البحث

عبارات مقترحة:

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

التكالب على الدنيا

العربية

المؤلف صلاح الدين بورنان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الزهد
عناصر الخطبة
  1. شدة انغماس الناس في الدنيا .
  2. موعظة أبي الدرداء لأهل الشام .
  3. ريادة الأمة في طاعتها لربها .
  4. التحذير من الاشتغال بما لا ينفع .
  5. النجاة في الزهد في الدنيا. .

اقتباس

مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون, وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل الله به, وتركتم ما أمرتم به, مالي أراكم تجمعون مالا تأكلون, وتبنون مالا تسكنون, وتؤملون مالا تبلغون, لقد جمعت الأقوام التي قبلكم وأمَّلت, فما هو إلا قليل حتى أصبح جمعهم بورا, وأملهم غرورا, وبيوتهم قبورا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: إن المتأمل لواقعنا وواقع أهل زماننا ليشعر بالرهبة والخوف الشديدين؛ إذ تحجرت منا العيون, وقست منا القلوب, وهجر كتاب علام الغيوب, ولما يقع في دنيا الناس اليوم من صراع وتكالب على الدنيا, حتى اعتقد أغلب الناس أنهم خالدون أو مخلدون في الدنيا لا يموتون، وبسبب حب الدنيا وزينتها, تصارع وتقاتل الناس على حطامها, ولشدة حب الناس للدنيا وما فيها من مناصب وأموال وحكم وسلطة ونساء وغيرها من الملذات؛ باع الناس دينهم وضمائرهم, وحتى -في بعض- الحالات أعراضهم, وهذا هو الخسران المبين.

وإن هذا المشهد ليذكرني بموقف الصحابي الجليل أبو الدرداء -رضي الله عنه- عندما زار دمشق عاصمة الشام في وقتها, وجد الناس قد أولعوا بالترف فقام فيهم خطيبا وواعظا ومذكرا, وكان من جملة ما قال: "يا أهل دمشق! أنتم الإخوان في الدين, والجيران في الدار, والأكفاء على الأعداء, ما الذي يمنعكم من مودتي والاستجابة لنصيحتي, وأنا لا أبتغي منكم شيئاً, فنصيحتي لكم ومؤنتى على غيركم, مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون, وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل الله به, وتركتم ما أمرتم به, مالي أراكم تجمعون مالا تأكلون, وتبنون ما لا تسكنون, وتؤملون ما لا تبلغون.

لقد جمعت الأقوام التي قبلكم وأمَّلت, فما هو إلا قليل حتى أصبح جمعهم بورا, وأملهم غرورا, وبيوتهم قبورا, هذه عاد قد ملأت الأرض مالا وولدا, فمن يشتري مني تركة عاد اليوم بدرهم أو درهمين", فجعل من في المسجد يبكون حتى سمع نشيجهم خارج المسجد.

عباد الله: كلنا عن الدنيا راحلون, وعلى الله مقبلون, فما هو الزاد الذي سنرحل به إلى الدار الآخرة, (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197], إننا لم نخلق عبثا ولن نترك سدى, إننا خلقنا لهدف عظيم وغاية سامية, ألا وهي عبادته وتوحيده, (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56], (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115], فما أقرب أفعالنا من  النار, وما أبعد أفعالنا من الجنة!.

ألا إنها دعوة إلى الجنة فوق مراكب من التقوى والعمل الصالح, والتوبة النصوح, (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21], فنحن أمة خلقت لتكون قائدة, ووجدت لتكون رائدة, والقيادة والريادة لا تحصلان لأمة مازالت لم تتحرر من شهواتها وذنوبها ومعاصيها لله.

فيا أيها الأحبة: بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن يحال بينكم وبينها, بادروا بصالح الأعمال  مادام في العمر بقية, وفي الوقت فسحة, وقبل بلوغ الروح الحلقوم, وقبل أن يقول أحدكم: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا) [المؤمنون: 99، 100].

فيا عباد الله: قد تصبرون على الجوع, قد تصبرون على الفقر, وقد تصبرون على مصائب الدنيا, لكن -والله- لا صبر لكم على النار, لا صبر لكم على النار, ألا فأنقذوا أنفسكم من أسباب غضب الله وسخطه.

فيا أخي المؤمن: دعك من القيل والقال, وإضاعة المال, واشتغل بما فيه صلاحك وسعادتك في الدنيا والآخرة, اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا, واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا, واعلم -يا عبد الله- أنه لا ينال ما عند الله بمعصية الله.

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إن السفينة لا تجري على اليبس

ركوبك النعش ينسيك ما كنت تركب من بغل وفرس, يوم القيامة لا مال ولا ولد وضمة القبر تنسيك ليلة العرس, وفي الحديث: "من خاف أدلج, ومن أدلج بلغ المنزل, ألا إن سلعة الله غالية, ألا إن سلعة الله الجنة", و"المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير, احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل: لو أنى فعلت كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان".

تريدون الحصول في الدنيا على الشهوات وفي الآخرة على نيل الدرجات؛ جمع الأضداد مستحيل, فإلى أي طريق أنتم سائرون؟ وبأي بضاعة أنتم على الله مقبلون؟ وهاهو رب العزة يناديكم: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

بارك الله لى ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وأقول قولي هذا واستغفرا لله لي ولكم, إنه  هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه.

أيها الناس: اتقوا الله حقّ التقوى, واستمسكوا بالإسلام فهو العروة الوثقى, وإيّاكم والمعاصي فإنّ أقدامكم على النار لا تقوى, واعلموا أنّ أفضل الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

هذا, وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه, (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وأرض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وعن جميع الصحابة والتابعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.