البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الإخلاص

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. أهمية الإخلاص في الإسلام .
  2. أساس تفاضل الأعمال عند الله تعالى .
  3. وجوب الإخلاص لله تعالى في القول والعمل .
  4. العمل بلا إخلاص محبط ضائع. .

اقتباس

أخلصوا لله أعمالكم؛ فإن الإخلاص أساس كل عمل، فكلما كان العمل خالصًا لله -عز وجل- ثَقُلَ في الميزان ولو كان قليلاً، وإذا كان مشوبًا بالرياء والسمعة خَفَّ في الميزان، وقد يصير هباءً منثورًا ولو كان كثيرًا، فالأعمال تتفاضل عند الله -تبارك وتعالى- بتفاضل ما في القلوب من إخلاص وحب لله -عز وجل-.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن شأن الإخلاص في الإسلام عظيم، وثوابه عند الله جزيل، فالإخلاص لُبّ العبادة وشرط لقبول العمل، وهو بمنزلة الرأس من الجسد.

لقد تنوعت تعاريف العلماء للإخلاص، ولكنها تصبُّ في معين واحد ألا وهو: أن يكون قصد الإنسان في حركاته وسكناته وعباداته الظاهرة والباطنة، وجه الله –تعالى-، لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس.

وقال يعقوب المكفوف: "المخلص من كتم حسناته كما يكتم سيئاته".

فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها عند الله، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.

لقد ذكر لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصة ذلك الرجل الذي سيُنْشَر له على رؤوس الخلائق يوم القيامة تسعة وتسعين سِجِلاً –أي: كتابًا-، كل سِجِلّ مثل مد البصر، ثم يقول: "أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة؛ فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تُظْلَم، قال: فتُوضَع السجلات في كفَّة، والبطاقة في كفَّة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة؛ فلا يثقل مع اسم الله –تعالى- شيء"، فلماذا رجحت هذه البطاقة أمام تلك السجلات؟ وكل الناس يقولون: لا إله إلا الله؟ قال العلماء: لأنه قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه فثقل وزنها في الميزان.

كما ذكر لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قصة تلك البغي التي مِن بني إسرائيل سقت كلبًا فغَفَر لها زناها، قال العلماء: "لأنها سقت ذلك الكلب بإيمان وإخلاص راجية ثواب الله، وإلا فليس كل من سقت كلبًا يغفر لها تلك المغفرة".

إن الطاعة بدون إخلاص وصدق مع الله –تعالى-، لا قيمة لها ولا ثواب فيها، بل صاحبها معرَّض للوعيد الشديد، وإن كانت هذه الطاعة من الأعمال العظام كالإنفاق في وجوه الخير، وقتال الكفار، ألم تسمعوا بقصة أول ثلاثة تُسَعَّر بهم النار؟ أنهم مسلمون ولكنهم تظاهروا بالصلاح، وطلبوا الثواب من الناس، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تبارك وتعالى- إذا كان يوم القيامة، ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول مَن يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملتَ فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله: له كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانًا قارئ، فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسِّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله –تعالى-: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيل الله، فيقول الله له: في ماذا قُتِلَتْ؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قُتِلَتْ، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذاك".

ثم ضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على ركبتي فقال: "يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة" (رواه الإمام مسلم).

لذلك كان السلف أشد حرصًا على أعمالهم من أن يخالطها الرياء حتى ذُكِرَ عن أحدهم أنه قام الليل لسنوات كثيرة لم تعلم به زوجته.

فأين بعض المسلمين اليوم الذي يحدِّث بجميع أعماله، ولربما لو قام ليلة من الدهر لعلم به الأقارب والجيران والأصدقاء، أو لو تصدق بصدقة أو أهدى هدية، أو تبرع بمال لنشر ذلك في الوسائل الإعلامية.

لقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- بأن الله –تعالى- يضاعف ثواب المخلصين في أعمالهم؛ حيث روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "سبق درهم مئة ألف درهم" قال: وكيف؟ قال: "كان لرجل درهمان فتصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عُرض ماله فأخذ منه مئة ألف درهم فتصدق بها" (رواه النسائي).

فلماذا كان درهم الفقير أثقل في الميزان؟

لأنه ملك درهمين اثنين وليس ألفين كي نقول إنه يملك ما يكفيه، والدرهمان أصلاً لا يسدان حاجة، فكيف لو تصدق بأحدهما؟ ولماذا تصدق وهو محتاج؟ قد يكون بسبب إخلاصه لله -عز وجل- وإيثاره لمن هو أفقر منه.

ولذلك جاء عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: "جُهْدُ الْمُقِلِّ، وابدأ بمن تعول" (رواه أبو داود)، فهو قليل المال ومع ذلك فقد تصدق قدر طاقته.

وروى صهيب الرومي –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاة الرجل تطوعًا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسًا وعشرين" (رواه أبو يعلى).

فلو صليت النافلة في المسجد فلك أجر، ولكنك لو صليت هذه النافلة في البيت فإن ثوابها يتضاعف خمسًا وعشرين ضعفًا؛ لأن الإسلام يحثنا على الإخلاص في القول والعمل.

وروى أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلاة في الجماعة تعدل خمسًا وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة من الأرض فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة" (رواه أبو داود).

فلماذا صلى وهو بمفرده؟ ولم يُذكِّره بالصلاة أذان مؤذن ولا صديق مرافق؟ ولماذا أتم الركوع والسجود وصلى مطمئنًا؟ لأنه أخلص عمله لله -عز وجل- واستشعر مراقبته له، فكان له الجزاء المضاعف.

أخلصوا لله العمل، واحرصوا على كتم حسناتكم كما تحرصون على كتم سيئتكم يعظم الله أجوركم. قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر: 2].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربّ العالمين، أمر أن لا تعبدوا إلا إيّاه، ذلك الدين القيم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله –تعالى- حق التقوى، وأخلصوا لله أعمالكم؛ فإن الإخلاص أساس كل عمل، فكلما كان العمل خالصًا لله -عز وجل- ثَقُلَ في الميزان ولو كان قليلاً، وإذا كان مشوبًا بالرياء والسمعة خَفَّ في الميزان، وقد يصير هباءً منثورًا ولو كان كثيرًا، فالأعمال تتفاضل عند الله -تبارك وتعالى- بتفاضل ما في القلوب من إخلاص وحب لله -عز وجل-.

فعن أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا شيء له"، فأعادها ثلاث مرات يقول: له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا شيء له"، ثم قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وَابْتُغِيَ به وَجْهُهُ" (صحيح الترغيب).

وقال عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى-: "رُبَّ عملٍ صغير تعظِّمه النيِّةُ، ورب عمل كبيرٍ تُصَغِّره النيِّة".

وقال ميمون بن مهران -رحمه الله تعالى-: "إن أعمالكم قليلة فأخلصوا هذا القليل".

اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة ولوجهك خالصة ولا تجعل لأحد فيها شيئا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين..

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.