السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
الإنسان المؤمن هو أولى من يفكِّر بيوم القيامة، وبجوازه على الصراط المستقيم، هو أولى من يفكِّر في نفسه هل هو من الناجين أم من الهالكين -لا قدَّر الله تعالى-؟ الناسُ على الصراط أقسامٌ: الأوَّل منهم: السالمُ الناجي الذي لا يناله شيءٌ أبداً. والثاني منهم: المخدوش المُمَزَّق، ثمَّ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لنفكِّر في أنفسنا فنحن أحقُّ مَنْ تَفَكَّر؛ هل ينفعنا من الله مالٌ أو جاهٌ أو معشرٌ؟ لنفكِّر في الوقوف بين يدي الله -عز وجل- الذي أسبَغَ علينا النِّعم الظاهرة والباطنة، وتفضَّل علينا وأعطانا، ومنَّ علينا بالسمع والفؤاد والبصر، كيف تكون حُجَّتُنا إذا سألَنا ربُّنا -عز وجل- عن شكر نعمته علينا يوم الفزع الأكبر؟
لنفكِّر في يوم القيامة عند جوازنا على الصراط، وينادي الله -تعالى- خلقَه؛ كما جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "أنَا اللهُ، أنَا الملكُ، أنا الدَّيَّان، وعِزَّتي وجلالي لا يغادرُ هذا الصراطَ واحدٌ من الظالمين، ثم ينادِي ملَك من قِبَل الله -تعالى- فيقول: أينَ الظلَمَة؟ أين أعوانُ الظلَمَة؟ أين مَن برى لهم قلمًا؟ أين مَن ناولهم دَواةً؟ ثم تنادي جهنَّمُ على المؤمنين فتقول: يا مؤمِن أسرعْ بالمرور عليَّ فإنَّ نورَك أطفأَ ناري".
يا عباد الله: الإنسان المؤمن هو أولى من يفكِّر بيوم القيامة، وبجوازه على الصراط المستقيم، هو أولى من يفكِّر في نفسه هل هو من الناجين أم من الهالكين -لا قدَّر الله تعالى-؟
الناسُ على الصراط أقسامٌ:
الأوَّل منهم: السالمُ الناجي الذي لا يناله شيءٌ أبداً.
والثاني منهم: المخدوش المُمَزَّق، ثمَّ يرسلُ فَيَخْلُص.
والثالث منهم: المكدوسُ، حيث يُلقى بعضهم فوق بعض في نار جهنم.
جاء في الحديث الشريف: "فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" [رواه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-].
يا عباد الله: يقول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ، وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ، عَلَيْهِ كَلالِيبُ وَحَسَكٌ، يَأْخُذُونَ مَنْ شَاءَ الله، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَالْمَلائِكَةُ يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمْ، رَبِّ سَلِّمْ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُسَلَّمٌ، وَمُكَوَّرٌ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ" [رواه الإمام أحمد، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-].
هذا العالم عالمٌ غيبيٌّ؛ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، من شاء فليصدِّق ومن شاء فليكذِّب، المُهِمُّ أن تعلم بأنَّك على موعدٍ مع الصراط، ومن أيِّ الأصنافِ أنت؟
يا عباد الله: إنَّ العبد المؤمن الذي التزم الإيمان اعتقاداً، والإسلام سلوكاً وعملاً، وتابع النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- هو مِمَّن لا يُخزيه الله -تعالى- يوم القيامة؛ لأنَّه بمعيَّة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- على الصراط، قال تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8]، وقال تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد: 12].
يا عباد الله: الواجب على كلِّ عاقلٍ: أن يفكِّر في المآل والمآبِ الذي ينتظره، هل هو بمعيِّة الحبيب -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، أم مع الظالمين؟ أين مصير الظالم؟ وإلى أين سيذهب؟
فكِّروا في مصير الظَلَمَة، وما أكثرَهم في هذه الأيام، اسمعوا -يا عباد الله- لقوله تعالى، وهو يصف مآل الظالمين: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم: 67-72].
ليسمع العبد الظالم أيَّاً كان، إن كان حاكماً أو محكوماً، إن كان قوياً أو ضعيفاً، إن كان سيِّداً أو مَسُوداً، إن كان تابعاً أو متبوعاً، ليسمع كلُّ ظالمٍ، والظالم يعرف نفسه أنَّه ظالم، قال تعالى: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة: 14].
ليسمع كلُّ ظالمٍ يسفك الدماء البريئة، ليسمع كلُّ ظالمٍ يأكل حقوق الآخرين، ليسمع كلُّ ظالمٍ للآخرين:
أولاً: ليسمع كلُّ ظالم: قوله تعالى: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) [مريم:67].
ارجع -أيُّها الظالم- إلى الوراء قليلاً، ارجع إلى سنواتٍ بسيطة مرَّت عليك، لقد كنتَ عَدَماً، ولم تكُ شيئاً مذكوراً، وصدق الله القائل: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 1-3].
يا عباد الله: قبل مائة سنة وأقلَّ، ما كان أحدٌ منَّا، فخلَقَنا الله -تعالى-، ورزقَنا وأعطانا، أصبحنا شيئاً مذكوراً، جعلَنا نَرْأَسُ ونَرْبَعُ؛ كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَقُولُ الله -عز وجل- يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا بْنَ آدَمَ حَمَلْتُكَ عَلَى الخَيْلِ وَالإِبِلِ، وَزَوَّجْتُكَ النِّسَاءَ، وَجَعَلْتُكَ تَرْبَعُ وَتَرْأَسُ؛ فَأَيْنَ شُكْرُ ذَلِكَ". فهل كان العبد شاكراً أم كفوراً؟
ثانياً: ليسمع كلُّ ظالمٍ: قول الله -تعالى-: (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ) [مريم: 68].
اِعلم -أيُّها الظالم- أنَّك محشورٌ مع شياطين الإنس والجن، سواءً كنت تابعاً لهم، أم كانوا تابعين لك، أنت محشورٌ مع شياطين الإنس والجن، حيث يتبرَّأ كلُّ واحدٍ منكما من صاحبه، قال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم: 22].
وقال تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة: 166-167].
ثالثاً: ليسمع كلُّ ظالمٍ: قول الله -تعالى-: (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) [مريم: 68].
اِعلم -أيُّها العبد الظالم- أنَّكَ مُحْضَرٌ حول جهنَّمَ جاثياً على ركبتيك جلسةَ العبدِ الذليل المُهان، جلسةَ صَغار؛ جهنَّم التي تُساقُ إلى أرض المحشر، ولها سبعون ألف زمام، وعلى كلِّ زمامٍ سبعون ألف ملك يجرُّونها إلى أرض المحشر؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا". ويقول الله -تعالى-: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَد * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر: 23-26].
تصوَّر -أيُّها العبدُ الظالمُ- حالَكَ وأنتَ جاثٍ على رُكبتيك حولَ جهنَّم، لا حول لك ولا قوة، أيرضيك هذا الحال؟
تُبْ إلى الله -تعالى- قبل موتك.
رابعاً: ليسمع كلُّ ظالمٍ: قول الله -تعالى-: (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا) [مريم: 69].
أيُّها الظالم لنفسه المعاند لآيات ربه: تصوَّر هذا النزع من بين أصحابك وشيعتك وأتباعك لتُلقى في نار جهنم؛ كما جاء في الحديث الشريف عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَذْكُرُ الحَبِيبُ حَبِيبَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَمَّا عِنْدَ ثَلاثٍ فَلا: أَمَّا عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَثْقُلَ أَوْ يَخِفَّ فَلا. وَأَمَّا عِنْدَ تَطَايُرِ الكُتُبِ فَإِمَّا أَنْ يُعْطَى بِيَمِينِهِ أَوْ يُعْطَى بِشِمَالِهِ فَلا. وَحِينَ يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ وَيَتَغَيَّظُ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ ذَلِكَ العُنُقُ: وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: وُكِّلْتُ بِمَنْ ادَّعَى مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَوُكِّلْتُ بِمَنْ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ، وَوُكِّلْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" [رواه الإمام أحمد].
النَّزْعُ هو خلع الشيء من أصله بشِدَّة، ولا يقال نَزَعَ إلا إذا كان المنزوعُ متماسكاً مع المنزوعِ منه، وفي ذلك قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].
سوف تُنْزَعُ -أيُّها الظالمُ- من شيعتك نَزْعاً شديداً، ثم تُلقى في نارِ جهنم -والعياذ بالله تعالى-، أيرضيك هذا؟
تُبْ إلى الله -تعالى- قبل موتك.
يا عباد الله: تدبَّروا قول الله -تعالى-: (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا) [مريم: 69].
ينزع الله -تعالى- أولاً الرأس من الجسد، رأسَ الفتنة، رأسَ الضلال، رأسَ الكفر، رأسَ الظلم، ليرميه ربُّنا -عز وجل- في نار جهنَّم ليكون وقوداً لها، ما دام أنَّه رأسٌ في الظلم، رأسٌ في سفك الدماء البريئة، رأسٌ في أكل أموال الناس بالباطل، رأسٌ في الفساد والإفساد في الحياة الدنيا، وما دام أنَّه متبوعٌ في ذلك بالدنيا، فليكن متبوعاً في الآخرة إلى نار جهنَّم -والعياذ بالله تعالى-؛ كما قال تعالى عن فرعون: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) [هود:98].
خامساً: ليسمع كلُّ ظالمٍ: قول الله -تعالى-: (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا) [مريم:70].
نعم، ربُّك أعلم بمن هو أولى بدخول نار جهنَّم أولاً؛ فالداخل الأول هو المتبوع ثمَّ التابع، والتابع يلعن المتبوع، والمتبوع يلعن التابع، قال تعالى: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) [الأعراف:38].
وقال تعالى مخبراً عن التابع ما يقول: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب: 67-68].
يا سبحان الله! كم هو الفارق بين متبوعٍ وتابع، وبين متبوعٍ وتابع! هذا عبدٌ ظالمٌ كان رأساً في الظلم! وله أتباعه! فهذا مصيره!
أما سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فهو أوَّل مَن يدخل الجنَّة، ومن ورائه أتباعه، اللهم اجعلنا منهم؛ لأنَّه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- كان إماماً في الصلاح والإصلاح، كان إماماً في العدل والإنصاف، كان إماماً في الكمالات كلِّها، فهو إمامٌ في الإمامة الصغرى والكبرى كما أراد الله -تعالى-، لذلك هو أوَّل الداخلين جنَّةَ الله -تعالى-، ومن ورائهِ أتباعه، قال تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8].
سادساً: ليسمع كلُّ ظالمٍ: قول الله -تعالى-: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) [مريم: 71].
يا عباد الله: الكلُّ واردٌ إلى نار جهنَّم، حاكمٌ ومحكوم، ظالمٌ ومظلوم، الكلُّ واردٌ لحكمةٍ يريدها الله -تعالى-، الظالم عندما يَرِدُ نارَ جهنَّم وهو جاثٍ على ركبتيه فيها، سوف يرى المظلومَ الذي وَرَدَ نارَ جهنَّم، ونارُ جهنَّم تقول له: "جُزْ يا مؤمن فإنَّ نوركَ أطفأ لهبي"؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الطبراني عَنْ يَعْلِي بن مُنْيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ: جُزْ يَا مُؤْمِنُ، فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي" كم هيَ حسرة هذا الظالم؟
أمَّا المظلوم فإنَّه عندما يَرِدُ النار ويتجاوزُها، ويرى الظالمين فيها، يحمد الله -تعالى- ويشكُرُهُ بأنَّهُ كان مظلوماً ولم يكن ظالماً، قال تعالى: (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِين * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [الصافات: 54-57].
يا عباد الله: لنتَّقِ الله في أنفسنا، ربُّنا -عز وجل- الذي لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون، يقول: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا" [رواه الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-].
وسيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يقول: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ" [رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-].
يا عباد الله: إنَّ سفكَ الدماء البريئة ظلمٌ وأيُّ ظلمٍ، وإنَّ أكلَ أموال الناس بالباطل ظلمٌ وأيُّ ظلمٍ، وإنَّ مَنْعَ الآخرين حقوقَهم ظلمٌ وأيُّ ظلمٍ، وإن انتهاك المُقدَّساتِ وبيوتِ الله -تعالى- ظلمٌ وأيُّ ظلمٍ.
ولكن لنعلم كذلك بأنَّ الاحتكار للأمور الضرورية ظلمٌ وأيُّ ظلمٍ، احتكار المحروقات من مادتي الغاز والمازوت ظلمٌ وأيُّ ظلمٍ، لماذا هذا الظلم يا أصحاب المحطات، ومراكز بيع الغاز؟ لو دفع الإنسان السعرَ أكثر من سِعْرِهِ النظامي لوجدَ ما شاء من مادة المازوت والغاز، أما بسِعْرِهِ النظامي فلا يجده إلا بعد أيامٍ إن لم تكن شهراً.
يا عباد الله: لا تزيدوا الفساد فساداً، ولا تزيدوا الإجرام إجراماً، بل تراحموا فيما بينكم، يا أصحاب المحطات ومراكز بيع الغاز تذكَّروا قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" [رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-].
يا تُجَّار تراحموا، من لا يَرْحَم لا يُرْحَم.
عبادَ الله: من أراد أن يكون على الصراط المستقيم مع سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، ومع مَنْ معه، فليتب إلى الله -تعالى- توبةً صادقة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8].
اللهم اجعلنا منهم، آمين، آمين، آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.