتكن، ولا تلبسن بناتكن ألبسة مكروهة، ولا تتشبّهن بالرجال، فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وقال -عليه الصلاة والسلام- للنساء: "رأيتكن أكثر أهل النار؛ لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير".
اللهم إن عبادك خرجوا اليوم لصلاة العيد يرجون ثوابك وفضلك ويخافون عذابك، اللهم حقق لنا ما نرجو، وأمِّنا مما نخاف، اللهم تقبل منا واغفر لنا وارحمنا، اللهم انصرنا على عدونا واجمع كلمتنا على الحق، ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، إنك جواد كريم...