البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

حقيقة الموقف الغربي من المرأة

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله الهذلول
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. قلق المنافقين من الأوضاع الحسنة للمرأة المسلمة .
  2. مساواة الإسلام المرأة بالرجل مع مراعاة أنوثتها .
  3. نأْي السفور بالمرأة عن الفطرة والمنطق والذوق .
  4. الهدف الخفي وراء دعوة "قيادة المرأة للسيارة" .
  5. الرد على شُبه أعداء المرأة الداعين لسفورها .

اقتباس

النموذج الغربي الذي تتوق إليه نفوسهم، نموذج متمرد على الحشمة والوقار، ودفع بالمرأة أن تحتاج للمادة وللنفقة، فاستغلها وحوش الرجال، فهل يريدون ذلك للمسلمين؟.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فالحديث لا يزال متواصلاً عن المرأة، وقد مَّر بنا في الخطبة الماضية محاولات الدول الغربية وسعيها في فرض سلوكياتها الاجتماعية في التعامل مع المرأة، وفرضها على العالم كله من خلال مؤتمرات المرأة والسكان، وكيف كان أدعياء تحرير المرأة في العالم الإسلامي يتجاوبون لتلك النداءات، ويسعون جاهدين لتطبيقها على مجتمعاتنا الإسلامية، وخاصة في حصن الإسلام، ومأرز الإيمان؛ في هذا البلد الذي تقلقهم فيه حشمة نسائه، وتمكُّنهنّ من التعليم، ووصولهن فيه إلى أرقى المستويات العلمية بجميع فروعها، مع إصرار الواحدة منهن على أن تبقى مسلمة محافظة على أنوثتها، وحشمتها، وأصالتها، وتراثها.

المنافقون لا يعجبهم الإسلام، ولا مثله الطاهرة الداعية إلى العفاف والإيمان، فينعقون داعين إلى ضرورة مساواة الرجل بالمرأة، وهم لا يجهلون مغبة ما يدعون إليه، لكن كره الإسلام وأهله، وغلبة الشهوات عليهم تدفعهم إلى تلك المحاولات.

أيها المسلمون: المساواة الحقيقية يدعو إليها الإسلام، ويرفض المساواة الشكلية القائمة على مبدأ التماثل الذي يضع المرأة في موقع لا يعود عليها بفائدة.

إن بعض المواقف تتطلب التعامل مع الأفراد بشكل مختلف بقصد الوصول إلى التساوي في النتيجة، فالمساواة في المشاركة الاقتصادية إنما يزيد من عناء المرأة في أداء دورها كأم مربية للأجيال، وتقلل من وظيفتها في الإنجاب، وتجعل الإنجاب معاناة شخصية لا تستطيع تحملها.

إن الأمومة حق طبيعي وفطري لدى المرأة، وإهماله أو التقليل منه، والدفع بالمرأة خارجاً إلى سوق العمل ينم عن عدم احترام الأمومة والأنوثة فيها، فهو ظلم لها وليس دفاعاً عنها.

يقول الشيخ العلامة مصطفى صبري الحنفي مفتي الديار العثمانية المتوفى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة، رحمه الله: الإنسان في أصل فطرته مجبول على الغيرة، إلا أنه في الوقت نفسه مركب فيه شهوة الجنس، فالغيرة تبعث على الاحتجاب، والشهوة تغري بالسفور، ولقد خُصَّ الاحتجاب بالمرأة دون الرجال لاشتغال الرجل في خارج البيت، ولأن موقفه في المناسبات الجنسية موقفُ الطالب، وموقف المرأة موقفُ المطلوب، فيكون منه الطلب والإيجاب، ومنها القبول أو الإباء، واحتجابها وسام إبائها، وهي متحلية به أمام الرجل كي لا تحتاج إلى الإباء والرفض باللسان أو اليد، ففيه صونها عن أن تكون عرضة للرجال، فإذا تصدى لها الرجل وراودها بلحاظه، وأرادت هي قبول مراودته تسفر له، فهو ينمُّ عن قبول الطلب، وسفورها لرجل معين من غير سبق طلب منه، شعارُ قبول متقدم على الطلب، وإغراء له بالطلب. اهـ.

معشر المسلمين الغيورين على أعراضهم ومجتمعاتهم وأوطانهم، أيها المؤمنون بالله ورسوله: لقد انحرفت المجتمعات في الغرب وراء شهوة الجنس، متناسية ومتجاهلة أصل الفطرة الداعية إلى الغيرة، فوقعت في اضطراب وتخبط، وبقي منهم من يحس بمرارة الاختلاط، لكن المجتمعات الضائعة هناك، تقفل أمام الغيورين نوافذ الطهر والعفة، تَدخل الزوجة حفلة رقصٍ، أو مسرح تمثيل لتشاهد ما يعرض فيه، فتنهش قلب الزوج الغيرةُ عليها، ولكن لا يستطيع منعها، وترى المرأة زوجها يدخل تلك الدور، فتأكلها نار الغيرة عليه، لأن كلاً منهما يعلم يقيناً ماذا يسفر عنه الدخول إلى تلك الأماكن، فيحاول جاهداً تجاهل ما يحدث، ويتكلف إسكات صوت الغيرة الذي ينبعث من عمق نفسه؛ ولهذا تجد المقلدين لهم من المسلمين المعجبين بخلع الحجاب لا يسمحون بالدخول على نسائهم إلا لمن يسمح لهم بالدخول على نسائه، فلو كان مجرد السفور تحريراً للمرأة كما يدعون، لما أصروا على تلك المعاوضة، ولسمحوا لنسائهم بالسفور عند أي رجل من معارفهم.

عباد الله: لقد نأى السفور بالمرأة المعاصرة بعيداً عن كل منطق وذوق سليم، فلم يقف عند حدِّ أن تتكشف مثل الرجل فقط، بل ذهبت لتكشف عن وجهها، وأذرعتها، إلى الإبط، وتكشف عن الصدر وجزء من الظهر والسيقان، وهذا -لعمر الله- هو الميل العظيم الذي يسعى إليه المنادون بخلع الحجاب والاختلاط وقيادة المرأة للسيارة، وما إلى ذلك من المظاهر التي تجعل الخرق يتسع على الراقع.

إن حضور الأم داخل الأسرة ذو أهمية جوهرية في استقرار ونمو الأسرة التي هي الخلية الأساسية في بناء المجتمع، وانعدام الاستقرار داخل الأسرة يجعل كل فرد من الأفراد في خطر، مما يؤدي إلى قلق نفسي، وضيقٍ اقتصادي، لا سيما للمرأة.

معاشر المسلمين الأفاضل: من هذا المنظور تدور حقيقة الصراع بين المؤيدين لقيادة المرأة للسيارة والرافضين لها، ولا عبرة بمن يقفون في الوسط بين الفريقين ممن هم من أهل الصلاح لكن لا يمانعون من قيادتها؛ لأنهم لم يعوا حقيقة المعركة، ولم يدركوا السلاح الذي يخفيه خصمهم، ولو وعوا ذلك وأدركوه لغيروا وجهة نظرهم.

اللهم من كاد المسلمين فكده، اللهم من أرادنا وبلادنا وعفتنا ومجتمعنا ومحارمنا بسوء فاجعل تدبيره في تدميره، اللهم رد كيد المنافقين عليهم، واجعل بأسهم بينهم شديدا، وأشغلهم في أنفسهم.

اللهم ثبت أقدام الدعاة إليك والهادين إلى سبيلك، اللهم أنزل عليهم السكينة، وأقرَّ الحكمة في قلوبهم، وأجرها على ألسنتهم وأقلامهم وأعمالهم. وسبحانك اللهم وبحمدك...

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، فطر الخلق على الحنيفية السمحة، لا فساد في المعتقد، ولا شذوذ في الأخلاق، ولا انحراف في السلوك، فاجتالتهم الشياطين، فحسنت لهم القبيح، وزينت لهم المكروه، فوقع في حبائلهم من وقع، ونجا من وساوسهم من أراد الله به الخير والفلاح.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

وبعد: فإن أدعياء تحرير المرأة يوردون شبهاً لما ذهبوا إليه، ومن ذلكم قولهم: إن لزوم المرأة بيتها، وشعورها بمسؤوليتها تجاه البيت من عناية، والقيام بمستلزمات الحياة الزوجية، وتربية الأولاد وغيرها من وظائف المرأة في بيتها، إن كل تلك الأعمال تقتضي أن يُسمح لها بقيادة السيارة حتى تكون قادرة على تأمين مستلزمات البيت. هكذا يوردون الشّبهَ.

ففي نظرهم إن خرجت لميدان العمل، في كل موقع تطلَّب ذلك ضرورة قيادتها للسيارة، ومن تبقى منهن في البيت اضطرت إلى قيادة السيارة، المهم عندهم أن تقود السيارة، وهذا يؤكد أن دعواهم ليست متوقفة على قيادتها للسيارة وإنما ترمي إلى فتح الأبواب على مصاريعها، وبأي شكل، لخروج المرأة عن بيتها وتمردها على القيم الفاضلة، سواءً كانت عاملة أو غير عاملة.

نسي أولئك أو تناسوا ما آلت إليه المرأة في دول الكفر، حتى صارت وسيلةَّ اغراء وافتتان، وواجهةً إعلامية لترويج منتجات المصانع وتسويقها، وتسويق الفجور في المتاجرة بالأعراض ونشر الفواحش.

النموذج الغربي الذي تتوق إليه نفوسهم، نموذج متمرد على الحشمة والوقار، ودفع بالمرأة أن تحتاج للمادة وللنفقة، فاستغلها وحوش الرجال، فهل يريدون ذلك للمسلمين؟.

العلم يوفر للمرأة إدراكاً ومعرفة بأنها أنثى، ولها صفات تشارك فيها الرجال، وأخرى تختلف عنهم، لكن أدعياء تحرير المرأة يغمضون أعينهم عن ذلك ويتجاهلونه؛ لأن الاعتراف به يعني هدم دعواهم ورغباتهم وطموحاتهم الشهوانية...