الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
العلاج النافع والشافي هو في كلام رب العالمين, وكتابِه الْمُنزَّل على سيِّدِ الْمُرسلين, ووالله الذي لا إله غيره! ما مِن زوجينِ ولا أبوين, يقعُ بينهما أو بين أحد أبنائِهما مُشكلةٌ ومُعضلة, إلا وجدوا حلَّها وعلاجها فيه, وأيُّ علاجٍ يُطلَب من غيره فلا بركةَ فيه, ومَن لم يرض بالعلاج والدواء الْمُنزَّلِ من الله -تعالى- فحريٌّ به أنْ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ عقد الزواج من أعظم وأخطر العقود, ولعله أخطرُ العقود التي تتمُّ بين طرفين، وهو العقد الوحيد الذي سماه ربنا -عز وجل- عقداً غليظاً، فقال -جل وعلا-: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظا) [النساء:21].
وإذا حَدث خلافٌ بين الزوجين فيجب أنْ يَكُونَ العلاجُ كما أمر الله ورسولُه, لا كما يُمْليه الهوى ويأمر به الشيطان؛ فإنَّ غايةَ أُمنيةِ الشيطان أنْ يقعَ الطلاق.
إذن: فما هو العلاج النافع, والدواء الناجع عندما تحلّ الخلافات بين الزوجين؟.
العلاج النافع والشافي هو في كلام رب العالمين, وكتابِه الْمُنزَّل على سيِّدِ الْمُرسلين, ووالله الذي لا إله غيره! ما مِن زوجينِ ولا أبوين, يقعُ بينهما أو بين أحد أبنائِهما مُشكلةٌ ومُعضلة, إلا وجدوا حلَّها وعلاجها فيه, وأيُّ علاجٍ يُطلَب من غيره فلا بركةَ فيه, ومَن لم يرض بالعلاج والدواء الْمُنزَّلِ من الله -تعالى- فحريٌّ به أنْ تُغلَق أبواب العلاج في وجهه.
فلْيسْمَعْ كلُّ زوجين حصل بينهما خلافٌ وشقاق, وكلُّ أبٍ وأمّ, ابْتُليا بابنةٍ ترغب بفراق زوجها، لِيسمعوا إلى أعظم وأفضل معالجة لهما, وهي مذكورةٌ في كتاب الله على أربعةِ مراحل.
المرحلةُ الأُولى: الموعظة والنصيحة بالرفق واللين: فعلى الرجل أن يستمع إلى شكوى زوجته, فإنْ كان حقًّا وجب عليه القيام به, كأنْ تشكو له بُخله، وإهماله, وشدَّته وقسوته, وحرمانَها من شراء ما تحتاجه, أو حرمانَها من زيارةِ أقاربها إنْ كانوا صالحين, فيجب عليه أنْ يَقوم بذلك بلا تفريط.
فإنْ كان ما تشكوه باطلاً, كأنْ تُطالبه بفراقِ زوجته وتطليقِها, أو بالإنفاق عليها بما لا يُطيقُه؛ فلْيُبَيِّنْ لها عدم قدرته على ذلك, وأنه لا حقَّ لها شرعاً بما تطلبه, فإنْ أصرت على غيِّها ونُشوزها فلْيعظها برفقٍ ولين, ولْيذكرها بواجبها تجاهه، ولْيُخوِّفْها من عذاب الله وسخطه.
وتأملوا -معاشر الأزواج- إلى قول الله تعالى لكم: (فَعِظُوهُنَّ) [النساء:34]؛ فالموعظةُ في اللغةِ والاصطلاحِ الشرعي: لا تكونُ بالصراخ والتهديدِ, بل بالنصيحةِ المصحوبةِ بالشفقة والرحمة.
قال ابن منظورٍ في لسان العرب: الوَعْظ: النُّصْح والتذْكير بالعَواقِب, وهو تذكيرك للإِنسان, بما يُلَيِّن قلبَه من ثوابٍ وعِقابٍ. اهــ.
هذه الْموعظة التي أُمرتَ بها, تنصحُ زوجتك, وتُذكِّرُها بالآثار المترتبةِ على تقصيرها, لا أنْ تُهدِّدَها وترفعَ صوتَك عليها ولا تقبل بانتقاداتها وملاحظاتها عليك.
يقول الْعِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ -رضي الله عنه-: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ غَدَاةٍ, فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً وَجلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها الْعُيُونُ. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
فهل هذه الموعظةُ كانت بتهديدهم والصراخ عليهم؛ أم كانت باسْتمالةِ قلوبهم, وتحريكِ عواطفهم التي بسببها وَجلَتْ مِنْهَا قُلُوبُهم، وَذَرَفَتْ مِنْهُا عُيُونُهم؟.
فهذا هو أول العلاج, في التعامل مع الزوجات الْمقصِّرات والعاصيات, وهو الْموعظةُ الْحسنة, وهي لا تكون في يومٍ ولا يومين, بل تكون على فتراتٍ من الزمن, يتخلَّلها التغاضي والبذلُ والإحسان.
ولا يحقُّ للزوج أنْ ينتقل إلى المراحلِ الأخرى حتَّى يقوم بذلك كلِّه, ويقومَ بالموعظة على أتمِّ وجهها, فإن استجابت بعد ذلك, وإلا انتقلَ إلى المرحلة الثانية، وهي أنْ يهجرَها في فراشه, لِيُبيِّن لها عدم رضاه عن تقصيرِها في حقِّه، ولكن دون شتمٍ ولا كلامٍ بذيء.
وهذا الهجر يجب ألّا يطَّلع عليه الأهلُ ولا الأولاد، وينبغي ألا يمتنع من الحديث معها بقيةَ اليوم, فإنْ هجرها وامْتنع من كلامها أكثر من ثلاثةِ أيامٍ حرُم عليه ذلك, قال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ" متفق عليه.
فإن استجابتْ الْمرأةُ بعد الهجر, وإلا انتقل الزوجُ إلى المرحلة الثالثة، وهي أنْ يضربها ضرباً غَيْرَ مُبَرِّح, وهو إشْعارٌ منه عن غضبه على تقصيرها، ولا يكون إلا بطرف اليد, أو بطرف قضيبِ الأراك ونحوِه، دون الوسائل الأخرى في العقاب, كالعصا والسوط والعقال ونحوِها، ودون ضربِ الوجه أو الرأس, أو الأماكنِ التي تُصيبُها بالضَّرر, فهذا مُحرَّمٌ ولا يجوز، والضرب إنما هو للتأديب لا للتَّشفي والإهانة.
والكريم والعاقل لا يلجأ إلى الضرب، ولا يرضاه لنفسه, ولا يجوز له اسْتِعمالُه إلا بعد اسْتنفادِ المرحلتين السابقتين.
وهذه الْمراحلُ قد ذكرها الله -تعالى- في قوله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34].
فإن استجابت الْمرأةُ, وإلا انتقل الزوجُ إلى المرحلة الرابعة، وهي طلبُ الصلح من أطرافٍ أُخرى، وذلك بأنْ يجتمع بعضٌ من أقاربِ الزوج, أو أصدقائِه، أو جيرانِه, وبعضٌ من أقاربِ الزوجة, مِن أهل الحكمة والخبرةِ والصلاح، بشرط أنْ يكون اجتماعُهُم على نيَّةِ الصلح والوفاق.
فينظرُ الحَكَمانِ الصالحانِ في الْمُشكلة, ويَسْمعان من الطرفين، ويفصلان فيها بعدلٍ وحكمةٍ وصواب، إما بالتوفيق وإما بالتفريق, وينفُذُ حُكمهما ولو لم يرض الزوجان.
قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: وقد أجمع جمهور العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة. اهــ.
والدليل على ذلك قوله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء:35].
قال العلامةُ السعدي رحمه الله: أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين, (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) أي: رجلين مكلفين مسلمين, عدلين، عاقلين, يعرفان ما بَيْن الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق, وهذا مستفادٌ من لفظ الحَكَم؛ لأنه لا يَصلح حكماً إلا مَن اتَصف بتلك الصفات؛ فينظران ما يَنْقِمُ كلٌّ منهما على صاحبه، ثم يُلزمان كلَّاً منهما ما يجب.
فإن وصلت الحال إلى أنه لا يُمْكن اجتماعُهما وإصلاحُهما, إلا على وجه المعاداة والمقاطعة، ورَأَيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما, ولا يُشترط رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين، والحَكَمُ يحكم, ولو لم يرض المحكومُ عليه. اهـ.
ولا يجوز للزوج ولا لأولياء المرأة أنْ يمتنعا عن هذه المرحلة الإصلاحية, بل يجب عليهم السعي في الإصلاح أولاً قبل طلب الطلاق.
فإذا لم تُجْدِ هذه المراحلُ الأربع, فلا سبيل إلّا الفراق بواحدٍ من أمرين: الطلاق أو الخلع.
فإذا رضي الزوج بالفراق, وسمحتْ نفسُه بذلك، فإنه يُطلقها على الوجه الشرعي, وذلك بأن يُطلِّقها طلقةً واحدة, في طُهْرٍ لم يُجَامعها فيه, ولْيُشْهدْ رجلين على طلاقه, ثمّ يترُكُها حتى تحيض حيضتين, فتنقضي عدتها بثلاث حيضات، وقد بانت منه بينونةً صُغرى، حيث يجوز له الزواجُ منها إنْ شاءت, بمهرٍ وعقدٍ جديدين, ويكون خاطباً من الخطّاب. وعليه نفقتها وسَكَنُها ما دامت في عدَّتها.
أما لو طلَّقها ثلاثاً, فقد بانت منه بينونةً كُبرى؛ فلا يجوز له الزواج منها حتَّى تنكح زوجاً غيرَه.
ولا يجوز للمرأةِ التي طُلِّقتْ مرَّةً أو مرَّتين أنْ تترك بيت زوجها, بل تمكثُ فيه حتَّى تنقضيَ عدَّتُها.
قال ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا كان الطلاق رجعياً, فلا بأس أن تكشف له زوجتُه, وتحادثَه، ويخلوَ بها, وتبقى عنده في البيت حتى تنقضيَ العدة؛ بل يجب أن تبقى عنده في البيت إذا طلقها طلاقاً رجعياً، لا يجوز أنْ يُخْرجَها ولا أنْ تَخْرُج, خلافاً لِمَا اعتاده أكثرُ الناس اليوم، إذا طلق زوجته خرجت من البيت إلى أهلها, وهذا حرامٌ؛ لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [الطلاق:1].
ثم قال مشيراً إلى ما سبق: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق:1]، ثم قال معللاً لبقائهن في البيوت، (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق:1].
فإذا بقيت في بيته فربما يُحْدث الله أمراً، كأن تتعلق رغبتُه بهذه المرأة, فيُراجِعها من غير أن يحصل بينهما تباعد. اهــ.
وإنْ أبى الزوجُ الفراق فإنَّ الْمرأةَ تختلعُ منه, وهو أنْ تردّ عليه مَهره الذي أعطاها إيَّاه.
هذا هو شرع الله يا عباد الله, فاحذروا أنْ تُخالفوه وتُقصِّروا فيه.
ولْتتق الله كلُّ امرأةٍ خرجت من بيت زوجِها الْمرضيِّ في دينِه, وهو لم يُطلِّقها, أو طلَّقها طلاقاً رجعيًّا, وهو يدعوها إلى الرجوع والعودة, والنقاشِ والحوار, ولْتعلم أنها آثمةٌ مُعتديةٌ على حدودِ الله, وأنَّها كلَّ يومٍ تزدادُ إثماً, بل هي مُعرَّضةٌ إلى سخط الله -تعالى-, قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ, إِلاَّ كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا, حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا" رواه مسلم.
وهي مُعرَّضةٌ إلى لَعَنَةِ الْمَلاَئِكَةِ أيضاً, قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ, فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا, لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ" متفق عليه.
فلْتصبر على الرجوعِ إليه, فإنها تصبر على ذلك, ولا تصبر على النارِ التي وقودُها الناسُ والحجارة, ولْتُناقشه ولْتُحاوره.
فإنْ لم ينفع ذلك: امْتثلا أمر الله لهما ببعثِ الحَكَمَين الْمُصلِحَين, فيحكمان بعد السماع منهما, فيُلْزمان كلَّ واحدٍ منهما, بأنْ يقوم بواجبه تجاه الآخر, فيمتثلُ الزوجانِ وجوباً, فإنْ رأيا أنّ الحلَّ في الطلاق نفذ حُكمهما في ذلك.
هذا هو شرع الله ودينُه, فالواجب علينا جميعاً أنْ نُطبِّقه, ولنحذر من مُخالفته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
اللهم أعذنا من مُخالفة أمرك, والإصرارِ على معصيتك, ورَضِّنَا بقضائك وقدرك وشرعك, إنك جوادٌ كريم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الْمُصطفى الأمين, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقين الله -معاشر الزوجات-، واعلمن أنَّ الزوجة متى طَلبت الطلاق من غير سببٍ, ولا مقتضٍ شرعيٍّ؛ فإنها آثمةٌ والعياذ بالله، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ, فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ" رواه الإمامُ أحمدُ وأصحاب السنن وحسنه الترمذيُّ وصححه الألبانيُّ.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:" وَلَوْلَا أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الطَّلَاقِ: لَكَانَ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ, كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ وَالْأُصُولُ; وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهُ؛ رَحْمَةً مِنْهُ بِعِبَادِهِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ أَحْيَانًا, والطَّلَاقُ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ, إمَّا نَهْيُ تَحْرِيمٍ, أَوْ نَهْيُ تَنْزِيهٍ". اهـــ.
والعجيب - يا عباد الله- أنَّ بعض الآباء والأمهات, يكونون في كثيرٍ من الأحيان, السببَ في طلاقِ ابنتهم, وتشتُّتِها وضياعِها, وذلك بإغرائِها بفراق زوجها, أو بالوقوفِ معها في كلِّ صغيرٍ وكبير, وعدمِ حثِّها على الصبر والاحتساب, فيا ويلهم من حسابٍ عسير, في يوم يُحاسبهم الله عن الكثير واليسير!.
وهما في ذلك قد حقَّقا ما يتمناه الشيطان, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ ويَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ!" رواه مسلم.
فالشيطان الرجيم- يا أمة الإسلام- يأمرُ بالطلاق ويسعى للشقاق, ويُغلق باب الحوار والعلاج, فمن أمر ابنته أو أخته بالطلاق دون ضرورةٍ, وأغلق باب الحوار والنقاش فقد أغضب الرحمن، وأرضى الشيطان, وخَدَمَه خدمةً يَعْجزُ عنها الكثيرُ من شياطينِ الْجَانّ.
ولْتعلمِ الزوجة أنَّه إذا طلب والداها أو أحدُهما معصيةَ زوجِها أو فراقَه, وهو سليمُ العقلِ والديانة, فإنه لا يجب عليها أنْ تُطيعهما, بل لا يجوز لها ذلك, والأبوان في ذلك ظالمان مُعتديان والعياذُ بالله.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:" الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا, وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ, ولَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ, سَوَاءٌ أَمَرَهَا أَبُوهَا أَوْ أُمُّهَا، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ, وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِهَا إلَى مَكَانٍ آخَرَ, مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ, وَحَفِظَ حُدُودَ اللَّهِ فِيهَا, وَنَهَاهَا أَبُوهَا عَنْ طَاعَتِهِ فِي ذَلِكَ, فَعَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا دُونَ أَبَوَيْهَا, فَإِنَّ الْأَبَوَيْنِ هُمَا ظَالِمَانِ, لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَنْهَيَاهَا عَنْ طَاعَةِ مِثْلِ هَذَا الزَّوْجِ, وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطِيعَ أُمَّهَا فِيمَا تَأْمُرُهَا بِهِ, مِنْ الِاخْتِلَاعِ مِنْهُ, أَوْ مُضَاجَرَتِهِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا, فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ وَاحِدًا مِنْ أَبَوَيْهَا فِي طَلَاقِهِ, إذَا كَانَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ فِيهَا". اهـ.
وإنَّ جلوسَ الْمرأةِ مع زوجها الْمرضيِّ في دينِه, ورعايتَها معه لأبنائِهما، لهو والله خيرٌ من الفُرقةِ والتشتت, وإنَّ الصبر لا يأتي إلا بخير, وإنَّ العجلة لا تأتي إلا بشر, فلْتفكِّرِ المرأةُ مليِّاً في مآلها, ومآل أبنائِها بعد الطلاق والفراق, حين يتشتَّتُ أبناؤُها, وتشعرُ بالوِحدةِ والعُزلة, حين ترى الأطفال بين آبائهم وأمهاتهم, وهي وحيدةٌ بين جُدران بيتِ أهلها, فمن الْمسؤول عن ذلك كلِّه؟.
اللهم ألِّف بين قلوبنا, وأصلح شبابنا ونساءنا, واجمع شمل كلِّ زوجين مُتحابَّيْن, ولا تجعلنا سبباً في فراق أحدٍ منهم يا رب العالمين.