البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

تطهير القلوب وإصلاحها

العربية

المؤلف صلاح الدين بورنان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. التماس الأعذار للآخرين .
  2. قبول الطاعة مرتبط بصلاح القلب .
  3. ثمرة سلامة القلوب .
  4. حياة القلوب بالابتعاد عن الذنوب .
  5. التحذير من مداخل الشيطان. .

اقتباس

فلا قيمة للطاعة ولا معنى للعبادة حتى تطهر قلبك من جميع الأمراض الباطنية التى ذكرناها سابقا, وفي الحديث: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب") رواه البخاري)، ولا نجاة ولا فلاح يوم القيامة إلا بالقلب السليم الطاهر النقي...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: بعد ما تكلمنا عن قساوة القلوب وتحجّرها نحن مدعوون لإصلاح قلوبنا وتطهيرها من جميع الأمراض التى تفتك بالقلب وتدمّره؛ كالغل والحسد والأنانية والشح والبخل والنفاق والتملق والكذب, والغيبة والنميمة وقول الزور وسوء الظن بالأخرين, وخاصة عندما نقوم بمكالمة هاتفية فلا يرد صاحب الهاتف فنسيء به الظنّ؛ فنقاطعه ولا نتكلم معه أبدا والمفروض أن نلمس له العذر, فنقول ربما الهاتف صامت أو الهاتف ليس موجودا عنده, أو ربما يكون في مكان لا يستطيع أن يردّ على الهاتف, أو ربما يكون في حالة يسوق سيارة أو شاحنة, أو هو واقع في حادث, أو ربما هو مريض أو نائم, أو أن هاتفه مسروق, أو هو في امتحان أو مسابقة, أو أنه في قضاء حاجة... وغيرها من الأعذار, التمس لأخيك ولو سبعين عذرا؛ حتى لا تفسد القلوب على بعضها البعض.

عباد الله: الجرأة القوية على ارتكاب المعاصي؛ كالزنا والربا وسماع الأغاني وغيرها, تفسد القلوب, وقبول الأعمال والطاعات متعلق بالقلب وصفائه, فإذا بقي هذا القلب قاسيا متحجرا وأسودا؛ فلا قيمة للطاعة ولا معنى للعبادة.

فإذا كان هذا العبد مثلا من الأثرياء ولا يزكي ماله ولا يتصدق ولا يرحم الضعفاء ولا المساكين ولا يعطف عليهم, أو كان من المحافظين على صلاة الجماعة في المسجد, أو من المكثريين للحج والعمرة وقلبه أسود وقاسي متحجر؛ فلا قيمة لعبادته هذه, أو كان متقلدا لمسؤوليات كبيرة, وكان قد عاث في مسؤوليته تلك فسادا وضياعا, ثم يقول أذهب إلى البقاع المقدسة حتى أغسل عظامي هناك, فإن عظامك لن تغسل, بل ستبقى متسخة ونتنة, وقلبك أسودا حتى تتوب إلى الله, وحتى ترد المظالم والحقوق إلى أهلها كاملة غير منقوصة, وتصلح ما أفسدت أيام تقلد المنصب أو المسؤولية, أو سيء المعاملة مع زوجته وأولاده, أو قاطعا لرحمه أو عاقا لوالديه أو... أو... أو...؛ لأننا كما قلنا سابقا القلوب هي محل نظر الله -عز وجل-.

فلا قيمة للطاعة ولا معنى للعبادة حتى تطهر قلبك من جميع الأمراض الباطنية التى ذكرناها سابقا, وفي الحديث: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (رواه البخاري)، ولا نجاة ولا فلاح يوم القيامة إلا بالقلب السليم الطاهر النقي, ففي دعاء إبراهيم الخليل -عليه السلام-: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 78 - 89].

وعليه ينبغي أن نطهر قلوبنا من جميع الأدران التي علقت بنا, ونسأل الله -عزّ وجل- أن يثبت قلوبنا على الحقّ والهدى, وقدوتنا في ذلك سيد الخلق, جاء في الحديث الشريف: "إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء", والمؤمن يسأل ربه: "اللهم ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك"، يسأل ربه الثبات.

كما أن سلامة القلوب سبب لمرضاة الله -عزّ وجل- ودخول الجنّة, عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسًا مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال: "يطلع الآن عليكم رجلٌ من أهل الجنة"، فطلع رجل من الأنصار تَنْطُفُ لحيتُه من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي -عليه الصلاة والسلام- تبعه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- فقال: إني اختلفت مع أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاث ليال، فإن رأيت أن تؤويني إليك هذه المرة، فقال الرجل: نعم، فبات معه ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تقلب على فراشه ذكر الله -عز وجل-  وَكَبَّرَ حتى صلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا.

فلما انقضت الليالي الثلاث، وكدتُ أن أحتقر عمله، قلت له: يا عبد الله! لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا تهاجُر، ولكن سمعت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يقول لك ثلاث مرات: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة"، فطلعت أنت المرات الثلاث، أردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؟! قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي على أحدٍ من المسلمين غِشًا، ولا أحسُدُ أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغَت بك، وهي التي لا نطيق.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعهد, وآله وصحبه ومن تبعه, وبعد:

عباد الله: فإذا أراد المسلم حياة لقلبه فليبتعد عن الذنوب، فالذنوب سبب للهلاك والدمار، فماذا كان سبب خروج الوالدين آدم وحواء من الجنة إلى هذه الدنيا؟! وماذا كان سبب هلاك إبليس وطرده من ملكوت السماوات والأرض؟! وماذا كان سبب هلاك الأمم السالفة قوم عاد وثمود ولوط وفرعون وغيرهم من الأمم الذين أهلكهم الله -تعالى- وأنزل عليهم العذاب؟! ألم تكن الذنوب؟! ألم يكن البعد عن الله -سبحانه وتعالى-؟! ألم يكن عصيان المولى -عز وجل-؟!.

فإذًا إذَا أراد المسلم لقلبه الحياةَ فليبتعد عن الذنوب صغيرها وكبيرها, وإذا وقع في معصية فليعجل بالتوبة والإنابة والإقبال على الله -سبحانه وتعالى- والذكر والطاعات، وفي الحديث: "وأتبع السيئة الحسن تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

ولنبتعد -يا عباد الله- عن مداخل الشيطان على القلوب، فإن مداخل الشيطان على القلوب كثيرة، والشيطان يتحين الفرص التي يدخل منها على قلب العبد المؤمن، فمن ذلك الشهوات والغضب والحرص على الدنيا والتهالك عليها, والحسد والبخل وخوف الفقر وسوء الظن بالمسلمين، كل ذلك من مداخل الشيطان التي يحاول أن يدخل منها إلى القلب، فليبتعد المسلم عن هذه الآفات.

كما أنه ينبغي أن يعود المسلم إلى كتاب الله وإلى سنه رسوله -عليه الصلاة والسلام-,  وإلى ما كتبه علماء الأمة عن أمراض القلوب، فيبتعد عن تلك الأمراض، ويعالج نفسه بالذكر والعبادة.

ولنعلم أن الإنسان مخلوق من مادتين: مادة جسد ومادة روح، فللأسف الشديد أن كثيرًا من الناس ينشغلون بالجسد وينسون الروح، فيغذون جانب الجسد وينسون تغذية الروح، جانب الروح لا يغذى بالطعام والشراب، وإنما يغذى بالذكر والعبادة, والإقبال على الله -سبحانه وتعالى-، فإذا أهملت الروح ماتت وذبلت وعاش الإنسان في بعد عن الله -سبحانه-.

ينبغي أن يفهم الإنسان هذه القضية؛ أنه مخلوق من مادتين، فكما أنه يغذي جانب الجسد ويحرص على ذلك ينبغي أن يحرص على تغذية جانب الروح حتى لا يهلك ويبعد ويبتعد عن الله -سبحانه وتعالى-.

ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.