البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الأقصى مكانته وشيء من تاريخه

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. أهمية المسجد في الإسلام .
  2. فضائل المسجد الأقصى .
  3. تاريخ المسجد الأقصى .
  4. فتح المسجد الأقصى على يد القائد صلاح الدين الأيوبي .
  5. إيضاح مهم في مسألة القتال بين المسلمين واليهود. .

اقتباس

لقد منَّ الله على خلقه بنِعَمٍ كثيرة، ومنها أن جعل له -سبحانه- بيوتًا في الأرض، نسبَها لنفسه، فتُدْعَى بيوت الله، فيه تُقام الشعائر, والعبادات، وتخشع القلوب وتطمئن النفوس، ويلتقي فيها أهل الإيمان، ميَّز بينها، فمنها المسجد، ومنها الجامع، ومنها القديم، ومنها الجديد، ومنها ما جعل الله له مزية من بين المساجد، فجعله حرمًا، كمسجد الكعبة ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجعل الصلاة فيهما مضاعفة، ومنها ما ضاعف الصلاة فيه ولم يجعله حرمًا، كالمسجد الأقصى، المسجد الأقصى وبيت المَقْدِس هذا ما سنتحدث عنه في هذه الخطبة بمشيئة الله -تعالى-...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد فيا أيها الناس: لقد منَّ الله على خلقه بنِعَمٍ كثيرة، ومنها أن جعل له -سبحانه- بيوتًا في الأرض، نسبَها لنفسه، فتُدْعَى بيوت الله، فيه تُقام الشعائر, والعبادات، وتخشع القلوب وتطمئن النفوس، ويلتقي فيها أهل الإيمان، ميَّز بينها، فمنها المسجد، ومنها الجامع، ومنها القديم، ومنها الجديد، ومنها ما جعل الله له مزية من بين المساجد، فجعله حرمًا، كمسجد الكعبة ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجعل الصلاة فيهما مضاعفة، ومنها ما ضاعف الصلاة فيه ولم يجعله حرمًا، كالمسجد الأقصى، المسجد الأقصى وبيت المَقْدِس هذا ما سنتحدث عنه في هذه الخطبة بمشيئة الله -تعالى-.

المسجد الأقصى، في القدس المبارك، أسير اليهود منذ أكثر من نصف قرن، هو ثاني مسجد وضع في الأرض؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟، قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟، قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً" (رواه البخاري 3366، ومسلم 520).

والمقصود من الحديث الإشارة إلى أول بناء المسجدين. وقد حصل الخلاف فيمن بنى المسجدين؛ فقيل: بناهما جميعا آدم -عليه السلام-.

وقيل: بنى آدم المسجد الحرام، وبنى بعض أبنائه المسجد الأقصى، فكان بين البناءين أربعون سنة، ثم بعد ذلك جدَّد بناء المسجد الحرام إبراهيم -عليه السلام-، وجدَّد بناء المسجد الأقصى سليمان -عليه السلام-.

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "الإشارة إلى أول البناء، ووضع أساس المسجدين؛ وليس أول من بنى الكعبة إبراهيم، ولا أول من بنى بيت المقدس سليمان، وفي الأنبياء والصالحين والبانين كثرة، فالله أعلم بمن ابتدأ. وقد روينا أن أول من بنى الكعبة: آدم، ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس" انتهى من كشف المشكل (1/ 360).

وبنحو ذلك قال القرطبي، ورجَّحه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 409).

غير أن المتفق عليه أن المسجد الأقصى هو ثاني بيت وُضِعَ في الأرض، على خلاف فيه بانيه من هو؟

وقد جعل الله له مزية بمضاعفة الصلاة فيه، وقد اختلف أهل العلم في عدد المضاعفة لاختلاف الروايات في ذلك؛ منها ما جعل الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة على النصف من مسجد الكعبة، ومنها ما جعلها بألف صلاة كالحرم النبوي، ومنها ما جعلها بخمسمائة صلاة، ومنها ما جعلها بمائتين وخمسين صلاة على الربع من مسجد الحرم النبوي، غير أن الجميع متفقون على أن الصلاة فيه مضاعفة.

ويخطئ البعض فيقول: "أولى القبلتين وثالث الحرمين"، فهو أولى القبلتين بلا شك، غير أنه ليس بحرم، فليس في الدنيا حرم إلا حرم الكعبة وحرم مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولا يخفى على الجميع أن المسجد الأقصى سُمِّي بالأقصى لبعده عن المسجد الحرام.

وكذلك هو مسرى النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلى فيه بالأنبياء ، قال -سبحانه- (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء: 1].

فهو مبارك، ومن عظيم بركته أنه بارك ما حوله أيضًا، وهي أرض الشام، قال أهل العلم: "وكلما اقتربنا من المسجد كلما زادت البركة".

يقع داخل البلدة القديمة بالقدس في فلسطين. وهو كامل المنطقة المحاطة بالسور، واسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة المسورة.

تبلغ مساحته قرابة 144 ألف متر مربع، ويشمل قبة الصخرة والمسجد القِبْلي والمصلى المرواني، وعدة معالم أخرى يصل عددها إلى 200 مَعْلَمٍ، ويقع المسجد الأقصى فوق هضبة صغيرة تُسمى "هضبة موريا"، وهذا هو الصحيح فكل ما هو داخل محيط السور هو جزء من المسجد الأقصى، وليس كما شاع عند معظم العامة أنه المسجد ذو القبة الذهبية "مسجد قبة الصخرة"؛ والذي بناه عبد الملك بن مروان سنة 72 هجرية، أو الجامع القِبلي ذو القبة الرصاصية أو البرونزية.

عباد الله: إن المسجد الأقصى مسلوب من المسلمين منذ عقود من السنين، ولا نرى من يؤسِّس لاسترداده من اليهود، فلا عودة له إلا بالجهاد في سبيل الله، كما فعل صلاح الدين -رحمه الله-...

اللهم أعِد المسجد الأقصى إلى حضيرة الإسلام عاجلاً غير آجل يا رب العالمين، أقول قولي هذا...

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فيا أيها الناس: إن للأقصى تاريخًا مجيدًا يغيب للأسف عن الآباء، فضلاً عن الأبناء، فكيف نرجو استرداده ونحن لا نعرف تاريخه؟!

عباد الله: لا يُذكر المسجد الأقصى إلا ويُذكر صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-، الذي نذر لله أن يُخرِج الفرنجة من بلاد المسلمين، وأن يقتل صاحب الكرك الرومي، وأن يخلِّص المسجد الأقصى من الروم، وأن يعيده إلى حضيرة الإسلام، وكان طيلة جهاده يؤسِّس لهذا حتى تم على يديه، وما مات حتى تم له ذلك، رحمه الله رحمة واسعة.

ذكر صاحب كتاب الروضتين: أنه كتب شاب أسير من بيت المقدس إلى صلاح الدين رقعة فيها:

يا أيها الملك الذي

لمعالم الصلبان نكَّس

جاءت إليك ظلامة

تسعى من البيت المقدس

كل المساجد طُهِّرت

وأنا على شرفي منجَّس

وكتب في آخرها نشتاق لسماع الأذان من الأقصى.

لما قرأها صلاح الدين بكى حتى بل الورقة، وجعل من أولى مهامه تحرير البيت المقدس، وجهز الجيوش لذلك، وانطلق بجيشه سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من الهجرة، ووجد في بيت المقدس ستين ألف رومي كلهم يرى أن يموت أهون عليه من تسليم البيت المقدس، فقاتلهم في معارك يتلو بعضها بعضًا حتى حاصرهم، وعلم الروم أنهم مهزومون لا محالة، فذلوا لصلاح الدين فطلبوا الصلح، فصالحهم ودخل بيت المقدس فاتحًا، ونظَّفه من خنازير الروم، وأعاد له هيبته.

وطلب منبر نور الدين الذي صنعه لبيت المقدس عندما يحرره، ومات قبل تحريره، فجيء به ووُضِعَ في المسجد الأقصى، وأذَّن المسلمون في الأقصى، ووفَّى صلاح الدين بنذره وخطب على منبره، وكان أول كلمة قالها بعد أن صعد المنبر وأطال البكاء "الحمد لله الذي أعز الإسلام بظلال السيوف".

ولم تزل القدس محررة حتى جاءت بريطانيا وأباحتها للصهاينة، ولما دخل هنري غورو قائد معركة ميسلون المشهورة بلاد الشام ذهب لقبر صلاح الدين وركله برجله، وقال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"!!

إنها حرب صليبية، وهم يقاتلون عن عقيدة، فليتنا نعد العدة لاسترداده، وسيكون هذا بإذن الله، ولكن هل نحن ممن يكرمه الله بذلك أم لا؟

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».

لا شك أن معظمنا يعرف هذا الحديث ويحفظه ويُوقِن تماماً بتحققه يوماً ما، وهذا هو الأصل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، ولكنَّ الإشكال الحاصل هو إسقاط الحديث على ما يُسمّى بدولة إسرائيل الآن، وصحيح أن الدولة المزعومة هي دولة لليهود، ولكن هذا لا يعني أن وقت انهيارها سوف ينطق الشجر والحجر ويتحقق فيها الحديث.

ولتفصيل المسألة أورد حديثاً واحدا فقط رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ينزل الدجال في هذه السبخة بمر قناة، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه، وإلى أمه، وابنته، وأخته، وعمته، فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه، ثم يُسلِّط الله المسلمين عليه، فيقتلونه ويقتلون شيعته، حتى إن اليهودي ليختبئ خلف الشجرة أو الحجر، فيقول الحجر أو الشجر للمسلم: هذا يهودي يختبئ، فاقتله».

قال ابن حجر: "والمراد بقتال اليهود وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى، ووراء الدجال سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى، فيدركه عيسى عند باب لُدّ فيقتله ويهزم اليهود، فلا يبقى شيء مما يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، فقال: «يا عبد الله -للمسلم- هذا يهودي فتعال فاقتله»، إلا الغرقد فإنها من شجرهم.

ونستخلص من الحديث أن القتال بين المسلمين واليهود حاصل لا محالة، وأن واقع نطق الشجر والحجر ستتحقق حينما يقاتل المسلمون مع المسيح -عليه السلام- الدجال والسبعين ألف يهودي، أي: أن المعارك مع اليهود لن تنتهي بنهاية دولة إسرائيل، وأن يهود أصفهان سوف يتحالفون مع الدجال ويتبعونه بعد ظهوره، كما في صحيح مسلم «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة».

فتحرير الأقصى وقتال اليهود مستمر حتى يُحرَّر، وقد يحرر مرارًا، وقد يستمر في أيديهم حتى يخرج الدجال، إلا أن نطق الحجر والشجر هو عند قتال اليهود الذين يخرجون مع الدجال، والله أعلم.

اللهم حرِّر الأقصى من أيدي اليهود الغاصبين، اللهم ثبِّت إخواننا في فلسطين وثبت الذين يحامون عن المسجد الأقصى بدمائهم وثبت أقدامهم وانصرهم على الأنجاس الخنازير.